الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ربط العمل بالجزاء
(جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ربط القرآن الكريم بين الجزاء والعمل.
وقد أَكَّدَ القرآن هذه الحقيقة، في كثير من الآيات قال تعالى:(وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)
(أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا)
(أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
(كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ)
(وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا (97) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا)
(فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ
تَعْمَلُونَ) .
ولا تعارض بين ما قرره القرآن في كل آياته من ربط الأجر بالعمل وبين كرم الله: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا) .
وفى الموضوع عدة نقاط يجب أن نبينها:
أولا: الله سبحانه لا يقصر الأجر على النعيم، بل يشكر فاعل الخير على ما قدم.
قال تعالى: (إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا)
(وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ)
(إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ)
وشكر الله لهم هذا الجانب المعنوى من الجزاء الكريم بل هو أرقى هذا النعيم: (وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)
ثانيا: يتسائل البعض؟ هل عظم الأجر، وشدة العقاب، تتناسب مع حجم العمل؟
أقول: لا.. إن الأجر هبة من الله لمن صدقت نيته في إطاعة أمره سبحانه وسيدنا إبراهيم الخليل، خير مثال لتجسيد هذا المعنى.
لقد امتثل لأمر الله بذبح ولده، فنسخ الله التكليف بمجرد أن حدث القبول، وقبل أن يحدث التنفيذ..
(فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا)
وقد أخذ إبراهيم الأجر كاملا.
قال تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ)
(وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى)
(الَّذِي وَفَّى) أي أتى بكل شيء وافيا. مع أن الذبح لم يتم، ولكن النية صادقة، والعزم موجود ، والسنة المطهرة أخبرتنا بأن الله قد غفر لقاتل التسعة والتسعين، عندما صدق عزمه، ونصحت توبته.
ولا يمكن لأحد أن يقول أن التوبة التي تابها تساوى الجرائم التي ارتكبها. ولكنه كرم الله.
ومن ناحية العذاب فكل ذنب مرشح للتوبة ، وإذا كان الشرك لا يغفره الله لمن مات عليه:(إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ)
ولا يقبل من المشركين عملهم: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ)
فسبب ذلك أن الشرك خيانة عظمى، وخروج على قانون الكون العابد لله:
(وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ)
ومرتكب الخيانة العظمى لا يشفع له ماضيه.
إنَّ المشرك ضيع على نفسه فرصة الإيمان، والإيمان يجب ما قبله.
ولولا إصرار المشرك على كفره، لاستحق من العذاب بقدر عمره الذي عاشه فقط من باب السيئة بمثلها ولكن إصراره على الكفر، وعزمه على البقاء عليه لو عاش عمر الدنيا كلها، هو الذي خلده في النار.
فالنعيم كرم.
وجزاء الكفار عدل..
والخلود في الجنة والخلود في النار بسبب النية.
ثالثا: الدارس للقرآن الكريم يرى أن بعض الآيات القرآنية تنسب الفضل في دخول الجنة للمؤمنين.
بينما بعض الآيات الآخرى تؤكد أن دخولهم فيها محض فضل من الله سبحانه قال تعالى: (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ)
(أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) نسب الله الفضل للمؤمنين (لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
(وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا)
(فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
ومعلوم أن هذه الآيات وغيرها كثير ينسب الله الفضل فيها لأعمالهم.
وهناك آيات أخرى يتضرع المؤمنون فيها شاكرين لله سبحانه وينسبون فيها كل الفضل لله.
قال تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ) .
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) .
فالآيتان الكريمتان تؤكدان أن الفضل كل الفضل لله. لأنه مكن لهم في الأرض، وأرسل الرسل، وهداهم إلى الطاعة.
فالمسألة من باب تبادل التحية بين الله سبحانه وبين ضيوفه في الجنة.
هم ينسبون كل الفضل له. وهذه حقيقة.
ويرد عليهم سبحانه بذكر الطيبات من أعمالهم.
وقد جمعت سورة الاعراف بين تحية المسلمين لله
وبين رد الله سبحانه عليهم قال تعالى: (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ) .
فرد عليهم سبحانه.
(وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) هذا هو الفهم الذي أرتاح له، والذى يتفق مع منهج تفسير القرآن للقرآن.
رابعا: ربط القرآن بين العمل والجزاء، هو القاعدة الإسلامية العامة التي يمكن أن نفهم في ضوئها ما ورد من أحاديث نبوية صحيحة، تقصر النجاة من النار على الإيمان وحده.
أخرج أبو داود، عن عبادة بن الصامت رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله حرمه الله على النار".
وعنه رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ قَالَ رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ (رواه أبو داود)
وعن معاذ بن جبل رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة) رواه أبو داود
وهذه الأحاديث وأمثالها أجمع العلماء على أن ظاهرها غير مراد وقد أولها العلماء عدة تأويلات.
أولاً: قالوا أنها كانت قبل أن يشرع الله سبحانه فروع الشريعة.
وهذا التأويل لا أرتاح له، لأن عبادة بن الصامت من الأنصار، وقد دخل الإسلام بعد فرض الصلاة، وهى من الفروع كما نعلم.
ثانيا: يرى الإمام البخاري أن هذه الأحاديث تعنى أن يقول كلمة التوحيد، عند الموت، وقد تاب قبلها من المعاصى.
لأن ساعة الموت هى وقت الأمل لا وقت العمل.
وقد ذكر المرحوم الدكتور محمد عبد الله دراز، كلمة قَيِّمة في هذا الموضوع: قال: (قد يتخذ من أمثال هذه الأحاديث ذريعة إلى طرح التكاليف، وإبطال العمل، ظناً أن ترك الشرك كاف. وهذا يستلزم
طى الشريعة وإبطال الحدود وإن الترغيب في الطاعة
، والتحذير من المعصية لا تأثير له.
بل يقتضى الأخذ بظواهرها الانخلاع عن الدين، والانحلال من الشريعة.
ولكن الأحاديث إذا ثبتت صحتها، يجب ضم بعضها إلى بعض، لأنها في حكم الحديث الواحد، فيحمل الحديث المطلق (كالأحاديث التي ذكرتها) على الحديث المقيد كالأحاديث التي تكلمت عن فروع الشريعة، ليحصل العمل لجميع ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والقرآن يربط بين العمل والجزاء كما أخبرتنا سورة الواقعة ليقطع بذلك أطماع الكافرين، وانحرافات أهل الكتاب، ولينشط الكسالى من المسلمين.
قال تعالى: (أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38) كَلَّا) .
هذه في مقام الرد على المشركين. وإن كان اللفظ عامًّا
أما انحراف بعض أتباع الأديان وطمعهم في دخول الجنة بلا عمل فهذا شيء يرفضه القرآن.
فاليهود قالوا: نحن شعب الله المختار.
والنصارى قالوا: أبانا الذي في السماء.
فرد عليهم القرآن بقوله: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ) .
هذا.. ولم يجامل القرآن كسالى المسلمين الذين فرقوا بين الإيمان والصالحات من العمل. مع أن سنة القرآن الربط بينهما دائماً.
قال تعالى: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا) .
إنَّ اعتناق الإسلام شرط لدخول (جامعة الازهر)
مثلا.. ولكن اعتناق الإسلام وإن حسنت درجته لا يكفى لتحقيق النجاح.
وقد توهم من قال: لا يضر مع الإيمان معصية. توهم وخالف منهج الله..
إنَّ الربط بين العمل والجزاء هو عدل الله المطلق. ثم لا حرج على فضله سبحانه.
(لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (25) إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا) .
جاء آدم إلى الدنيا ومعه (الكلمة) فأدركت الدنيا أبعاد هذا المخلوق في أداء ما خلق له من عمار الأرض.
لأنه بالكلمة سوف يقرأُ أسرار هذا الكون ، فالكون كلمة قالها الله سبحانه فكان هذا الوجود كما أراده.
أدركت الدنيا أنَّ المخلوق الجديد سوف ينقل معارفه عن طريق الكلمة إلى الأجيال التي بعده. ليبدأ كل جيل من حيث انتهى سابقه.
فالكلمة حضارة. والكلمة عمران. والكلمة معارف. وليس ذلك لأحد سوى الإنسان.
أما غيره من الحيوان فإن استطاع أن يتقبل التعليم كحيوان السرك إلا إنه لا يستطيع أن ينقل معارفه المكتسبة إلى الجيل الثانى من ذريته.
جاء آدم إلى الأرض بنعمة البيان: (خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) .
وأصبح البيانُ شامة تميز هذا المخلوق في طريقه للهداية أو للضلال.
(خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ)
فهو يستطيع أن يخاصم، وأن يطالب بحقه، وهو يبين حجته، ويجعل من نعمة البيان سلاحا ينصر به الحق أو يعتدى به على الآخرين، ظلت حياة الناس (كلمة) في كل عصر، فالكلمة كما يقول ابن القيم الجوزية: بيان للفكرة وإرشاد للحجة، وتبصرة وعبرة.
(الكلمة) فكرة في آية، ودلالة على رشد، وإرشاد من غى و (الكلمة) أمر بمصلحة، ونهى عن مفسدة وهداية إلى نور. إخراج من ظلمة، وزجر عن هوى، وجلاء لبصيرة، وإيضاح لبرهان، وتحقيق لحق، وإبطال لباطل.
هذه بطولة الكلم المؤمن والبيان الهادي.
أو قل: هذه صورة مجتمع الجنة كما صورها القرآن: (لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا)
ونفى سماع اللغو أعم من نفى قوله، فقد يتعفف الإنسان عن النطق باللغو ولكن يقع في مسامعه.
نفى سمعه يفيد نظافة المجتمع كله من اللغو.
والقرآن عندما يصف مجتمع الجنة فإنه يرسم المنهج لمجتمع المؤمنين في الدنيا. فمن عزم على الهجرة حاول أن يتخلق بأخلاق المهجر الذي سيأوي إليه. وهذه لمحة قرآنية في مجال التربية بعيدة عن الأوامر والنواهي، لثقلها على النفس:
(لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا)
(لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا)
(فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (10) لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً)
(وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ)
والطيب من القول تسبيح ودعاء. تسبيح يتلذذون به، فقد أدركوا حلاوة الإيمان. (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
وحمدهم لله على، أنعمه التي لا حدود لها دليل على أصالة طبعهم ونبيل أخلاقهم (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ)
هذه صورة لمجتمع الجنة: وقد تهيأ لها المؤمنون في الدنيا ودربوا أنفسهم عليها، حتى لا يجدوا غربة في الجنة.
لقد وصفهم الله في الدنيا بما وصفهم به في الجنة، قال تعالى في وصف المؤمنين:(وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ)
(وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا)
كما وصف القرآن المؤمنين من أهل الكتاب في بنفس الوصف الذي وصف به المؤمنين من أمة القرآن.
ليبين أصالة الخلق في كل عصر: (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ)
وإذا تميز مجتمع الإيمان بالكلمة المؤمنة الطيبة فإن لمجتمع النفاق كلمة خبيثة، ولخصوم الإسلام فنون في حربه بالكلمة، بعد أن فشلت جميع الوسائل العسكرية في الحرب الصليبية.
يقول صاحب الظلال في تفسير قوله تعالى:
(وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا)
قال: كالذين يتحدثون عن الغيب وهو أصل من أصول العقيدة حديث الاستهزاء.
والذين يتحدثون عن الزكاة وهي ركن من أركان الدين حديث الاستصغار.
والذين يتحدثون عن الحياة والعفة وهي من مبادئ هذا الدين بوصفها من مبادئ المجتمعات الإقطاعية الزائلة.
والذين يتحدثون عن قواعد الحياة الزوجية المقررة في الإسلام حديث إنكار واستنكار.
والذين يصفون الضمانات التي جعلها الله للمرأة لتحفظها وتحفظ عفتها بأنها أغلال.
والذي ينكرون حاكمية الله المطلقة في حياة الناس، هؤلاء ينطبق عليهم قوله تعالي:(وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا)
ومن هجومهم السافر على الإسلام يدعون الانتساب إليه: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)
وإذا كان القرآن قد أخبر أن أهل الكتاب يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم لأن هذه المعرفة لا تستهدف البحث عن الحقيقة، ولكنها تستهدف البحث عن نقاط القوة في هذا الدين، لمحاولة صرف الناس عنه بفنون من الكلمة في مجال الأدب والفن ووسائل الأعلام العالمية.
فهذا كاتب عربي كبير يغمز الشريعة الإسلامية فيقول: من الذي سيقطع يد السارق؟ هل الطبيب؟ أم الجزار؟
ويردُّ عليه الأستاذ عبد القادر عطا: إذا كان الطبيب هو الذي سيقطع يد السارق، فإن الجزار سيقطع لسان المارقين المتمردين.
ومنهم من يغمز المقدسات، ويسخر من ليلة القرآن ليلة القدر ويقول عنها باستخفاف إن الله سبحانه يقيم فيها (أوكزيونا) لعبادة بسعر الجملة أسهل وأرخص!..
هل هذا كلام يليق بالله سبحانه وبالليلة التي بدأ فيها نزول القرآن؟.. وإذا تحدث عن الشريعة اتهامها بعدم الصلاحية.. ويطالب بإلغائها باسم التطور فيقول إن الشريعة الإسلامية ليست صالحة لكل زمان ومكان، وإن الصحابة غيروا الأحكام التي شرعها الرسول صلى الله عليه وسلم حسب تغير العرف والمصلحة، لظنهم أن الرسول لم يصدر حكمه إلا في ضوء الظروف القائمة.
كل هذا يقال وينشر في أوسع الصحف العربية، وكاتبه يحمل اسم من أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبشِّرُ بدولة علمانية لا تؤمن بالله.
إنَّ تلاميذ الغرب في بلاد محمد صلى الله عليه وسلم يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم.
يقول صاحب كتاب (الله والإنسان) :
والخير والشر خضعا لناموس التطور. فتغيرت معاني الرذيلة وتغيرت معاني الفضيلة. كانت المرأة رمزاً للشيطان، وكانت الغريزة الجنسية خطيئة تحمل المرأة وزرها وحدها، فأصبحت الغريزة الجنسية حالة (فسيولوجية) تنظم لصالح المجتمع ومسرة أفراده.
فانظر كيف يعبث أصحاب هذه الأقلام بالكلمة.
يهاجمون الحق ويصدون عن سبيل الله.
إنَّ القيم ثابتة ثبوت القوانين الكونية لأن الذي وضع القوانين الأخلاقية هو الذي قنن القوانين الكونية من جاذبية ومدٍّ وجزر.
قال تعالى في ثبوت القوانين الكونية:
(لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ)
فقوانين الكون ثابتة، قال تعالى عن القونين الشرعية:
(لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ)
فقوانين الشريعة ثابتة أيضا.
ومن الذي قال إنَّ المرأة رمز للشيطان؟
أي نص من نصوص الإسلام قال هذا؟
وإذا كان الكاتب يعني بذلك نصوص التوراة فلماذا أطلق كلامه ليغمز الإسلام؟
وأى جراءة جعلت هذا الكاتب يبيح الخطيئة باسم التطور؟