الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وروى عبد الرزاق بسند مرسل قويّ عن الزهري قال: ضرب وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد سبعين ضربة بالسيف، وقاه الله شرّها كلّها.
قال الحافظ: ويحتمل أنه أراد بالسبعين حقيقتها، أو المبالغة في الكثرة. انتهى.
وبايعه يومئذ على الموت ثمانية: ثلاثة من المهاجرين، وهم: عليّ، والزبير، وطلحة.
وخمسة من الأنصار: أبو دجانة، والحارث بن الصّمّة، والحباب بن المنذر، وعاصم بن ثابت، وسهل بن حنيف، فلم يقتل منهم أحد.
وروى أبو يعلى بسند حسن، عن علي رضي الله عنه قال: لما انجلى الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد نظرت في القتلى، فلم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: والله ما كان ليفرّ وما أراه في القتلى، ولكن أرى الله تعالى غضب علينا بما صنعنا، فرفع نبيه صلى الله عليه وسلم، فما لي خير من أن أقاتل حتى أقتل، فكسرت جفن سيفي، ثم حملت على القوم فأفرجوا لي، فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم، أي يقاتلهم صلى الله عليه وسلم.
ذكر تعظيم أجر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما فعله معه المشركون
تكاثر المشركون على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأرادوا قتله. رمى عتبة بن أبي وقاص- لعنه الله- رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربعة أحجار فكسر حجر منها رباعيته اليمنى السّفلى وجرح شفته السّفلى.
قال الحافظ: والمراد بكسر الرّباعية- وهي السّنّ التي بين الثّنيّة والتّاب- أنها كسرت فذهب منها فلقة، ولم تقلع من أصلها.
وروى عبد الرزاق في تفسيره عن مقسم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا على عتبة بن أبي وقاص حين كسر رباعيته ورمى وجهه، فقال: اللهم لا يحول عليه الحول حتى يموت- كافرا، فما حال عليه الحول حتى مات كافرا إلى النار، ورواه أبو نعيم من وجه آخر عن ابن عباس
[ (1) ] .
وروى الحاكم عن حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه: أنه لما رأى ما فعل عتبة برسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله من فعل بك؟ قال: «عتبة بن أبي وقّاص» . قلت: أين توجه؟ فأشار إلى حيث توجّه، فمضيت حتى ظفرت به فضربته بالسيف فطرحت رأسه، فأخذت رأسه وفرسه، وجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم [فسلم] ذلك إليّ، ودعا لي فقال:
مرتين [ (2) ] .
[ (1) ] انظر البداية والنهاية 4/ 30.
[ (2) ] أخرجه البيهقي في السنن 6/ 308 والحاكم في المستدرك 3/ 300.
وروى الخطيب في تاريخ بغداد عن الحافظ محمد بن يوسف الفريابيّ قال: بلغني أن الذين كسروا رباعية رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يولد لهم صبيّ، فنبتت له رباعية.
قال السّهيليّ: ولم يولد من نسل عتبة ولد يبلغ الحلم إلّا وهو أهتم أبخر، يعرف ذلك في عقبه. وشجّه عبد الله بن شهاب الزّهريّ- وأسلم بعد ذلك- في وجهه، وسال الدم من الشّجّة حتى أخضل الدم لحيته الشريفة. نفسي له الفداء.
ورواه عبد الله بن قمئة- بفتح القاف وكسر الميم وبعدها همزة- فشجّ وجنته فدخلت حلقتان من حلق المغفر في وجنته. وعلاه بالسيف. وكان عليه درعان، فوقع صلى الله عليه وسلم في حفرة أمامه على جنبه، وهي من الحفر التي عملها أبو عامر الفاسق ليقع فيها المسلمون وهم لا يعلمون، فأغمي عليه صلى الله عليه وسلم، كما رواه ابن جرير عن قتادة، فأخذ علي بن أبي طالب بيده، ورفعه طلحة حتى استوى قائما فجحشت ركبتاه، ولم يصنع سيف ابن قمئة شيئا إلا وهن الضربة بثقل السيف، ومكث يجد وهن الضّربة على عاتقه شهرا، أو أكثر من شهر. ورمته جماعة كثيرة بالحجارة حتى وقع لشقّه.
وروى الطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه: أن ابن قمئة لمّا رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: خذها وأنا ابن قمئة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أقمأك الله» ، فسلّط الله تعالى عليه تيس جبل، فلم يزل ينطحه حتى قطّعه قطعة قطعة [ (1) ] .
وروى أبو نعيم عن نافع بن عاصم قال: الذي أدمى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن قمئة رجل من هذيل، فسلّط الله تعالى عليه تيسا، فنطحه حتى قتله.
وروى أبو داود الطيالسي وابن حبان عن عائشة قالت: كان أبو بكر إذا ذكر يوم أحد قال: ذلك اليوم كلّه لطلحة، ثم أنشأ يحدّث قال: كنت ممن فاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد فرأيت رجلا يقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم دونه- قال: وأراه قال يحميه- قال: قلت: كن طلحة حيث فاتني ما فاتني، فقلت: يكون رجلا من قومي أحبّ إليّ، وبيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل لا أعرفه، وأنا أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، وهو يخطف خطفا لا أخطفه، فإذا هو أبو عبيدة بن الجراح، فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كسرت رباعيته، وشجّ وجهه، وقد دخل في وجنته حلقتان من حلق المغفر،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليكما صاحبكما، يريد طلحة،
وقد نزف الدّم فتركناه، وذهبت لأنزل ذلك من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو عبيدة:
أقسمت عليك بحقّي لما تركتني، فتركته، وكره أن يتناولها بيده فيؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأزم
[ (1) ] انظر الشفاء للقاضي عياض 2/ 480 فتح الباري 7/ 373.
عليها بفيه فاستخرج إحدى الحلقتين، ووقعت ثنيّته مع الحلقة، وذهبت لأصنع ما صنع، فقال: أقسمت عليك بحقي لما تركتني، ففعل كما فعل في المرة الأولى، فوقعت ثنيّته الأخرى مع الحلقة، فكان أبو عبيدة من أحسن الناس هتما، فأصلحنا من شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أتينا طلحة في بعض تلك الحفر، فإذا به بضع وسبعون أو أقل أو أكثر من طعنة وضربة ورمية، وإذا قد قطعت إصبعه فأصلحنا من شأنه [ (1) ] .
وذكر محمد بن عمر أن طلحة أصيب يومئذ في رأسه، فنزف الدم حتى غشي عليه، فنضح أبو بكر الماء في وجهه حتى أفاق فقال: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: خيرا، هو أرسلني إليك، قال: الحمد لله، كلّ مصيبة بعده جلل.
وفي حديث أبي سعيد الخدري عن محمد بن عمر: أنّ الحلقتين لمّا نزعتا جعل الدم يسرب كما يسرب الشّنّ، فجعل مالك بن سنان يأخذ الدم بفيه ويمجّه منه ويزدرد منه، فقال له:«أتشرب الدّم؟» قال: نعم يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من مسّ دمه دمي لم تصبه النّار» .
وترّس دون رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو دجانة بنفسه، يقع النّبل في ظهره وهو ينحني عليه، حتى كثر عليه النبل وهو لا يتحرك.
وقاتل عبد الرحمن بن عوف قتالا شديدا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصيب فوه فهتم، وجرح عشرين جراحة أو أكثر، وجرح في رجله، وكان يعرج منها. وروى ذلك الحاكم عن إبراهيم بن سعد. وقاتل سعد بن أبي وقاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتالا شديدا.
روى الحاكم عن عائشة بنت سعد عن أبيها قال: لما جال النّاس يوم أحد تلك الجولة تنحّيت فقلت: أذود عن نفسي، فإمّا أنجو وإما أن أستشهد، فإذا رجل محمرّ وجهه قد كاد المشركون أن يركبوه، فملأ يده من الحصا فرماهم به، وإذا بيني وبينه المقداد، فأردت أن أسأله عن الرّجل، فقال لي:«يا سعد هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك» فقمت ولكأنه لم يصبني شيء من الأذى، فأتيته فأجلسني أمامه فجعلت أرمي وأقول:«اللهم سهمك فارم به عدوّك»
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم استجب لسعد، اللهم سدّد لسعد رميته، إيها سعد، فداك أبي وأمي» ، فما من سهم أرمي به إلّا قال رسول الله:«اللهم سدد رميته، وأجب دعوته» ،
حتى إذا فرغت من كنانيّ نثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما في كنانته فنبلني سهما نضيّا قال وهو الذي قد ريش وكان أسدّ من غيره [ (2) ] .
[ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 3/ 363 وأبو نعيم في الحلية 1/ 87 وذكره ابن حجر في المطالب (4327) والمتقي الهندي في الكنز (30025) .
[ (2) ] أخرجه الترمذي (3751) والحاكم في المستدرك 3/ 499 والطبراني في الكبير 1/ 105.
قال الزّهريّ: «السّهام التي رمي بها سعد يومئذ كانت ألف سهم» .
وروى ابن عائذ عن يحيى بن حمزة مرسلا، عن سعد بن أبي وقاص قال: رميت بسهم فردّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وسهمي أعرفه، حتى واليت بين ثمانية أو تسعة، كل ذلك يردّه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلت هذا السهم في كنانتي لا يفارقني.
وروى البخاري والحسن بن عرفة، عن سعد قال: نثل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم كنانته يوم أحد، وقال:«ارم فداك أبي وأمّي» .
روى البخاري عن علي رضي الله عنه قال: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع أبويه لأحد إلا لسعد بن مالك،
سمعته يقول يوم أحد: «يا سعد ارم فداك أبي وأمّي» .
وروى أيضا عن سعد قال: «لقد جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد بين أبويه كليهما، يريد حين
قال: «فداك أبي وأمي، وهو يقاتل»
[ (1) ] .
قال محمد بن عمر رحمه الله: كان رجال من المشركين قد أذلقوا المسلمين بالرّمي منهم حبان بن العرقة، وأبو أسامة الجشميّ.
فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لسعد: «ارم فداك أبي وأميّ»
ورمى حبّان بسهم فأصاب ذيل أم أيمن وكانت تسقي الجرحى، فانكشف عنها فاستغرب عدوّ الله في الضحك، فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم
فدفع إلى سعد [بن أبي وقّاص سهما] لا نصل له، فقال:«ارم به» ، فوقع السهم في ثغرة نحر حبّان، فوقع مستلقيا وبدت عورته، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، ثم قال:«استقاد لها سعد أجاب الله دعوتك وسدّد رميتك» .
وكان مالك بن زهير أخو أبي أسامة الجشميّ وهو وحبّان بن العرقة قد أكثرا في المسلمين القتل بالنّبل، فرمى سعد مالكا بسهم أصاب عينه، حتى خرج من قفاه وقتله. وقاتلت أمّ عمارة نسيبة- وهي بمهملة وموحدة مصغر على المشهور، وعن ابن معين والفربري ككريمة- بنت كعب المازنيّة يومئذ، فلما انهزم المسلمون انحازت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وباشرت القتال، وجعلت تذبّ عنه بالسيف، وترمي عن القوس. ولما قصد ابن قمئة رسول الله صلى الله عليه وسلم اعترضت له ومصعب بن عمير، وضربت ابن قمئة ضربات، ولكن عدوّ الله كان عليه درعان، وضربها هو بالسيف فجرحها جرحا عظيما، صار له فيما بعد غور.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«لمقام نسيبة بنت كعب اليوم خير من مقام فلان وفلان» وقال: «ما التفتّ يمينا ولا شمالا إلا وأنا أراها تقاتل دوني» . وقال لابنها عبد الله بن زيد بن عاصم:
«بارك الله
[ (1) ] أخرجه البخاري 5/ 124 وذكره ابن كثير في البداية والنهاية 4/ 27.
تعالى عليكم أهل بيت، مقام أمّكم خير من مقام فلان وفلان، ومقام زوج أمك غزيّة بن عمرو خير من مقام فلان وفلان، رحمكم الله أهل بيت» .
قالت أمّ عمارة: «ادع الله تعالى أن نرافقك في الجنة» ، قال:«اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة» .
قالت: «ما أبالي ما أصابني من أمر الدنيا» .
قال البلاذريّ: شهدت نسيبة يوم أحد وزوجها وابناها، وخرجت معها بشنّ لها تسقي الجرحى، فقاتلت وجرحت اثني عشر رجلا بسيف ورمي، وكانت أول النهار تسقي المسلمين، والدّولة لهم، ثم قاتلت حين كرّ المشركون، وقاتلت يوم اليمامة فقطعت يدها وهي تريد مسيلمة الكذاب لتقتله. قالت:«ما كانت لي ناهية حتى رأيت الخبيث مقتولا وإذا ابني عبد الله بن زيد يمسح سيفه بثيابه، فقلت: أقتلته؟ قال: نعم، فسجدت لله شكرا» .
وروى ابن سعد عن موسى بن ضمرة بن سعيد عن أبيه قال: أتى عمر بن الخطاب بمروط وفيها مرط جيّد واسع، فقال بعضهم: لو أرسلت به إلى زوجة عبد الله بن عمر صفية بنت أبي عبيد. فقال: «ابعثوا به إلى من هو أحق به منها، إلى أمّ عمارة نسيبة بنت كعب،
فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما التفتّ يمينا ولا شمالا يوم أحد إلا رأيتها تقاتل دوني» [ (1) ] .
وانحاز صلى الله عليه وسلم إلى الجبل لينظر أمر الناس، وليعرفه أصحابه، فيقصدوه، فأدركه المشركون يريدون ما الله تعالى حائل بينه وبينهم، فدثّه جماعة بالحجارة حتى وقع لشقّه.
وروى النسائي والبيهقي بسند جيد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: انهزم الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وبقي معه أحد عشر رجلا من الأنصار، وطلحة بن عبيد الله، وهو يصعد في الجبل، فلحقهم المشركون، فقال:«ألا أحد لهؤلاء؟» فقال طلحة:
أنا يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«كما أنت يا طلحة» ، فقال رجل من الأنصار: فأنا يا رسول الله. فقاتل عنه، وصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بقي معه من أصحابه، ثم قتل الأنصاريّ، فلحقوه فقال:«ألا رجل لهؤلاء؟» فقال طلحة مثل قوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل قوله، فقال رجل من الأنصار: فأنا يا رسول الله، فقاتل وأصحابه يصعدون في الجبل، ثم قتل الأنصاريّ، فلحقوه، فلم يزل يقول مثل قوله الأول، ويقول طلحة: أنا يا رسول الله فيحبسه، ويستأذنه رجل من الأنصار للقتال، فيأذن له، فيقاتل مثل من كان قبله حتى لم يبق معه إلا طلحة، فغشوهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من لهؤلاء يا طلحة؟» فقال: أنا، فقاتل مثل قتال جميع من كان قبله، وأصيبت أنامله، فقال: حسّ، فقال: لو قلت: بسم الله لرفعتك الملائكة، والناس ينظرون إليك حتى تلج بك في جوّ السماء.
[ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 8/ 303 وذكره المتقي الهندي في الكنز (37589) .
وروى الإمام أحمد، ومسلم، عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن المشركين لما أرهقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في سبعة من الأنصار ورجل من قريش قال: من يردّهم عنّا وهو رفيقي في الجنة؟ فجاء رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل، ثم رهقوه أيضا، فقال: من يردّهم عنّا وله الجنة؟ - أو هو رفيقي الجنة؟ - فتقدّم رجل من الأنصار فقاتل، حتى قتل السبعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ما أنصفنا أصحابنا» [ (1) ] .
وروى البخاري عن قيس بن أبي حازم قال: رأيت يد طلحة بن عبيد الله شلّاء وقى بها النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد.
وروى الدّارقطنيّ في الإفراد، والطبراني عن طلحة. والنسائيّ، والطبراني، والبيهقي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهم: أنّ طلحة أصابه سهم في أنامله فقال: حسّ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو قلت بسم الله لطارت بك الملائكة والناس ينظرون حتى تلج بك في جوّ السماء، ولرأيت بناءك الذي بنى الله لك في الجنّة وأنت في الدنيا» [ (2) ] .
وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: إن النساء يوم أحد كنّ خلف المسلمين يجهزن على جرحى المشركين، فلو حلفت يومئذ لرجوت أن أبرّ أنه ليس أحد منّا يريد الدنيا، حتى أنزل الله تعالى: مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ [آل عمران 152] فلما خالف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعصوا ما أمروا به أفرد رسول الله صلى الله عليه وسلم في تسعة: سبعة من الأنصار، ورجلين من قريش، وهو عاشرهم، فلما رهقوه قال: رحم الله ردّهم عنّا فذكر نحو الحديث الذي قبله.
وقال ابن إسحاق: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين غشيه القوم قال: «من رجل يشري لنا نفسه؟» فقام زياد بن السكن في خمسة من الأنصار- وبعض الناس يقول: إنما هو عمارة بن يزيد بن السّكن-، فقاتلوا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا رجلا يقتلون دونه، حتى كان آخرهم زيادا أو عمارة، فقاتل حتى أثبتته الجراحة، ثم فاءت فئة من المسلمين فأجهضوهم عنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أدنوه منّي» ، فأدنوه منه فوسّده قدمه، فمات وخدّه على قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبه أربع عشرة جراحة.
وقاتل علي بن أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من ناحية، وأبو دجانة من ناحية، وسعد بن أبي وقاص من ناحية، وانفرد علي بن أبي طالب بفرقة فيها عكرمة بن أبي جهل،
[ (1) ] أخرجه مسلم في الجهاد (100) وأحمد في المسند 1/ 463 والبيهقي في السنن 9/ 44 وابن أبي شيبة في المصنف 14/ 399 والبيهقي في الدلائل 3/ 235.
[ (2) ] ذكره ابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق 7/ 77.