الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الضَّمَان لَا فرق فِيهِ بَين الْجَهْل وَعَدَمه أُجِيب بِأَن ذَلِك عِنْد عدم تسليط الْمَالِك وَهنا بِخِلَافِهِ وَالْأَصْل بَقَاء السلطنة وَبِأَن الْمَالِك مقصر بترك الْإِعْلَام
فصل فِي الْغَصْب
وَهُوَ لُغَة أَخذ الشَّيْء ظلما وَقيل أَخذه ظلما جهارا وَشرعا اسْتِيلَاء على حق الْغَيْر بِلَا حق
وَالْأَصْل فِي تَحْرِيمه قبل الْإِجْمَاع آيَات كَقَوْلِه تَعَالَى {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ} أَي لَا يَأْكُل بَعْضكُم مَال بعض بِالْبَاطِلِ
وأخبار كَخَبَر إِن دماءكم وَأَمْوَالكُمْ وَأَعْرَاضكُمْ عَلَيْكُم حرَام رَوَاهُ الشَّيْخَانِ
وَدخل فِي التَّعْرِيف الْمَذْكُور مَا لَو أَخذ مَال غَيره يَظُنّهُ مَاله فَإِنَّهُ غصب وَإِن لم يكن بِهِ إِثْم
وَقَول الرَّافِعِيّ إِن الثَّابِت فِي هَذِه حكم الْغَصْب لَا حَقِيقَته مَمْنُوع وَهُوَ نَاظر إِلَى أَن الْغَصْب يَقْتَضِي الْإِثْم مُطلقًا وَلَيْسَ مرَادا وَإِن كَانَ غَالِبا فَلَو ركب دَابَّة لغيره أَو جلس على فرَاشه فغاصب وَإِن لم ينْقل ذَلِك وَلم يقْصد الِاسْتِيلَاء
(وَمن غصب مَالا) أَو غَيره (لأحد) وَلَو ذِمِّيا وَكَانَ بَاقِيا (لزمَه رده) على الْفَوْر عِنْد التَّمْكِين وَإِن عظمت الْمُؤْنَة فِي رده وَلَو كَانَ غير مُتَمَوّل كحبة بر أَو كلب يقتنى لقَوْله صلى الله عليه وسلم على الْيَد مَا أخذت حَتَّى تُؤَدِّيه فَلَو لَقِي الْغَاصِب الْمَالِك بمفازة وَالْمَغْصُوب مَعَه فَإِن استرده لم يُكَلف أُجْرَة النَّقْل وَإِن امْتنع فَوَضعه بَين يَدَيْهِ برىء إِن لم يكن لنقله مُؤنَة وَلَو أَخذه الْمَالِك وَشرط على الْغَاصِب مُؤنَة النَّقْل لم يجز لِأَنَّهُ ينْقل ملك نَفسه وَلَو رد الْغَاصِب الدَّابَّة لإصطبل الْمَالِك برىء إِن علم الْمَالِك
بِهِ بمشاهدة أَو إِخْبَار ثِقَة وَلَا يبرأ قبل الْعلم وَلَو غصب من الْمُودع أَو الْمُسْتَأْجر أَو الْمُرْتَهن برىء بِالرَّدِّ إِلَى كل من أَخذ مِنْهُ لَا إِلَى الْمُلْتَقط لِأَنَّهُ غير مَأْذُون لَهُ من جِهَة الْمَالِك فِي الْمُسْتَعِير والمستام وَجْهَان أوجههمَا أَنه يبرأ لِأَنَّهُمَا مَأْذُون لَهما من جِهَة الْمَالِك لكنهما ضامنان
تَنْبِيه قَضِيَّة كَلَام المُصَنّف أَنه لَا يجب على الْغَاصِب مَعَ رد الْعين المغتصبة بِحَالِهَا شَيْء وَيسْتَثْنى مَسْأَلَة يجب فِيهَا مَعَ الرَّد الْقيمَة وَهِي مَا لَو غصب أمة فَحملت بَحر فِي يَده ثمَّ ردهَا لمَالِكهَا فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ قيمتهَا للْحَيْلُولَة لِأَن الْحَامِل بَحر لاتباع ذكره الْمُحب الطَّبَرِيّ
قَالَ وعَلى الْغَاصِب التَّعْزِير لحق الله تَعَالَى واستيفاؤه للْإِمَام وَلَا يسْقط بإبراء الْمَالِك
وَيسْتَثْنى من وجوب الرَّد على الْفَوْر مَسْأَلَتَانِ الأولى مَا لَو غصب لوحا وأدرجه فِي سفينة وَكَانَت فِي لجة وَخيف من نَزعه هَلَاك مُحْتَرم فِي السَّفِينَة وَلَو للْغَاصِب على الْأَصَح فَلَا ينْزع فِي هَذِه الْحَالة
الثَّانِيَة تَأْخِيره للإشهاد وَإِن طَالبه الْمَالِك
فَإِن قيل هَذَا مُشكل لاستمرار الْغَصْب
أُجِيب بِأَنَّهُ زمن يسير اغتفر للضَّرُورَة لِأَن الْمَالِك قد يُنكره وَهُوَ لَا يقبل قَوْله فِي الرَّد
(و) لزمَه مَعَ رده (أرش نَقصه) أَي نقص عينه كَقطع يَده أَو صفته كنسيان صَنْعَة لَا نقص قِيمَته (و) لزمَه مَعَ الرَّد (و) الْأَرْش (أُجْرَة مثله) لمُدَّة إِقَامَته فِي يَده وَلَو لم يسْتَوْف الْمَنْفَعَة وَلَو تفاوتت الْأُجْرَة فِي الْمدَّة ضمن فِي كل بعض من أبعاض الْمدَّة أُجْرَة مثله فِيهِ وَإِذا وَجَبت أجرته فدخله نقص فَإِن كَانَ بِسَبَب الِاسْتِعْمَال كلبس الثَّوْب وَجب مَعَ الْأُجْرَة أَرْشه على الْأَصَح وَإِن كَانَ بِسَبَب غير الِاسْتِعْمَال كَأَن غصب عبدا فنقصت قِيمَته بِآفَة سَمَاوِيَّة كسقوط عُضْو بِمَرَض وَجب مَعَ الْأُجْرَة الْأَرْش أَيْضا ثمَّ الْأُجْرَة حِينَئِذٍ لما قبل حُدُوث النَّقْص أُجْرَة مثله سليما وَلما بعده أُجْرَة مثله معيبا وَإِطْلَاق المُصَنّف شَامِل لذَلِك كُله (فَإِن تلف) الْمَغْصُوب المتمول عِنْد الْغَاصِب بِآفَة أَو إِتْلَاف كُله أَو بعضه (ضمنه) الْغَاصِب بِالْإِجْمَاع أما غير المتمول كحبة بر وكلب يقتني وزبل وحشرات وَنَحْو ذَلِك فَلَا يضمنهُ وَلَو كَانَ مُسْتَحقّ الزبل قد غرم على نَقله أُجْرَة لم يُوجِبهَا على الْغَاصِب
وَيسْتَثْنى من ضَمَان المتمول إِذا تلف مسَائِل مِنْهَا مَا لَو غصب الْحَرْبِيّ مَال مُسلم أَو ذمِّي ثمَّ أسلم أَو عقدت لَهُ ذمَّة بعد التّلف فَإِنَّهُ لَا ضَمَان وَلَو كَانَ بَاقِيا وَجب رده
وَمِنْهَا مَا لَو غصب عبدا وَجب قَتله لحق الله تَعَالَى بردة أَو نَحْوهَا فَقتله فَلَا ضَمَان على الْأَصَح وَمِنْهَا مَا لَو قتل الْمَغْصُوب فِي يَد الْغَاصِب واقتص الْمَالِك من الْقَاتِل فَإِنَّهُ لَا شَيْء على الْغَاصِب لِأَن الْمَالِك أَخذ بدله قَالَه فِي الْبَحْر
تَنْبِيه قَول المُصَنّف تلف لَا يتَنَاوَل مَا إِذا أتْلفه هُوَ أَو أَجْنَبِي لكنه مَأْخُوذ من بَاب أولى وَلذَا قلت أَو إِتْلَاف لَكِن لَو أتْلفه الْمَالِك فِي يَد الْغَاصِب أَو أتْلفه من لَا يعقل أَو من يرى طَاعَة الْأَمر بِأَمْر الْمَالِك برىء من الضَّمَان نعم لَو صال الْمَغْصُوب على الْمَالِك فَقتله دفعا لصياله لم يبرأ الْغَاصِب سَوَاء أعلم أَنه عَبده أم لَا لِأَن الْإِتْلَاف بِهَذِهِ الْجِهَة كتلف العَبْد نَفسه وَخرج بقولنَا عِنْد الْغَاصِب مَا لَو تلف بعد الرَّد فَإِنَّهُ لَا ضَمَان وَاسْتثنى من ذَلِك مَا لَو رده على الْمَالِك بِإِجَارَة أَو رهن أَو وَدِيعَة وَلم يعلم الْمَالِك فَتلف عِنْد الْمَالِك فَإِن ضَمَانه على الْغَاصِب وَمَا لَو قتل بعد رُجُوعه إِلَى الْمَالِك بردة أَو جِنَايَة فِي يَد الْغَاصِب فَإِنَّهُ يضمنهُ
وَيضمن مَغْصُوب تلف (بِمثلِهِ إِن كَانَ لَهُ مثل) مَوْجُود والمثلي مَا حصره كيل أَو وزن وَجَاز السّلم فِيهِ كَمَاء وَلَو أَعلَى وتراب ونحاس ومسك وقطن
وَإِن لم ينْزع حبه ودقيق ونخالة كَمَا قَالَه ابْن الصّلاح وَإِنَّمَا ضمن بِمثلِهِ الْآيَة {فَمن اعْتدى عَلَيْكُم} وَلِأَنَّهُ أقرب إِلَى التَّالِف وَمَا عدا ذَلِك مُتَقَوّم وَسَيَأْتِي كالمذروع والمعدود وَمَا لَا يجوز السّلم فِيهِ كمعجون وغالية ومعيب وَأورد على التَّعْرِيف الْبر الْمُخْتَلط بِالشَّعِيرِ فَإِنَّهُ لَا يجوز السّلم فِيهِ مَعَ أَن الْوَاجِب فِيهِ الْمثل لِأَنَّهُ أقرب إِلَى التَّالِف فَيخرج الْقدر الْمُحَقق مِنْهُمَا
وَأجِيب بِأَن إِيجَاب رد مثله لَا يسْتَلْزم كَونه مثلِيا كَمَا فِي إِيجَاب رد مثل الْمُتَقَوم فِي الْقَرْض وَبِأَن امْتنَاع السّلم فِي جملَته لَا يُوجب امْتِنَاعه فِي جزأيه الباقيين بحالهما ورد الْمثل إِنَّمَا هُوَ بِالنّظرِ إِلَيْهِمَا وَالسّلم فيهمَا جَائِز وَيضمن الْمثْلِيّ بِمثلِهِ فِي أَي مَكَان حل بِهِ وَإِنَّمَا يضمن الْمثْلِيّ بِمثلِهِ إِذا بَقِي لَهُ قيمَة فَلَو أتلف مَاء بمفازة مثلا ثمَّ اجْتمعَا عِنْد نهر وَجَبت قِيمَته بالمفازة وَلَو صَار الْمثْلِيّ مُتَقَوّما أَو مثلِيا أَو الْمُتَقَوم مثلِيا كجعل الدَّقِيق خبْزًا أَو السمسم شيرجا أَو الشَّاة لَحْمًا ثمَّ تلف ضمنه بِمثلِهِ إِلَّا أَن يكون الآخر أَكثر قيمَة فَيضمن بِهِ فِي الثَّانِي وبقيمته فِي الآخرين وَالْمَالِك فِي الثَّانِي مُخَيّر بَين المثلين
أما لَو صَار الْمُتَقَوم مُتَقَوّما كإناء نُحَاس صِيغ مِنْهُ حلي فَيجب فِيهِ أقْصَى الْقيم كَمَا يُؤْخَذ مِمَّا مر
وَخرج بِقَيْد الْوُجُود مَا إِذا فقد الْمثل حسا أَو شرعا كَأَن لم يُوجد بمَكَان الْغَصْب وَلَا حواليه أَو وجد بِأَكْثَرَ من ثمن مثله فَيضمن بأقصى قيم الْمَكَان الَّذِي حل بِهِ الْمثْلِيّ من حِين غصب إِلَى حِين فقد الْمثْلِيّ لِأَن وجود الْمثل كبقاء الْعين فِي وجوب تَسْلِيمه فَيلْزمهُ ذَلِك كَمَا فِي الْمُتَقَوم وَلَا نظر إِلَى مَا بعد الْفَقْد كَمَا لَا نظر إِلَى مَا بعد تلف الْمُتَقَوم
وَصُورَة الْمَسْأَلَة إِذا لم يكن الْمثل مفقودا عِنْد التّلف كَمَا صوره الْمُحَرر وَإِلَّا ضمن الْأَكْثَر من الْغَصْب إِلَى التّلف (أَو) يضمن الْمَغْصُوب (بِقِيمَتِه إِن لم يكن لَهُ مثل) بِأَن كَانَ مُتَقَوّما فَيلْزمهُ قِيمَته إِن تلف بِإِتْلَاف
أَو بِدُونِهِ حَيَوَانا كَانَ أَو غَيره وَلَو مكَاتبا ومستولدة (أَكثر مَا كَانَت من يَوْم) أَي حِين (الْغَصْب إِلَى يَوْم) أَي حِين (التّلف) وَإِن زَاد على دِيَة الْحر لتوجه الرَّد عَلَيْهِ حَال الزِّيَادَة فَيضمن الزَّائِد وَالْعبْرَة فِي ذَلِك بِنَقْد مَكَان التّلف إِن لم يَنْقُلهُ وَإِلَّا فَيتَّجه كَمَا فِي الْكِفَايَة اعْتِبَار نقد أَكثر