الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباطن، سليم الصدر، من أهل الدين والعدالة والأصالة. بثّ في الأندلس علم أصول الفقه، وانتفع به. وتصرّف في القضاء في جهات.
مشيخته: منقولا من خطّ ولده الفقيه أبي عبد الله صاحبنا، الكاتب بالدار السلطانية: قرأ ببلده على الفقيه الصّدر أبي علي بن عنوان، والشيخ أبي الطاهر بن سرور، والإمام أبي علي ناصر الدين المشدالي، والشيخ أبي الشّمل جماعة الحلبي، والشيخ أبي الحجاج بن قسوم وغيرهم. ومن خط المحدّث أبي بكر بن الزيات:
يحمل عن أبي الطاهر بن سرور، وعن أبي إسحاق بن عبد الرفيع.
تواليفه: من تواليفه: «المعاني المبتكرة الفكرية، في ترتيب المعالم الفقهية» ، «والإيجاز، في دلالة المجاز» ، ونصرة الحق، وردّ الباغي في مسألة الصّدقة ببعض الأضحية، والكرّاس الموسوم «1» ب «المباحث البديعة، في مقتضى الأمر من الشريعة» .
مولده: ببجاية في أحد لجمادى الأولى من عام ثلاثة وستين وستمائة.
وفاته: وتوفي قاضيا بشالش يوم الجمعة، وهو الرابع عشر لجمادى الأولى من عام ثلاثة وعشرين وسبعمائة. ودفن بجبانة باب إلبيرة بمقربة من قبر ولي الله أبي عبد الله التونسي. وكانت جنازته مشهورة.
ومن المقرئين والعلماء
عبد الملك بن حبيب بن سليمان بن هارون بن جلهمة ابن العباس بن مرداس السلمي
«2»
أصله من قرية قورت، وقيل: حصن واط من خارج غرناطة، وبها نشأ وقرأ.
حاله: قال ابن عبد البر: كان جمّاعا للعلم، كثير الكتب، طويل اللسان، فقيها، نحويا، عروضيا، شاعرا، نسّابة، أخباريا. وكان أكثر من يختلف إليه الملوك
وأبناؤهم. قال ابن مخلوف: كان يأتي إلى معالي الأمور. وقال غيره: رأيته يخرج من الجامع، وخلفه نحو من ثلاثمائة، بين طالب حديث، وفرائض، وفقه، وإعراب. وقد رتّب الدّول عليه، كل يوم ثلاثين دولة، لا يقرأ عليه فيها شيء إلّا تواليفه وموطّأ مالك. وكان يلبس الخزّ والسّعيد. قال ابن نمير: وإنما كان يفعله إجلالا للعلم، وتوقيرا له. وكان يلبس إلى جسمه ثوب شعر، وكان صوّاما قوّاما. وقال المغامي «1» : لو رأيت ما كان على باب ابن حبيب، لازدريت غيره. وزعم الزّبيدي أنه نعي إلى سحنون «2» فاسترجع، وقال: مات عالم الأندلس. قال ابن الفرضي:
جمع «3» إلى إمامته في الفقه التبحبح في الأدب، والتفنّن في ضروب العلوم، وكان فقيها مفتيا. قال ابن خلف أبو القاسم الغافقي: كان له أرض وزيتون بقرية بيرة من طوق غرناطة، حبس جميع ذلك على مسجد قرطبة. وله ببيرة مسجد ينسب إليه.
وكان يهبط من قرية قورت يوم الاثنين والخميس إلى مسجده ببيرة، فيقرأ عليه، وينصرف إلى قريته.
مشيخته: روى عن صعصعة بن سلّام، والغازي «4» بن قيس، وزياد بن عبد الرحمن. ورحل إلى المشرق سنة ثمان ومائتين، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، وكانت رحلته من قريته بفحص غرناطة «5» ، وسمع فيها من عبد الملك بن الماجشون، ومطرّف بن عبد الله، وأصبغ بن الفرج، وابنه موسى، وجماعة سواهم. وأقام في رحلته ثلاثة أعوام وشهورا. وعاد إلى إلبيرة، إلى أن رحّله عبد الرحمن بن الحكم إلى قرطبة، في رمضان سنة ثماني «6» عشرة ومائتين.
من روى عنه: سمع منه ابناه محمد وعبد الله، وسعيد بن نمر، وأحمد بن راشد، وإبراهيم بن خالد، وإبراهيم بن شعيب، ومحمد بن فطيس. وروى عنه من
عظماء القرطبيين، مطرّف بن عيسى، وبقي بن مخلد، ومحمد بن وضّاح، والمقامي في جماعة.
تواليفه: قال أبو الفضل عياض بن موسى، في كتابه في أصحاب مالك «1» :
قال بعضهم: قلت لعبد الملك بن حبيب: كم كتبك التي ألفت؟ قال: ألف كتاب وخمسون كتابا. قال عبد الأعلى: منها كتب المواعظ سبعة، وكتب الفضائل سبعة، وكتب أجواد قريش وأخبارها وأنسابها خمسة عشر كتابا، وكتب السلطان وسيرة الإمام ثمانية كتب، وكتب الباه والنساء ثمانية، وغير ذلك. ومن كتب سماعاته في الحديث والفقه، وتواليفه في الطب، وتفسير القرآن، ستّون كتابا. وكتاب المغازي، والنّاسخ والمنسوخ، ورغائب القرآن، وكتاب الرّهون والحدثان، خمسة وتسعون كتابا. وكتاب مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، اثنان وعشرون كتابا، وكتاب في النّسب، وفي النجوم، وكتاب الجامع، وهي كتب فيها مناسك النّبي، وكتاب الرّغائب، وكتاب الورع في المال، وكتاب الرّبا، وكتاب الحكم والعدل بالجوارح. ومن المشهورات الكتاب المسمّى بالواضحة. ومن تواليفه كتاب إعراب القرآن، وكتاب الحسبة في الأمراض، وكتاب الفرائض، وكتاب السّخاء واصطناع المعروف، وكتاب كراهية الغناء.
شعره: أنشد ابن الفرضي ممّا كتب بها إلى أهله من المشرق سنة عشر ومائتين «2» : [الطويل]
أحبّ بلاد الغرب والغرب موطني
…
ألا كلّ غربيّ إليّ حبيب
فيا جسدا أضناه شوق كأنّه
…
إذا انتضيت عنه الثّياب قضيب
ويا كبدا عادت زمانا كأنما
…
يلذّغها بالكاويات طبيب
بليت وأبلاني اغترابي ونأيه
…
وطول مقامي بالحجاز أجوب
وأهلي بأقصى مغرب الشمس دارهم
…
ومن دونهم بحر أجشّ مهيب
وهول كريه ليله كنهاره
…
وسير حثيث للرّكاب دؤوب
فما الداء إلّا أن تكون بغربة
…
وحسبك داء أن يقال غريب
فيا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة
…
بأكناف نهر الثّلج حين يصوب
وحولي أصحابي وبنتي وأمّها
…
ومعشر أهلي والرؤوف مجيب
وكتب إلى الأمير عبد الرحمن في ليلة عاشوراء «1» : [البسيط]
لا تنس لا ينسك الرحمن عاشورا «2»
…
واذكره لا زلت في الأحياء «3» مذكورا
قال الرسول «4» ، صلاة الله تشمله،
…
قولا وجدنا عليه الحقّ والنّورا
من بات في ليل عاشوراء ذا سعة
…
يكن بعيشه في الحول محبورا
فارغب، فديتك، فيما فيه رغبتنا «5»
…
خير الورى كلّهم حيّا ومقبورا
وفاته: توفي في ذي الحجة سنة ثمان وثلاثين، وقيل: تسع وثلاثين ومائتين «6» . قال ابن خلف: كان يقول في دعائه: إن كنت يا ربّ راضيا عني، فاقبضني إليك قبل انقضاء سنة ثمان وثلاثين، فقبضه الله في أحبّ الشهور إليه، رمضان من عام ثمانية وثلاثين، وهو ابن أربع وستين سنة «7» ، وصلّى عليه ولده محمد، ودفن بمقبرة أم سلمة بقبلي محراب مسجد الضّيافة من قرطبة. قالوا: والخبر متصل، إنه وجد جسده وكفنه وافرين لم يتغيّرا بعد وفاته، بتسع وأربعين سنة، وقطعت من كفنه قطعة رفعت إلى الأمير عبد الله، وذلك عندما دفن محمد بن وضّاح إلى جنبه، رحمهم الله. ورثاه أبو عبد الله الرشّاش وغيره، فقال:[الطويل]
لئن أخذت منّا المنايا مهذّبا
…
وقد قلّ فيها من يقال المهذّب
لقد طاب فيه الموت والموت غبطة
…
لمن هو مغموم الفؤاد معذّب
ولأحمد بن ساهي فيه: [البسيط]
ماذا تضمّن قبر أنت ساكنه
…
من التّقى والنّدى يا خير مفقود
عجبت للأرض في أن غيّبتك وقد
…
ملأتها حكما في البيض والسّود
قلت: فلو لم يكن من المفاخر الغرناطية إلا هذا الحبر لكفى.