الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إنَّ الوزير مقرب من الملك بمقدار قيامه بأعباء عمله، فقربه من الملك بمقدار تحمل المسؤلية.
أما ضيوف الملك فمقربون عنده للتكريم.
هذا.. ولله المثل الأعلى: (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ)
من هم الأولون
؟
هل هم أتباع الأنبياء السابقين؟
أم هم عظماء السلف من أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟
إنَّ عدد الأنبياء كبير ولكل نبى أتباع فيجوز أن تكون الكثرة الفائزة بالسبق من أتباع الأنبياء جميعا، والقلة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
ويجوز أن تكون السلة الفائزة من الأولين السابقين إلى الإسلام ويكون السبق زمانيا، والقليل من خلف الأمة، لأن مرور الزمن وضعف النفوس ، جعل عدد المقربين من خلف الأمة قليل.
نعيم المقربين:
ذكرت السورة الكريمة جانبا من نعيم المقربين، يظهر فيه الترف كما ذكرت نعيم أصحاب اليمين، وهو نعيم دون نعيم المقربين كما سنعرف من دراستنا، أما سورة الرحمن ففصلتْ الفارق بين النعيمين تفصيلا يحسن ذكره.
المقربون: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ)
أصحاب اليمين: (وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ)
فهما دون الجنتين السابقتين، وهذا ما يعلم لأول وهلة من النص الكريم
وفى صحيح البخاري عن أبى موسى أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما.
وجنتان من ذهب أنيتهما ومن فيهما.
وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبر على وجهه في جنة عدن"
المقربون: (ذَوَاتَا أَفْنَانٍ) غصون صغيرة ندية.
أصحاب اليمين: (مُدْهَامَّتَانِ) خضرة تميل إلى السواد.
المقربون: (فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ) لغزارة مائهما.
أصحاب اليمين: (فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ) والنضخ دون الجريان.
المقربون: (فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ)
أصحاب اليمين: (فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ)
المقربون: (مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ)
لم يذكر القرآن ظهر الفراش واكتفى بأن البطانة الداخلية من الحرير الغليظ وترك للعقل أن يتصور ظهر الفراش.
أصحاب اليمين: (مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ)
والرفرف البسط، ولجمالها يتصور العقل أنها صنعت في المدينة الخيالية (مدينة عبقر) والعرب تنسب كل جميل إلى مدينة الجن عبقر ولم تزل التسمية مستعملة حتى اليوم فيقال فلان عبقرى أي من مدينة عبقر ولكن فرش المقربين لها ظاهر وباطن وبطائنها من إستبرق، ولم يذكر هذا الفراش لأصحاب اليمين.
المقربون: (فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ)
ولجمالهن الخارق: (كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ)
أصحاب اليمين: (فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (70) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (71) حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ)
صورة للنعيم البدوى يرمز لها القرآن بالخيام
وحتى اليوم نشاهد ملوك العرب وعظمائها يتركون القصور الشامخات ليعيشوا بعض أيامهم في رحبة الصحراء وخيامها.
والناس يفرون من بيوتهم في كل بلد إلى شواطئ البحار ليعيشوا بعيدا عن العمران والحضارة - أن القرآن يلمس نفوس الناس في تصويره للنعيم.
وذكرت سورة المطففين فارقاً جديدا بين النعيمين.
ذكرت أن في الجنة شرابا معبأ ومختوم عليه هذا الشراب رحيق خالص وختامه الذي ختم به مسك، هذا الشراب ممزوج من عين اسمها تسنيم.
ويمزج لهم على قدر درجتهم في الجنة ومعنى تسنيم أي عالية ومنه سنام الجمل.
أما المقربون فيشربون من تسنيم شرابا خالصا.
قال تعالى: (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ) فللأبرار مزيج وللمقربين شراب خالص.
على أن جمال الوصف القرآني لا ينسينا أنه ليس بين الآخرة والدنيا إلا الأسماء فقط لذلك قال القرآن في سورة محمد عند حديثه عن الجنة: (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ)
وهذه الأنواع لا نعرف حقيقتها في الدنيا:
فنحن لا نعرف ماء لا يقبل الفساد ولا نعرف لبناً لا يتغير طعمه، ولا نعرف خمراً لا يصدعون عنها ولا يصدعون بها، ولكن القرآن حاول أن يوصلنا بما نعلم إلى ما لا نعلم.
وفى الحديث القدسى: "أعددت لعبادى الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر"
والقرآن يقول: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
والآن.. مع سورة الواقعة. (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14) عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ)
وقف بنا الحديث عند قوله تعالى: (عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ)
أي مرصعة بالجواهر، وفرشها:(بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ)
وهي سرر مصفوفة: (مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ)
كما ذكرت سورة الطور. ووجوههم متقابلة دائمة، لأن قلوبهم قد صفت من الأحقاد:(وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ)
والله يجمعهم في درجة الأعلى منهم، متجاوزا عن الأدنى بفرق الدرجات:(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ)(يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ)
ولدان مخلدون!.. إنَّ كل شيء في الجنة خالد، فما سر وصف الولدان بالخلود؟
الذي أفهمه أنهم مخلدون على صورة الولدان.
لا يصيبهم الشيب وهم مخلدون أي مقرطون بالذهب في آذانهم.
وسورة الدهر تبيِّنُ جانباً من أوصاف الولدان (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (19) وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20) عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا)
(إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا)
لأن شعاع بعضهم ينعكس على بعض.
(وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا) .. لأن نفوسهم نقشت بجلال الله الملك، وخفايا الملكوت، فيستضيء بأنوار قدس الجبروت.
أما سورة الطور، فتضيف كلمة (لهم)، كأنهم عبيد لسادتهم:(وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ)
ولكن ما فائدة الخدم في جنة قطوفها دانية؟
إنه التكريم فقط..
إنَّ الضيف يمد يده لكوب الماء، فيسارع صاحب البيت ويدفعه له.
أما أصل الولدان، فقد سكت القرآن عنه.
والغيب يقتصر فيه بما أخبر صاحب الغيب سبحانه وأيُّ حديث عن المغيبات، بلا سلطان إلهي، فهو ضياع للوقت، وسبب لانتشار الإسرائيليات ولا ثمرة منه في العقيدة ولا في السلوك.
الأكواب وما فيها من شراب:
في سورة الواقعة: (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ)
وفي سورة الزخرف آية 17: (يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ)
وفي سورة الإنسان آية 16: (وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا (15) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا)
ومجموع الآيات في موضوع الأكواب يعطينا هذه الحقائق فالأكواب من ذهب، وبعضها زجاج مصنوع من فضة، وإذا كانت
الدنيا لا تعرف زجاجا من فضة فإن القرآن قد أَكَّدَ وجود هذا النوع من الزجاج في الجنة، فقال تعالى:(مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا)
ثم ما يقول بعدها مؤكدا: (قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ)
ثم يزيد في التوكيد، فيذكر حالتهم النفسية عند رؤيتهم هذه القوارير فيقول:(قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا) لأنهم لم يروا مثلها في الحياة الدنيا.
وفي الجنة يستوي الذهب والفضة، لأن ارتفاع قيمة الذهب في الدنيا سببه الندرة النسبية، أما هناك، فكل شيء مباح، وكل شيء موفور، هذه هي الأواني، فماذا في داخلها؟..
سورة الواقعة قالت إنَّ شرابها لا يصدعون عنه أي لا يتفرقون عنه لنفاده من قول العرب: تصدع البناء أي تفرقت أجزاءه.
ولا تنزف دماؤهم، ولا أموالهم بسببه:(يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ) (مِنْ مَعِينٍ)
أي من عين تجري. وسورة محمد أخبرت بأنها أنهار جارية.
قال تعالى: (وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ)
أما سورة الإنسان فتذكر المواد التي ركب منها هذا الشراب: (إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا)
وشراب آخر ممزوج بالزنجبيل: (وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا)
وشراب من رحيق خالص، معبأ ومختوم، ختامه المسك:(يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ)
أما سورة الطور فتصور واقعهم من السعادة والمداعبة عند الشرب، فهم يتنازعون الكأس الواحدة يرفعها أحدهم إلى فمه، فيأخذها أخوه منه:(يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ)
شرابها أبيض.. وهو اللذة ذاتها..
هذا ما تضيفه سورة الصافات: (يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (45) بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ)
ثم تضيف سورة الصافات أن هذا الشراب