الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عبيد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهر يومئذ بين درعين، وكان شعار المسلمين يومئذ:«أمت أمت» .
ذكر تهيئ المشركين للقتال
وصفّ المشركون بالسّبخة، وتعبّئوا للحرب، وهم ثلاثة آلاف، معهم مائتا فرس قد جنّبوها، فجعلوا على ميمنة الخيل خالد بن الوليد، وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل، وعلى المشاة صفوان بن أمية، ويقال: عمرو بن العاص، وعلى الرّماة عبد الله بن أبي ربيعة- وأسلموا كلهم- ودفعوا اللواء إلى طلحة بن أبي طلحة بن عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصيّ. وقال أبو سفيان لأصحاب اللواء من بني عبد الدار يحرّضهم بذلك: يا بني عبد الدار، إنكم قد وليتم لواءنا ببدر فأصابنا ما قد رأيتم، فإنما يؤتى الناس من قبل راياتهم، إذا زالت زالوا، فإمّا أن تكفون لواءنا، وإما أن تخلّوا بيننا وبينه فنكفيكموه، فهمّوا به وتواعدوه وقالوا: أنحن نسلم إليكم لواءنا؟ ستعلم إذا التقينا كيف نصنع وذلك الذي أراد أبو سفيان.
ذكر ابتداء الحرب واشتداد القتال
أول من أنشب الحرب أبو عامر عبد عمرو بن صيفيّ الفاسق، طلع في خمسين من قومه ويقال: خمسة عشر، الذين ذهبوا معه إلى مكة، والأحابيش وعبدان أهل مكة، فنادى: يا معشر الأوس أنا أبو عامر، فقالوا: لا أنعم الله بك عينا يا فاسق، بذلك سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يسمى في الجاهلية الراهب، فلما سمع ردّهم عليه قال: لقد أصاب قومي بعدي شرّ، ثم قاتلهم قتالاً شديداً، ثم راضخهم بالحجارة.
ولمّا التقى الناس، ودنا بعضهم من بعض، قامت هند بنت عتبة في النسوة اللاتي معها، وأخذن الدفوف يضربن بها، فقالت هند فيما تقول:
ويها بني عبد الدار
…
ويها حماة الأدبار
ضربا بكلّ بتّار
وتقول أيضا:
نحن بنات طارق
…
نمشي على النّمارق
الدّرّ في المخانق
…
والمسك في المفارق
إن تقبلوا نعانق
…
أو تدبروا نفارق
فراق غير وامق
[ (1) ]
[ (1) ] انظر مجمع الزوائد 6/ 112.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمع، ذلك يقول:«اللهم بك أجول، وبك أصول، وفيك أقاتل، حسبي الله ونعم الوكيل» . [ (1) ]
وروى الإمام أحمد ومسلم عن أنس والطبراني عن عبادة بن النّعمان، وإسحاق بن راهويه والبزّار، عن الزبير بن العوّام قالوا: عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفا يوم أحد، فأخذه رجال فجعلوا ينظرون إليه- وفي لفظ: فبسطوا أيديهم- كلّ إنسان يقول: أنا، فقال:«من يأخذه بحقّه؟» فأحجم القوم، فقام رجال فأمسكه عنهم
[ (2) ] .
وعند ابن عتبة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا عرضه طلبه منه عمر، فأعرض عنه، ثم طلبه الزّبير فأعرض عنه، فوجدا في أنفسهما من ذلك.
وعند إسحاق بن راهويه عن عمرو بن يحيى المازني أن الزبير طلبه ثلاث مرات كل ذلك يعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعند الطّبرانيّ عن قتادة بن النعمان: أن عليّا قام فطلبه فقال له: اجّلس، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من يأخذه بحقّه؟» فقام إليه أبو دجانة- بضم الدال المهملة وبالجيم والنون- فقال: يا رسول الله، وما حقه؟ قال:«أن تضرب به في العدوّ حتى ينحني» . قال: أنا آخذه يا رسول الله بحقّه. قال: «لعّلك إن أعطيتكه تقاتل في الكيّول» فأعطاه إياه،
وكان أبو دجانة رجلا شجاعا يختال عند الحرب، وكان له غصابة حمراء يعلم بها عند الحرب، يعتصب بها، فإذا اعتصب بها علم الناس أنه سيقاتل، فلما أخذ السيف من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرج عصابته تلك، فعصب بها رأسه، فقالت الأنصار: أخرج أبو دجانة عصابة الموت. وهكذا كانت تقول إذا اعتصب بها، ثم جعل يتبختر بين الصّفّين،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه يتبختر: «إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن» .
قال الزّبير: ولمّا أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم السيف لأبي دجانة وجدت في نفسي حين سألته فمنعني وأعطاه إيّاه، وقلت: أنا ابن صفيّة عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قمت إليه وسألته إيّاه قبله، فأعطاه إياه وتركني، والله لأنظرنّ ما يصنع به، فاتّبعته، فخرج وهو يقول:
أنا الّذي عاهدني خليلي
…
ونحن بالسّفح لدى النّخيل
ألّا أقوم الدّهر في الكيّول
…
أضرب بسيف الله والرّسول
قال: فجعل لا يمرّ بشيء إلا أفراه وفتكه، وفلق به هام المشركين، وكان إذا كلّ شحذه بالحجارة، ثم يضرب به العدو كأنه منجل، وكان في المشركين رجل لا يدع لنا جريحا إلا
[ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 10/ 133 وعزاه لأحمد والبزار وقال: ورجالهما ثقات.
[ (2) ] أخرجه مسلم 4/ 1917 (128- 2470) وابن أبي شيبة في المصنف 14/ 398 وابن سعد في الطبقات 3/ 2/ 101.
ذفّف عليه، فجعل كل واحد منهما يدنو من صاحبه، فدعوت الله تعالى أن يجمع بينهما، فالتقيا فاختلفا ضربتين، فضرب المشرك أبا دجانة فاتّقاه بدرقته فعضّت بسيفه، وضربه أبو دجانة فقتله.
قال ابن عقبة: قال كعب بن مالك: وخرج رجل من المشركين نحو المسلمين وهو يقول: استوسقوا كما استوسقت جزر الغنم، وإذا رجل من المسلمين قائم ينتظره وعليه لأمته، فمضيت ًحتى كنت من ورائه، ثم قمت أقدّر المسلم والكافر بنظري، فإذا الكافر أفضلهما عدّة وهيئة، قال: فلم أزل أنتظرهما حتى التقيا، فضرب المسلم الكافر على حبل عاتقه ضربة بالسيف، فبلغت ووركيه وانفرق فرقتين، ثم كشف المسلم عن وجهه وقال: كيف ترى يا كعب؟ أنا أبو دجانة.
قال الزّبير: ثم رأيته حمل على مفرق رأس هند بنت عتبة، ثم عدل السيف عنها، فقلت له: كلّ سعيك رأيته فأعجبني غير أنك لم تقتل المرأة، قال: إنها نادت: يا لصخر! فلم يجبها أحد، وفي لفظ: رأيت إنسانا يحمش الناس حمشا شديدا فصمدت إليه، فلما حملت عليه السيف ولول. فإذا امرأة فكرهت أن أضرب بسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة لا ناصر لها، فقلت:
الله ورسوله أعلم.
وذكر ابن إسحاق في رواية يونس والزبير بن بكار إن رجلا من المشركين خرج فدعا إلى البراز، فأحجم عنه الناس، حتى دعا ثلاثا وهو على جمل له، فقام إليه الزبير بن العوام فوثب حتى استوى معه على بعيره، فعانقه، فاقتتلا فوق البعير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«الذي يلي حضيض الأرض مقتول، فوقع المشرك» . ووقع عليه الزبير فذبحه، فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال:«إن لكل نبيّ حواريّا، وإنّ حواريّ الزّبير» وقال: «لو لم يبرز إليه الزبير لبرزت إليه» [ (1) ] ،
لما رأى من إحجام الناس عنه.
واقتتل الناس يومئذ قتالا شديدا، وحميت الحرب، وأبلى أبو دجانة الأنصاريّ، وطلحة بن عبيد الله، وأسد الله، وأسد رسوله حمزة بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب، وأنس بن النّضر، وسعد بن الربيع، بلاء شديدا. وأنزل الله تبارك وتعالى نصره على المسلمين، وصدقهم وعده، فحسّوا المشركين بالسيف حتى كشفوهم عن العسكر، ونهكوهم قتلا، وقد حملت خيل المشركين على المسلمين ثلاث مرات، كلّ ذلك تنضح بالنّبل فترجع مفلولة، وكانت الرماة تحمي ظهور المسلمين، ويرشقون خيل المشركين بالنّبل، فلا يقع إلا في فرس أو رجل، فتولّي هوارب، وقال عمر بن الخطاب يوم أحد لأخيه زيد بن الخطاب: يا أخي، خذ
[ (1) ] أخرجه البخاري في كتاب الجهاد (2997) .
درعي هذه، فقال له: إني أريد من الشهادة مثل ما تريد، فتركاها جميعا، رواه أبو نعيم.
ولما اشتدّ القتال يومئذ جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت راية الأنصار، وأرسل إلى علي بن أبي طالب أن قدّم الراية، فتقدم عليّ وقال: أنا أبو القصم، وصاح طلحة بن أبي طلحة صاحب اللواء: من يبارز؟ فلم يبرز إليه أحد، فقال: يا أصحاب محمد، زعمتم أن قتلاكم في الجنة، وقتلانا في النار، كذبتم، واللات لو تعلمون إن ذلك حقّ لخرج إلي بعضكم، فبرز إليه علي بن أبي طالب فالتقيا بين الصّفين فبدره عليّ فصرعه، ولم يجهز عليه، فقال له بعض أصحابه: أفلا أجهزت عليه؟ فقال: إنه استقبلني بعورته فعطفني عليه الرّحم، وعرفت أن الله تعالى قد قتله،
وكان قتل صاحب لواء المشركين تصديقا لرؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كأنّي مردف كبشا» ، فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأظهر التّكبير وكبّر المسلمون، وشدّوا على المشركين يضربونهم حتى اختلّت صفوفهم. قال أبو عبيدة والزبير بن بكار: وفي ذلك يقول الحجاج بن علاط- بكسر العين المهملة وتخفيف اللام وآخره طاء مهملة- السّلميّ.
الله أيّ مذبّب عن حرمة
…
أعني ابن فاطمة المعمّ المخولا
جادت يداك لهم بعاجل طعنة
…
تركت طليحة للجبين مجدّلا
وشددت شدّة باسل فكشفتهم
…
بالجرّ إذ يهوون أخول أخولا
وعللت سيفك بالدّماء ولم تكن
…
لتردّه حرّان حتّى ينهلا
وصار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتائب متفرقة فحاسوا العدوّ ضربا حتى أجهضوهم عن أثقالهم، فحمل لواءهم أبو شيبة عثمان بن أبي طلحة، فحمل عليه حمزة بن عبد المطلب [فضربه بالسيف على كاهله] فقطع يده ورجله حتى انتهى إلي مؤتزره وبدا سحره فقتله، فحمله أبو سعد بن أبي طلحة، فرماه سعد بن أبي وقاص، فأصاب حنجرته، فدلع لسانه، فقتله، فحمله مسافع بن طلحة [بن أبي طلحة] فرماه عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح- بالقاف- فقلته، فحمله الحارث بن طلحة فرماه عاصم بن ثابت فقتله، كلاهما يشعره سهما فيأتي أمّه سلافة فيضع رأسه في حجرها، فتقول: يا بنيّ: من أصابك؟ فيقول: سمعت رجلا رماني يقول: خذها وأنا ابن الأقلح، فنذرت إن أمكنها الله من رأس عاصم أن تشرب فيه الخمر، وجعلت لمن جاء به مائة من الإبل، فحمل اللواء كلاب بن طلحة بن أبي طلحة فقتله الزبير بن العوام، وقيل: قزمان، فحمله الجلاس بن طلحة بن أبي طلحة- وهو بضم الجيم وتخفيف اللّام وفي آخره سين- فقتله طلحة بن عبيد الله، فحمله أرطاة بن شرحبيل، فقتله علي بن أبي طالب، فحمله شريح بن قارظ- وهو بضم الشين المعجمة وفتح الراء فمثناة تحتية ساكنة فحاء مهملة، وأبوه بقاف فألف فراء مكسورة فظاء معجمة مشالة- فليس يدري من