الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غلام لعلك غضبت عليه! قال: لا والله يا رسول الله، فقد سمعته منه، قال: لعله أخطأ سمعك، قال: لا والله يا رسول الله، قال: فلعله شبّه عليك، قال: لا والله يا رسول الله.
وشاع في العسكر ما قال ابن أبي، وليس للناس حديث إلا ما قال، وجعل الرّهط من الأنصار يؤنّبون الغلام ويلومونه، ويقولون: عمدت إلى سيّد قومك تقول عليه ما لم يقل، وقد ظلمت وقطعت الرّحم! فقال زيد: والله لقد سمعت ما قال، والله ما كان في الخزرج رجل واحد أحب إلي من عبد الله بن أبيّ، ولو سمعت هذه المقالة من أبي لنقلتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإني لأرجو أن ينزل الله على نبيّه ما يصدّق حديثي.
فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله، مر عباد بن بشر- ويقال: محمد بن مسلمة- فليأتك برأسه، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه المقالة، وقال: لا يتحدّث الناس إن محمدا يقتل أصحابه،
وقام النفر من الأنصار الذين سمعوا قول النبي صلى الله عليه وسلم ورده على الغلام، فجاءوا إلى ابن أبيّ فأخبروه. وقال أوس بن خوليّ. يا أبا الحباب، إن كنت قلته فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فليستغفر لك. ولا تجحده، فينزل فيك ما يكذّبك، وإن كنت لم تقله فأت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذر له، واحلف له ما قلته. فحلف بالله العظيم ما قال من ذلك شيئا.
ثم مشى ابن أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بن أبيّ إن كانت منك مقالة فتب، فجعل يحلف بالله ما قلت ما قال زيد، ولا تكلّمت به.!
فقال من حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عسى أن يكون الغلام أوهم في حديثة ولم يحفظ ما قال الرّجّل» ، حدبا علي ابن أبي ودفعا عنه، وكان شريفا في قومه عظيما، فظانّ يظن أنه قد صدق، وظانّ يظن به السوء.
ذكر تكبيس ظهره صلى الله عليه وسلم
روى محمد بن عمر عن زيد بن اسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب قال: لما كان من أمر ابن أبيّ ما كان جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في فيء شجرة عنده غلام أسود يغمز ظهره، فقلت: يا رسول الله كأنك تشتكي ظهرك! فقال: تقحّمت بي النّاقة الليلة، فقلت: يا رسول الله ائذن لي أن أضرب عنق ابن أبيّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أو كنت فاعلا؟» قلت:
نعم والذي بعثك بالحق. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذن لأرعدت له آنف بيثرب كثيرة، لو أمرتهم بقتله قتلوه، قلت: يا رسول الله فمر محمد بن مسلمة يقتله، قال: لا يتحدّث الناس أنّي أقتل أصحابي، قلت: فمر الناس بالرّحيل، قال: نعم، قال: فأذّنت بالرّحيل في الناس،
ويقال: لم يشعر أهل العسكر إلا برسول الله صلى الله عليه وسلم قد طلع على ناقته القصواء، وكانوا في حر شديد، وكان لا يروح حتى يبرد، إلا أنّه لمّا جاءه خبر ابن أبيّ رحل في تلك الساعة، فكان أول من لقيه
سعد بن عبادة، ويقال: أسيد بن حضير، وبه جزم ابن إسحاق. وقال محمد بن عمر: إنه الثّبت،
فقال: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته. قال: يا رسول الله قد رحلت في ساعة منكرة لم تكن ترحل فيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أولم يبلغك ما قال صاحبكم؟» قال: أيّ صاحب يا رسول الله؟ قال:
ابن أبي، زعم أنه إن رجع إلى المدينة أخرج الأعز منها الأذل، قال: فأنت يا رسول الله تخرجه إن شئت، فهو الأذلّ وأنت الأعزّ، والعزّة لله ولك وللمؤمنين.
ثم قال: يا رسول الله: ارفق به، فو الله لقد جاء الله تعالى بك وإنّ قومه لينظمون له الخرز فما بقيت عليهم إلا خرزة واحدة عند يوشع اليهوديّ، قد أرب بهم فيها لمعرفته بحاجتهم إليها، فجاء الله تعالى بك على هذا الحديث، فلا يرى إلا أن قد سلبته ملكه.
وبلغ عبد الله بن عبد الله بن أبيّ [ (1) ] مقالة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«يا رسول الله، إن كنت تريد أن تقتل أبي فيما بلغك عنه فمرني به، فو الله لأحملنّ إليك رأسه قبل أن تقوم من مجلسك هذا، والله لقد علمت الخزرج ما كان فيها رجل أبرّ بوالديه منّي، وما أكل طعاما منذ كذا وكذا من الدهر ولا شرب شرابا إلا بيدي، وإني لأخشى يا رسول الله أن تأمر به غيري فيقتله، فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل أبي يمشي في الناس، فأقتله فأدخل النار. وعفوك أفضل، ومنّك أعظم» . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عبد الله ما أردت قتله ولا أمرت به، ولنحسننّ له صحبته ما كان بين أظهرنا»
فقال عبد الله: «يا رسول الله، إن أبي كانت أهل هذه البحيرة قد اتّسقوا عليه ليتوّجوه عليهم، فجاء الله تعالى بك، فوضعه الله ورفعنا بك، ومعه قوم يطوفون به يذكّرونه أمورا قد غلب الله تعالى عليها.
ثم متن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس يومهم ذلك حتى أمسى، وليلتهم حتى أصبح، وصدر يومهم ذلك حتى آذتهم الشّمس، ثم نزل بالناس فلم يلبثوا أن وجدوا مسّ الأرض، فوقعوا نياما، ولم ينزل أحد عن رحلته إلا لحاجة أو لصلاة، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحثّ راحلته ويخلفها بالسّوط في مراقّها، وإنما فعل ذلك ليشغل الناس عن الحديث الذي كان بالأمس، من حديث عبد الله بن أبي.
ثم راح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس، وسلك الحجاز حتى نزل على ماء بالحجاز فويق النّقيع- بالنون- ويقال نقعاء- بالنون المفتوحة والقاف الساكنة والمدّ.
[ (1) ](عبد الله) بن عبد الله بن أبي بن مالك بن الحر بن مالك بن سالم بن غنم بن عوف بن الخزرج الأنصاري الخزرجي
…
وهو ابن أبي ابن سلول وكانت سلول امرأة من خزاعة وكان أبوه رأس المنافقين وكان اسم هذا الحباب بضم المهملة والموحدتين وبه يكنى أبوه فسماه النبي صلى الله عليه وآله وسلم عبد الله وشهد عبد الله هذا بدرا وأحدا والمشاهد قال ابن أبي حاتم صحبة وذكره ابن شهاب وعروة. [الإصابة 4/ 95، 96] .