الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر بعض ما قاله الصحابة من الشعر في غزوة بدر
قال حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه. قال ابن هشام وأكثر أهل العلم ينكرها
ألم تر أمرا كان من عجب الدّهر
…
وللحين أسباب مبيّنة الأمر
وما ذاك إلا أنّ قوما أفادهم
…
فحانوا تواص بالعقوق وبالكفر
عشية راحوا نحو بدر بجمعهم
…
فكانوا رهونا للرّكيّة من بدر
وكنّا طلبنا العير لم نبغ غيرها
…
فثاروا إلينا فالتقينا على قدر
فلمّا التقينا لم تكن مثنويّة
…
لنا غير طعن بالمثقّفة السّمر
وضرب ببيض يختلي الهام حدّها
…
مشهّرة الألوان بيّنة الأثر
ونحن تركنا عتبة الغيّ ثاويا
…
وشيبة في قتلى تجرجم في الجفر
وعمرو ثوى فيمن ثوى من مماتهم
…
فشقّت جيوب النّائحات على عمرو
جيوب نساء من لؤي بن غالب
…
كرام تفرّعن الذّوائب من فهر
أولئك قوم قتّلوا في ضلالهم
…
وخلّوا لواء غير محتضر النّصر
لواء ضلال قاد إبليس أهله
…
فخاس بهم، إنّ الخبيث إلى غدر
وقال لهم إذ عاين الأمر واضحا
…
برئت إليكم ما بي اليوم من صبر
فإنّي أرى ما لا ترون وإنّني
…
أخاف عقاب الله والله ذو قسر
فقدّمهم للحين حتّى تورّطوا
…
وكان بما لم يخبر القوم ذا خبر
فكانوا غداة البئر ألفا وجمعنا
…
ثلاث مئين كالمسدّمة الزّهر
وفينا جنود الله حين يمدّنا
…
بهم في مقام ثمّ مستوضح الذّكر
فشدّ بهم جبريل تحت لوائنا
…
لدى مأزق فيه إياهم تجري
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه. قال ابن هشام: ولم أر أحدا من أهل العلم يعرفها لعليّ:
ألم تر أن الله أبلى رسوله
…
بلاء عزيز ذي اقتدار وذي فضل
بما أنزل الكفّار دار مذلّة
…
فلاقوا هوانا من إسار ومن قتل
فأمسى رسول الله قد عزّ نصره
…
وكان رسول الله أرسل بالعدل
فجاء بفرقان من الله منزل
…
مبيّنة آياته لذوي العقل
فآمن أقوام بذاك وأيقنوا
…
فأمسوا بحمد الله مجتمعي الشّمل
وأنكر أقوام فزاغت قلوبهم
…
فزادهم ذو العرش خبلا على خبل
وأمكن منهم يوم بدر رسوله
…
وقوما غضابا فعلهم أحسن الفعل
بأيديهم بيض خفاف عصوا بها
…
وقد حادثوها بالجلاء وبالصّقل
فكم تركوا من ناشئ ذي حميّة
…
صريعا ومن ذي نجدة منهم كهل
تبيت عيون النّائحات عليهم
…
تجود بإسبال الرّشاش وبالوبل
نوائح تنعى عتبة الغيّ وابنه
…
وشيبة تنعاه وتنعى أبا جهل
وذا الرّجل تنعى وابن جدعان فيهم
…
مسلّبة حرّى مبيّنة الثّكل
ترى منهم في بئر بدر عصابة
…
ذوي نجدات في الحروب وفي المحل
دعا الغيّ منهم من دعا فأجابه
…
وللغيّ أسباب مرمّقة الوصل
فأضحوا لدى دار الجحيم بمعزل
…
عن الشّغب والعدوان في أشغل الشّغل
وقال كعب بن مالك رضي الله عنه:
عجبت لأمر الله والله قادر
…
على ما أراد، ليس لله قاهر
قضى يوم بدر أن نلاقي معشرا
…
بغوا وسبيل البغي بالنّاس جائر
وقد حشدوا واستنفروا من يليهم
…
من الناس حتى جمعهم متكاثر
وسارت إلينا لا تحاول غيرنا
…
بأجمعها كعب جميعا وعامر
وفينا رسول الله والأوس حوله
…
له معقل منهم عزيز وناصر
وجمع بني النّجّار تحت لوائه
…
يمشّون في الماذيّ والنّقع ثائر
فلمّا لقيناهم وكلّ مجاهد
…
لأصحابه مستبسل النّفس صابر
شهدنا بأنّ الله لا رب غيره
…
وأن رسول الله بالحقّ ظاهر
وقد عرّيت بيض خفاف كأنّها
…
مقاييس يزهيها لعينيك شاهر
بهنّ أبدنا جمعهم فتبدّدوا
…
وكان يلاقي الحين من هو فاجر
فكبّ أبو جهل صريعا لوجهه
…
وعتبة قد غادرنه وهو عاثر
وشيبة والتّيميّ غادرن في الوغى
…
وما منهما إلا لذي العرش كافر
فأمسوا وقود النّار في مستقرّها
…
وكلّ كفور في جهنّم صائر
تلظّى عليهم وهي قد شبّ حميها
…
بزبر الحديد والحجارة ساجر
وكان رسول الله قد قال: أقبلوا
…
فولّوا وقالوا: إنّما أنت ساحر
لأمر أراد الله أن يهلكوا به
…
وليس لأمر حمّه الله زاجر
وقال حسان بن ثابت رضي الله عنه:
تبلت فؤادك في المنام خريدة
…
تسقي الضّجيع ببارد بسّام
كالمسك تخلطه بماء سحابة
…
أو عاتق كدم الذّبيح مدام
نفج الحقيبة بوصها متنضّد
…
بلهاء غير وشيكة الأقسام
بنيت على قطن أجمّ كأنّه
…
فضلا إذا قعدت مداك رخام
وتكاد تكسل أن تجيء فراشها
…
في جسم خرعبة وحسن قوام
أمّا النّهار فلا أفتّر ذكرها
…
واللّيل توزعني بها أحلامي
أقسمت أنساها وأترك ذكرها
…
حتّى تغيّب في الضّريح عظامي
يا من لعاذلة تلوم سفاهة
…
ولقد عصيت على الهوى لوّامي
بكرت عليّ بسحرة بعد الكرى
…
وتقارب من حادث الأيّام
زعمت بأنّ المرء يكرب عمره
…
عدم لمعتكر من الأصرام
إن كنت كاذبة الّذي حدّثتني
…
فنجوت منجى الحارث بن هشام
ترك الأحبّة أن يقاتل دونهم
…
ونجا برأس طمرّة ولجام
تذر العناجيج الجياد بقفرة
…
مرّ الدّموك بمحصد ورجام
ملأت به الفرجين فارمدّت به
…
وثوى أحبّته بشرّ مقام
وبنو أبيه ورهطه في معرك
…
نضر الإله به ذوي الإسلام
طحنتهم والله ينفذ أمره
…
حرب يشبّ سعيرها بضرام
لولا الإله وجريها لتركنه
…
جزر السّباع ودسنه بحوامي
من بين مأسور يشدّ وثاقه
…
صقر إذا لاقى الأسنّة حامي
ومجدّل لا يستجيب لدعوة
…
حتّى تزول شوامخ الأعلام
بالعار والذّلّ المبينّ إذ رأى
…
بيض السيّوف تسوق كلّ همام
بيدي أغرّ إذا انتمى لم يخزه
…
نسب القصار سميدع مقدام
بيض إذا لاقت حديدا صمّمت
…
كالبرق تحت ظلال كلّ غمام
فأجابه الحارث بن هشام- وأسلم بعد ذلك- فقال:
القوم أعلم ما تركت قتالهم
…
حتّى حبوا مهري بأشقر مزبد
وعرفت أني إن أقاتل واحدا
…
أقتل ولا ينكل عدوّي مشهدي
فصددتّ عنهم والأحبّة فيهم
…
طمعا لهم بعقاب يوم مفسد
وكان الأصمعي يقول: هذا أحسن ما قيل في الاعتذار عن الفرار. وكان خلف الأحمر يقول: أحسن ما قيل في ذلك أبيات هبيرة بن أبي وهب المخزوميّ:
لعمرك ما ولّيت ظهري محمّدا
…
وأصحابه جبنا ولا خيفة القتل
ولكنّني قلّبت أمري فلم أجد
…
لسيفي مساغا إن ضربت ولا نبلي
وقفت فلمّا خفت ضيعة موقفي
…
رجعت لعود كالهزبر أبي الشّبل
وإن تقاربا لفظا ومعنى فليس ببعيد من أن يكون الثاني أجود من الأول، لأنه أكثر انتفاء من الجبن ومن خوف القتل، وإنما علّل فراره بعدم إفادة وقوفه فقط، وذلك في الأول جزء علّته، والجزء الآخر قوله: أقتل، وقوله: رموا مهري بأشقر مزبد، يعني الدّم، ويحتمل أن يكون ذلك مقيّدا بكون مشهده لا يضرّ عدوّه، ومع ذلك فالثاني أسلم من ذلك معنى وأصرح لفظا ومعنى.
وقال حسّان أيضا:
قومي الّذين هم آووا نبيّهم
…
وصدّقوه وأهل الأرض كفّار
إلّا خصائص أقوام هم سلف
…
للصّالحين مع الأنصار أنصار
مستبشرين بقسم الله قولهم
…
لمّا أتاهم كريم الأصل مختار
أهلا وسهلا ففي أمن وفي سعة
…
نعم النّبيّ ونعم القسم والجار
فأنزلوه بدار لا يخاف بها
…
من كان جارهم دارا هي الدّار
وقاسموهم بها الأموال إذ قدموا
…
مهاجرين وقسم الجاحد النّار
سرنا وساروا إلى بدر لحينهم
…
لو يعلمون يقين العلم ما ساروا
دلّاهم بغرور ثمّ أسلمهم
…
إنّ الخبيث لمن والاه غدّار
وقال: إنيّ لكم جار، فأوردهم
…
شرّ الموارد فيه الخزي والعار
ثمّ التقينا فولّوا عن سراتهم
…
من منجدين ومنهم فرقة غاروا
وقالت عاتكة بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الطبراني عن مصعب بن عبد الله وغيره من قريش، ورواه الأمويّ عن سعيد بن قطن:
ألمّا تكن رؤياي حقّا ويأتكم
…
بتأويلها فلّ من القوم هارب
رأى فأتاكم باليقين الّذي رأى
…
بعينيه ما تفري السّيوف القواضب
فقلتم- ولم أكذب- كذبت، وإنما
…
يكذبني بالصّدق من هو كاذب
وما فرّ إلّا رهبة الموت هاربا
…
حكيم وقد أعيت عليه المذاهب
أقرّ صياح القوم عزم قلوبهم
…
فهنّ هواء والحلوم عوازب
أقامت سيوف الهند دون رؤوسكم
…
وخطّيّة فيها الشّبا والثّعالب
كأنّ حريق النّار لمع ظباتها
…
إذا ما تعاطتها اللّيوث المشاغب
ألا بأبي يوم اللّقاء محمّدا
…
إذا عضّ من عون الحروب الغوارب
مروا بالسّيوف المرهفات نفوسكم
…
كفاحا كما تمري السّحاب الجنائب
فكم بردت أسيافهم من مليكة
…
وزعزع ورد بعد ذلك صالب