الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: ولمّا تعرّفت كلفه بالأدب والإلمام بمجاورته، عزمت على لقائه، وتشوّقت عند العزم على الرّحلة الحجازية، إلى زيارته، ولذلك كنت أخاطبه بكلمة منها:[الطويل]
على قدر قد جئت قومك يا موسى
…
فجلّت بك النّعمى وزالت بك البوسى
فحالت دون ذلك الأحوال، وهو بحاله الموصوفة إلى هذا العهد، وفّقه الله، وسائر من تولّى أمرا من أمور المسلمين.
وجرى ذكره في رجز الدول «1» من نظمي: [الرجز]
بادرها المفدي الهمام موسى
…
فأذهب الرحمن عنها البوسى
جدّد فيها الملك لمّا أخلقا
…
وبعث السّعد وقد كان لقا
ورتّب الرّتب والرّسوما
…
وأطلع الشّموس والنّجوما
واحتجن المال بها والعدّه
…
وهو بها باق لهذي المدّة
ولادته: ولد بمدينة غرناطة حسبما وقعت عليه بخط الثّقة من ناسه، في أول عام ثلاثة وعشرين وسبعمائة «2» .
مبارك ومظفّر الأميران موليا المنصور بن أبي عامر
«3»
حالهما: قال أبو مروان «4» : ترقّيا إلى تملّك بلنسية من وكالة السّاقية، وظهر من سياستهما وتعاوضهما «5» صحّة الألفة طول حياتهما، ما فاتا به في معناهما «6» أشقّاء الأخوّة وعشّاق الأحبّة، إذ نزلا معا بقصر الإمارة مختلطين، تجمعهما مائدة واحدة من غير تميّز في شيء، إلّا الحرم خاصّة. وكان التّقدّم لمبارك في المخاطبة، وحفظ رسوم الإمارة، أفضل صرامة وذكرا، قصر عنهما مظفّر، لدماثة خلقه، وانحطاطه
لصاحبه في سائر أمره، على نحلته»
بكتابة ساذجة وفروسة «2» ، فبلغا الغاية من اقتناء الأسلحة والآلات الملوكية، والخيل المغربات، ونفيس الحلي والحلل، وإشادة البناء للقصور. واشتمل هذا الرأي على جميع أصحابهما، ومن تعلّق بهما من وزرائهما وكتّابهما، ولم يعرض لهما عارض إنفاق «3» بتلك الآفاق، فانغمسا في النّعيم إلى قمم رؤوسهما حتى انقضى أمرهما.
قال «4» : وكان موت مبارك أنه ركب يوما من قصر بلنسية، وقد تعرّض أهلها مستغيثين من مال افترضه عليهم، فقال لهم: إن كنت لا أريد إنفاقه فيما يعمّ المسلمين نفعه فلا تؤخّر عقوبتي يومي هذا. وركب إثر ذلك، فلما أتى القنطرة، وكانت من خشب، خرجت رجل فرسه من حدّها فرمى به أسفلها، واعترضته خشبة ناتئة «5» شرخت وجهه، وسقط الفرس عليه، ففاضت نفسه، وكفاهم الله أمره يومئذ.
وفي مبارك ومظفّر يقول أبو عمرو بن درّاج القسطلّي، رحمه الله «6» :[الطويل]
أنورك أم أوقدت بالليل نارك
…
لباغ قراك أو لباغ جوارك؟
وريّاك أم عرف المجامر أشعلت
…
بعود الكباء والألوّة «7» نارك؟
ومبسمك الوضّاح أم ضوء بارق
…
حداه دعائي أن يجود ديارك؟
وخلخالك استنضيت أم قمر بدا؟
…
وشمس تبدّت أم ألحت سوارك؟
وطرّة صبح أم جبينك سافرا
…
أعرت الصباح نوره أم أعارك؟
وأنت هجرت «1» الليل إذ هزم الضّحى
…
كتائبه والصّبح لمّا استجارك
فللصّبح فيما بين قرطيك مطلع
…
وقد سكن الليل البهيم خمارك
فيا لنهار لا يغيض «2» ظلامه
…
ويا لظلام لا يغيض «3» نهارك
ونجم الثّريّا أم لآل تقسّمت
…
يمينك إذ ضمّختها أم يسارك؟
لسلطان «4» حسن في بديع محاسن
…
يصيد القلوب النّافرات نفارك
وجند غرام في دروع «5» صبابة
…
تقلّدن أقدار الهوى واقتدارك
هو الملك لا بلقيس أدرك شأوها
…
مداك ولا الزّبّاء شقّت غبارك
وقادحة «6» الجوزاء راعيت موهنا
…
بحرّ هواك أم ترسّمت «7» دارك؟
وطيفك أسرى فاستثار تشوّقي
…
إلى العهد أم شوقي إليك استثارك؟
وموقد «8» أنفاسي إليك استطارني
…
أم الرّوح لمّا ردّ فيّ استطارك؟
فكم جزت من بحر إليّ ومهمه
…
يكاد ينسّي المستهام ادّكارك
أذو «1» الحظّ من علم الكتاب حداك «2» لي؟
…
أم الفلك الدّوّار نحوي أدارك «3» ؟
وكيف كتمت الليل وجهك مظلما
…
أشعرك أعشيت «4» السّنا أم شعارك؟
وكيف اعتسفت «5» البيد لا في ظعائن
…
ولا شجر الخطّيّ حفّ شجارك «6» ؟
ولا أذّن الحيّ الجميع برحلة
…
أراح لها راعي المخاض عشارك «7»
ولا أرزمت «8» خوص المهاري مجيبة
…
صهيل جياد يكتنفن قطارك «9»
ولا أذكت الرّكبان عنك عيونها «10»
…
حذار عيون لا ينمن حذارك
وكيف رضيت الليل ملبس طارق
…
وما ذرّ قرن الشمس إلّا استنارك؟
وكم دون رحلي من بروج «11» مشيدة
…
تحرّم من قرب المزار مزارك
وقد زأرت حولي أسود تهامست
…
لها الأسد أن كفّي عن السّمع زارك
وأرضي سيول من خيول مظفّر
…
وليلي «12» نجوم من سماء «13» مبارك
بحيث وجدت الأمن يهتف بالمنى
…
هلمّي إلى عينين «1» جادا سرارك «2»
هلمّي إلى بحرين قد مرج النّدى
…
عبابيهما لا يسأمان انتظارك
هلمّي إلى سيفين والحدّ واحد
…
يجيران من صرف الحوادث جارك
هلمّي إلى طرفي رهان تقدّما
…
إلى الأمد الجالي عليك اختيارك
هلمّي إلى قطبي نجوم كتائب
…
تنادي نجوم التّعس غوري مغارك «3»
وحيّي على دوحين جاد «4» نداهما
…
ظلالك واستدنى إليك»
ثمارك
وبشراك قد فازت قداحك بالعلا «6»
…
وأعطيت من هذا الأنام خيارك
شريكان في صدق المنى وكلاهما
…
إذا قارن «7» الأقران غير مشارك
هما سمعا دعواك يا دعوة الهدى
…
وقد أوثق الدهر الخؤون إسارك
وسلّا سيوفا لم تزل تلتظي أسّى «8»
…
بثأرك حتى أدركا لك ثارك
ويهنيك يا دار الخلافة منهما
…
هلالان لاحا يرفعان منارك
كلا القمرين بين عينيه غرّة
…
أنارت «9» كسوفيك وجلّت سرارك
فقاد إليك الخيل شعثا شوازيا
…
يلبّين بالنّصر العزيز انتصارك
سوابق هيجاء كأنّ صهيلها
…
يجاوب تحت الخافقات شعارك
بكلّ سريّ العتق سرّى عن الهدى
…
وكل حميّ الأنف أحمى ذمارك
تحلّوا من المنصور نصرا وعزّة
…
فأبلوك في يوم البلاء اختيارك
إذا انتسبوا يوم الطّعان لعامر
…
فعمرك يا هام العدى لا عمارك!
يقودهم منهم سراجا كتائب
…
يقولان للدّنيا: أجدّي افتخارك
إذا افترّت الرايات عن غرّتيهما
…
فيا للعدى أضللت منهم فرارك
وإن أشرق النّادي بنور سناهما
…
فبشرى الأماني: عينك «1» لا ضمارك «2»
وكم كشفا «3» من كربة بعد كربة
…
تقول لها النيران: كفّي أوارك
وكم لبّيا من دعوة وتداركا
…
شفى رمق ما كان بالمتدارك
ويا نفس غاو، كم أقرّا نفارك
…
ويا رجل هاو، كم أقالا عثارك
ولست ببدع حين قلت لهمّتي
…
أقلّي لإعتاب الزّمان انتظارك
فلله صدق العزم أيّة «1» غرّة
…
إذا لم تطيعي في «لعلّ» اغترارك
فإن غالت البيد اصطبارك والسّرى
…
فما غال ضيم الكاشحين اصطبارك
ويا خلّة التّسويف، قومي فأغدفي «2»
…
قناعك من دوني وشدّي إزارك
وحسبك بي يا خلّة النّاي خاطري
…
بنفسي إلى الحظّ النّفيس حطارك
فقد آن إعطاء النّوى صفقة الهوى
…
وقولك للأيّام: جوري مجارك «3»
ويا ستر البيض النّواعم، أعلني «4»
…
إلى اليغملات والرّحال بدارك «5»
نواجي واستودعتهنّ نواجيا
…
حفاظك يا هذي بذي وازدهارك «6»
ودونك أفلاذ الفؤاد فشمّري
…
ودونك يا عين اللّبيب اعتبارك
صرفت الكرى عنها بمغتبق السّرى
…
وقلت: أديري والنجوم عقارك
فإن وجبت للمغربين جنوبها «7»
…
فداوي برقراق السّراب خمارك
فأوري «8» بزندي سدفة ودجنّة
…
إذا كانتا لي مرخك وعفارك «9»
وإن خلع الليل الأصائل فاخلعي
…
إلى الملكين الأكرمين عذارك
بلنسية مثوى الأمانيّ فاطلبي
…
كنوزك في أقطارها «1» وادّخارك
سينبيك زجري عن بلاء نسيته
…
إذا أصبحت تلك القصور قصارك
وأظفر سعي بالرّضا من مظفّر
…
وبورك لي في حسن رأي مبارك «2»
قصيّ «3» المنى قد شام بارقة الحيا
…
وأنشقت يا ظئر الرّجاء حوارك «4»
وحمدا يميني قد تملّأت بالمنى
…
وشكرا يساري قد حويت يسارك
وقل لسماء المزن: إن شئت أقلعي
…
ويا أرضها «5» إن شئت غيضي بحارك
ولا توحشي يا دولة العزّ والمنى «6»
…
مساءك من نوريهما وابتكارك
وصولهما إلى غرناطة: وصلا مع أمثالهما من أمراء الشّرق صحبة المرتضى، وكان من انهزام الجميع بظاهرها، وإيقاع الصناهجة «7» بهم ما هو معلوم حسبما مرّ ويأتي بحول الله.