الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المرحلة الرابعة: البعث:
وهى مرحلة روحية جسدية ، كمرحلة الدنيا ، وقد سبق الحديث عنها.
قال تعالى: (وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ)
والتزاوج هنا بمعنى عودة الأرواح إلى الأجسام.
هذه قصة الروح ، كما فهمتها من القرآن الكريم.
المرلحة الأولى: روحية مجردة. والمرحلة الثالثة كذلك ،
المرحلة الثانية: جسدية روحية ، والمرحلة الرابعة مثلها.
(فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ)
لحظة الوداع:
إنسان يعاني سكرات الموت ، وأهله من حوله ، لا تستطيع أيديهم أن توصل له نفعاً ، ولا أن تدفع عنه ضراً. يحسبون أنهم على مقربة منه. ولكن الله أقرب إليه ولكننا لا نبصر.
وهذا المشهد قد ذكرته في سورة القيامة ، بصورة حركية ، تتفق مع منهج السورة.
قال تعالى: (كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (26) وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ)
لحظة صعبة - كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل الله أن يخفف عنه سكرات الموت - مع أنه النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن الله هو أقرب إليه من كل الدنيا. لن يترك أحبابه يرسل اليهم الملآئكة بالبشارات الثلاث:
* لا تخافوا على أنفسكم ، لأن الآخرة خير لكم من الأولى
* ولا تحزنوا على أولادكم ، لأن الله لن يضيعكم.
* وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون بها فآمنتم وصدقتم قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ)
هذه بشاراتهم عند الموت. وبعد الموت لهم (رَوح) والرَّوح بفتح الراء ، وسكون الواو ، هو السعة ، قال تعالى حكاية عن يعقوب عليه السلام:(يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)
فالروح هى السعة.
(وريحان) نبات طيب الرائحة في الدنيا. وهو في الآخرة أطيب.
وجنة نعيم ، فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
(وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ)
سلام لك يا محمد من أصحاب اليمين: أعترافاً منهم بما قدمت لهم ولم يقل القرآن عن المقربين: سلام لك منهم لأن المقربين يعيشون بجواره ويسمع سلامهم: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا)
(وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ)
يعجل الله لهم العذاب قبل أن تصعد أرواحهم ، قال تعالى:(وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)
وعندما يخرجون من قبورهم ، ويشاهدون العذاب الأكبر ، يقارنون بين عذاب القبر وعذاب الآخرة ويعتبرون عذاب القبر كأنه مرقد:(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51) قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ)
إن اعتبار القبر مرقداً لهم - مع ما فيه من هول ، يؤكد فظاعة الجحيم.
(إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ)
بعد أن ناقش القرآن المنكرين للبعث ، وأقام لهم الأدلة العقلية والفطرية ، أَكَّدَ القرآن بعد ذلك أن مضمون السورة الكريمة هو حق اليقين.
واليقين كما جاء في الرسالة القشيرية صـ 44 - هو العلم الذي لا يدخل صاحبه الريب على الإطلاق.
وقد عرفه علماء التوحيد بأنه: الإدراك الجازم المطابق للواقع الناشئ عن دليل ، وهذا ما عناه الشيخ (زكريا الأنصاري) بقوله: هو إدراك الحقيقة على ما هى عليه.
وقد جمع الشيخ / محمد متولى الشعراوى: بين التعريفات القديمة ، والحديثة فقال (اليقين هو استقرار العقيدة في بؤرة الشعور بحيث لا تطفو في هامش الشعور ، طالباً للدليل مرة ثانية) .
ونتتبع آيات القرآن في هذا الموضوع ، فنرى أن آيات القرآن الكريم قد استعملت اليقين في معنيين:
المعنى الأول:
هو الموت: قال تعالى: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)
وقال تعالى في سبب دخول المشركين النار:
(مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ)
وتسمية الموت باليقين لحتمية وقوعه، فليس في الدنيا عاقل يشك في موته. وإن تناسى الكثير هذه الحقيقة في سلوكهم.
المعنى الثانى:
إن الموت ينقلنا إلى عالم اليقين ، عندما نشاهد المغيبات بعين اليقين:(وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ)
وهناك.. يستوى الجميع في التصديق ، فليس بعد عين اليقين دليل.
وليس يصح في الأذهان شيء
…
إذا احتاج النهار إلى دليل
ولكن هذا التصديق لا وزن له عند الله ، إذا لم يسبق بإيمان في الدنيا.
قال تعالى: (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ)
وقال تعالى: (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا)
قال قتادة: المؤمن أيقن في الدنيا فنفعه يقينه ، والكافر أيقن في الآخرة حيث لا ينفع اليقين.
…
والقرآن الكريم قَسَّمَ اليقينَ إلى درجات ثلاث:
علم اليقين:
وهو ما نشأ عن إدراك عقلى للحقيقة. ودل عليه البرهان القاطع.
وتسميته (بعلم اليقين) من باب تكريم العقل.
عين اليقين:
وهو ما يولد في النفس من علم نتج المشاهدة.
قال تعالى: (كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ)
حق اليقين:
هو نيل الجزاء بالفعل.
وأضرب لذلك مثالا: عندما يعلن حاكم البلاد أنه سيكافئ الفائز الأول (بسيارة فاخرة) .
- فكل من يسمع هذا الخبر من مصدر موثوق به ، يحصل عنده علم اليقين بمضمونه.
فإذا أحضر حاكم البلاد السيارة ، وشاهد الناس جميعاً ، يصبح عندهم (عين يقين) بوفاء الحاكم بوعده.
أما عندما تظهر نتيجة المسابقة ، ويتسلم الفائز الأول السيارة ، استلامها هو (حق اليقين) هذا.. (ولله المثل الاعلى) .
(فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ)
دع
…
الجدل
…
وسبح باسم ربك العظيم.
وقد مر الحديث عن الآية الكريمة.
…
بهذا يرسم القرآن الكريم منهجه في العقائد.
منهج يلمس جوانب النفس الثلاثة: العقل ، والعاطفة ، والمخيلة.
ويغذي كل جانب من هذه الجوانب ، بحيث لا تطغى على الجوانب الأخرى
…
* ولا تعرف الدنيا منهجاً أشبع الجوانب الثلاثة بالقسطاس المستقيم إلا منهج القرآن.
* ولقد حاولت اليهودية أن تشبع المخيلة ، فوقعت في التجسيد.
وصورت رب العرش رجلاً ينزل إلى بيت إبراهيم ، ويسير معه ، ويأكل عنده ، وهكذا..
* والمسيحية: ألْغت العقلَ تماماً وقال مؤسسها (بولس)
"إن المسيح لم يرسلنى لأعمر بل لأبشر ، لا بحكمة كلام ، لئلا يتعطل صلب المسيح ، لأنه مكتوب ، سأبيد حكمة الحكماء ، وأرفض فهم الفهماء"
وتساءل بولس:
- أين الحكيم؟
- أين الكاتب؟
- أين مباحث الدهر؟
- ألم يجهل الله حكمة هذا العالم؟
- لأنه إذا العالم في حكمة الله لم يعرف الله بالحكمة.
- استحسن الله أن يخلص المؤمن بجهالة الكرازة.
ولكن الإسلام أشبع العقل بالبرهان الساطع ، وأشبع المخيلة بما رسمه في بيان رائع لعالم السماء. والجزاء.
…
وبعد:
إن منهج تدريس العقائد يحتاج إلى مراجعة ، وأودُّ أن يرجع المسلمون إلى قرآنهم وينتهجوا منهجه في خطاب العقل ، ولمس القلب ، وإشباع المخيلة.
(إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا) .
(وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) .