الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر بعض ما قيل في هذه الغزوة من الأشعار
قال كعب بن مالك رضي الله عنه يذكر إجلاء بني النّضير وقتل ابن الأشرف:
لقد خزيت بغدرتها الحبور
…
كذاك الدّهر ذو صرف يدور
وذلك أنّهم كفروا بربّ
…
عزير أمره أمر كبير
وقد أوتوا معا فهما وعلما
…
وجاءهم من الله النّذير
نذير صادق أدّى كتابا
…
وآيات مبيّنة تنير
فقالوا: ما أتيت بأمر صدق
…
وأنت بمنكر منّا جدير
فقال: بلى، لقد أدّيت حقّا
…
يصدّقني به الفهم الخبير
فمن يتبعه يهد لكلّ رشد
…
ومن يكفر به يجز الكفور
فلمّا أشربوا غدرا وكفرا
…
وجدّ بهم عن الحقّ النّفور
أرى الله النّبيّ برأي صدق
…
وكان الله يحكم لا يجور
فأيّده وسلّطه عليهم
…
وكان نصيره نعم النّصير
فغودر منهم كعب صريعا
…
فزلّت بعد مصرعه النّضير
على الكفّين ثمّ وقد علته
…
بأيدينا مشهّرة ذكور
بأمر محمّد إذ دسّ ليلا
…
إلى كعب أخا كعب يسير
فماكره فأنزله بمكر
…
ومحمود أخو ثقة جسور
فتلك بنو النّضير بدار سوء
…
أبارهم بما اجترموا المبير
غداة أتاهم في الزّحف رهوا
…
رسول الله وهو بهم بصير
وغسّان الحماة مؤازروه
…
على الأعداء وهو لهم وزير
وقال: السّلم ويحكم فصدّوا
…
وحالف أمرهم كذب وزور
فذاقوا غبّ أمرهم وبالا
…
لكّلّ ثلاثة منهم بعير
وأجلوا عامدين لقينقاع
…
وغودر منهم نخل ودور
تنبيهات
الأول: النضير- بفتح النون وكسر الضاد المعجمة السّاقطة-: حيّ من يهود دخلوا في العرب وهم على نسبهم إلى هارون نبيّ الله تعالى صلى الله عليه وسلم، وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء فيما خلا، وكان الله تعالى قد كتب عليهم هذا الجلاء.
الثاني: قال في الهدي: زعم محمد بن شهاب الزّهريّ أنّ غزوة بني النّضير كانت بعد بدر بسّتة أشهر، وهذا وهم منه وغلط، بل الذي لا شك فيه أنّها كانت بعد أحد، انتهى.
والزّهريّ إنما نقل ذلك عن عروة ورواه الحاكم وصححه، وأقرّه الذهبيّ والبيهقي عن عائشة رضي الله عنها، لكن قال البيهقيّ: هكذا قال، أي أحد رواته عن الزهري، عن عروة عن عائشة وذكر عائشة غير محفوظ، وتقدّم كلام ابن كثير في ذلك، وفي آخر غزوة بني قينقاع فراجعه.
الثالث: روى الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: حرّق رسول الله صلى الله عليه وسلم نخل بني النّضير وقطع، وهي البويرة، فنزلت ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ [ (1) ][الحشر 5] .
وروي أيضا عنه إن النبي صلى الله عليه وسلم حرق نخل بني النّضير. قال ابن عمر: ولها يقول حسان بن ثابت:
وهان على سراة بني لؤيّ
…
حريق بالبويرة مستطير
قال: فأجابه أبو سفيان بن الحراث، أي قبل إسلامه:
أدام الله ذلك من صنيع
…
وحرّق في جوانبها السّعير
ستعلم أيّنا منها بنزه
…
وتعلم أيّ أرضينا تضير
قال الحافظ: ونسبة هذه الأبيات لحسان بن ثابت وجوابها لأبي سفيان بن الحارث هو المشهور كما في الصحيح. ونقل أبو الفتح عن أبي عمرو الشيبانيّ أن الذي قال «وهان على سراة بني لؤيّ» هو أبو سفيان بن الحارث، وإنما قال:«عزّ» بدل «هان» وأن الذي أجابه بقوله: «أدام الله ذلك من صنيع» البيتين هو حسان، قال: وهو أشبه من الرواية التي وقعت في البخاري.
قال الحافظ ولم يذكر مستندا للترجيح: والذي يظهر أن الذي في الصحيح أصحّ، وذلك أن قريشا كانوا يظاهرون كلّ من عادى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعدونهم النصر والمساعدة، فلما وقع لبني النّضير من الخذلان ما وقع قال حسان الأبيات المذكورة، توبيخا لقريش، وهم بنو لؤيّ كيف خذلوا أصحابهم.
وقد ذكر ابن إسحاق أن حسان قال ذلك في غزوة بني قريظة، وإنما ذكر بني النّضير استطرادا، وستأتي الأبيات بكمالها في غزوة بني قريظة.
وفي جواب أبي سفيان بن الحارث في قوله «وتعلم أيّ أرضينا تضير» ما يرجّح ما وقع في الصحيح، لأن أرض بني النضير تجاور أرض الأنصار، فإذا خربت أضرّت بما جاورها بخلاف أرض قريش، فإنّها بعيدة منها بعدا شديدا، فلا نبالي بخرابها، فكأنّ أبا سفيان يقول:
[ (1) ] أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير (3021) .
تخريب أرض بني النضير وتحريقها إنما يضرّ أرض من جاورها، وأرضكم التي تجاورها، فهي التي تتضرّر لا أرضنا، ولا يتهيأ مثل هذا في عكسه إلا بتكلّف.
وكان من أنكر استبعد أن يدعو أبو سفيان بن الحارث على أرض الكفرة مثله بالتحريق في قوله:
أدام الله ذلك من صنيع والجواب عنه أن اسم الكفر وإن جمعهم لكنّ العداوة الدّينيّة كانت قائمة بينهم، لما بين أهل الكتاب وعبدة الأوثان من التّباين، وأيضا فقوله:
وحرّق في نواحيها السّعير يريد بنواحيها المدينة، فيرجع ذلك الدعاء على المسلمين أيضا.
الرابع: في بيان غريب ما سبق:
البراز- بفتح الموحدة وكسرها-: الفضاء الواسع الخالي من الشجر.
الخناجر- بفتح الخاء المعجمة وبالجيم المكسورة- جمع خنجر، وهو السّكّين الكبير.
فتك به فتكا من بابي ضرب وقتل، وبعضهم يقول: فتكا بتثليث الفاء، أي بطش به، أو قتله على غفلة، وهذا هو المراد هنا.
معونة- بميم مفتوحة فعين مهملة مضمومة- اسم ماء لبني عامر بن صعصعة، وهو بفتح الصادين والعين الثانية المهملات وسكون العين الأولى.
قناة- بفتح القاف وبالنون- تقدّم في أحد.
وادعهما: صالحهما.
قال معهما: من قال يقيل قيلا وقيلولة، أي نام نصف النهار. والقائلة: اسم القيلولة.
شعرت: علمت.
الحلف- بكسر الحاء المهملة وسكون اللام- المعاقدة والمعاهدة على التّعاضد والاتّفاق.
تناجوا: تسارّوا الكلام.
النادي: مجلس القوم ومتحدّثهم.
النّضرى (بالنون والضاد المعجمة) .