الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان ابن الحكم بن أبي العاصي بن أمية بن عبد شمس
«1»
يكنى أبا المطرّف، وقيل: أبا زيد، وقيل: أبا سليمان، وهو الداخل إلى الأندلس، والمجدّد الخلافة بها لذريته، والملقّب بصقر بني أمية «2» .
حاله: قال ابن مفرّج: كان الأمير عبد الرحمن بن معاوية راجح العقل، راسخ العلم، ثابت الفهم، كثير الحزم، فذّ العزم، بريئا من العجز، مستخفّا للثّقل، سريع النهضة، متّصل الحركة، لا يخلد إلى راحة، ولا يسكن إلى دعة، ولا يكل الأمور إلى غيره، ثم لا ينفرد بإبرامها برأيه. وعلى ذلك فكان شجاعا، مقداما، بعيد الغور، شديد الحذر، قليل الطّمأنينة، بليغا، مفوّها، شاعرا محسنا، سمحا، سخيا، طلق اللسان، فاضل البنان، يلبس البياض، ويعتمّ به ويؤثره. وكان أعطي هيبة من وليّه وعدوّه لم يعطها واحد من الملوك في زمانه. وقال غيره: وألفى الأمير عبد الرحمن الأندلس ثغرا من أنأى الثغور القاصية، غفلا من سمة الملك، عاطلا من حلية الإمامة، فأرهب أهله بالطاعة السلطانية، وحرّكهم بالسّيرة الملوكية، ورفعهم بالآداب الوسطية، فألبسهم عمّا قريب المودّة، وأقامهم على الطريقة. وبدأ يدوّن الدواوين، وأقام القوانين، ورفع الأواوين، وفرض الأعطية، وأنفذ الأقضية، وعقد الألوية، وجنّد الأجناد، ورفع العماد، وأوثق الأوتاد، فأقام للملك آلته، وأخذ للسلطان عدّته.
نبذة من أوليّته: لمّا ظهر بنو العباس بالمشرق، ونجا فيمن نجا من بني أمية، معروفا بصفته عندهم، خرج يؤمّ المغرب لأمر كان في نفسه، من ملك الأندلس، اقتضاه حدثان، فسار حتى نزل القيروان، ومعه بدر مولاه، ثم سار حتى لحق بأخواله من نفزة، ثم سار بساحل العدوة في كنف قوم من زناتة، وبعث إلى الأندلس بدرا، فداخل له بها من يوثق به، وأجاز البحر إلى المنكّب، وسأل عنها، فقال: نكبوا عنها، ونزل بشاط من أحوازها، وقدم إليه أولو دعوته، وعقد اللّوا،
وقصد قرطبة في خبر يطول، وحروب مبيرة، وهزم يوسف الفهري، واستولى على قرطبة، فبويع له بها يوم عيد الأضحى من سنة ثمان وثلاثين ومائة، وهو ابن خمس وعشرين سنة.
دخوله إلبيرة: قالوا: ولمّا انهزم الأمير يوسف بن عبد الرحمن الفهري، لحق بإلبيرة، فامتنع بحصن غرناطة، وحاصره الأمير عبد الرحمن بن معاوية، وأحاط به، فنزل على صلح، وانعقد بينهما عقد، ورهنه يوسف ابنيه؛ أبا زيد وأبا الأسود، وشهد في الأمان وجوه العسكر، منهم أمية بن حمزة الفهري، وحبيب بن عبد الملك المرواني، ومالك بن عبد الله القرشي، ويحيى بن يحيى اليحصبي، ورزق بن النّعمان الغسّالي، وجدار بن سلامة المذحجي، وعمر بن عبد الحميد العبدري، وثعلبة بن عبيد الجذامي، والحريش بن حوار السلمي، وعتّاب بن علقمة اللخمي، وطالوت بن عمر اليحصبي، والجرّاح بن حبيب الأسدي، وموسى بن خالد، والحصين بن العقيلي، وعبد الرحمن بن منعم الكلبي، إلى آخرين سواهم، بتاريخ يوم الأربعاء لليلتين خلتا من ربيع الأول سنة تسع وثلاثين ومائة. نقلت أسماء من شهد، لكونهم ممن دخل البلدة، ووجب ذكره، فاجتزأت بذلك، فرارا من الإطالة، إذ هذا الأمر بعيد الأمد، والإحاطة لله.
بلاغته ونثره وشعره: قال الرّازي: قام بين يديه رجل من جند قنّسرين، يستنجد به، وقال له: يا ابن الخلائف الراشدين والسّادات الأكرمين، إليك فررنا، وبك عذت من زمن ظلوم، ودهر غشوم قلّل المال، وذهب الحال، وصيّر إليّ بذاك المنال، فأنت وليّ الحمد، وربى المجد، والمرجو للرّفد. فقال له ابن معاوية مسرعا: قد سمعنا مقالتك، فلا تعودنّ ولا سواك لمثله، من إراقة وجهك، بتصريح المسألة، والإلحاف في الطّلبة، وإذا ألمّ بك خطب أو دهاك أمر، أو أحرقتك حاجة فارفعه إلينا في رقعة لا تعدو ذكيا، تستر عليك خلّتك، وتكفّ شماتة العدوّ بك، بعد رفعها إلى مالكنا ومالكها عن وجهه، بإخلاص الدّعاء، وحسن النية. وأمر له بجائزة حسنة. وخرج الناس يعجبون من حسن منطقه، وبراعة أدبه.
ومن شعره: قوله، وقد نظر إلى نخلة بمنية الرّصافة، مفردة، هاجت شجنه إلى تذكر بلاد المشرق «1» :[الطويل]
تبدّت لنا وسط الرّصافة نخلة
…
تناءت بأرض الغرب عن بلد النّخل
فقلت: شبيهي في التغرّب والنّوى
…
وطول التّنائي عن بنيّ وعن أهلي
نشأت بأرض أنت فيها غريبة
…
فمثلك في الإقصاء والمنتأى مثلي
سقتك «1» غوادي المزن من صوبها «2» الذي
…
يسحّ ويستمري «3» السّماكين بالويل
وفاته: توفي بقرطبة يوم الثلاثاء الرابع والعشرين لربيع الآخر «4» سنة اثنتين وسبعين ومائة، وهو ابن تسعة وخمسين عاما، وأربعة أشهر، وكانت مدّة ملكه ثلاثا وثلاثين سنة وأربعة أشهر «5» ، وأخباره شهيرة.
وجرى ذكره في الرّجز المسمى بقطع السلوك، في ذكر هذين من بني أمية، قولي في ذكر الداخل:[الرجز]
وغمر الهول كقطع الليل
…
بفتنة الفهريّ والصّميل
وجلّت الفتنة في أندلس
…
فأصبحت فريسة المفترس
فأسرع السّير إليها وابتدر
…
وكلّ شيء بقضاء وقدر
صقر قريش عابد الرحمن
…
باني المعالي لبني مروان
جدّد عهد الخلفاء فيها
…
وأسّس الملك لمترفيها
ثم أجاب داعي الحمام
…
وخلّف الأمر إلى هشام
وقام بالأمر الحفيد الناصر
…
والناس محصور بها وحاصر
فأقبل السّعد وجاء النّصر
…
وأشرق الأمن وضاء القصر
وعادت الأيام في شباب
…
وأصبح العدو في تباب
سطا وأعطى وتغاضى ووفا
…
وكلّما أقدره الله عفا
فعاد من خالف فيها وانتزى
…
وحارب الكفّار دأبا وغزا
وأوقع الرّوم به في الخندق
…
فانقلب الملك بسعي مخفق
واتصلت من بعد ذا فتوح
…
تغدو على مثواه أو تروح
فاغتنموا السّلم لهذا الحين
…
ووصّلت إرسال قسطنطين