الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وروى عبد الرزاق وابن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر، عن عكرمة- زاد ابن جرير في رواية عنه: عن ابن عباس، وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه، عن أبي هريرة رضي الله عنهم: أنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم بمكة قبل يوم بدر سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ. قال عمر بن الخطاب: قلت: يا رسول الله، أيّ جمع يهزم؟
فلما كان يوم بدر وانهزمت قريش نظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم، مصلتا بالسيف وهو يثب ويقول:«سَيُهزم الجمع ويولّون الدّبر»
فعرفت تأويلها، وكان انهزام القوم حين زالت الشمس من يوم الجمعة.
وروى الفريابيّ وابن أبي شيبة والإمام أحمد والترمذي وحسّنه ابن سعيد عن عكرمة قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما فرغ من أهل بدر: عليك بالعير ليس دونها شيء، فناداه العباس وهو أسير في وثاقه: إنه لا يصلح ذاك لك، قال:«لمه؟» قال: لأن الله تعالى وعدك إحدى الطائفتين، فقد أعطاك ما وعدك، قال:«صدقت» .
وذكر الأمويّ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف هو وأبو بكر بالقتلى ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
نفلّق هاما
…
فيقول أبو بكر:
…
من رجال أعزّة
…
علينا، وهم كانوا أعقّ وأظلما
وروى البخاري عن جبير بن مطعم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في أسارى بدر: «لو كان المطعم بن عدي حيّا، ثم كلّمني في هؤلاء النّتني لتركتهم له» ،
أى تركتهم أحياء، ولما قتلتهم من غير فداء، إكراما له وقبولا لشفاعته، فإنه كان ممنّ قام في نقض الصّحيفة [ (1) ] .
ذكر سحب كفار قريش إلى بدر وما وقع في ذلك من الآيات
روى مسلم والنسائي عن عمر بن الخطاب، والشيخان عن أبي طلحة، وابن إسحاق، والإمام أحمد، ومسلم عن أنس، والشيخان من طريق عروة، عن ابن عمر، والطبراني برجال الصحيح، عن ابن مسعود، والإمام أحمد برجال ثقات، عن عائشة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يريهم مصارع أهل بدر بالأمس، يقول: هذا مصرع فلان غدا إن شاء الله- ووضع يده بالأرض- وهذا مصرع فلان غدا إن شاء الله، وهذا مصرع فلان غدا إن شاء الله.
قال عمر:
فو الذي بعثه بالحق ما أخطئوا الحدود التي حدّها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعلوا يصرعون عليها فجعلوا في طويّ من أطواء بدر، خبيث مخبث بعضهم على بعض.
[ (1) ] أخرجه البخاري في كتاب الخمس (3139) .
قال أبو طلحة: وكانوا بضعة- وفي رواية أربعة- وعشرين.
قالت عائشة: إلا ما كان من أمية بن خلف فإنه انتفخ في درعه فملأها، فذهبوا ليحرّكوه فتزايل، فأقرّوه وألقوا عليه ما غيّبه من التراب والحجارة. وقال أبو طلحة: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أظهره الله على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال.
وقال أنس: ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم قتلى بدر ثلاثا، ثم أتاهم. قال أبو طلحة: فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم براحلته فشدّ عليها رحلها، ثم مشى وتبعه أصحابه، وقالوا: ما نرى ينطلق إلا لبعض حاجته، حتى قام على شفا البئر، وفي لفظ على شفير الرّكيّ.
وفي بعض الروايات عن أنس: أن ذلك كان ليلا، فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم: يا فلان بن فلان، ويا فلان بن فلان، ويا فلان بن فلان،
وفي رواية: «يا أبا جهل بن هشام، يا أمية بن خلف، يا عتبة بن ربيعة، يا شيبة بن ربيعة، أيسرّكم أنكم أطعتم الله ورسوله؟ هل وجدتم ما وعد الله ورسوله حقّا، فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقّا، بئس عشيرة النّبيّ كنتم لنبيّكم، كذّبتموني وصدّقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس، وقاتلتموني ونصرني الناس، فجزاكم الله عني من عصابة شرّا، خوّنتموني أمينا، وكذّبتموني صادقا» . فقال عمر: يا رسول الله، أتناديهم بعد ثلاث، كيف تكلم أجسادا لا أرواح فيها؟ وفي لفظ: كيف يسمعون أو أني يجيبون وقد جيّفوا؟ فقال: «ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، إنهم الآن يسمعون ما أقول لهم، غير أنهم لا يستطيعون أن يردّوا علينا شيئا»
[ (1) ] .
قال قتادة: أحياهم الله تعالى حتى أسمعهم قوله، توبيخا لهم، وتصغيرا ونقمة وحسرة وندامة.
قال عروة: فبلغ عائشة قول ابن عمر، فقالت: ليس هكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم،
إنما قال: «إنهم ليعلمون الآن الذي كنت أقول لهم حقّا، إنهم تبوّؤوا مقاعدهم من جهنم»
[ (2) ] أن الله تعالى يقول: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى [النمل 80] وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ، إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ [فاطر 22، 23]
وفي رواية عند الإمام أحمد من طريقين رجالهما ثقات، عن عائشة: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أنتم بأفهم لقولي منهم» ، أو «لهم أفهم لقولي منكم»
[ (3) ] .
وروى البزار والطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: لما جيء بأبي جهل يجرّ إلى القليب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو كان أبو طالب حيّا لعلم أنّ أسيافنا قد التبست
[ (1) ] الجزء الأخير أخرجه البخاري 2/ 122 ومسلم 4/ 2203 (76- 2873) .
[ (2) ] أخرجه البخاري 3/ 274 (1371) ومسلم في كتاب الجنائز (26) .
[ (3) ] أخرجه أحمد في المسند 6/ 170 وذكره الهيثمي في المجمع 6/ 90.
بالأنامل» [ (1) ] ،
ولفظ الطبرانيّ وغيره. ولذلك يقول أبو طالب:
كذبتم وبيت الله نخلي محمّدا
…
ولمّا نطاعن حوله ونناضل
ونسلمه حتّى نصرّع حوله
…
ونذهل عن أبنائنا والحلائل
وينهض قوم في الحديد إليكم
…
نهوض الرّوايا تحت ذات الصّلاصل
وحتّى يرى ذا الضّغن يركب درعه
…
من الطعن فعل الأنكب المتحامل
وإنّا لعمر الله إن جدّ ما أرى
…
لتلتبسن أسيافنا بالأماثل
قال ابن إسحاق: وقال حسان بن ثابت:
عرفت ديار زينب بالكثيب
…
كخطّ الوحي في الورق القشيب
تداولها الرّياح وكلّ جون
…
من الوسميّ منهمر سكوب
فأمسى رسمها خلقا وأمست
…
يبابا بعد ساكنها الحبيب
فدع عنك التّذكّر كلّ يوم
…
وردّ حرارة الصّدر الكئيب
وخبّر بالّذي لا عيب فيه
…
بصدق غير إخبار الكذوب
بما صنع المليك غداة بدر
…
لنا في المشركين من النّصيب
غداة كأنّ جمعهم حراء
…
بدت أركانه جنح الغروب
فلاقيناهم منّا بجمع
…
كأسد الغاب مردان وشيب
أمام محمّد قد وازروه
…
على الأعداء في لفح الحروب
بأيديهم صوارم مرهفات
…
وكلّ مجرّب خاظي الكعوب
بنو الأوس الغطارف وازرتها
…
بنو النّجّار في الدّين الصّليب
فغادرنا أبا جهل صريعا
…
وعتبة قد تركنا بالجبوب
وشيبة قد تركنا في رجال
…
ذوي حسب إذا نسبوا حسيب
يناديهم رسول الله لمّا
…
قذفناهم كباكب في القليب
ألم تجدوا كلامي كان حقّا
…
وأمر الله يأخذ بالقلوب
فما نطقوا ولو نطقوا لقالوا
…
صدقت وكنت ذا رأي مصيب
قال ابن إسحاق: ولما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم أن يلقوا في القليب أخد عتبة بن ربيعة فسحب إلى القليب، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني- في وجه أبي حذيفة بن عتبة فإذا هو كئيب قد تغيّر فقال:«يا أبا حذيفة، لعلك قد داخلك من شأن أبيك شيء»
- أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا، والله يا رسول الله ما شككت في أبي ولا في مصرعه، ولكن كنت
[ (1) ] ذكره الهيثمي في المجمع 6/ 83 وعزاه للبزار وقال: فيه حيان بن علي وهو ضعيف.