الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحنظلة بحنظلة، وفلان بفلان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر:«قل: لا سواء، قتلانا في الجنة، وقتلاكم في النّار» ، فقال أبو سفيان: إنكم لتقولون ذلك، لقد خبنا إذن وخسرنا، لنا العزّى ولا عزّى لكم، فقال رسول الله لعمر، قل:«الله مولانا ولا مولى لكم» ، فقال أبو سفيان:
إنها قد أنعمت فعال عنها، هلمّ يا عمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر:«ائته فانظر ما شأنه» ، فجاءه، فقال أبو سفيان: أنشدك بالله يا عمر، أقتلنا محمدا؟ قال: اللهم لا، وإنه ليسمع كلامك الآن، قال: أنت أصدق من ابن قمئة وأبرّ- لقول ابن قمئة لهم: إني قتلت محمدا- ثم قال أبو سفيان: ورفع صوته: إنكم واجدون في قتلاكم مثلا، والله ما رضيت ولا نهيت ولا أمرت، إلّا أنّ موعدكم بدر الصفراء على رأس الحول، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل: «نعم بيننا وبينكم موعد» .
وانصرف أبو سفيان إلى أصحابه وأخذ في الرّحيل، فأشفق رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون من أن يغير المشركون على المدينة، فتهلك الذّراريّ والنساء.
قال ابن إسحاق: فبعث عليّا- وقال عروة. ومحمد بن عمر، وابن عائذ: سعد بن أبي وقّاص- لينظر، فقال: إن ركبوا الإبل وجنّبوا الخيل فهو الظّعن وإن ركبوا الخيل وجنّبوا الإبل فإنهم يريدون المدينة، فهي الغارة، والذي نفسي بيده لئن ساروا إليها لأسيرنّ إليهم، ثم لأناجزنّهم. فسار عليّ أو سعد وراءهم إلى العقيق فإذا هم قد ركبوا الإبل وجنّبوا الخيل بعد ما تشاوروا في نهب المدينة، فقال صفوان بن أمية- وأسلم بعد ذلك-: لا تفعلوا، لا تدرون ما يغشاكم، فعاد فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقدم أبو سفيان مكة، فلم يصل إلى بيته حتى أتى هبل فقال: أنعمت ونصرتني، وشفيت نفسي من محمد ومن أصحابه، وحلق رأسه.
ذكر طلب المسلمين قتلاهم
روى البيهقي عن عروة قال: لما رحل المشركون انتشر المسلمون يطلبون قتلاهم فلم يجدوا قتيلا إلّا وقد مثّل به المشركون، إلّا حنظلة بن أبي عامر فإن أباه كان معهم فتركوه له.
وقال ابن إسحاق ومحمد بن عمر: لمّا انصرف المشركون أقبل المسلمون على موتاهم يطلبونهم.
وروى الحاكم والبيهقي، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه وابن إسحاق عن شيوخه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: من ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع، أفي الأحياء هو أم في الأموات، فإني رأيت اثني عشر رمحا شرعى إليه،
فقال رجل من الأنصار- قال محمد بن عمر: هو محمد بن مسلمة، وقال أبو عمر: هو أبي بن كعب- فنظر في القتلى، فناداه ثلاثا فلم يجبه، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أنظر إلى خبرك، فأجابه بصوت ضعيف.
وفي
حديث زيد: فبعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم أحد، لطلب سعد بن الربيع، وقال: إن رأيته فأقره مني السلام، وقل له: كيف تجدك؟
قال: فأصبته وهو في آخر رمق، وبه سبعون ضربة ما بين طعنة برمح، وضربة بسيف، ورمية بسهم، فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمرني أن أنظر أفي الأحياء أنت أم في الأموات؟ فقال: أنا في الأموات، فأبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنّي السلام، وقل له: أن سعد بن الرّبيع يقول: جزاك الله تعالى عنّا خير ما جزى نبيّا عن أمّته، وقل له: أني أجد ريح الجنّة، وأبلغ قومك عني السلام، وقل لهم: أن سعد بن الرّبيع يقول لكم: إنه لا عذر لكم عند الله إن يخلص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنكم عين تطرف، ثم لم يبرح أن مات، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره خبره [ (1) ] .
قال ابن هشام: وحدّثني أبو بكر الزّبيريّ: أنّ رجلا دخل على أبي بكر الصّدّيق، وبنتّ لسعد بن الربيع: جارية صغيرة على صدره يرشفها ويقبّلها، فقال له الرجل: من هذه؟ قال له:
بنت رجل خير منّي: سعد بن الربيع، كان من النّقباء يوم العقبة. وشهد بدرا، واستشهد يوم أحد.
قال ابن إسحاق: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني- يلتمس حمزة بن عبد المطلب. قال محمد بن عمر وغيره: وجعل يقول: «ما فعل عمّي؟» ويكرر ذلك. فخرج الحارث بن الصّمّة يلتمسه فأبطأ، فخرج عليّ فوجد حمزة ببطن الوادي مقتولا، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج يمشي حتى وقف عليه، فوجده قد بقر بطنه عن كبده، ومثّل به، فجدع أنفه وأذناه، فنظر إلى شيء لم ينظر إلى شيء قطّ كان أوجع لقلبه منه، ونظره قد مثّل به.
وفي حديث كعب بن مالك عن ابن أبي شيبة في سنده إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا قيل له: إن حمزة مثّل به، كره أن ينظر إليه. انتهى.
فقال: «أحتسبك عند الله!»
وروى البزار بسند لا بأس به، عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه قتل حمزة بكى، فلما نظر إليه شهق.
وروى الحاكم عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال: فقد رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة حين فاء الناس من القتال، فقال رجل: رأيته عند تلك الصّخرات وهو يقول: أنا أسد الله وأسد رسوله، اللهمّ أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء- يعني أبا سفيان أصحابه- وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء بانهزامهم.
فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه، فلما رأى جثّته بكى. ولمّا رأى ما مثّل به
[ (1) ] أخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 201.
شهق ثم قال: «ألا كفن؟» فقام رجل من الأنصار فرمى بثوبه عليه، ثم قام آخر فرمى بثوبه عليه، فقال:«يا جابر هذا الثوب لأبيك وهذا لعمّي» ، وقال صلى الله عليه وسلم:«رحمة الله عليك، فإنك كنت كما علمتك، فعولا للخيرات، وصولا للرّحم، لولا أن تحزن صفيّة- وفي لفظ: نساؤنا، وفي لفظ: لولا حزن من بعدي عليك، وتكون سبّة من بعدي- لتركته، حتى يحشر من بطون السباع وحواصل الطير» ، ثم قال:«أبشروا، جاءني جبريل فأخبرني أن حمزة مكتوب في أهل السموات السبع: حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله» . وقال: «لئن ظفّرني الله تعالى علي قريش في موطن من المواطن لأمثّلنّ بسبعين منهم مكانك» ،
فلما رأى المسلمون حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغيظه على من فعل بعمّه ما فعل، قالوا: والله لئن ظفّرنا الله تعالى بهم يوما من الدهر لنمثلنّ بهم مثلة لم يمثّلها أحد من العرب، قال أبو هريرة، كما رواه ابن سعد والبزار وابن المنذر والبيهقي: فنزل جبريل والنبي صلى الله عليه وسلم واقف بخواتيم سورة النّحل وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ [النحل 126] فكفّر النبي صلى الله عليه وسلم عن يمينه، وأمسك عن الذي أراد وصبر [ (1) ] .
وروى ابن المنذر والطبرانيّ والبيهقيّ نحوه عن ابن عباس.
وروى الترمذي وحسنه، وعبد الله بن الإمام أحمد في زوائد المسند، والنّسائيّ، وابن المنذر، وابن خزيمة في فرائده، وابن حبان والضياء في صحيحهما عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: لما كان يوم أحد أصيب من الأنصار أربعة وستون رجلا. ومن المهاجرين ستة، منهم حمزة، فمثّلوا به، فقالت الأنصار: لئن أصبنا منهم يوما مثل هذا لنربينّ عليهم، فلما كان فتح مكة أنزل الله تعالى: وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نصبر ولا نعاقب، كفّوا عن القوم إلا أربعة» [ (2) ] .
وروى ابن إسحاق وابن جرير عن عطاء بن يسار قال: نزلت سورة النحل كلّها بمكة إلا ثلاث آيات من آخرها نزلت بالمدينة بعد أحد، حيث قتل حمزة ومثل به،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لئن ظهرنا عليهم لنمثّلنّ بهم مثلة لم يمثّلها أحد من العرب بأحد قطّ، فانزل الله تعالى: وَإِنْ عاقَبْتُمْ إلى آخر السورة [ (3) ] .
[ (1) ] أخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 199 وذكره السيوطي في الدر 2/ 97.
[ (2) ] أخرجه أحمد في المسند 5/ 135 وذكره المتقي الهندي في الكنز (4476) وذكره السيوطي في الدر 4/ 135 وعزاه للترمذي وحسنه وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل.
[ (3) ] ذكره السيوطي في الدر 4/ 135 وعزاه لابن إسحاق وابن جرير.
وروى ابن إسحاق عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: ما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقام قطّ ففارقه، حتى أمر بالصدقة ونهى عن المثلة.
قال ابن إسحاق وغيره: وأقبلت صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها لتنظر إلى حمزة، وكان أخاها لأمها وأبيها، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن تراه، فقال:«المرأة المرأة» . فقال الزبير بن العوام: فتوسّمت أنها أمّي صفية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ألقها فأرجعها لا ترى ما بأخيها» ، فخرج يسعى فأدركها قبل أن تنتهي إلى القتلى، فردّها فلكمت صدره، وكانت امرأة جلدة، وقالت: إليك عني، لا أرضى لك. فقال: يا أمه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أنت ترجعي.
قالت: ولم وقد بلغني أنه قد مثّل بأخي؟ وذلك في الله، فما أرضانا بما كان من ذلك، فلأصبرنّ وأحتسبنّ إن شاء الله. فجاء الزبير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال:«خلّ سبيلها» ، فأتته فنظرت إليه، فصلّت عليه، واسترجعت، واستغفرت له.
وروى الطبراني والبزار، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خاف على عقل صفية بنت عبد المطلب، فوضع يده على صدرها فاسترجعت، وبكت.
وروى الإمام أحمد وأبو يعلى والبزار عن الزبير والطبرانيّ بسند رجاله ثقات، عن ابن عباس: إن صفية رضي الله عنها أتت بثوبين معها فقالت: هذان ثوبان جئت بهما لأخي حمزة، فقد بلغني مقتله فكفّنوه فيهما. قال: فجئنا بالثوبين لنلفّه فيهما فإذا إلى جنبه رجل من الأنصار، فعل به مثل ما فعل بحمزة، فوجدنا غضاضة وحياء أن نكفّن حمزة في ثوبين، والأنصاريّ لا كفن له، فقلنا: لحمزة ثوب، وللأنصاريّ ثوب، فكان أحدهما أكبر من الآخر فأقرعنا بينهما فكفنّا كلّا منهما في الثوب الذي طاوله، وجعل أبو قتادة الأنصاري رضي الله عنه يريد أن ينال من قريش، لما رأى من غمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل حمزة ما مثّل به، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يشير إليه أن اجلس وكان قائما،
ثم قال: «يا أبا قتادة. إن قريشاً أهل أمانة، من بغاهم العواثر أكبّه الله تعالى لفيه، وعسى إن طالت بك حياة أن تحقر عملك مع أعمالهم، وفعالك مع فعالهم، لولا أن تبطر قريش لأخبرتها بما لها عند الله تعالى» . فقال أبو قتادة: يا رسول الله، ما غضبت إلا لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم، حين نالوا من حمزة ما نالوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«صدقت، بئس القوم كانوا لنبيّهم» .
وروى الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قتل حمزة جنبا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«غسّلته الملائكة» ،
وعند ابن سعد عن الحسن مرسلا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لقد رأيت الملائكة تغسّل حمزة» [ (1) ] .
[ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 2/ 175 وذكره الهيثمي في المجمع 2/ 105.