الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان أبو هريرة رضي الله عنه يقول: حدّثوني عن رجل دخل الجنة ولم يصلّ قط فإذا لم يعرفه الناس سألوه من هو فيقول: هو أصيرم بني عبد الأشهل.
قال في الإصابة: فجمع بين الروايتين بأنّ الذين قالوا له أولا: «إليك عنا» قوم من المسلمين من غير قومه بني عبد الأشهل. وبأنّهم لمّا وجدوه في المعركة حملوا إلى بعض أهله.
ذكر مقتل حنظلة رضي الله عنه
روى ابن إسحاق عن محمود بن لبيد، وابن سعد عن عروة وأبو نعيم، عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن جده قالوا: لمّا انكشف المشركون ضرب حنظلة فرس أبي سفيان بن حرب فوقع على الأرض، فصاح وحنظلة يريد ذبحه، فأدركه الأسود بن شدّاد- ويقال له: ابن شعوب- بفتح الشين المعجمة وضم العين المهملة وآخره موحدة- ووقع في بعض نسخ العيون شداد بن الأسود وليس بصواب- فحمل على حنظلة بالرمح فأنفذه، ومشى إليه حنظلة في الرمح وقد أثبته، ثم ضرب الثانية فقتله، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال: «إني رأيت الملائكة تغسّله بين السماء والأرض بماء المزن في صحاف الفضّة» [ (1) ] .
قال أبو أسيد الساعديّ- وهو بضم الهمزة- فذهبنا إليه فإذا رأسه يقطر ماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«فاسألوا أهله ما شأنه؟» فسألوا صاحبته عنه، فقالت: خرج وهو جنب حين سمع الهاتفة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«فلذلك غسّلته الملائكة» .
قال محمد بن عمر: وصاحبته أي زوجته وهي جميلة بنت أبي ابن سلول، دخلت عليه في تلك الليلة التي في صبيحتها أحد، وكان قد استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فأذن له، فلما صلّى الصبح غدا يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلزمته جميلة، فعاد فكان معها فأجنب منها، وقد أرسلت إلى أربعة من قومها فأشهدتهم على الدخول بها خشية أن يكون في ذلك نزاع، فقيل لها: لم أشهدت؟ فقالت: رأيت كأنّ السّماء قد فرجت فدخل فيها ثم أطبقت، فقلت: هذه الشّهادة. وعلقت بعبد الله بن حنظلة، رضي الله عنهما.
ذكر مقتل عمرو بن الجموح وعبد الله بن حرام رضي الله عنهما
كان عمرو أعرج شديد العرج، وكان له بنون أربعة مثل الأسد، يشهدون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد، وهم خلّاد ومعوّذ ومعاذ وأبو أيمن، فلما كان يوم أحد أرادوا حبسه
[ (1) ] ذكره المتقي الهندي في الكنز (33257) .
وقالوا: أن الله قد عذرك. فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن بنيّ يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه وللخروج معك فيه، فو الله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أما أنت فقد عذرك الله تعالى، فلا جهاد عليك» ،
وقال لبنيه: ما عليكم ألّا تمنعوه لعل الله أن يرزقه الشّهادة، فخرج وهو يقول مستقبل القبلة: اللهم لا تردّني إلى أهلي خائبا، فقتل شهيدا!
وروى الإمام أحمد عن قتادة بن الحارث بن ربعي الأنصاريّ قال: أتى عمرو بن الجموح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أرأيت إن قاتلت في سبيل الله حتى أقتل، أمشي برجلي هذه صحيحة في الجنة- وكانت رجله عرجاء- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«نعم» ، فقتلوه يوم أحد وهو وابن أخيه ومولى لهم، فمر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«كأني أنظر إليك تمشي برجلك هذه صحيحة في الجنّة» ، فأمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلوا في قبر واحد.
انتهى. [ (1) ] .
واستشهد ابنه خلّاد بن عمرو، وعبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر فحملتهم هند بنت عمرو بن حرام زوجة عمرو بن الجموح على بعير لها تريد بهم المدينة، فلقتها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنهما وقد خرجت في نسوة تستروح الخبر، ولم يضرب الحجاب يومئذ، فقالت لها: هل عندك خبر؟ ما وراءك؟ قالت: أمّا رسول الله صلى الله عليه وسلم فصالح وكلّ مصيبة بعده جلل. واتّخذ الله من المؤمنين شهداء وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً، وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً [الأحزاب 25] قالت عائشة:
من هؤلاء؟ قالت: أخي وابني خلّاد، وزوجي عمرو بن الجموح. قالت: وأين تذهبين بهم؟
قالت: إلى المدينة أقبرهم فيها، ثم قالت: حل حل، تزجر بعيرها، فبرك، فقالت لها عائشة: لما عليه؟ قالت: ما ذاك به لربّما حمل ما يحمل بعيران، ولكن أراه لغير ذلك، وزجرته فقام وبرك، فوجّهته راجعة إلى أحد،
فأسرع فرجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته بذلك، فقال: إنّ الجمل مأمور، هل قال عمرو شيئا؟ قالت: إن عمرا لمّا توجّه إلى أحد قال: اللهم لا تردّني إلى أهلي خائبا وارزقني الشهادة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«فلذلك الجمل لا يمضي، إنّ منكم- معشر الأنصار- من لو أقسم على الله لأبره. منهم عمرو بن الجموح، ولقد رأيته [يطأ] بعرجته في الجنّة، يا هند، ما زالت الملائكة مظلّة على أخيك من لدن قتل إلى الساعة ينتظرون أين يدفن» ، ثم مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبرهم، ثم قال:«يا هند، قد ترافقوا في الجنة» قالت: يا رسول الله، ادع الله عسى أن يجعلني معهم.
[ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 5/ 299.