الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثامن عشر في غزوة بني المصطلق
وهي غزوة المريسيع، وسببها أن الحارث بن أبي ضرار بن حبيب بن مالك بن جذيمة بن كعب بن خزاعة سيّد بني المصطلق جمع لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم من قدر عليه من قومه ومن العرب، فتهيّأوا للمسير إليه، وكانوا ينزلون ناحية الفرع، فبلغ خبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث بريدة- بضم الموحدة- ابن الحصيب- بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين- الأسلميّ يعلم ذلك، واستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول، فأذن له، فخرج حتى ورد عليهم ماءهم، فوجد قوما مغرورين قد تألّبوا وجمعوا الجموع، فقالوا: من الرّجل؟
قال: رجل منكم قدمت لمّا بلغني عن جمعكم لهذا الرّجل، فأسير في قومي ومن أطاعني، فنكون يدا واحدة حتى نستأصله. قال الحارث بن أبي ضرار: فنحن على ذلك فعجّل علينا، فقال بريدة: أركب الآن فآتيكم بجمع كثيف من قومي، فسرّوا بذلك منه، ورجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبر القوم، فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس، وأخبرهم خبر عدوّهم، فأسرع الناس الخروج.
ذكر خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المريسيع
استخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة زيد بن حارثة، فيما قال محمد بن عمر، وابن سعيد. وقال ابن هشام: أبا ذرّ الغفاريّ، ويقال: نميلة بن عبد الله الليثيّ، وهو بضم النون تصغير نملة.
وقاد المسلمون ثلاثين فرسا، للمهاجرين عشرة، منها فرسان لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لزاز- بلام فزاي فألف فزاي أخرى- والظّرب- بظاء معجمة مشددة مفتوحة فراء مكسورة فموحدة.
وخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر كثير من المنافقين لم يخرجوا في غزاة قطّ مثلها، ليس بهم رغبة في الجهاد إلا أن يصيبوا من عرض الدنيا، ولقرب السّفر عليهم.
فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سلك على الخلائق فنزل بها،
فأتي يومئذ برجل من عبد القيس فسلّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: أين أهلك؟ قال: بالرّوحاء، فقال: أين تريد؟ قال: إياك جئت لأؤمن بك، وأشهد أن ما جئت به حق، وأقاتل معك عدوّك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
الحمد لله الذي هداك إلى الإسلام، وسأل: أيّ الأعمال أحب إلى الله؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:
الصلاة لأوّل وقتها.
وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عينا للمشركين، فسأله عنهم، فلم يذكر من شأنهم شيئا،
فعرض عليه الإسلام فأبى، فأمر عمر بن الخطاب فضرب عنقه.
وانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المريسيع، وقد بلغ القوم مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقتله عينهم، فتفرّق عن الحارث من كان قد اجتمع عليه من أفناء العرب.
وضرب لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبّة من أدم.
وكان معه من نسائه عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما، وتهيّأ الحارث للحرب، فصفّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، ودفع راية المهاجرين إلى أبي بكر، ويقال: إلى عمار بن ياسر، وراية الأنصار إلى سعد بن عبادة.
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب فنادى في الناس: قولوا: لا إله إلا الله، تمنعوا بها أنفسكم وأموالكم، ففعل عمر ذلك، فأبوا، فتراموا بالنّبل ساعة، فكان أول من رمى رجل منهم بسهم، فرمى المسلمون ساعة بالنّبل، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يحملوا، فحملوا حملة رجل واحد، فما أفلت من المشركين إنسان، وقتل عشرة منهم، وأسر سائرهم، وسبا رسول الله صلى الله عليه وسلم الرّجال والنّساء والذّرّيّة والنّعم والشاء.
وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم هجم عليهم وهم غارّون وما قتل من المسلمين إلا رجل واحد يقال له: هشام بن صبابة- بصاد مهملة مضمومة فموحدة مخففة فألف فموحدة أخرى- أصابه رجل من الأنصار يقال له: أوس من رهط عبادة بن الصامت، يرى أنه من المشركين فقتله خطأ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بإخراج ديته، فقبضها أخوه مقيس بن صبابة، وعدا على قاتل أخيه فقتله، فارتدّ ولحق بقريش فأهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه، فقتل يوم الفتح.
قال أبو قتادة: حمل لواء المشركين يومئذ صفوان ذو الشّقرة، فلم تكن لي ناهية حتى شددت عليه، وكان الفتح.
وكان شعار المسلمين يومئذ: «يا منصور أمت» .
وروى محمد بن عمر عن جويرية رضي الله عنها قالت: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن على المريسيع، فأسمع أبي يقول: أتانا ما لا قبل لنا به، قالت: فكنت أرى من الناس والسّلاح والخيل ما لا أصف من الكثرة، فلما أن أسلمت وتزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجعنا جعلت أنظر إلى المسلمين فليسوا كما كنت أرى، فعلمت أنه رعب من الله تعالى يلقيه في قلوب المشركين.
وكان رجل منهم قد أسلم وحسن إسلامه يقول: كنّا نرى رجالا بيضا على خيل بلق ما كنا نراهم قبل ولا بعد.