الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السائل المنوى:
عندما تنبه الأعصاب الحويصلة النووية وبعض الغدد الأخرى أمثال الغدد البصلية الاحليلية فإن هذه الغدد تتسارع إلى فرز هذا السائل الذي يسبح فيه الحيوان المنوى وهذا السائل ذو طبيعة قلوية وسر هذه المادة القلوية أن تؤمن الحيوان المنوى عند مروره في الطريق البولى حتى لا تؤذيه بقايا البول فضلا عن عملية التنظيف التي تقوم بها غدة البروستاتا لمجرى البول أثناء عملية الجماع وسرعة القذف تساعد على عدم وقوف السائل في الطريق الحامضى سواء عند الرجل أو عند المرأة.
هذا ما نعرفه عن نطفة الرجل
…
أما بويضة الأنثى فلا تخلوا من مثل هذه الأسرار فهى مزودة بهرمون المحبات وهو يحمل إلى الجنين الخصائص الأنثوية ويهيئها لما خلقت له فماذا يفعل هذا الهرمون؟..
زيادة شحم بدن المرأة وكبر الحوض وضيق عظام الصدر ونمو الثديين ونعومة الجلد ورقة الصوت ولين المزاج ويبقى الأمر بيد الله وحده في تغليب أحد الجنسين وتنشأة الجنين ذكراً أم أنثى: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا)
هذا بعض ما تشير إليه الآية الكريمة: (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ)
ونكتفى بهذا القدر من الحديث عن النطفة احتراما للتخصص.
(أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ)
من المفسرين من قدر الضمير في قوله تعالى: (أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ)
أى تخلقون الجنين الناشئ عن النطفة. وكثير من آيات القرآن تكلمت
عن الأجنة ومراحل تكوينها ولست طبيباً حتى أتتبع تكوين الجنين من خلية واحدة إلى مائة بليون خلية كل خلية تؤدى ما خلقت له.
ولكن بعض الخواطر العلمية يمكن أن تتسع لها هذه الصفحات مع احترامى الدائم لدقة المتخصصين.
إنَّ انقسام الخليَّة الواحدة (البويضة الملقحة) إلى ملايين الخلايا المتخصصة أمر محير حقا.
فهى تصبح مجموعة من الألياف المتراصة لتكوين العضلات. وهى تصبح بنكرياس فتقوم بإفراز الأنسولين الذي ينظم السكر في الدم وهى تكون الغدة الدرقية فتفرز الهرمونات الحاثة على تنظيم الحرارة.
وهى تكون المعدة فتفرز العصارات الهاضمة التي تهضم الطعام ولا تهضم نفسها.
وتكون الأمعاء الدقيقة التي تقوم بالامتصاص.
وتكون كرات الدم الحمراء التي تحمل الأوكسجين إلى جميع الجسد.
أما أسرار الغدة النخامية التي تعتبر بجدارة (ملكة الغدد) فتحتاج إلى دراسة واسعة إنها تقوم بإفراز عشرة هرمونات هذه الهرمونات تحث كثير من الأعضاء على أداء وظائفها وتقوم بعملية التنسيق بين الأعضاء.
إنَّ الغدة النخامية بفصوصها الثلاثة تنظم عملية النمو للجسد وإفراز اللبن اللازم للإرضاع والذى يزداد تركيزاً كلما زادت حاجة الطفل وتنظيم الحياة الجنسية وما يلزمها من تكوين النطفة والبويضة وتنظيم عملية إدرار البول بما تتجلى فيه آيات الله (1) .
- - - - - - - - - -
(1)
يفرز الجسد 183 لتراً من البول في اليوم الواحد وهذا المقدار إذا خرج من الجسد فسوف يلزم الإنسان أن يشرب مثل هذا القدر من الماء ويمكن أن ندرك خطورة هذا الأمر ولكن الله سبحانه كلف الغدة النخامية أن تفرز هرمون يفرض على الكلى أن تعيد النظر في هذا القدر من البول فتحتفظ للبدن بمقدار 181.5 لتراً من الماء وتخرج لتراً ونصف فقط وبذلك تقى الإنسان شراً مستطيراً ومن السهل أن يعلم القارئ الكريم أن هذا الرقم يأتي نتيجة دوران كمية الماء الموجودة في الجسم عدة مرات في اليوم الواحد.
وللغدة النخامية دور كبير في عملية الولادة فضلا عما تقوم به من تحريض الغدة الدرقية على اصطياد مادة اليود من الدم وصنع هرمونات الدرق. والعجيب أن هذه الغدة لا يزيد حجمها على واحد سم مكعب.
يا سبحان الله..
إنَّ الخليَّة الأولى تنقسم إلى خلايا تكون العين في الظلام لترى عندما تخرج إلى النور وتكون أذن يتم تكوينها في صمت الرحم لتسمع عندما تخرج إلى ضجيج الحياة.
وتكون كرات الدم البيضاء التي تعمل عمل الجيوش المدافعة عن الجسد ضد الجراثيم الداخلة إليه.
أما خلايا الأعصاب وخلايا المخ فلا يتسع لها إلا كتب التخصص لشدة تعقيدها: (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ) ؟
إنَّ القرآن العظيم لا يلفت عقول الناس إلا لأمر عظيم وقد يغيب سر ذلك عنا: (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ) ؟
تذكرنا هذه الآية الكريمة بأمرين جليلين يحسن الإشارة إليهما.
أولهما: أن الجسد غيور يطرد كل غريب عنه وكرات الدم البيضاء تخوض معركتها مع الجسم الغريب فإما أن تنتصر وإما أن تنتحر والصديد هو جثث كرات الدم البيضاء المنتحرة.
فما سر أن يقبل رحم المرأة (الحيوان المنوى) ويرحب به؟
لماذا لم يقتله كما يقتل كل جسم غريب؟
إن سر ذلك عند الله وحده.
ثانيهما: عندما يتم الإخصاب تبدأ رحلة الجنين في الرحم يكون الجنين خلية واحدة وبعد مدة الحمل يصل تكاثر الخليَّة إلى مائة بليون خلية.
فالزيادة مطردة حسب (قانون المتواليات الهندسية)(1) .
فما سر أن تتغير سرعة التكاثر بمجرد أن يخرج الجنين إلى الحياة؟
يقول الأستاذ أحمد حسين في كتابة (الطاقة الإنسانية) : لو استمرت هذه الزيادة بعد عملية الولادة بنفس المعدل التي عليه في داخل الرحم لبلغ حجم الرجل في الستين من عمره حجم الكرة الشمسية كلها.. (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)
هذا.. وقد تتبعت كل آيات القرآن في موضوع النطفة وتكوين الجنين فرأيت أن القرآن يربط بين تكوين الجنين في الرحم وبين تكوين الأجساد في باطن الأرض.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) . (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ) إلى قوله تعالى: (ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ)
(وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46) وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى)
(قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ)
وهكذا.. يربط القرآن بين النشأة الأولى في صورتها الأصلية - خلق آدم - وفى صورتها المتكررة من ناحية وبين النشأة الثانية
- - - - - - - - - -
(1)
المتواليات الهندسية عبارة عن: 2 ، 4، 16، 256، 65536 وهكذا تتكاثر الخلايا بهذه السرعة العجيبة حتى يعيد الله ضبطها عند خروج الجنين من بطن أمه.
للبعث والجزاء من ناحية أخرى ليدلل بخلق الإبداع عن خلق الإرجاع.. (وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ)
قال تعالى: (نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ (61) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ) .
(نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ)
نحن قدرنا بينكم الموت. فما حيلة الدنيا كلها. هذا قدرنا.. والذين لا يؤمنون بهذا القدر عليهم أن يفروا منه..
(فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)
لماذا ينكرون وجود الله ثم يمدون رقابهم له ليقطعها؟
لماذا يسلمون أنفسهم للمرض وضيق العيش وللموت؟..
ليتهم عندما عجزوا من الفرار من الله حاولوا الفرار إليه.
إن الموت صغرهم أمام أنفسهم لأنه يصرع الجبابرة بنفس السهولة التي يصرع بها الأقذام.
كم دخل على الملوك بدون استئذان فأنساهم عروشهم وحجب عيونهم عن التيجان لا حيلة تدفعه ولا يستجيب لرجاء. (نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ)
صارع الإنسان طويلاً لدفع الأوبئة عن عالمة بحثاً عن البقاء.
وقد حقق الإنسان انتصار لا بأس به في هذا الميدان وجعل الأوبئة العامة كالنار التي تحت الرماد بعد أن كانت شبحاً ظاهراً مخيفاً.
أجل أصبحت الأوبئة كالنار تحت الرماد. تشتعل إذا أتحيت لها فرصه للظهور. وهل الأوبئة العامة هى الشبح الوحيد الذي يهدد الإنسان؟
هناك آلاف الأسباب والموت واحد.
من يصدق أن العلم الذي يصارع الأوبئة الجماعية يتسابق لإقامة مستعمرات من جراثيم هذه الأوبئة ليستخدمها في الحروب ضد الإنسان.
قنابل تصيب العدو بالحمى ، والدوسنتاريا، والكوليرا، والدفتريا، والطاعون الدملى والرئوى، وحمى التيفود، والسل، والكساح، والجدرى، والتسمم
العلم الذي يبنى المستشفيات والمعامل العلاجية يصنع قنابل الجراثيم لقتل الأعداء والأعداء بشر - إنها حقيقة لابد أن تبقى ما بقى حيٌّ أي حيٍّ على الأرض هذه الحقيقة هى: (نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ)
وهل الأوبئة وحدها هى السبب في الموت؟
إن العالم يصبح ويمسى على تهديدات بالحروب النووية وحرب النجوم.
وإذا كانت التجربة الأولى لهذه الحرب في 6 اغسطس 1945 عنما أسقطت الولايات المتحدة الأمريكية أول قنبلة ذرية فوق مدينة هيروشيما فقتلت في أول ثانية (145 ألف نسمة) وحولت مدينة كبيرة إلى خرائب فكيف بها اليوم؟
إن القنبلة النووية الآن وبعد أكثر من أربعين عاما على قنبلة هيروشيما تضاعف حجمها مرارا حتى أصبحت قنبلة هيروشيما بجوار قنابل اليوم كشمعة بجوار غابة تحترق.
وويل للعالم من حماقة نووية تدمر كل شيء أو خطأ حسابى ينتج عنه بلاء لا يبقي ولا يذر.
فالعلماء يتوقعون قتل 200 مليون نسمة في الأيام الأولى إن شب حرب نووي.
ومن يبقى من الموت سيحسد من مات.
أتذكر الآن قول زهير بن أبى سلمة عن الحرب في الجاهلية..
وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم
…
وما هو عنها بالحديث المرجم
متى تبعثوها تبعثوها ذميما
…
وتضر إذا ضربتموها فتضرم
فهي في كل عصر ذميمة وتشتعل ناراً تحرق كل شيء.
إنَّ العلم الذي يحاول دفع الأوبئة الجماعية نراه يعد المخازن ليحتفظ بجراثيم الأوبئة الجماعية ووسائل الفتك النووى لتبقى حقيقة الحقائق..
(كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)
فهل يمكن أن يفروا من الله؟
إنَّ كل شيء في قبضته (وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ) .
فأولى بهم أن يفروا اليه. إن أوهام الماين تتهاوى.
فقد زعموا أنهم سيقيمون جنة على الأرض يستغنون بها عن جنة الله.
قالوا سنقيم هذه الجنة عندما ننتصر على الثلاثى المخيف الفقر والطبقية والموت..
ونسألهم: كانت نسبة الموت في المجتمعات البدائية 100% فكل مائة مات منهم مائة.
فكم ستكون النسبة (حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا) .
إنها نفس النسبة فكل مائة يموت منهم مائة. حتى مع انتصار الإنسان على الأوبئة وعموم السلم واكتشاف
(أكسير الحياة) الذي يعيد الشباب. ويطيل العمر. ويقهر الموت كما تصوره علماء الكيمياء من العرب مع كل هذا ستبقى النسبة الثابتة: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) .
لأن العلماء لم يعرفوا حتى الآن لماذا نموت.
هذا.. وكل تفسير لظاهرة الموت قاله العلماء المعمليون، قالوا أيضاً تفسيراً آخر ليس أحدهما أولى بالقبول من الثانى.
وكيف نعرف سر الموت ونحن لا نعرف حقيقة الروح؟!!.
وعندما لم يعرفوا سبب للموت يقولون.. مات بالسكتة القلبية. ولكن.. أي شيء أسكت القلب؟ ولماذا هذا الشخص بالذات؟ ولماذا هذه اللحظة بعينها؟..
تساؤلات كثيرة لم يعرف العلم المعملي لها جوابا.
إن القلب يعمل كبندول الساعة كل دقة سببها الدقة التي قبلها وهى سبب فيما بعدها.
فالدقة الثالثة سببها الثانية وهى سبب في الرابعة والدقة الثانية سببها الأولى وهى سبب في الثالثة.
فما سبب الدقة الأولى؟.
وقف طبيب القلب في بلد من بلاد الإلحاد حائراً عدة أعوام ثم فر إلى أمريكا واعتنق النصرانية وما دامت كل دقة تعمل بقانون (رد الفعل) للدقة السابقة فأيُّ قوة تدخلت ومنعت رد الفعل فجأة.. فتوقف القلب؟
ونسأل علماء المعامل والطب لماذا نموت؟
ومستر دارون حاول أن يضع تفسيراً لظاهرة الحياة
فأخفق، لماذا لم يشغل نفسه بالبحث عن سبب الموت؟
وسوف أترك مناقشة الماديين لأن جدلهم في الموت نقصان في عقولهم. وأخاطب الوجدان في لحظة يتنبه فيها الوجدان. وتتهيأ فيها النفس لقبول العظات
ويسبق الموت لحظة يسترجع فيها الإنسان ما قدم وما آخر بينما هو يعاني من سكرات الموت. يسترجع ما جمع من هنا وهناك وما قدمه من أيام عمره ثمناً لما جمع. ثم يحاول أن يؤجل الموت ساعة يصلح فيها ما يمكن إصلاحه ولو كلفته هذه الساعة أن يتنازل عن كل ما جمع.
ساعتها يرفض طلبه.. (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)
أترى أن من اشترى سيارة بألف دينار ثم وقع في ضيق فرغب في بيعها بمائة دينار فقط فلم يجد من يشتريها.. أترى شراءها بألف كان شراء عادلاً؟!!
يبدوا إننا أضعنا كثيراً من ساعات أعمارنا وما جمعناه لا يساوي ما انفقناه من أيام العمر: (وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) .
نحن نلهوا والقدر جاد. نربح الدنيا ونخسر نفوسنا.
يلهينا الأمل فننسى دنو الأجل: (وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ) .
نعمر دنيانا ونخرب آخرتنا. لذلك نكره أن ننتقل من العمار إلى الخراب. حتى إذا جاءتنا سكرة الموت بالحق: (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) .
وتحدد الطريق المحتوم: (إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ) وابتعد الجميع مع وقوفهم بجواره (فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ) .
وفشلت كل المحاولات في دفع الكرب عنه. ساعتها يحاول لأول مرة أن يصلح ما بينه وبين الله. آه.. لو جئت قبل ذلك بساعة.. لوجدت الله غفوراً رحيماً.
يقابل آثامك بأضعافها مغفرة. ويفرح بك أكثر من فرح العقيم الوالد ، والضال الواجد ، والظمأن الوارد. يتوب عليك فينسى بدنك والبقاع وينسى حافظيك ما عملته من المعاصى حتى لا يشهد عليك أحدٌ أمامه سبحانه ولكنك جئت في الوقت الذي جاء فيه فرعون بعد أن أضاع دنياه في الظلم:(حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ)
لو تاب الله ساعتها على فرعون لتاب عليك. ولكنك تأخرت كثيراً ، تأخرت حتى أصبح عالم الغيب بالنسبة لك عالم شهادة:(لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ)
لقد كان الأجر نظير إيمانك بالغيب: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) .
ولكن تحويل عالم الغيب إلى عالم مشاهدة يبطل الجزاء (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ)
إن الطالب إذا خرج من لجنة الامتحان وتسلم كتبه لا يستطيع أن يصحح أخطاء وقعت منه في ورقة الإجابة، لأن عالم الغيب العلمي قد أصبح عالم شهادة. (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ) .
وكل عاص لله جاهل به. (ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ) .
وكل توبة قبل الغرغرة تعتبر من قريب (فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)
لقد جئتَ متأخراً.. لأنك تحاول التوبة وهى العزم على فعل الصالحات.. بعد أن تيقنت من عجزك عن فعل أي خير.
صحيح أنك الآن نادم على ما فعلت ولكن الندم وحده لا يكفى.
فقد ندم قوم صالح بعد أن عقروا الناقة فلم يدفع عنهم هذا الندم العذاب: (فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ (157) فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ) .
لقد جئتَ متأخراً.. لأن الملآئكة قد أغلقت عند الحشرجة صحيفة عملك وأعدت بياناً بحالك وتهيأت لتوجيهك لمستقبلك (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ)
وبعد: الموت يعمنا والقبر يضمنا والقيامة تجمعنا.
وقد قدر الله الموت علينا وكل ما قدره الله كائن.
والذين يتوهمون حريتهم في كل شيء لأنهم لم يؤمنوا بالله عليه أن يفروا من الله ليثبتوا دعوتهم أو يفروا إلى الله وفى ذلك عزهم.
أما صراع الإنسان من أجل البقاء فسوف تظل الكلمة العليا لله وحده: (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ)
(وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ) لا يفلت من الموت نكرة من الخلق ولا معرفة وجيوش الدنيا لا تحمى ملوكها من الموت ولا تحميهم البروج المشيدة: (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) .
(عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ)
تهديد شديد لهذه الأمة إن انحدرت عن رسالتها وانسلخت عن دورها في تصدير هدى الله إلى كل الأمم.
لقد اصطفاها الله لتكون خير أمة أخرجت للناس هذه الخيرية مرهونة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتبليغ دين الله ولكن مستقبل الإسلام ليس متروكا لأهوائهم فالإسلام محفوظ بوعد الله: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) .
فإن تخلت الأمة عن دورها تداعت عليها الأمم ورفع الله يد العون عنها واستخلف الله للحق من يحميه: (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ)
إن مستقبل هذه الأمة لا يصلح إلا بما صلح به أولها من خدمة للإسلام وجهاد في سبيله: (إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
والذين يأتي الله بهم ويختارهم لخلافتنا لابد أنهم أزكى منا وأطهر وأقوى على حمل عبء التبليغ (فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ (40) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ)
لقد أقسم الله سبحانه بربوبيته للمشارق والمغارب ليؤكد أن الاستبدال سهل وميسور لأن الكل مربوب له سبحانه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)
إن حماية الحق ليس حكراً على أمة دون أمة ولكنه تاج للأمة التي تتزين به. والله سبحانه قد سلب بنى إسرائيل هذا الشرف عندما نكصت على عقبيها واعتقدت أن النبوة لا يصلح لها إلا دم أبناء إسرائيل. فليس في عرف السماء أمة فوق الجميع ولا شعب مختار.
قال تعالى: (وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ (61) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ) ،
وقوله تعالى: (وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ)
هى النشأة الآخرة التي لا نعلم عنها سوى ما أخبر القرآن وأخبر الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ)
ثم عاد القرآن يذكرنا بالنشأة الأولى ويحض المؤمنين على التذكرة فالذكرى تنفع المؤمنين: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ)