الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فذكر لهم ذلك، فقالوا: يا رسول الله عشائرنا وإخواننا تأخذ منهم الفداء، فتتقوّى به على قتال عدوّنا، ويستشهد منا عدّتهم فليس في ذلك ما يكره، وأقام صلى الله عليه وسلم بالعرصة ثلاثا.
ذكر رحيل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وقسمة الغنائم وقتل جماعة من الأسرى
وارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا إلى المدينة وهو مؤيّد منصور، قرير العين بنصر الله تعالى، ومعه الأسارى من المشركين، فيهم عقبة بن أبي معيط، والنّضر بن الحارث، ومعه النّفل الذي أصيب، فلما خرج من مضيق الصفراء نزل على كثيب بين المضيق وبين النازية يقال له: سير- إلى سرحة به، فقسّم هناك النّفل الذي أفاءه الله على المسلمين من المشركين [على السواء]، وقيل: بل استعمل عليها خبّاب بن الأرتّ، وكان فيها مائة وخمسون من الإبل ومتاع وأنطاع وثياب وأدم كثير، حمله المشركون للتجارة، فغنمه المسلمون، وكانت الخيل التي غنمها عشرة أفراس، وأصابوا سلاحا كثيرا، وجمل أبي جهل، فصار للنبي صلى الله عليه وسلم، فلم يزل عنده يضرب في إبله ويغزو عليه، حتى ساقه في هدي الحديبية. ولمّا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تقسّم الغنائم على السّواء
قال سعد بن معاذ: يا رسول الله أتعطي فارس القوم الذي يحميهم مثل ما تعطي الضعيف؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثكلتك أمّك، وهل تنصرون إلا بضعفائكم؟!»
ونادى مناديه صلى الله عليه وسلم: «من قتل قتيلا فله سلبه ومن أسر أسيرا فهو له» . وكان يعطي من قتل قتيلا سلبه، وأمر بما وجد في العسكر وما أخذوا بغير قتال فقسمه بينهم. وكانت السّهمان على ثلاثمائة وسبعة عشر سهما، والرجال ثلاثمائة وثلاثة عشر، والخيل فرسان لهما أربعة أسهم. وثمانية نفر لم يحضروا القتال، ضرب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهامهم وأجورهم، ثلاثة من المهاجرين، وهم عثمان بن عفان- خلّفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنته رقيّة فماتت يوم قدوم زيد بن حارثة، وطلحة بن عبيد الله، وسعيد بن زيد، بعثهما رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحسّسان خبر العير، ومن الأنصار أبو لبابة بن عبد المنذر، خلّفه على المدينة، وعاصم بن عديّ خلّفه على أهل قباء وأهل العالية، والحارث بن حاطب أمره بأمر في بني عمرو بن عوف، وخوّات بن جبير كسر بالرّوحاء، والحارث بن الصّمّة كسر بالرّوحاء أيضا. وروي أنه ضرب لسعد بن عبادة وسعد بن مالك السّاعديّ، ورجلين آخرين من الأنصار بسهامهم وأجورهم.
وروى الحارث بن أسامة، والحاكم، عن جعفر بن محمد، عن أبيه: إن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ممّن ضرب له بسهمه وأجره، وضرب لأربعة عشر رجلا قتلوا ببدر، وأحذى مماليك حضروا بدرا ولم يقسم لهم.
روى البزار والطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: شهد بدرا مع النبي صلى الله عليه وسلم عشرون رجلا من الموالي، وتنفّل صلى الله عليه وسلم سيفه ذا الفقار، وقال لنبيه بن الحجّاج وكان من صفي رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أخذ سهمه مع المسلمين، وفيه جمل أبي جهل وكان مهريا.
وبالصفراء توفي عبيدة بن الحارث رضي الله عنه من مصاب رجله، فقالت هند بنت أثاثة بن عباد بن عبد المطلب ترثيه:
لقد ضمّن الصّفراء مجدا وسؤددا
…
وحلما أصيلا وافر اللّبّ والعقل
عبيدة فابكيه لأضياف غربة
…
وأرملة تهوي لأشعث كالجذل
وبكّيه للإبرام في كلّ شنوة
…
إذا احمرّ آفاق السّماء من المحل
وبكّيه للأيتام والرّيح زفزف
…
وتشبيب قدر طالما أزبدت تغلي
فإن تصبح النّيران قد مات ضوؤها
…
فقد كان يذكيهنّ بالحطب الجزل
لطارق ليل أو لملتمس القرى
…
ومستنبح أضحى لديه على رسل
وبها قتل النضر بن الحارث بن كلدة، قتله علي بن أبي طالب رضي الله عنه صبرا بالسيف بالأثيل. وقالت قتيلة بنت الحارث- كذا قيل، والصواب أنها بنت النّضر لا أخته- ترثيه. وأسلمت بعد ذلك. نقله أبو عمر وأبو الفتح في منهج المدح، ولم يستحضر ذلك الحافظ فقال في الإصابة: لم أر التصريح بإسلامها، لكن إن كانت عاشت إلى الفتح فهي من جملة الصحابيات:
يا راكبا إنّ الأثيل مظنّة
…
من صبح خامسة وأنت موفّق
أبلغ بها ميتا بأنّ تحيّة
…
ما إن تزال بها الرّكائب تخفق
منّي إليك وعبرة مسفوحة
…
جادت بواكفها وأخرى تخنق
هل يسمعنّي النّضر إن ناديته
…
أم كيف يسمع ميّت لا ينطق
أمحمّد يا خير ضنء كريمة
…
في قومها والفحل فحل معرق
ما كان ضرّك لو مننت وربّما
…
منّ الفتى وهو المغيظ المحنق
أو كنت قابل فدية فلينفقن
…
بأعزّ ما يغلو به ما ينفق
فالنّضر أقرب من وصلت قرابة
…
وأحقّهم إن كان عتق يعتق
ظلّت سيوف بني أبيه تنوشه
…
لله أرحام هناك تشقّق
صبرا يقاد إلى المنيّة متعبا
…
رسف المقيّد وهو عان موثق
فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى حتى اخضلّت لحيته، وقال:«لو بلغني شعرها قبل أن أقتله ما قتلته» .
قال أبو عمر: هذا لفظ عبد الله بن إدريس، وفي رواية الزبير بن بكار: فرّق لها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دمعت عيناه،
وقال لأبي بكر: «لو سمعت شعرها لم أقتل أباها» .
قال الزبير بن بكّار: سمعت بعض أهل العلم يغمز هذه الأبيات ويقول إنها مصنوعة، وذكر الجاحظ في آخر كتاب البيان أن اسمها ليلى، وأنها جذبت رداء النبي صلى الله عليه وسلم وهو يطوف، وأنشدته الأبيات المذكورة.
ولمّا بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عرق الظّبية أمر بقتل عقبة بن أبي معيط، فقال: يا محمد من للصّبية. قال: «النار» .
فقال: أأقتل من بين قريش صبرا؟! فقال عمر: حنّ قدح ليس منها، فقتله عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح الأنصاريّ في قول ابن إسحاق، وقال ابن هشام: قتله علي بن أبي طالب. فالله أعلم. والذي أسره عبد الله بن سلمة- بكسر اللام- وصدق الله تعالى ورسوله في قوله لعقبة: إن وجدتك خارج مكة ضربت عنقك صبرا.
وروى الطبراني عن ابن عباس قال: قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر ثلاثة صبرا: قتل النضر بن الحارث، وطعيمة بن عديّ، وعقبة بن أبي معيط.
ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالرّوحاء لقيه المسلمون يهنئونه بما فتح الله تعالى عليه ومن معه من المسلمين، فقال لهم سلمة بن سلامة بن وقش: ما الذي تهنّئوننا به؟
فو الله إن لقينا به إلا عجائز صلعا كالبدن المعقّلة فنحرناها، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم،
قال ابن هشام: الملأ: الأشراف والرؤساء.
قال محمد بن عمر الأسلميّ: ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل المدينة قبل الأسارى بيوم مؤيّدا منصورا قد خافه كلّ عدوّ له بالمدينة وحولها، فأسلم بشر كثير من أهل المدينة، وحينئذ دخل عبد الله بن أبيّ بن سلول في الإسلام ظاهرا، وقالت اليهود: تيقّنّا أنه النبيّ الذي نجد نعته في التّوراة.
ودخل صلى الله عليه وسلم من ثنية الوداع. قال في الإمتاع: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة رجوعه من بدر يوم الأربعاء الثاني والعشرين من رمضان، وتلقّاه الولائد بالدّفوف وهن يقلن:
طلع البدر علينا
…
من ثنيّات الوداع
وجب الشّكر علينا
…
ما دعا لله داع
ويرحم الله الإمام العلامة ابن جابر حيث قال:
بدا يوم بدر وهو كالبدر حوله
…
كواكب في أفق المواكب تنجلي