الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر اختلاف الصحابة رضي الله عنهم فيما يفعل بالأسرى
روى الإمام أحمد عن أنس، وابن مردويه عن أبي هريرة، وابن أبي شيبة، والإمام أحمد، والترمذي وحسنه، وابن المنذر، والطبراني، وغيرهم، عن ابن مسعود. وابن مردويه، عن ابن عباس. وابن المنذر، وأبو الشيخ، وابن مردويه، وأبو نعيم، عن ابن عمر: أنه لما كان يوم بدر جيء بالأسرى وفيهم العباس، أسره رجل من الأنصار: وقد وعدته الأنصار أن يقتلوه، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لم أنم الليلة من أجل عمّي العباس، وقد زعمت الأنصار أنهم قاتلوه» ، فقال له عمر: أفآتيهم؟ قال: «نعم» ، فأتى عمر الأنصار فقال لهم: أرسلوا العباس، فقالوا: لا والله لا نرسله، فقال لهم عمر: فإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي، قالوا: فإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي فخذه، فأخذه عمر، فلما صار في يده، قال له: يا عباس أسلم، فو الله لئن تسلم أحب إلي من أن يسلم الخطّاب، وما ذاك إلا لما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه إسلامك. فاستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس.
فقال: ما ترون في هؤلاء الأسرى؟ أن الله قد أمكنكم منهم، وإنما هم إخوانكم بالأمس.
فقال أبو بكر: يا رسول الله أهلك وقومك، قد أعطاك الله الظّفر ونصرك عليهم، هؤلاء بنو العمّ والعشيرة والإخوان استبقهم، وإني أرى أن تأخذ الفداء منهم، فيكون ما أخذنا منهم قوّة لنا على الكفّار، وعسى الله أن يهديهم بك، فيكونوا لك عضدا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
قال: يا رسول الله قد كذّبوك وأخرجوك وقاتلوك، ما أرى ما رأى أبو بكر، ولكن أرى أن تمكّنني من فلان- قريب لعمر- فأضرب عنقه وتمكّن عليّا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من فلان- أخيه- حتى يضرب عنقه، حتى ليعلم الله تعالى إنه ليست في قلوبنا مودة للمشركين، هؤلاء صناديد قريش وأئمتهم وقادتهم فاضرب أعناقهم، ما أرى أن يكون لك أسرى، فإنما نحن راعون مؤلّفون.
وقال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله أنظر واديا كثير الحطب فأضرمه عليهم نارا.
فقال العبّاس وهو يسمع ما يقول: قطعت رحمك. قال أبو أيوب: فقلنا- يعني الأنصار- إنما يحمل عمر على ما قال حسد لنا.
فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت، فقال أناس: يأخذ بقول أبي بكر، وقال أناس: يأخذ بقول عمر، وقال أناس: يأخذ بقول عبد الله بن رواحة، ثم خرج فقال: «إن الله تعالى ليليّن
قلوب أقوام فيه حتى تكون ألين من اللّبن، وأن الله تعالى ليشدّ قلوب أقوام فيه حتى تكون أشدّ من الحجارة، مثلك يا أبا بكر في الملائكة مثل ميكائيل ينزل بالرحمة، ومثلك في الأنبياء مثل إبراهيم قال: فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [إبراهيم 36] ومثلك يا أبا بكر مثل عيسى ابن مريم إذ قال: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة 118] ، ومثلك يا عمر في الملائكة مثل جبريل ينزل بالشدة والبأس والنقمة على أعداء الله تعالى، ومثلك في الأنبياء مثل نوح إذ قال: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً [نوح 26] ومثلك في الأنبياء مثل موسى، إذ قال: رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ [يونس 88] لو اتّفقتما ما خالفتكما، أنتم عالة فلا يفلتن منكم أحد إلا بفداء أو ضرب عنق» ، فقال عبد الله بن مسعود: يا رسول الله إلّا سهيل ابن بيضاء فإني سمعته يذكر الإسلام، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عبد الله: فما رأيتني في يوم أخاف أن تقع عليّ الحجارة من السماء منّي في ذلك اليوم حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إلّا سهيل ابن بيضاء» فلما كان من الغد غدا عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وهما يبكيان، فقال: يا رسول الله ما يبكيكما؟ فإن وجدت بكاء بكيت وإلّا تباكيت لبكائكما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن كاد ليمسّنا في خلاف ابن الخطاب عذاب عظيم، ولو نزل العذاب ما أفلت منه إلا ابن الخطاب، لقد عرض عليّ عذابكم أدنى من هذه الشجرة»
- لشجرة قريبة منه- وأنزل الله تعالى: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ بالتاء والياء- لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ يبالغ في قتل الكفار تُرِيدُونَ أيها المؤمنون عَرَضَ الدُّنْيا حُطامها بأخذ الفداء وَاللَّهُ يُرِيدُ لكم الْآخِرَةَ أي ثوابها بقتلهم وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال 67] ثم نسخ ذلك بقوله تعالى:
فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً [محمد 4] لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ بإحلال الغنائم والأسارى لكم لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ من الفداء عَذابٌ عَظِيمٌ، فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الأنفال 68، 69] .
واستعمل صلى الله عليه وسلم على الأسرى شقران غلامه، فأحذوه من كل أسير ما لو كان حرّا ما أصابه في المقسم.
وروى ابن أبي شيبة والترمذي وحسنه، والنسائي، وابن سعد، وابن جرير، وابن حبان، والبيهقي، عن علي رضي الله عنه قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، أن الله تعالى قد كره ما صنع قومك في أخذهم فداء الأسرى، وقد أمرك أن تخيّرهم بين أمرين: إما أن يقدّموا فتضرب أعناقهم وإما أن يأخذوا منهم الفداء، على أن يقتل منهم عدّتهم، فدعا