الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[المجلد الثالث]
[تتمة قسم الثانى]
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله وصحبه وسلّم
محمد بن يحيى بن عبد الله بن محمد بن أحمد العزفي
«1»
من أهل سبتة، أبو القاسم بن أبي زكريا بن أبي طالب.
حاله: من أهل الظّرف والبراعة، والطبع المعين، والذكاء، رئيس سبتة، وابن رؤسائها، وانتقل إلى غرناطة عند خلعه وانصرافه عن بلده. أقام بها تحت رعي حسن الرّواء، مألفا للظرفاء، واشتهر بها أدبه، ونظر في الطّبّ ودوّن فيه، وبرع في التّوشيح. ثم انتقل إلى العدوة، انتقال غبطة وأثرة، فاستعمل بها في خطط نبيهة، وكتب عن ملوكها، وهو الآن بالحالة الموصوفة.
وجرى ذكره في «الإكليل» بما نصّه «2» : فرع تأوّد من الرئاسة في دوحة، وتردّد بين غدوة في المجد وروحة، نشأ والرئاسة العزفيّة تعلّه وتنهله، والدّهر يسيّر أمله الأقصى ويسهّله، حتى اتّسقت أسباب سعده، وانتهت إليه رياسة سلفه من بعده، فألقت إليه رحالها وحطّت، ومتّعته بقربها بعدما شطّت. ثمّ كلح له الدهر بعد ما تبسّم، وعاد زعزعا «3» نسيمه الذي كان يتنسّم، وعاق هلاله عن تمّه، ما كان من تغلّب ابن عمّه، واستقرّ بهذه البلاد نائي «4» الدار بحكم الأقدار، وإن كان نبيه المكانة والمقدار، وجرت عليه جراية واسعة، ورعاية متتابعة، وله أدب كالرّوض باكرته
الغمائم، والزّهر تفتّحت عنه الكمائم، رفع منه راية خافقة، وأقام له سوقا نافقة.
وعلى تدفّق أنهاره، وكثرة نظمه واشتهاره، فلم أظفر منه إلّا باليسير التافه بعد انصرافه.
شعره: قال: [مجزوء الرجز]
أفديك يا ريح الصّبا
…
عوجي على تلك الرّبى
واحد النّعامى سحرا
…
ترسل غماما صبّا
على ربى غرناطة
…
لكي تقضّي ما ربا
ثم ابلغي «1» يا ريح
…
عن صبّ سلاما طيّبا
ومن منظومه أيضا في بعض القضاة الفاسيّين، وهو من البديع، وورّى فيه ببابين من أبواب المدينة:[المتقارب]
وليت بفاس أمور القضاء
…
فأحدثت فيها أمورا شنيعه
فتحت لنفسك باب الفتوح
…
وغلقت للناس باب الشّريعة
فبادر مولى الورى فارس
…
بعزلك عنها قبيل الذّريعه
وقال: [الكامل]
دع عنك قول عواذل ووشاة
…
وأدر كؤوسك يا أخا اللّذّات
واخلع عذارك لاهيا في شربها
…
واقطع زمانك بين هاك وهات
خذها إليك بكفّ ساق أغيد
…
لين المعاطف فاتر الحركات
قد قام من ألحاظه إنسانها
…
مثبّتا في فترة اللحظات
يسقيكها حمراء يسطع نورها
…
في الكأس كالمصباح في المشكات
رقّت وراقت في الزّجاجة منظرا
…
لمّا عدت تجلي على الرّاحات
لا تمزجنها في الأبارق إنها
…
تبدو محاسنها لدى الكاسات
عجبا لها كالشمس تغرب في فم
…
لكن مطالعها من الوجنات
نلنا بها ما نشتهيه من المنى
…
في جنّة تزهى على الجنّات
رفّت عليها كلّ طلّ سجسج
…
من كلّ غضّ يانع الثمرات
ما بين خضر حدائق وخمائل
…
وجداول تفضي إلى دوحات
سرى النسيم بها يصافح زهره
…
فيهبّ وهو مورّج النفحات
وشدا لنا فيها مغنّ شادن
…
حاز المدى سبقا إلى الغايات
طربت له القضب اللّدان وبادرت
…
رجعا له تختال في الحبرات
مرّت عليه ركّعا لكنها
…
جعلت تحيّتها لدى الرّكعات
قصرت صلاة الخوف منه فقرّبت
…
قربانها وحفته بالزّهرات
والعود مثناه يطابق زيّها
…
فيها «1» ردانات على رنّات
إن جسّ مثلثه بان بغنّة «2»
…
في اليمّ منه ثقيلة النّغمات
فكان ما غنّت عليه الورق من
…
ألحانها ألقاه للقينات
عكفت على ألحانها تشدو لنا
…
خلف السّتائر باختلاف لغات
فكأنها عجم تورات بالحجاب
…
وردّدت سورا من التّورات
نطقت بأفصح نغمة في شدوها
…
تتلو علينا هذه الآيات
ومما أنشده ليلة ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم: [المتقارب]
إذا لم أطق نحو نجد وصولا
…
بعثت الفؤاد إليها رسولا
وكم حلّ قلبي رهينا بها
…
غداة نوى الرّكب فيها النزولا
محل بها في الحلال التي
…
ضحى أصبح القوم فيها حلولا
وكم بتّ فيها غداة النّوى
…
أسحّ من العين دمعا همولا
على شمس حسن سما ناظري
…
إليها وعنّي توارت أفولا
وقفت بوادي الغضا ساعة
…
لعلّي أندب فيها الطّلولا
وفي البان من أيكه ساجع
…
يرجّع بالقضب منها الهديلا
بحقّ الهوى يا حمام الحمى
…
ترفّق بقلبي المعنّى قليلا
فقد هجت تالله أشواقه
…
بذكرك إلفا ثنى «3» أو خليلا
ألم تدر أن ادّكاري الهوى
…
يذيب ويعنى الفؤاد العليلا؟
رعى الله تلك المطايا الّتي
…
إلى الحجّ وخدا سرت أو ذميلا
ويا عجبا كيف خفّت بهم
…
وحمّلت القلب حملا ثقيلا
وودّعني الصبر إذ ودّعوا
…
فما أن وجدت إليه سبيلا
وآثرت، يا ويح نفسي، المقام
…
وآثر أهل الوداد الرّحيلا
وجادوا رجاء «1» الرّضى بالنفوس
…
وكنت بنفسي ضنينا بخيلا
ندمت على السّير إذ فاتني
…
ولازمت حزني دهرا طويلا
وفاز المخفّون إذ يمّموا
…
منازل آثارها لن تزولا
وحجّوا وزاروا نبيّ الهدى
…
محمدا الهاشميّ الرسولا
وفازوا بإدراك ما أملوا
…
ونالوا لديه الرّضى والقبولا
ولو كنت في عزمهم مثلهم
…
إذا لانصرفت إليه عجولا
ولكنني أثقلتني الذنوب
…
وما كنت للثّقل منها حمولا
ركبت مطيّة جهل الصّبا
…
وكانت أوان التّصابي ذلولا
ومالت بي النّفس نحو الهوى
…
وقد وجدتني غرّا جهولا
فطوبى لمن حلّ في طيبة
…
وعرّس بالسّفح منها الحمولا
ونال المنى في منّى عندما
…
نوى بالمنازل منها نزولا
وأصفى الضمائر نحو الصّفا
…
يؤمّل للوصل فيه الوصولا
وجاء إلى البيت مستبشرا
…
ليطهر بالأمن فيه دخولا
وطاف ولبّى بذاك الحمى
…
ونال من الحجر قصدا وسولا
بلاد بها حلّ خير الورى
…
فطوبى لمن نال فيها الحلولا
نبيّ كريم سما رفعة
…
وقدرا جليلا ومجدا أصيلا
وكان لأمّته رحمة
…
بفضل الشفاعة فيهم كفيلا
وكان رؤوفا رحيما لهم
…
عطوفا شفيعا عليهم وصولا
له يفزعون إذا ما رأوا
…
لدى الحشر خسفا وأمرا مهولا
وإن جاء في ذنبهم شافعا
…
بدا الرّحب من ربّه والقبولا
له معجزات إذا عدّدت
…
تفوت النّهى وتكلّ العقولا
ولن يبلغ القول معشارها
…
وإن كان الوصف فيها مطيلا
وقسّ البيان وسحبانه «2»
…
يرى ذهنه في مداها كليلا
تخيّره الله في خلقه
…
فكان الخطير لديه المثيلا
ولم ير في النّاس ندّا له
…
ولا في الخلائق منه بديلا
وأبقى له الحكم في أرضه
…
فكان الأمين عليها الوكيلا
وكلّ ظلام وظلم بها
…
على الفور لمّا أتى قد أزيلا
وكانت كنار لظى فتنة
…
فعادت من الأمن ظلّا ظليلا
وقد زان حسن الدّجى جيله
…
إذا ذكر الدهر جيلا فجيلا
وأيّامه غرر قد بدت
…
بوجه الدّنا والليالي حجولا
رسول كريم إذا جئته
…
ويمّمت مغناه تلقى القبولا
بمولده في زمان الربيع
…
ربيع أتانا يجرّ الذّيولا
فأهلا به الآن من زائر
…
أتانا بفضل يفوق الفضولا
وقام الإمام به المرتضى
…
فنال ثوابا وأجرا جزيلا
هو المستعين أبو سالم
…
مليك ترفّع قدرا جليلا
وحاز من الصّيت ذكرا أثيرا
…
ومن كرم الخيم مجدا أثيلا
سليل عليّ غمام النّدى
…
ألا أيّد الله ذاك السّليلا
فتى أوسع النّاس من جوده
…
عطاء» جزيلا وبرّا حفيلا
حلاه الوقار ولاقيه
…
إذا ارتاح للجود يلفى عجولا
وقد شاع عنه جميل الثّناء «2»
…
وعمّ البسيطة عرضا وطولا
وما منّ بالوعد إلّا وفى
…
فلم يك بالوعد يوما مطولا
ولا في علاه مغال لمن
…
يكثّر في الملك قالا وقيلا
تفرّد بالفضل في عصره
…
وكان بعرف الأيادي كفيلا
أطاعت له حين وافى البلاد
…
رضّى عندما حلّ فيها حلولا
وجاء «3» لطاعته أهلها
…
سراعا يرومون فيها الدّخولا
فنبّه قدر الموالي بها
…
وأكسف فيها المعادي خمولا
ومهّد بالأمن أفكارها
…
وأمّن بالعدل فيها السبيلا
وكفّ أكفّ التعدّي بها
…
فلا يظلم الناس فيها فتيلا
وعصر الكروب الذي قد مضى
…
زمان المسرّات منه أديلا