الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المرحلة الثالثة من مراحل الروح (القبر)
سبق أن تكلمنا عن المرحلة الأولى من مراحل الروح وهى مرحلة (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) وقلنا إنها مرحلة روحية مجردة.
ثم تكلمنا عن مرحلة الدنيا وهى مرحلة روحية جسدية.
أما المرحلة السادسة من مراحل الروح فهى مرحلة البرزخ وهى مرحلة غيبية ، والغيب يقتصر فيه على ما أخبر به صاحب الغيب سبحانه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم
وكلمة البرزخ معناها الحاجز بين الشيئين قال تعالى: (بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ)
والمراد من مرحلة البرزخ المدة ما بين الموت والبعث قال تعالى: (وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)
قال الزمخشرى: أي أمامهم حائل بينهم وبين الرجوع للدنيا وهو إقناط كلي لما علم لا رجعة يوم البعث إلا إلى الآخرة.
حياة البرزخ وما فيها من نعيم وعذاب ثابتة بالقرآن الكريم والسنة المطهرة وهى جزء من الدار الآخرة وإن اختلفت عنها.
نعيم القبر:
تكلم القرآن الكريم عن مقام الشهداء في مرحلة البرزخ فقال تعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ)
وهذا المقطع الكريم من سورة آل عمران يصحح مفهوماً أخطأ بعض الناس تصوره، فهو ينفى مفهوم الموت عن الشهداء ويثبت لهم حياة عالية عند مليك مقتدر يرزقون فيها بغير حساب، فحق لهم الفرح وبقية الآيات تبين أن هذه الحياة في الدنيا فضلا عما سيكون لهم في الآخرة والدليل على أنها في الدنيا هو قوله تعالى بعدها:
(وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ)
فهم في الجنة وإخوانهم لم يزالوا في الدنيا لم ينفصلوا عنها
وفى سورة يس جاء حديث القرآن عن الرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى يطلب من قومه أن يتبعوا المرسلين فلما قتله قومه: (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ)
فهو في الجنة وهو مع ذلك يتمنى لقومه أن يعلموا بأي شيء غفر الله له ليتبعوا سبيله، إن الله قد غفر له بسبب الدعوة إليه سبحانه وصبره على إيذائهم فالرجل في الجنة وقومه ما زالوا في الدنيا فذلك نعيم القبر وحياة البرزخ.
أما الأحاديث الشريفة التي تحدثت عن نعيم البرزخ فقد جاء في جزاء الشهداء ما رواه الإمام مسلم: (أن أرواح في حواصل طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل.. الحديث)
وفى غير الشهداء جاء حديث البراء بن عازب الذي رواه أبو داود وأحمد بن حنبل، وقد جاء فيه:
(وتعاد روحه إلى جسده أي تعاد بعد أن تصعد إلى السماء فيأتيه ملكان شديدا الانتهار فينهرانه ويجلسانه فيقولان من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيقول ربى الله ودينى الإسلام فيقولان فما تقول في الرجل الذي بعث فيكم؟
فيقول هو رسول الله.
فيقولان فما يدريك؟
فيقول جاءنا بالبيان من ربنا فآمنت به وصدقت.
ثم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ)
قال فينادي مناد من السماء أن قد صدق عبدى فافرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وأروه منزله في الجنة، ويفسح له مد بصره ويمثل له عمله في صورة رجل حسن الوجه طيب الرائحة حسن الثياب، فيقول أبشر بما أعد الله لك أبشر برضوان من الله وجنات فيها نعيم مقيم ، ويسأله من أنت بشرك الله بالخير؟ فيقول أنا عملك الصالح
ثم ذكر قتادة: أنه يفسح له في قبره أربعون ذراعا.
وفى رواية مسلم سبعون ذراعا ، ويملأ عليه خضرا إلى يوم يبعثون.
وفى رواية الترمذى يفسح له في قبره سبعين ذراعا ثم ينور فيه ثم يقال: نَمْ.
وفى رواية أبى داود: أن الملآئكة تنطلق به إلى بيت كان في النار ولكن الله عصمه رحمة فأبدله بيتاً في الجنة.
ولعل اختلاف الروايات يتناسب مع اختلاف درجات الناس في قبورهم. وواضح أن التصور الوحيد الذي يمكن أن يتسع لهذا النعيم هو التصور الروحي.
ومن حبس نفسه في تصور النعيم المادي يصعب عليه أن يتصور اتساع القبر ماديا ، وامتلاء القبر خضرا وكساء للميت من الجنة - كما ورد أن اللذة الروحية تعدل كل لذات الدنيا المادية وتربوا عليها ، والجسد قد يشعر بشيء من هذا النعيم حسب قانون البرزخ وهو من المغيبات.
ولا تعارض بين هذا الفهم وبين ما أوجبه الإسلام من إلقاء السلام على المقابر لأن الروح وهى في جنة المأوى تشعر بمن زار قبرها ، وألقى عليها السلام. والنبي صلى الله عليه وسلم كان يزور قبور شهداء أحُد ، مع أنه أخبر أن أرواحهم في حواصل طير في السماء ، تسبح في الجنة.
هذا ما فهمته من نعيم البرزخ ، وهو تقريب للمعنى ، كما صرح النبي صلى الله عليه وسلم بأن العمل الصالح يمثل له في صورة رجل حسن الوجه والثوب والرائحة ، أما نعيم الآخرة - فهو نعيم روحانى ومحسوس في نفس الوقت كما سبق أن وضحت ذلك.
عذاب القبر. متى علم النبي صلى الله عليه وسلم به:
يبدوا من دراسة الأحاديث الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوح إليه بعذاب القبر إلا في المدينة.
فقد حدث أن سألت امرأة يهودية السيدة عائشة - رضى الله عنها - فلما أعطتها، دعت لها أن يعيذها الله من عذاب القبر.
فسألت السيدة عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم أيعذب الناس في قبورهم؟ فقال النبي عائذا بالله من ذلك.
يقول ابن حجر استعاذة النبي صلى الله عليه وسلم بالله من فتنة القبر قبل أن يعلم بعذاب القبر.
ومعلوم أن الأصل في العقائد هو إخبار الوحي الصريح للنبى صلى الله عليه وسلم سواء كان الإخبار عن طريق آيات القرآن ، أو عن طريق القاء المعنى في صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول النبي صلى الله عليه وسلم أوتيت القرآن ومثله معه (رواه أحمد)
وبعد حادثة اليهودية بعدة أيام أخبر الله نبيه بما يحدث في القبر.
تروى السيدة أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنهما - أنها أتت السيدة عائشة حين خسفت الشمس. فلما أنصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم يعنى لخطبة الكسوف - حمد الله وأثنى عليه ، ثم قال ما من شيء لم أره إلا قد رئيته في مقامي هذا حتى الجنة والنار ، لقد أوحى إلى أنكم تفتنون في قبوركم مثل فتنة الدجال.
يؤتى أحدكم فيقال له: ما علمت بهذا الرجل؟
فأما المؤمن فيقول: محمد رسول الله.
جاء بالبينات والهدى فأجبناه وأتبعناه ، فيقال له: نم صالحاً. فقد علمت أن كنت لموقنا. (رواه البخاري)
…
وتروى السيدة عائشة - رضى الله عنها - سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن عذاب القبر أي مرة أخرى فقال نعم عذاب القبر حق.
قالت عائشة: فما رأيت رسول الله صلى صلاة إلا وتعوذ بالله من عذاب القبر. (رواه البخاري) .
…