الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم خرجت يهود إلى غطفان فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال محمد بن عمر: وجعلوا لهم تمر خيبر سنة، إن هم نصروهم، وأخبروهم أنّ قريشا قد تابعوهم على ذلك، واجتمعوا معهم فيه.
ثم خرجت يهود إلى بني سليم فوعدوهم المسير معهم إذا خرجت قريش.
ذكر خروج قريش ومن ذكر معهم
ثم إن قريشا تجهّزت، وسيّرت تدعو العرب إلى نصرها وألّبوا أحابيشهم ومن تبعهم، وخرجوا في أربعة آلاف، وعقدوا اللّواء في دار النّدوة، وحمله عثمان بن طلحة- وأسلم بعد ذلك- وقادوا معهم ثلاثمائة فرس، وكان معهم ألف وخمسمائة بعير.
ولاقتهم بنو سليم بمرّ الظّهران في سبعمائة، يقودهم سفيان بن عبد شمس وهو أبو أبي الأعور السّلميّ، الذي كان مع معاوية بصفّين.
وخرجت بنو أسد بن خزيمة وقائدها طلحة بن خويلد الأسديّ، وأسلم بعد ذلك.
وخرجت بنو فزارة [وأوعبت] وهم ألف يقودهم عيينة بن حصن، وأسلم بعد ذلك.
وخرجت أشجع، وقائدها مسعود بن رخيلة- بضمّ الرّاء وفتح الخاء المعجمة- وأسلم بعد ذلك- وهم أربعمائة.
وخرجت بنو مرّة في أربعمائة، يقودهم الحارث بن عوف المرّيّ- بميم مضمومة فراء مشددة مكسورة، وأسلم بعد ذلك.
قالوا: وكان القوم الذين وافوا الخندق من قريش وسليم وأسد وغطفان عشرة آلاف.
وعناج الأمر إلى أبي سفيان بن حرب. هذا ما كان من أمر المشركين.
وأما ما كان من أمر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنّ خزاعة عند ما تهيّأت قريش للخروج أتى ركبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أربع ليال حتى أخبروه، فندب الناس، وأخبرهم خبر عدوّهم، وشاورهم في أمرهم: أيبرز من المدينة أم يكون فيها، ويحاربهم عليها وفي طرقها؟ فأشار سلمان رضي الله عنه بالخندق، وقال: يا رسول الله إنا كنّا بأرض فارس إذا تخوّفنا الخيل خندقنا علينا، فأعجبهم ذلك، وأحبّوا الثّبات في المدينة، وأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجدّ، ووعدهم النّصر، إذا هم صبروا واتّقوا، وأمرهم بالطّاعة، ولم تكن العرب تخندق عليها.
وروى البزار عن مالك بن وهب الخزاعيّ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سليطا وسفيان بن عوف الأسلميّ طليعة يوم الأحزاب، فخرجا حتى إذا كانا بالبيداء التفّت عليهما خيل لأبي
سفيان، فقاتلا حتى قتلا، فأتي بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدفنا في قبر واحد، فهما الشّهيدان القرينان.
وركب فرسا له ومعه عدّة من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم، فارتاد موضعا ينزله، فكان أعجب المنازل إليه أن يجعل سلعا الجبل خلف ظهره، ويخندق من المذاد إلى ذباب إلى راتج، فعمل يومئذ في الخندق، وندب النّاس وخبّرهم بدنوّ عدوّهم وعسكرهم إلى سفح سلع وجعل المسلمون يعملون مستعجلين، يبادرون قدوم العدوّ عليهم، واستعاروا من بني قريظة آلة كثيرة من مساحي وكرازين ومكاتل للحفر.
ووكّل رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلّ جانب من الخندق قوما يحفرونه، فكان المهاجرون يحفرون من ناحية راتج إلى ذباب، وكانت الأنصار يحفرون من ذباب إلى جبل أبي عبيدة.
وروى الطبراني بسند لا بأس به عن عمرو بن عوف المزنيّ: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطّ الخندق من أجم الشّيخين طرف بني حارثة حتى بلغ المذاد فقطع لكل عشرة أربعين ذراعا.
وتنافس المهاجرون والأنصار في سلمان الفارسيّ، وكان رجلا قويّا، فقال المهاجرون:
سلمان منّا! وقالت الأنصار: سلمان منّا،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سلمان من أهل البيت» .
وكان سلمان يعمل عمل عشرة رجال» ، حتّى عانه قيس بن أبي صعصعة فلبط به،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مروه فليتوضأ له، وليغتسل به سلمان، وليكفأ الإناء خلفه، ففعل فكأنما حل من عقال» .
قال أنس بن مالك: وحفر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحمل التّراب على ظهره، حتى أن الغبار علا ظهره وعكنة.
وقالت أم سلمة رضي الله عنها: ما نسيت يوم الخندق، وهو يعاطيهم اللّبن، وقد اغبرّ شعره، تعني النبي صلى الله عليه وسلم. رواه الإمام أحمد برجال الصحيح وأبو يعلى.
وروى محمد بن عمر عن البراء رضي الله عنه قال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل التّراب على ظهره، حتى حال التّراب بيني وبينه، وإني لأنظر إلى بياض بطنه.
وكان من فرغ من المسلمين من حصّته عاد إلى غيره فأعانه حتى كمل الخندق.
ولم يتأخّر عن العمل في الخندق أحد من المسلمين، وكان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ينقلان التّراب في ثيابهما- إذ لم يجدا مكاتل- من العجلة، وكانا لا يفترقان في عمل، ولا مسير ولا منزل.