الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكما أن الماء معدٌّ لسقى الإنسان ومركب بحيث يسهل هضمه فهو أيضا معد لإحياء الأرض وغذاء النبات.
لقد أَكَّدَ القرآن أن ماء المطر مبارك وربط بين بركة الماء وإنبات النبات: (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ)
وهذه البركة فسرها التحليل الكيماوي للماء بأنها كمية العناصر التي تمتزج بماء المطر وهى كمية قليلة من النشادر والأملاح الفلزية وحامض الكربونيك.
هذه النسبة ضرورة لغذاء النبات.
وهى بقدر فلو قلت ضعفت التربة وضعف النبات ولو زادت لاحترق النبات.
الماء الطهور:
قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا)
الماء حياة للإنسان وللأرض والحيوان. ولكن القرآن هنا قدم إحياء الأرض وسقاية الحيوان على سقيا الإنسان لأن حياة الناس بحياة أرضهم وأنعامهم فقدم ما هو سبب حياتهم ومعيشتهم على سقيهم. ولأن الناس إذا ظفروا بما يكون سقياً لأرضهم ومواشيهم لم يعدموا سقايتهم.
كما أشارت الآية الكريمة إلى إحياء الله للأرض بعد موتها وذلك بنزول الماء عليها وقد تكرر هذا في القرآن أثنتا عشرة مرة. لتثبيت هذا المعنى في الاذهان قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
يقول الدكتور كاصر الزيدى: فالأرض الميتة الهامدة ينزل عليها الماء بأمر الله فإذا بها تستجيب لداعي الحياة فتنبت من الأصناف ما يبهج النفوس ، فالماء والأرض يمثلان منظر الحياة المتجددة وسنة من سنن الله في الكون في إخراج شيء يسبب شيء، الماء كالرجل في علاقته بالأرض والأرض كالمرأة في استجابتها له وما ينبت منها أشبه بالنسل الذي يتولد من تزوج الرجل والمرأة وتشبيه الإحياء بالماء أيضا ليس بعيدا عن تكوين الإنسان الأول من التراب الذي لا حياة فيه ولكن القدرة الإلهي ة هى التي بثت فيه الحياة وخلقت فيه الروح فإذا هو بشر.
وهذه الصورة في إنبات النبات بالماء وطهوره متجدداً من طور إلى طور ليست بعيدة أيضاً عن نشوء الإنسان وتدرجه من نطفة إلى علقة إلى مضغة بقدرة الله ومشيئته هذه الصورة الحيَّة تدل على ما ورائها من القدرة المحركة لذلك كله ولقد ربط القرآن بين هذه الصورة الماثلة المتكررة وبين صورة أخرى في عالم الغيب وهى صورة البعث وإحياء الإنسان لملاقات ربه وما أعد له من ثواب أو عقاب قال تعالى: (لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ)
بقدر حاجة الإنسان إلى الماء يكون التهديد من الله بزواله له وقع على النفس عظيم.
لقد هدد الله سبحانه في القرآن بأمرين:
أولا: بزوال الماء وتغويره في الأرض.
ثانيا: بجعل غذبه ملح أجاجا ً فتفسد حياة الناس قال تعالى: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ)
إن نعم الحياة مرتبطة بالمنعم: وهذا التهديد يجعل الإنسان العاقل دائم الرجاء لله دائم الحرص على رضاه فالمعاصي تزيل النعم.
قال الزمخشرى: (عَلَى ذَهَابٍ بِهِ) لمن أوقع النكرات وأحزها للمفصل والمعنى على وجه من وجوه الذهاب به وطريق من طرقه وفيه إذان باقتدار الله وأنه لا يتعالى عليه شيء إذا أراده وهو
أعمق في التهديد من قوله تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ)
فعلى العباد أن يستعظموا النعمة بالماء ويقدروها بالشكر الدائم ويخافوا نفادها إذا لم تشكر.
التهديد الثانى:
قال تعالى: (لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ)
تحويل الماء العذب إلى ملح أجاج ليس بالأمر الصعب لأن الله على كل شيء قدير والدراسات العلمية تؤكد أن تحويل الماء النازل من المطر يمكن أن يتحول إلى سائل كيماوى يهلك الحرث والنسل. فاحتكاك السحاب سالبه بوجبه يولد شرارة كهربية هذه الشرارة ينشأُ عنها إذابة جزء من الهواء في الماء النازل فيتكون (ثانى أكسيد النيتروجين) بنسبة تذوب في ماء المطر فتغذى النبات.
فلو شاء الله زيادة هذا الحامض في ماء المطر لأفسد هذا الماء حياة الناس
…
وبعد: إن العلاقة بين الماء والبعث تتجلى في نزول الماء على الأرض الميتة فتهتز وتربوا والماء آية من آيات الله ونعمة من نعمه وبمقدار الإنعام بما يشتد وقع التهديد بزوالها أو تحويلها حامضاً يهلك كل شيء وقد أخبر القرآن أن الله سبحانه إن رضي عن عباده ساق سحاب الخير والبركة اليهم قال تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا)
وإن عضب على العبيد أهلكهم بالماء نفسه.
قال تعالى: (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ)