الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ينفضّ في زوايا الفحص عن مثل مضطبنه، فظنّه رئيسا من رؤساء الجند، فقصده ورغب منه إجازة خبيئته بباب المدينة، وقرّر لتخوّفه من ظلم الحافز الكذا مسلم، فأخذها منه وخبّأها تحت ثيابه، ووكّل به. ولم يذهب المسكين إلّا يسيرا، حتى سأل عن الرجل، فأخبر أنّه الذي فرّ عنه، فسقط في يده. ثم تحامل، فألفاه ينظره في داخل السور، فدفع إليه أمانته، وقال: سر في حفظ الله، فقد عصمها الله من ذلك الرجل الظالم. فخجل الرجل، وانصرف متعجّبا. وأخباره في السّراوة ونجح الوسيلة كثيرة.
وفاته: توفي في عام ثمانية وتسعين وستمائة، وشهد أميره دفنه، وكان قد أسفّ ولي العهد بأمور صانعه فيها من باب خدمة والده، فكان يتلمّظ لنكبته، ونصب لثاته لأكله، فعاجله الحمام قبل إيقاع نقمته به. ولمّا تصيّر إليه الأمر، نبش قبره، وأخرج شلوه، فأحرق بالنار، إغراقا في شهوة التّشفي، رحمه الله عليه.
ومن العمال الأثراء
مؤمّل، مولى باديس بن حبّوس
حاله ومحنته: قال ابن الصّيرفي: وقد ذكر عبد الله بن بلقّين، حفيد باديس، واستشارته عن أمره، لمّا بلغه حركة يوسف بن تاشفين إلى خلعه. وكان في الجملة من أحبابه، رجل من عبيد جدّه اسمه مؤمّل، وله سنّ، وعنده دهاء وفطنة، ورأي ونظر. وقال في موضع آخر: ولم يكن في وزراء مملكته وأحبار دولته، أصيل الرأي، جزل الكلمة، إلّا ابن أبي خيثمة «1» من كتبته، ومؤمّل من عبيد جدّه، وجعفر من فتيانه. رجع، قال: فألطف له مؤمّل في القول، وأعلمه برفق، وحسن أدب، أن ذلك غير صواب، وأشار إليه بالخروج إلى أمير المسلمين إذا قرب، والتّطارح عليه، فإنه لا تمكنه مدافعته، ولا تطاق حربه، والاستجداء له أحمد عاقبة وأيمن مغبّة. وتابعه على ذلك نظراؤه من أهل السّن والحنكة، ودافع في صدّ رأيه الغلمة والأغمار، فاستشاظ غيظا على مؤمّل ومن نحا نحوه، وهمّ بهم، فخرجوا،
وقد سلّ بهم فرقا منه. فلمّا جنّهم الليل فرّوا إلى لوشة، وبها من أبناء عبيد باديس قائدها، فملكوها وثاروا فيها، بدعوة أمير المسلمين يوسف بن تاشفين. وبادر مؤمّل بالخطاب إلى أمير المسلمين المذكور وقد كان سفر إليه عن سلطانه، فأعجبه عقلا ونبلا، فاهتزّ إليه، وكان أقوى الأسباب على حركته. وبادر حفيد باديس الأمر، فأشخص الجيش لنظر صهره، فتغلّب عليهم، وسيق مؤمّل ومن كان معه شرّ سوق في الحديد، وأركبوا على دواب هجن، وكشفت رؤوسهم، وأردف وراء كلّ رجل من يصفعه. وتقدّم الأمر في نصب الجذوع وإحضار الرّماة. وتلطّف جعفر في أمرهم، وقال للأمير عبد الله: إن قتلتهم الآن، أطفأت غضبك، وأذهبت ملكك، فاستخرج المال، وأنت من وراء الانتقام، فثقّفهم، وأطمعوا في أنفسهم ريثما شغله الأمر، وأنفذ إليه يوسف بن تاشفين في حلّ اعتقالهم، فلم تسعه مخالفته وأطلقهم.
ولمّا ملك غرناطة على تفيئة تلك الحال، قدّم مؤمّلا على مستخلصه «1» وجعل بيده مفاتيح قصره، فنال ما شاء من مال وحظوة، واقتنى ما أراد من صامت وذخيرة.
ونسبت إليه بغرناطة آثار، منها السّقاية بباب الفخّارين، والحوز المعروف بحوز مؤمّل «2» ، أدركتها وهي بحالها.
وفاته: قال ابن الصّيرفي: وفي ربيع الأول من هذا العام، وهو عام اثنين وتسعين وأربعمائة، توفي بغرناطة مؤمّل مولى باديس بن حبّوس، عبد أمير المسلمين، وجابي مستخلصه، وكان له دهاء وصبر، ولم يكن بقارئ ولا كاتب. رزقه الله عند أمير المسلمين، أيام حياته، منزلة لطيفة ودرجة رفيعة. ولمّا أشرف على المنيّة، أحضر ما كان عنده من مال المستخلص، وأشهد الحاضرين على دفعه إلى من استوثقه على حمله، ثم أبرأ جميع عماله وكتّابه. وأنفذ رجلا من صنائعه إلى أمير المسلمين بجملة من مال نفسه، يريه أن ذلك جميع ما اكتسبه في دولته، أيام خدمته، وأن بيت المال أولى به، ورغب في ستر أهله وولده، فلمّا وصل إليه، أظهر الأسف عليه، وأمضى تقديم صنيعته. ثم ذكر ما كشف البحث عنه من محتجنه، وشقاء من خلفه بسببه، وعدّد مالا وذخيرة.