الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأيُّ صعوبة في الإيمان بالبعث والشواهد تتكرر في داخلنا كل لحظة لتؤكد هذا الاعتقاد.
شبهة تداخل الأجسام:
قالوا: إن الأجسام تتحلل وتتداخل في بعضها وتختلط بالأرض ويصعب فرزها لإعادتها. فكيف تبعث الأجسام؟
والقرآن قد حكى شبهتهم في سورة السجدة ثم رد عليها.
قال تعالى: (وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ)
وختام الآية بقوله: (هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ)
يؤكد أن هذا التشكيك سببه عمى بصيرتهم عن إدراك قوة الله.
على أنَّ الإمامَ أبا حامد الغزالي، لا يرى مانعا من القول بأن الله سيخلق أجسام جديدة. يخلقها الله يوم القيامة ليضع فيها النفس التي عاشت في الدنيا والنفس هى مجال الإدراك وبها الشعور.
ولكن القرآن دفع الشبهة من أصلها عندما روى لنا قصة إبراهيم والطير ، قال تعالى:(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى)
(قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ)
(قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)
(قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)
فالطيور ذبحها إبراهيم عليه السلام ثم خلط لحمها بعظمها ووزعها على الجبال ثم دعاهن إليه فأتين سعيا لم تختلط ريشة من ريش نوع بنوع آخر ولا منقار نوع بمنقار نوع آخر.
واختار سبحانه الطيور بالذات لشدة نفورها عادة من الإنسان ، فحضورها إليه طائعة أبلغ في الدلالة (وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ)
هذا المقطع القرآني لم يتكرر في القرآن.
فهو لم يرد في كل القرآن سوى مرة واحدة وذلك عندما جاء رجل مشرك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدم قطعة عظام إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له هل يستطيع ربك أن يحيى هذه بعد موتها؟ مستكثراً على الله أن يعيد الأجسام ، بعد اختلاطها بالأرض.
فنزل قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ)
فيعلم ما تنقص الأرض منه ويعلم مصير كل جزئية من الكون.
يعلم ذرات من يحرق بالنار ويجمعه.
ويعلم ما يأكله السمك من أجسام الغرقى ويجمعه.
ويعلم مصير كل عنصر تحلل ، وأصبح غذاء للنبات. لأن كل ذرة خلق.
وهو بكل خلق عليم.
فالقرآن الكريم قد تتبع كل شبهة أثارها خصوم العقيدة وأجاب عنها. لينفض عن عقيدة البعث أدران المبطلين.
وفى سورة الواقعة سجل القرآن ما يدور في نفوس المعارضين ، الذين استكثروا على الله إحياء آبائهم الذين طال عهدهم بالتراب وإحيائهم بعد موتهم. فرد عليهم القرآن بأن إحياء الأولين والآخرين أمام قدرة الله سواء.
قال تعالى: (قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (50) ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52) فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54) فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55) هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ)
قدم القرآن بعث آبائهم على بعثهم لتحقير شبهتهم ثم أثبت سبحانه أن الأولين والآخرين سيجمعهم الله في يوم مقدر معلوم.
وإذا كان جمع الناس في مكان واحد لا تتسع له عقول المنكرين فقد أَكَّدَ القرآن ذلك.
قال تعالى: (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ)
إنَّ الله لا ينسى أحداً من خلقه لأنه بكل خلق عليم وإحياء الناس جميعا عند الله كإحياء النفس الواحدة..
(مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ)
وقد عالجت القصة القرآنية موضوع البعث عندما ذكرت قصة الرجل الذي قتله بنى اسرآئيل واختلفوا في قاتله، فأمرهم أن يذبحوا بقرة، ويضربوه ببعضها، فأحياه الله.. والقصة بتمامها في سورة البقرة (آية 67 وما بعدها) . وقصة الرجل الذي مرَّ على قرية وهى خاوية على عروشها. سورة البقرة (آية 259) .
وتحويل عصا موسى إلى حيَّة تسعى صورة لإحياء الموتى.
بل لخلق الحياة في الجماد.
وقد أسهبت في هذا الموضوع في كتابى (تريبة القرآن يا ولدى) بما يغنى عن الإعادة.
ثم واصلت السورة الكريمة الحديث عن عذابهم بعد أن أكدت عودتهم.
قال تعالى: (ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52) فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54) فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55) هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ
الدِّينِ)
(لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ)
وشجر الزقوم ليس معروفاً في الدنيا..
ولكن التسمية شاقة على الحنجرة عند النطق بها فتوحى هذه المشقة بصورة الشجرة في النفس.
والتزقم، هو البلع بصعوبة، لكره المبلوع..
وقد جاءت آيات أخرى في مواضع مختلفة في القرآن توضح الأمر.
قال تعالى في سورة الصافات: (أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62) إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63) إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65) فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ)
ويجب أن نقف قليلا عند هذه الآية الكريمة، لنسجل بعض المعانى..
شجرة الزقوم فتنة للظالمين.. (إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ)
وقد أكدت سورة الإسراء هذا المعنى في قوله تعالى:
(وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ)
فالرؤيا هى الإسراء والمعراج ، والشجرة الملعونة في القرآن هى شجرة الزقوم ، ووجه الفتنة فيهما أن الأمرين لا يصدق بهما إلا عقل مؤمن.
أما أصحاب العقول الصغيرة من الملاحدة فيصعب عليهم الإيمان بإسراء النبي صلى الله عليه وسلم كما يصعب عليهم التصديق بوجود شجرة في قاع جهنم.
وقد ذكرت في كتابى (حتى لا نخطئ فهم القرآن) الجزء الثالث: أن بعض الكائنات الدقيقة يمكنها أن تعيش في جو شديد الحرارة يصل إلى (150) درجة وهذه الدرجة أعلى من درجة انصهار بعض المعادن ، كالرصاص والقصدير ، وفى الوقت نفسه يمكنها أن تحافظ على حياتها في درجة برودة (الصفر المطلق) أي في حوالى (273) درجة تحت الصفر فهى تتحمل فرق مناخ:
= 150+273= 423 درجة.
فكيف يصدقون هذا؟.. ويصدقون من أخبار العلم أعجب من هذا ، ثم يتطاولون على الله؟ (إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ)
فى القبح ، وهذا تشبيه بالتخيل ، لأن القارئ لم يشهد رؤوس الشياطين ولكن النفس تشبه الشيء القبيح برؤوس الشياطين ، والشيء الجميل بالملاك مع أنهم لم يروا الملآئكة.
وقد وصف النسوة يوسف عليه السلام بأنه ملك كريم ، قال تعالى:(فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ)
(فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ)
امتلاء البطن من هذا الطعام لون جديد من العذاب. لأنه طعام تفرض عليهم الخزنة أن يأكلوه كما يفرض عليهم الجوع ذلك. فإذا وصل هذا الطعام إلى معدتهم ، فسورة الدخان توضح ما يحدث فيها.. (إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ)
أما سورة الحاقة فتخبر عن طعام أسمته (غسلين) .
(فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36) لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ)
والغسلين حفظنا الله جميعا منه هو ما يسيل من غسل الجروح من قيح وصديد فهو على وزن فعلين من الغسل. كما قال الآلوسى.
وسورة الغاشية ذكرت (الضريع) قال تعالى: (لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6) لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ)
والضريع شوك ترعاه الإبل رطبا وتعلفه يابساً ، وما أشد يبوسته في النار. فالأطعمة في النار ثلاثة.
ولكل فريق ما يستحقه من طعام ، فمنهم آكل الزقوم ، ومنهم آكل الغسلين، ومنهم آكل الضريع