الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القَوْل فِي حكم من تَابَ مِنْهُم (وَمن تَابَ مِنْهُم قبل الْقُدْرَة عَلَيْهِ) أَي قبل تقدروا عَلَيْهِم {وَأخذُوا} من الْمُؤَاخَذَة مَبْنِيّ للْمَفْعُول بِمَعْنى طُولِبَ
(بالحقوق) أَي بباقيها فَلَا يسْقط عَنهُ وَلَا عَن غَيره بِالتَّوْبَةِ قَود وَلَا مَال وَلَا بَاقِي الْحُدُود من حد زنا وسرقة وَشرب خمر وَقذف لِأَن العمومات الْوَارِدَة فِيهَا لم تفصل بَين مَا قبل التَّوْبَة وَمَا بعْدهَا بِخِلَاف قَاطع الطَّرِيق نعم تَارِك الصَّلَاة كسلا يقتل حدا على الصَّحِيح
وَمَعَ ذَلِك لَو تَابَ سقط الْقَتْل قطعا وَالْكَافِر إِذا زنى ثمَّ أسلم فَإِنَّهُ يسْقط عَنهُ الْحَد كَمَا نَقله فِي الرَّوْضَة عَن النَّص وَلَا يرد الْمُرْتَد إِذا تَابَ حَيْثُ تقبل تَوْبَته وَيسْقط الْقَتْل لِأَنَّهُ إِذا أصر يقتل كفرا لَا حدا وَمحل عدم سُقُوط بَاقِي الْحُدُود بِالتَّوْبَةِ فِي الظَّاهِر أما فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى فَيسْقط قطعا لِأَن التَّوْبَة تسْقط أثر الْمعْصِيَة كَمَا نبه عَلَيْهِ فِي زِيَادَة الرَّوْضَة فِي بَاب السّرقَة
وَقد قَالَ صلى الله عليه وسلم التَّوْبَة تجب مَا قبلهَا وَورد التائب من الذَّنب كمن لَا ذَنْب لَهُ
تَتِمَّة التَّوْبَة لُغَة الرُّجُوع وَلَا يلْزم أَن تكون عَن ذَنْب وَعَلِيهِ حمل قَوْله صلى الله عليه وسلم إِنِّي لأتوب إِلَى الله تَعَالَى فِي الْيَوْم سبعين مرّة فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم رَجَعَ عَن الِاشْتِغَال بمصالح الْخلق إِلَى الْحق
قَالَ تَعَالَى {فَإِذا فرغت فانصب} وَإِنَّمَا فعل صلى الله عليه وسلم ذَلِك تشريعا وليفتح بَاب التَّوْبَة للْأمة ليعلمهم كَيفَ الطَّرِيق إِلَى الله تَعَالَى وَقد سُئِلَ بعض أكَابِر الْقَوْم عَن قَوْله تَعَالَى {لقد تَابَ الله على النَّبِي} من أَي شَيْء فَقَالَ نبه بتوبة من لم يُذنب على تَوْبَة من أذْنب يَعْنِي بذلك أَنه لَا يدْخل أحد مقَاما من المقامات الصَّالِحَة إِلَّا تَابعا لَهُ صلى الله عليه وسلم فلولا تَوْبَته صلى الله عليه وسلم مَا حصل لأحد تَوْبَة
وأصل هَذِه التَّوْبَة أَخذ الْعلقَة من صَدره الْكَرِيم صلى الله عليه وسلم وَقيل هَذِه حَظّ الشَّيْطَان مِنْك وَشرعا لرجوع عَن التعويج إِلَى سنَن الطَّرِيق الْمُسْتَقيم
وشروطها إِن كَانَت من حق الله تَعَالَى النَّدَم والإقلاع والعزم على أَن لَا يعود
وَإِن كَانَت من حُقُوق الْآدَمِيّين زيد على ذَلِك رَابِع وَهُوَ الْخُرُوج من الْمَظَالِم وَقد بسطت الْكَلَام على التَّوْبَة مَعَ ذكر جمل من النفائس الْمُتَعَلّقَة بهَا فِي شرح الْمِنْهَاج وَغَيره
فصل فِي حكم الصيال وَمَا تتلفه الْبَهَائِم
والصيال هُوَ الاستطالة والوثوب
وَالْأَصْل فِيهِ قَوْله تَعَالَى {فَمن اعْتدى عَلَيْكُم فاعتدوا عَلَيْهِ بِمثل مَا اعْتدى عَلَيْكُم}
وَخبر البُخَارِيّ انصر أَخَاك ظَالِما أَو مَظْلُوما
والصائل ظَالِم فَيمْنَع من ظلمه لِأَن ذَلِك نصر
ثمَّ شرع فِي الْقسم الأول وَهُوَ حكم الصَّائِل فَقَالَ (وَمن قصد) بِضَم أَوله على الْبناء للْمَفْعُول
بِمَعْنى قَصده صائل من آدَمِيّ مُسلما كَانَ أَو كَافِرًا عَاقِلا أَو مَجْنُونا بَالغا أَو صَغِيرا قَرِيبا أَو أَجْنَبِيّا أَو بَهِيمَة
(بأذى) بتنوين الْمُعْجَمَة أَي بِمَا يُؤْذِيه (فِي نَفسه) كَقَتل وَقطع طرف وَإِبْطَال مَنْفَعَة عُضْو (أَو) فِي (مَاله) وَلَو قَلِيلا كدرهم (أَو) فِي (حريمه فقاتل عَن ذَلِك) ليندفع عَنهُ (فَقتل) المصول عَلَيْهِ الصَّائِل
(فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ) من قصاص وَلَا دِيَة وَلَا كَفَّارَة وَلَا قيمَة بَهِيمَة وَغَيرهَا لخَبر من قتل دون دَمه فَهُوَ شَهِيد وَمن قتل دون مَاله فَهُوَ شَهِيد وَمن قتل دون أَهله فَهُوَ شَهِيد رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ
وَجه الدّلَالَة أَنه لما جعله شَهِيدا دلّ على أَن لَهُ الْقَتْل والقتال كَمَا أَن من قَتله أهل الْحَرْب لما كَانَ شَهِيدا كَانَ لَهُ الْقَتْل والقتال وَلَا إِثْم عَلَيْهِ أَيْضا لِأَنَّهُ مَأْمُور بِدَفْعِهِ وَفِي الْأَمر بِالْقِتَالِ وَالضَّمان مُنَافَاة حَتَّى لَو صال العَبْد الْمَغْصُوب أَو الْمُسْتَعَار على مَالِكه فَقتله دفعا لم يبرأ الْغَاصِب وَلَا الْمُسْتَعِير وَيسْتَثْنى من عدم الضَّمَان الْمُضْطَر إِذا قَتله صَاحب الطَّعَام دفعا فَإِن عَلَيْهِ الْقود كَمَا قَالَه الزبيلي فِي آدَاب الْقَضَاء وَلَو صال مكْرها على إِتْلَاف مَال غَيره لم يجز دَفعه بل يلْزم الْمَالِك أَن يقي روحه بِمَالِه
كَمَا يتَنَاوَل الْمُضْطَر طَعَامه وَلكُل مِنْهُمَا دفع الْمُكْره
تَنْبِيه تَعْبِير المُصَنّف بِالْمَالِ قد يخرج مَا لَيْسَ بِمَال كَالْكَلْبِ المقتنى والسرجين وَقَضِيَّة كَلَام الْمَاوَرْدِيّ وَغَيره إِلْحَاقه بِهِ
وَهُوَ الظَّاهِر وَله دفع مُسلم عَن ذمِّي ووالد عَن وَلَده وَسيد عَن عَبده
لأَنهم معصومون وَلَا يجب الدّفع عَن مَال لَا روح فِيهِ لِأَنَّهُ تجوز إِبَاحَته للْغَيْر أما مَا فِيهِ روح فَيجب الدّفع عَنهُ
إِذا قصد إِتْلَافه مَا لم يخْش على نَفسه لحُرْمَة الرّوح
وَيجب الدّفع عَن بضع لِأَنَّهُ لَا السَّبِيل إِلَى إِبَاحَته وَسَوَاء بضع أَهله وَغَيرهم وَمثل الْبضْع مقدماته وَعَن نَفسه إِذا قَصدهَا كَافِر وَلَو مَعْصُوما إِذْ غير الْمَعْصُوم لَا حُرْمَة لَهُ والمعصوم بطلت حرمته بصياله وَلِأَن الاستسلام للْكَافِرِ ذل فِي الدّين أَو قَصدهَا بَهِيمَة لِأَنَّهَا تذبح لاستبقاء الْآدَمِيّ فَلَا وَجه
للإستسلام لَهَا وَظَاهره أَن عضوه ومنفعته كنفسه وَلَا يجب الدّفع إِذا قَصدهَا مُسلم وَلَو مَجْنُونا بل يجوز الاستسلام لَهُ بل يسن كَمَا أفهمهُ كَلَام الرَّوْضَة لخَبر أبي دَاوُد كن خير ابْني آدَمِيّ يَعْنِي قابيل وهابيل
وَالدَّفْع عَن نفس غَيره إِذا كَانَ آدَمِيًّا مُحْتَرما كالدفع عَن نَفسه فَيجب حَيْثُ يجب وينتفي حَيْثُ يَنْتَفِي وَفِي مُسْند الإِمَام أَحْمد من أذلّ عِنْده مُسلم فَلم ينصره وَهُوَ قَادر أَن ينصره أذله الله على رُؤُوس الْخَلَائق يَوْم الْقِيَامَة وَيدْفَع الصَّائِل بالأخف فالأخف
فَإِن أمكن دَفعه بِكَلَام أَو استغاثة حرم الدّفع بِالضَّرْبِ أَو بِضَرْب بيد حرم بِسَوْط أَو بِسَوْط حرم بعصا أَو بعصا حرم بِقطع عُضْو أَو بِقطع عُضْو حرم قتل لِأَن ذَلِك جوز للضَّرُورَة وَلَا ضَرُورَة فِي الأثقل مَعَ إِمْكَان تَحْصِيل الْمَقْصُود بالأسهل وَفَائِدَة هَذَا التَّرْتِيب أَنه مَتى خَالف وَعدل إِلَى رُتْبَة مَعَ إِمْكَان الِاكْتِفَاء بِمَا دونهَا ضمن وَيسْتَثْنى من التَّرْتِيب مَا لَو التحم الْقِتَال بَينهمَا وَاشْتَدَّ الْأَمر عَن الضَّبْط سقط مُرَاعَاة التَّرْتِيب كَمَا ذكره الإِمَام فِي قتال الْبُغَاة
وَمَا لَو كَانَ الصَّائِل ينْدَفع بِالسَّوْطِ والعصا والمصول عَلَيْهِ لَا يجد إِلَّا السَّيْف فَالصَّحِيح أَن لَهُ الضَّرْب بِهِ لِأَنَّهُ لَا يُمكنهُ الدّفع إِلَّا بِهِ وَلَيْسَ بمقصر فِي ترك اسْتِصْحَاب السَّوْط وَنَحْوه
وعَلى التَّرْتِيب إِن أمكن المصول عَلَيْهِ هرب أَو التجاء لحصن أَو جمَاعَة فَالْمَذْهَب وُجُوبه وَتَحْرِيم قتال لِأَنَّهُ مَأْمُور بتخليص نَفسه بالأهون
فالأهون وَمَا ذكره أسهل من غَيره فَلَا يعدل إِلَى الأشد
القَوْل فِي حكم مَا تتلفه الْبَهَائِم ثمَّ شرع فِي الْقسم الثَّانِي وَهُوَ مَا تتلفه الْبَهَائِم بقوله (وعَلى رَاكب الدَّابَّة) وسائقها وقائدها سَوَاء أَكَانَ مَالِكًا أم مُسْتَأْجرًا أم مودعا أم مستعيرا أم غَاصبا
(ضَمَان مَا أتلفته دَابَّته) أَي الَّتِي يَده عَلَيْهَا بِيَدِهَا أَو رجلهَا أَو غير ذَلِك نفسا أَو مَالا لَيْلًا أَو نَهَارا لِأَنَّهَا فِي يَده وَعَلِيهِ تعهدها وحفظها وَلِأَنَّهُ إِذا كَانَ فعلهَا مَنْسُوبا إِلَيْهِ
وَإِلَّا نسب إِلَيْهَا كَالْكَلْبِ إِذا أرْسلهُ صَاحبه وَقتل الصَّيْد حل وَإِن استرسل بِنَفسِهِ فَلَا فجنايتها كجنايته وَلَو كَانَ مَعهَا سائق وقائد فَالضَّمَان عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ وَلَو كَانَ مَعهَا سائق وقائد مَعَ رَاكب فَهَل يخْتَص الضَّمَان بالراكب أَو يجب أَثلَاثًا وَجْهَان أرجحهما الأول
وَلَو كَانَ عَلَيْهَا راكبان فَهَل يجب الضَّمَان عَلَيْهِمَا أَو يخْتَص بِالْأولِ دون الرديف وَجْهَان أوجههمَا الأول لِأَن الْيَد لَهما
تَنْبِيه حَيْثُ أطلق ضَمَان النَّفس فِي هَذَا الْبَاب فَهُوَ على الْعَاقِلَة كحفر الْبِئْر وَيسْتَثْنى من إِطْلَاقه صور الأولى لَو أركبها أَجْنَبِي بِغَيْر إِذن الْوَلِيّ صَبيا أَو مَجْنُونا فأتلفت شَيْئا فَالضَّمَان على الْأَجْنَبِيّ
الثَّانِيَة لَو ركب الدَّابَّة فنخسها إِنْسَان بِغَيْر إِذْنه كَمَا قَيده الْبَغَوِيّ
فرمحت فأتلفت شَيْئا فَالضَّمَان على الناخس فَإِن أذن الرَّاكِب فِي النخس فَالضَّمَان عَلَيْهِ الثَّالِثَة لَو غلبته دَابَّته فَاسْتَقْبلهَا إِنْسَان فَردهَا فأتلفت فِي انصرافها شَيْئا ضمنه الرَّاد
الرَّابِعَة لَو سَقَطت الدَّابَّة ميتَة فَتلف بهَا شَيْء لم يضمنهُ
وَكَذَا لَو سقط هُوَ مَيتا على شَيْء وأتلفه لَا ضَمَان عَلَيْهِ قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَيَنْبَغِي أَن يلْحق بسقوطها ميتَة سُقُوطهَا بِمَرَض أَو عَارض ريح شَدِيد وَنَحْوه
الْخَامِسَة لَو كَانَ مَعَ الدَّوَابّ رَاع فهاجت ريح وأظلم النَّهَار فتفرقت الدَّوَابّ فَوَقَعت فِي زرع فأفسدته فَلَا ضَمَان على الرَّاعِي فِي الْأَظْهر للغلبة كَمَا لَو ند بعيره أَو انفلتت دَابَّته من يَده فأفسدت شَيْئا بِخِلَاف مَا لَو تَفَرَّقت الْغنم لنومه فَيضمن وَلَو انتفخ ميت فتكسر بِسَبَبِهِ شَيْء لم يضمنهُ بِخِلَاف طِفْل سقط على شَيْء لِأَن لَهُ فعلا بِخِلَاف الْمَيِّت وَلَو بَالَتْ دَابَّته أَو راثت بمثلثة بطرِيق وَلَو واقفة فَتلفت بِهِ نفس أَو مَال فَلَا ضَمَان كَمَا فِي الْمِنْهَاج كَأَصْلِهِ لِأَن الطَّرِيق لَا تَخْلُو عَن ذَلِك وَالْمَنْع من الطروق لَا سَبِيل إِلَيْهِ
وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد وَإِن نَازع فِي ذَلِك أَكثر الْمُتَأَخِّرين وَإِنَّمَا يضمن صَاحب الدَّابَّة مَا أتلفته دَابَّته إِذا لم يقصر صَاحب المَال فِيهِ فَإِن قصر بِأَن وضع المَال بطرِيق أَو عرضه للدابة فَلَا يضمنهُ لِأَنَّهُ المضيع لمَاله وَإِن كَانَت الدَّابَّة وَحدهَا فأتلفت زرعا أَو غَيره نَهَارا لم يضمن صَاحبهَا أَو لَيْلًا ضمن لتَقْصِيره بإرسالها لَيْلًا بِخِلَافِهِ نَهَارا للْخَبَر الصَّحِيح فِي ذَلِك رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيره
وَهُوَ على وفْق الْعَادة فِي حفظ الزَّرْع وَنَحْوه نَهَارا وَالدَّابَّة لَيْلًا وَلَو تعود أهل الْبَلَد إرْسَال الدَّوَابّ أَو حفظ الزَّرْع لَيْلًا دون النَّهَار
انعكس الحكم فَيضمن مرسلها مَا أتلفته نَهَارا دون اللَّيْل اتبَاعا لِمَعْنى الْخَبَر وَالْعَادَة وَمن ذَلِك يُؤْخَذ مَا بَحثه البُلْقِينِيّ أَنه لَو جرت عَادَة بحفظها لَيْلًا وَنَهَارًا ضمن مرسلها مَا أتلفته مُطلقًا
تَتِمَّة يسْتَثْنى من الدَّوَابّ الْحمام وَغَيره من الطُّيُور فَلَا ضَمَان بإتلافها مُطلقًا كَمَا حَكَاهُ فِي أصل الرَّوْضَة عَن ابْن الصّباغ