المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في تارك الصلاة - الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع - جـ ٢

[الخطيب الشربيني]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الْبيُوع وَغَيرهَا من أَنْوَاع الْمُعَامَلَات

- ‌فصل فِي الرِّبَا

- ‌فصل فِي أَحْكَام الْخِيَار

- ‌فصل فِي السّلم وَيُقَال لَهُ السّلف

- ‌فصل فِي الرَّهْن

- ‌فصل فِي الْحجر

- ‌فصل فِي الصُّلْح

- ‌فصل فِي الْحِوَالَة

- ‌فصل فِي الضَّمَان

- ‌فصل فِي كَفَالَة الْبدن

- ‌فصل فِي الشّركَة

- ‌فصل فِي الْوكَالَة

- ‌فصل فِي الْإِقْرَار

- ‌فصل فِي الْعَارِية

- ‌فصل فِي الْغَصْب

- ‌فصل فِي الشُّفْعَة

- ‌فصل فِي الْقَرَاض

- ‌فصل فِي الْمُسَاقَاة

- ‌فصل فِي الْإِجَارَة

- ‌فصل فِي الْجعَالَة

- ‌فصل فِي الْمُزَارعَة وَالْمُخَابَرَة وكراء الأَرْض

- ‌فصل فِي إحْيَاء الْموَات

- ‌فصل فِي الْوَقْف

- ‌فصل فِي الْهِبَة

- ‌فصل فِي اللّقطَة

- ‌فصل فِي بعض النّسخ وَهُوَ فِي أَقسَام اللّقطَة وَبَيَان حكم كل مِنْهَا

- ‌(فصل فِي اللَّقِيط)

- ‌فصل فِي الْوَدِيعَة

- ‌حجب الحرمان بالشخص

- ‌فصل فِي الْوَصِيَّة الشاملة للإيصاء

- ‌فصل فِي أَرْكَان النِّكَاح

- ‌فصل فِي بَيَان أَوْلِيَاء

- ‌فصل فِي مُحرمَات النِّكَاح ومثبتات الْخِيَار فِيهِ

- ‌فصل فِي الصَدَاق

- ‌فصل فِي الْوَلِيمَة

- ‌فصل فِي الْقسم والنشوز

- ‌فصل فِي الْخلْع

- ‌فصل فِي الطَّلَاق

- ‌فصل فِي طَلَاق السّني

- ‌فصل فِيمَا يملكهُ الزَّوْج من الطلقات

- ‌فصل فِي الرّجْعَة

- ‌فصل فِي بَيَان مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ حل الْمُطلقَة

- ‌فصل فِي الْإِيلَاء

- ‌فصل فِي الظِّهَار

- ‌فصل فِي اللّعان

- ‌فرع لَو قذف زوج زَوجته

- ‌فصل فِي الْعدَد

- ‌فصل فِيمَا يجب للمعتدة وَعَلَيْهَا

- ‌فصل فِي أَحْكَام الِاسْتِبْرَاء

- ‌فصل فِي الرَّضَاع

- ‌فصل فِي نَفَقَة الْقَرِيب وَالرَّقِيق والبهائم

- ‌فصل فِي النَّفَقَة

- ‌فصل فِي الْحَضَانَة

- ‌كتاب الْجِنَايَات

- ‌فصل فِي الدِّيَة

- ‌فصل فِي الْقسَامَة

- ‌فصل فِي حد الْقَذْف

- ‌فصل فِي حد شَارِب السكر من خمر وَغَيره

- ‌فصل فِي حد السّرقَة

- ‌فصل فِي قَاطع الطَّرِيق

- ‌فصل فِي حكم الصيال وَمَا تتلفه الْبَهَائِم

- ‌فصل فِي قتال الْبُغَاة

- ‌فصل فِي الرِّدَّة

- ‌فصل فِي تَارِك الصَّلَاة

- ‌فصل فِي قسم الْغَنِيمَة

- ‌فصل فِي قسم الْفَيْء

- ‌فصل فِي الْجِزْيَة تطلق

- ‌فصل فِي الْأَطْعِمَة

- ‌فصل فِي الْأُضْحِية

- ‌فصل فِي الْعَقِيقَة

- ‌فصل فِي أَحْكَام النذور

- ‌فصل فِي الْقِسْمَة

- ‌فصل فِي الدَّعْوَى والبينات

- ‌فصل فِي الشَّهَادَات

- ‌فصل كَمَا فِي بعض النّسخ يذكر فِيهِ الْعدَد فِي الشُّهُود والذكورة

- ‌كتاب الْعتْق

- ‌فصل فِي أَحْكَام الْوَلَاء

- ‌فصل فِي التَّدْبِير

- ‌فصل فِي الْكِتَابَة

- ‌فصل فِي أُمَّهَات الْأَوْلَاد

الفصل: ‌فصل في تارك الصلاة

مُسلم وَلَا كَافِر أُصَلِّي فَلَا يسترق وَلَا يقتل حَتَّى يبلغ ويستتاب فَإِن لم يتب قتل

وَاخْتلف فِي الْمَيِّت من أَوْلَاد الْكفَّار قبل بُلُوغه

وَالصَّحِيح كَمَا فِي الْمَجْمُوع فِي بَاب صَلَاة الاسْتِسْقَاء تبعا للمحققين أَنهم فِي الْجنَّة وَالْأَكْثَرُونَ على أَنهم فِي النَّار وَقيل على الْأَعْرَاف

وَلَو كَانَ أحد أَبَوَيْهِ مُرْتَدا وَالْآخر كَافِرًا أَصْلِيًّا فكافر أُصَلِّي قَالَه الْبَغَوِيّ

وَملك الْمُرْتَد مَوْقُوف إِن مَاتَ مُرْتَدا بَان زَوَاله بِالرّدَّةِ وَيَقْضِي مِنْهُ دين لزمَه قبلهَا وَبدل مَا أتْلفه فِيهَا ويمان مِنْهُ ممونه من نَفسه وَبَعضه وَمَاله وزوجاته لِأَنَّهَا حُقُوق مُتَعَلقَة بِهِ وتصرفه إِن لم يحْتَمل الْوَقْف بِأَن لم يقبل التَّعْلِيق كَبيع وَكِتَابَة بَاطِل لعدم احْتِمَال الْوَقْف وَإِن احتمله بِأَن قبل التَّعْلِيق كعتق وَوَصِيَّة

فموقوف إِن أسلم نفذ

وَإِلَّا فَلَا وَيجْعَل مَاله عِنْد عدل وَأمته عِنْد نَحْو محرم كامرأة ثِقَة وَيُؤَدِّي مكَاتبه النُّجُوم للْقَاضِي حفظا لَهَا

وَيعتق بذلك أَيْضا وَإِنَّمَا لم يقبضهَا الْمُرْتَد لِأَن قَبضه غير مُعْتَبر

‌فصل فِي تَارِك الصَّلَاة

الْمَفْرُوضَة على الْأَعْيَان أَصَالَة جحدا أَو غَيره

وَبَيَان حكمه وَذكره المُصَنّف عقب الرِّدَّة لاشْتِمَاله على شَيْء من أَحْكَامهَا فَفِيهِ مُنَاسبَة وَإِن كَانَ مُخَالفا لغيره من المصنفين فِيمَا علمت فَإِن الْغَزالِيّ ذكره بعد الْجَنَائِز

وَذكره جمَاعَة قبل الْأَذَان وَذكره الْمُزنِيّ وَالْجُمْهُور قبل الْجَنَائِز وتبعهم الْمِنْهَاج كَأَصْلِهِ

قَالَ الرَّافِعِيّ وَلَعَلَّه أليق

(و) الْمُكَلف (تَارِك الصَّلَاة) الْمَعْهُودَة شرعا الصادقة بِإِحْدَى الْخمس

(على ضَرْبَيْنِ) إِذْ التّرْك سَببه جحد أَو كسل

(أَحدهمَا أَن يَتْرُكهَا غير مُعْتَقد لوُجُوبهَا) عَلَيْهِ جحدا بِأَن أنكرها بعد علمه بِهِ أَو عنادا كَمَا هُوَ فِي الْقُوت عَن الدَّارمِيّ

(فَحكمه) فِي وجوب استتابته وَقَتله وَجَوَاز غسله وتكفينه وَدَفنه فِي مَقَابِر الْمُشْركين

(حكم الْمُرْتَد) على مَا سبق بَيَان فِي مَوْضِعه من غير فرق وكفره بجحده فَقَط لَا بِهِ من التّرْك وَإِنَّمَا ذكره المُصَنّف لأجل التَّقْسِيم لِأَن الْجحْد لَو انْفَرد كَمَا لَو صلى جاحدا للْوُجُوب كَانَ مقتضيا للكفر لإنكاره مَا هُوَ مَعْلُوم من الدّين بِالضَّرُورَةِ

فَلَو اقْتصر المُصَنّف على الْجحْد كَانَ أولى لِأَن ذَلِك تَكْذِيب لله وَلِرَسُولِهِ فيكفر بِهِ وَالْعِيَاذ بِاللَّه تَعَالَى

وَنقل الْمَاوَرْدِيّ الْإِجْمَاع على ذَلِك وَذَلِكَ جَار فِي جحود كل مجمع عَلَيْهِ مَعْلُوم من الدّين بِالضَّرُورَةِ

أما من أنكرهُ جَاهِلا لقرب عَهده بِالْإِسْلَامِ أَو نَحوه

مِمَّن يجوز أَن يخفى عَلَيْهِ كمن بلغ مَجْنُونا ثمَّ أَفَاق أَو نَشأ بَعيدا عَن الْعلمَاء فَلَيْسَ مُرْتَدا بل يعرف الْوُجُوب فَإِن عَاد بعد ذَلِك صَار مُرْتَدا

ص: 553

القَوْل فِي تَارِك الصَّلَاة كسلا (و) الضَّرْب (الثَّانِي أَن يَتْرُكهَا) كسلا أَو تهاونا (مُعْتَقدًا لوُجُوبهَا) عَلَيْهِ (فيستتاب) قبل الْقَتْل لِأَنَّهُ لَيْسَ أَسْوَأ حَالا من الْمُرْتَد

وَهِي مَنْدُوبَة كَمَا صَححهُ فِي التَّحْقِيق وَإِن كَانَ قَضِيَّة كَلَام الرَّوْضَة وَالْمَجْمُوع أَنَّهَا وَاجِبَة كاستتابة الْمُرْتَد وَالْفرق على الأول أَن جريمة الْمُرْتَد تَقْتَضِي الخلود فِي النَّار فَوَجَبت الاستتابة رَجَاء نجاته من ذَلِك بِخِلَاف تَارِك الصَّلَاة فَإِن عُقُوبَته أخف لكَونه يقتل حدا بل مُقْتَضى مَا قَالَه النَّوَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ من كَون الْحُدُود تسْقط الْإِثْم أَنه لَا يبْقى عَلَيْهِ شَيْء بِالْكُلِّيَّةِ لِأَنَّهُ قد حد على هَذَا الجريمة والمستقبل لم يُخَاطب بِهِ وتوبته على الْفَوْر لِأَن الْإِمْهَال يُؤَدِّي إِلَى تَأْخِير صلوَات

(فَإِن تَابَ) بِأَن امتثل الْأَمر (وَصلى) خلي سَبيله من غير قتل

فَإِن قيل هَذَا الْقَتْل حد وَالْحُدُود لَا تسْقط بِالتَّوْبَةِ

أُجِيب أَن هَذَا الْقَتْل لَا يضاهي الْحُدُود الَّتِي وضعت عُقُوبَة على مَعْصِيّة سَابِقَة بل حملا على مَا توجه عَلَيْهِ من الْحق وَلِهَذَا لَا خلاف فِي سُقُوطه بِالْفِعْلِ الَّذِي هُوَ تَوْبَة وَلَا يتَخَرَّج على الْخلاف فِي سُقُوط الْحَد بِالتَّوْبَةِ على الصَّوَاب (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يتب (قتل) بِالسَّيْفِ إِن لم يبد عذرا (حدا) لَا كفرا لخَبر الصَّحِيحَيْنِ أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يشْهدُوا أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله ويقيموا الصَّلَاة ويؤتوا الزَّكَاة

فَإِذا فعلوا ذَلِك عصموا مني دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ إِلَّا بِحَق الْإِسْلَام وحسابهم على الله فَإِن أبدى عذرا كَأَن قَالَ تركتهَا نَاسِيا أَو للبرد أَو نَحْو ذَلِك من الْأَعْذَار صَحِيحَة كَانَت فِي نفس الْأَمر أَو بَاطِلَة لم يقتل لِأَنَّهُ لم يتَحَقَّق مِنْهُ تعمد تَأْخِيرهَا عَن الْوَقْت بِغَيْر عذر لَكِن نأمره بهَا بعد ذكر الْعذر وجوبا فِي الْعذر الْبَاطِل وندبا فِي الصَّحِيح بِأَن نقُول لَهُ صل فَإِن امْتنع لم يقتل لذَلِك

فَإِن قَالَ تَعَمّدت تَركهَا بِلَا عذر قتل سَوَاء قَالَ وَلم أَصْلهَا

أَو سكت لتحَقّق جِنَايَته بتعمد التَّأْخِير وَيقتل تَارِك الطَّهَارَة للصَّلَاة لِأَنَّهُ ترك لَهَا وَيُقَاس بِالطَّهَارَةِ الْأَركان وَسَائِر الشُّرُوط وَمحله فِيمَا لَا خلاف فِيهِ أَو فِيهِ خلاف

ص: 554

واه بِخِلَاف الْقوي فَفِي فَتَاوَى الْقفال لَو ترك فَاقِد الطهُورَيْنِ الصَّلَاة مُتَعَمدا أَو مس شَافِعِيّ الذّكر أَو لمس الْمَرْأَة أَو تَوَضَّأ وَلم ينْو وَصلى مُتَعَمدا لَا يقتل لِأَن جَوَاز صلَاته مُخْتَلف فِيهِ وَالصَّحِيح قَتله وجوبا بِصَلَاة فَقَط لظَاهِر الْخَبَر بِشَرْط إخْرَاجهَا عَن وَقت الضَّرُورَة فِيمَا لَهُ وَقت ضَرُورَة بِأَن تجمع مَعَ الثَّانِيَة فِي وَقتهَا فَلَا يقتل بترك الظّهْر حَتَّى تغرب الشَّمْس وَلَا بترك الْمغرب حَتَّى يطلع الْفجْر وَيقتل فِي الصُّبْح بِطُلُوع الشَّمْس وَفِي الْعَصْر بغروبها وَفِي الْعشَاء بِطُلُوع الْفجْر فَيُطَالب بأدائها إِذا ضَاقَ وَقتهَا ويتوعد بِالْقَتْلِ إِن أخرجهَا عَن الْوَقْت فَإِن أصر وَأخرج اسْتوْجبَ الْقَتْل فَقَوْل الرَّوْضَة يقتل بِتَرْكِهَا إِذا ضَاقَ وَقتهَا مَحْمُول على مُقَدمَات الْقَتْل بِقَرِينَة

كَلَامهَا بعد وَمَا قيل من أَنه لَا يقتل بل يُعَزّر وَيحبس حَتَّى يُصَلِّي كَتَرْكِ الصَّوْم وَالزَّكَاة وَالْحج وَلخَبَر لَا يحل دمخ امرىءه مسلمه إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث الثّيّب الزَّانِي وَالنَّفس بِالنَّفسِ والتارك لدينِهِ المفارق للْجَمَاعَة وَلِأَنَّهُ لَا يقتل بترك الْقَضَاء مَرْدُود بِأَن الْقيَاس مَتْرُوك بالنصوص وَالْخَبَر عَام مَخْصُوص بِمَا ذكر

وَقَتله خَارج الْوَقْت إِنَّمَا هُوَ للترك بِلَا عذر على أَنا نمْنَع أَنه لَا يقتل بترك الْقَضَاء مُطلقًا بل فِيهِ تَفْصِيل يَأْتِي فِي خَاتِمَة الْفَصْل وَيقتل بترك الْجُمُعَة وَإِن قَالَ أصليها ظهرا كَمَا فِي زِيَادَة الرَّوْضَة عَن الشَّاشِي لتركها بِلَا قَضَاء إِذْ الظّهْر لَيْسَ قَضَاء عَنْهَا وَيقتل بِخُرُوج وَقتهَا بِحَيْثُ لَا يتَمَكَّن من فعلهَا إِن لم يتب

فَإِن تَابَ لم يقتل وتوبته أَن يَقُول لَا أتركها بعد ذَلِك كسلا وَهَذَا فِيمَن تلْزمهُ الْجُمُعَة إِجْمَاعًا

فَإِن أَبَا حنيفَة يَقُول لَا جُمُعَة إِلَّا على أهل مصر

جَامع وَقَوله جَامع صفة لمصر (وَحكمه) بعد قَتله (حكم الْمُسلمين فِي) وجوب (الدّفن) فِي مَقَابِر الْمُسلمين

(و) فِي وجوب (الْغسْل وَالصَّلَاة) عَلَيْهِ وَلَا يطمس قَبره كَسَائِر أَصْحَاب الْكَبَائِر من الْمُسلمين

خَاتِمَة من ترك الصَّلَاة بِعُذْر كنوم أَو نِسْيَان لم يلْزمه قَضَاؤُهَا فَوْرًا لَكِن يسن لَهُ الْمُبَادرَة بهَا أَو بِلَا عذر لزمَه قَضَاؤُهَا فَوْرًا لتَقْصِيره لَكِن لَا يقتل بفائتة فَاتَتْهُ بِعُذْر لِأَن وَقتهَا موسع أَو بِلَا عذر وَقَالَ أصليها لم يقتل لتوبته بِخِلَاف مَا إِذا لم يقل ذَلِك كَمَا مرت الْإِشَارَة إِلَيْهِ وَلَو ترك منذورة مُؤَقَّتَة لم يقتل كَمَا علم من تَقْيِيد الصَّلَاة بِإِحْدَى الْخمس لِأَنَّهُ الَّذِي أوجبهَا على نَفسه قَالَ الْغَزالِيّ وَلَو زعم زاعم أَن بَينه وَبَين الله تَعَالَى حَالَة أسقطت عَنهُ الصَّلَاة وَأحلت لَهُ شرب الْخمر وَأكل مَال السُّلْطَان كَمَا زَعمه بعض من ادّعى التصوف

فَلَا شكّ فِي وجوب قَتله وَإِن كَانَ فِي خلوده فِي النَّار نظر

ص: 555

= كتاب أَحْكَام الْجِهَاد = أَي الْقِتَال فِي سَبِيل الله وَمَا يتَعَلَّق بِبَعْض أَحْكَامه وَالْأَصْل فِيهِ قبل الْإِجْمَاع آيَات كَقَوْلِه تَعَالَى {كتب عَلَيْكُم الْقِتَال} وَقَوله تَعَالَى {وقاتلوا الْمُشْركين كَافَّة} وَقَوله تَعَالَى {واقتلوهم حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} وأخبار كَخَبَر الصَّحِيحَيْنِ أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله وَخبر مُسلم لغدوة أَو رَوْحَة فِي سَبِيل الله خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا

وَقد جرت عَادَة الْأَصْحَاب تبعا لإمامهم الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن يذكرُوا مُقَدّمَة فِي صدر هَذَا الْكتاب

فلنذكر نبذة مِنْهَا على سَبِيل التَّبَرُّك فَنَقُول بعث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَوْم الِاثْنَيْنِ فِي رَمَضَان وَهُوَ ابْن أَرْبَعِينَ سنة وَقيل ثَلَاث وَأَرْبَعين سنة

وَآمَنت بِهِ خَدِيجَة ثمَّ بعْدهَا قيل عَليّ وَهُوَ ابْن تسع سِنِين

وَقيل عشر وَقيل أَبُو بكر

وَقيل زيد بن حَارِثَة

ثمَّ أَمر بتبليغ قومه بعد ثَلَاث سِنِين من مبعثه صلى الله عليه وسلم

وَأول مَا فرض عَلَيْهِ بعد الْإِنْذَار وَالدُّعَاء إِلَى التَّوْحِيد من قيام اللَّيْل مَا ذكر فِي أول سُورَة المزمل ثمَّ نسخ بِمَا فِي آخرهَا

ثمَّ نسخ بالصلوات الْخمس لَيْلَة الْإِسْرَاء إِلَى بَيت الْمُقَدّس بِمَكَّة بعد النُّبُوَّة بِعشر سِنِين وَثَلَاثَة أشهر لَيْلَة سبع وَعشْرين من رَجَب وَقيل بعد النُّبُوَّة بِخمْس أَو سِتّ

وَقيل غير ذَلِك

ثمَّ أَمر باستقبال الْكَعْبَة ثمَّ فرض الصَّوْم بعد الْهِجْرَة بِسنتَيْنِ تَقْرِيبًا وفرضت الزَّكَاة بعد الصَّوْم وَقيل قبله وَفِي السّنة الثَّانِيَة

قيل فِي نصف شعْبَان

وَقيل فِي رَجَب من الْهِجْرَة حولت الْقبْلَة وفيهَا فرضت صَدَقَة الْفطر وفيهَا ابْتَدَأَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم صَلَاة عيد الْفطر ثمَّ عيد الْأَضْحَى ثمَّ فرض الْحَج سنة سِتّ وَقيل سنة خمس وَلم يحجّ صلى الله عليه وسلم بعد الْهِجْرَة إِلَّا حجَّة الْوَدَاع سنة عشر وَاعْتمر أَرْبعا وَكَانَ الْجِهَاد فِي عَهده صلى الله عليه وسلم بعد الْهِجْرَة فرض كِفَايَة وَأما بعده صلى الله عليه وسلم فللكفار كِفَايَة سقط الْحَرج عَن البَاقِينَ لِأَن هَذَا شَأْن فروض الْكِفَايَة

(وشرائط وجوب الْجِهَاد) حِينَئِذٍ (سبع خِصَال) الأولى (الْإِسْلَام) لقَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا قَاتلُوا الَّذين يلونكم من الْكفَّار} الْآيَة

ص: 556

حالان الْحَال الأول أَن يَكُونُوا ببلادهم فَفرض كِفَايَة إِذا فعله من فيهم فخوطب بِهِ الْمُؤْمِنُونَ فَلَا يجب على الْكَافِر وَلَو ذِمِّيا لِأَنَّهُ يبْذل الْجِزْيَة لنذب عَنهُ لَا ليذب عَنَّا

(و) الثَّانِيَة (الْبلُوغ و) الثَّالِثَة (الْعقل) فَلَا جِهَاد على صبي وَمَجْنُون لعدم تكليفهما

وَلقَوْله تَعَالَى {لَيْسَ على الضُّعَفَاء} الْآيَة قيل هم الصّبيان لضعف أبدانهم وَقيل المجانين لضعف عُقُولهمْ وَلِأَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم رد ابْن عمر يَوْم أحد وَأَجَازَهُ فِي الخَنْدَق

(و) الرَّابِعَة (الْحُرِّيَّة) فَلَا جِهَاد على رَقِيق وَلَو مبعضا أَو مكَاتبا لقَوْله تَعَالَى {وتجاهدون فِي سَبِيل الله بأموالكم وَأَنْفُسكُمْ} وَلَا مَال للْعَبد وَلَا نفس يملكهَا فَلم يَشْمَلهُ الْخطاب حَتَّى لَو أمره سَيّده لم يلْزمه كَمَا قَالَه الإِمَام لِأَنَّهُ لَيْسَ من أهل هَذَا الشَّأْن وَلَيْسَ الْقِتَال من الِاسْتِخْدَام الْمُسْتَحق للسَّيِّد لِأَن الْملك لَا يَقْتَضِي التَّعَرُّض للهلاك

(و) الْخَامِسَة (الذُّكُورَة) فَلَا جِهَاد على امْرَأَة لِضعْفِهَا

وَلقَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّبِي حرض الْمُؤمنِينَ على الْقِتَال} وَإِطْلَاق لفظ الْمُؤمنِينَ ينْصَرف للرِّجَال دون النِّسَاء وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ وَلقَوْله صلى الله عليه وسلم لعَائِشَة وَقد سَأَلته فِي الْجِهَاد لَكِن أفضل الْجِهَاد حج مبرور

(و) السَّادِسَة (الصِّحَّة) فَلَا جِهَاد على مَرِيض يتَعَذَّر قِتَاله أَو تعظم مشقته

(و) السَّابِعَة (الطَّاقَة على الْقِتَال) بِالْبدنِ وَالْمَال فَلَا جِهَاد على أعمى وَلَا على ذِي عرج بَين وَلَو فِي رجل وَاحِدَة لقَوْله تَعَالَى {لَيْسَ على الْأَعْمَى حرج وَلَا على الْأَعْرَج حرج وَلَا على الْمَرِيض حرج} النُّور 61 فَلَا عِبْرَة بصداع ووجع ضرس وَضعف بصر إِن كَانَ يدْرك الشَّخْص ويمكنه اتقاء السِّلَاح

وَلَا عرج يسير لَا يمْنَع الْمَشْي والعدو والهرب وَلَا على أقطع يَد بكاملها أَو مُعظم أصابعها بِخِلَاف فَاقِد الْأَقَل أَو أَصَابِع الرجلَيْن إِن أمكنه الْمَشْي بِغَيْر عرج بَين وَلَا على أشل يَد أَو مُعظم أصابعها لِأَن مَقْصُود الْجِهَاد الْبَطْش

والنكاية وَهُوَ مَفْقُود فيهمَا لِأَن كلا مِنْهُمَا لَا يتَمَكَّن من الضَّرْب وَلَا عادم أهبة قتال من نَفَقَة وَلَا سلَاح

وَكَذَا مركوب إِن كَانَ سفر قصر فَإِن كَانَ دونه لزمَه إِن كَانَ قَادِرًا على الْمَشْي

فَاضل ذَلِك عَن مُؤنَة من تلْزمهُ مُؤْنَته كَمَا فِي الْحَج وَلَو مرض بعد مَا خرج أَو فنى زَاده أَو هَلَكت دَابَّته فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَين أَن ينْصَرف أَو يمْضِي فَإِن حضر الْوَقْعَة جَازَ لَهُ الرُّجُوع على الصَّحِيح إِذا لم يُمكنهُ الْقِتَال فَإِن أمكنه الرَّمْي بِالْحِجَارَةِ فَالْأَصَحّ فِي زَوَائِد الرَّوْضَة الرَّمْي بهَا على تنَاقض وَقع لَهُ فِيهِ

وَلَو كَانَ الْقِتَال على بَاب دَاره أَو حوله سقط اعْتِبَار الْمُؤَن كَمَا ذكره القَاضِي أَبُو الطّيب وَغَيره

وَالضَّابِط الَّذِي يعم مَا سبق وَغَيره كل عذر منع وجوب حج كفقد زَاد وراحلة منع وجوب الْجِهَاد إِلَّا فِي خوف طَرِيق من كفار أَو من لصوص مُسلمين فَلَا يمْنَع وُجُوبه لِأَن الْخَوْف يحْتَمل فِي هَذَا السّفر لبِنَاء الْجِهَاد على مصادمة المخاوف وَالدّين الْحَال على مُوسر يحرم على رجل سفر جِهَاد وسفر غَيره إِلَّا بِإِذن

ص: 557

غَرِيمه وَالدّين الْمُؤَجل لَا يحرم السّفر وَإِن قرب الْأَجَل وَيحرم على رجل جِهَاد بسفر وَغَيره إِلَّا بِإِذن أَبَوَيْهِ إِن كَانَا مُسلمين وَلَو كَانَ الْحَيّ أَحدهمَا فَقَط لم يجز إِلَّا بِإِذْنِهِ وَجَمِيع أُصُوله الْمُسلمين

كَذَلِك وَلَو وجد الْأَقْرَب مِنْهُم وَأذن بِخِلَاف الْكَافِر مِنْهُم لَا يجب اسْتِئْذَانه وَلَا يحرم عَلَيْهِ سفر لتعلم فرض وَلَو كِفَايَة

كَطَلَب دَرَجَة الافتاء بِغَيْر إِذن أَصله وَلَو أذن أَصله أَو رب الدّين فِي الْجِهَاد ثمَّ رَجَعَ بعد خُرُوجه وَعلم بِالرُّجُوعِ وَجب رُجُوعه إِن لم يحضر الصَّفّ وَإِلَّا حرم انْصِرَافه لقَوْله تَعَالَى {إِذا لَقِيتُم فِئَة فاثبتوا} وَيشْتَرط لوُجُوب الرُّجُوع أَيْضا أَن يَأْمَن على نَفسه وَمَاله

وَلم تنكسر قُلُوب الْمُسلمين

وَإِلَّا فَلَا يجب الرُّجُوع بل لَا يجوز

وَالْحَال الثَّانِي من حَال الْكفَّار أَن يدخلُوا بَلْدَة لنا مثلا فَيلْزم أَهلهَا الدّفع بالممكن مِنْهُم

وَيكون الْجِهَاد حِينَئِذٍ فرض عين سَوَاء أمكن تأهبهم لقِتَال أم لم يُمكن علم كل من قصد أَنه إِن أَخذ قتل أَو لم يعلم أَنه إِن امْتنع من الاستسلام قتل أَو لم تأمن الْمَرْأَة فَاحِشَة إِن أخذت

وَمن هُوَ دون مَسَافَة الْقصر من الْبَلدة الَّتِي دَخلهَا الْكفَّار حكمه كأهلها وَإِن كَانَ فِي أَهلهَا كِفَايَة لِأَنَّهُ كالحاضر مَعَهم فَيجب ذَلِك على كل مِمَّن ذكر حَتَّى على فَقير وَولد ومدين ورقيق بِلَا إِذن من الأَصْل وَرب الدّين وَالسَّيِّد وَيلْزم الَّذين على مَسَافَة الْقصر الْمُضِيّ إِلَيْهِم عِنْد الْحَاجة بِقدر الْكِفَايَة دفعا لَهُم وإنقاذا من الهلكة

فَيصير فرض عين فِي حق من قرب وَفرض كِفَايَة فِي حق من بعد

وَإِذا لم يُمكن من قصد تأهب لقِتَال وَجوز أسرا وقتلا فَلهُ استسلام وقتال إِن علم أَنه إِن امْتنع مِنْهُ قتل وَأمنت الْمَرْأَة فَاحِشَة

ثمَّ شرع فِي أَحْكَام الْجِهَاد بقوله (وَمن أسر من الْكفَّار فعلى ضَرْبَيْنِ ضرب يكون رَقِيقا بِنَفس) أَي بِمُجَرَّد (السَّبي) بِفَتْح الْمُهْملَة وَإِسْكَان الْمُوَحدَة وَهُوَ الْأسر كَمَا قَالَه النَّوَوِيّ فِي تحريره (وهم النِّسَاء وَالصبيان) والمجانين وَالْعَبِيد وَلَو مُسلمين

كَمَا يرق حَرْبِيّ مقهور لحربي بالقهر أَي يصيرون بالأسر أرقاء لنا وَيَكُونُونَ كَسَائِر أَمْوَال الْغَنِيمَة الْخمس لأَهله وَالْبَاقِي للغانمين لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يقسم السَّبي كَمَا يقسم المَال

وَالْمرَاد برق العبيد استمراره لَا تجدده وَمثلهمْ فِيمَا ذكر المبعضون تَغْلِيبًا لحقن الدَّم

ص: 558

تَنْبِيه لَا يقتل من ذكر للنَّهْي عَن قتل النِّسَاء وَالصبيان وَالْبَاقِي فِي مَعْنَاهُمَا فَإِن قَتلهمْ الإِمَام وَلَو لشرهم وقوتهم ضمن قيمتهم للغانمين كَسَائِر الْأَمْوَال

(وَضرب لَا يرق بِنَفس السَّبي) وَإِنَّمَا يرق بِالِاخْتِيَارِ كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى

(وهم الرِّجَال) الْأَحْرَار (البالغون) الْعُقَلَاء (وَالْإِمَام) أَو أَمِير الْجَيْش (مُخَيّر فيهم) بِفعل الأحظ لِلْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمين

(بَين أَرْبَعَة أَشْيَاء) وَهِي (الْقَتْل) بِضَرْب رَقَبَة لَا بتحريق وتغريق

(والاسترقاق) وَلَو لونثي أَو عَرَبِيّ أَو بعض شخص على الْمُصَحح فِي الرَّوْضَة إِذا رَآهَا مصلحَة

(والمن) عَلَيْهِم بتخلية سبيلهم (والفدية بِالْمَالِ) أَي يَأْخُذهُ مِنْهُم سَوَاء أَكَانَ من مَالهم أَو من مالنا الَّذِي فِي أَيْديهم (أَو بِالرِّجَالِ) أَي برد أسرى مُسلمين كَمَا نَص عَلَيْهِ وَمثل الرِّجَال غَيرهم أَو أهل ذمَّة كَمَا بَحثه بَعضهم وَهُوَ ظَاهر فَيرد مُشْرك بِمُسلم أَو مُسلمين أَو مُشْرِكين بِمُسلم أَو بذمي وَيجوز أَن يفديهم بأسلحتنا الَّتِي فِي أَيْديهم وَلَا يجوز أَن نرد أسلحتهم الَّتِي فِي أَيْدِينَا بِمَال يبذلونه

كَمَا لَا يجوز أَن نبيعهم السِّلَاح (يفعل الإِمَام) أَو أَمِير الْجَيْش (من ذَلِك) بِالِاجْتِهَادِ لَا بالتشهي (مَا فِيهِ الْمصلحَة للْمُسلمين) وَالْإِسْلَام فَإِن خَفِي على الإِمَام أَو أَمِير الْجَيْش

الأحظ حَبسهم حَتَّى يظْهر لَهُ لِأَنَّهُ رَاجع إِلَى الِاجْتِهَاد لَا إِلَى التشهي كَمَا مر

فيؤخر لظُهُور الصَّوَاب وَلَو أسلم أَسِير مُكَلّف لم يخْتَر الإِمَام فِيهِ قبل إِسْلَامه منا وَلَا فدَاء عصم الْإِسْلَام دَمه فَيحرم قَتله لخَبر الصَّحِيحَيْنِ أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله إِلَى أَن قَالَ فَإِذا قالوها عصموا مني دِمَاءَهُمْ وَقَوله وَأَمْوَالهمْ مَحْمُول على مَا قبل الْأسر بِدَلِيل قَوْله إِلَّا بِحَقِّهَا وَمن حَقّهَا أَن مَاله الْمَقْدُور عَلَيْهِ بعد الْأسر غنيمَة

وَبَقِي الْخِيَار فِي الْبَاقِي من خِصَال التَّخْيِير السَّابِقَة لِأَن الْمُخَير بَين أَشْيَاء إِذا سقط بَعْضهَا لتعذره لَا يسْقط الْخِيَار فِي الْبَاقِي كالعجز عَن الْعتْق فِي الْكَفَّارَة

(وَمن أسلم) من رجل أَو امْرَأَة فِي دَار حَرْب أَو إِسْلَام

(قبل الْأسر) أَي قبل الظفر بِهِ (أحرز) أَي عصم بِإِسْلَامِهِ (مَاله) من غنيمَة (وَدَمه) من سفكه للْخَبَر الْمَار (وصغار أَوْلَاده) الْأَحْرَار عَن السَّبي لأَنهم يتبعونه فِي الْإِسْلَام وَالْجد كَذَلِك فِي الْأَصَح وَلَو كَانَ الْأَب حَيا لما مر وَولده أَو ولد وَلَده الْمَجْنُون كالصغير وَلَو طَرَأَ الْجُنُون بعد الْبلُوغ لما مر أَيْضا ويعصم الْحمل تبعا لَهُ لَا إِن استرقت أمه قبل إِسْلَام الْأَب فَلَا يبطل إِسْلَامه رقّه كالمنفصل وَإِن حكم بِإِسْلَامِهِ

تَنْبِيه سكت المُصَنّف عَن سبي الزَّوْجَة والمذاهب كَمَا فِي الْمِنْهَاج أَن إِسْلَام الزَّوْج لَا يَعْصِمهَا عَن الاسترقاق لاستقلالها وَلَو كَانَت حَامِلا مِنْهُ فِي الْأَصَح

فَإِن قيل لَو بذل مِنْهُ فِي الْجِزْيَة منع إرقاق زَوجته وَابْنَته الْبَالِغَة فَكَانَ الْإِسْلَام أولى

أُجِيب بِأَن مَا يُمكن اسْتِقْلَال الشَّخْص بِهِ لَا يَجْعَل فِيهِ تَابعا لغيره

والبالغة تستقل بِالْإِسْلَامِ وَلَا تستقل ببذل الْجِزْيَة

فَإِن استرقت انْقَطع نِكَاحه فِي حَال السَّبي سَوَاء أَكَانَ قبل الدُّخُول بهَا أم لَا لِامْتِنَاع إمْسَاك الْأمة الْكَافِرَة للنِّكَاح كَمَا يمْتَنع ابْتِدَاء نِكَاحهَا

وَلقَوْله صلى الله عليه وسلم فِي سَبَايَا أَوْطَاس أَلا لَا تُوطأ حَامِل حَتَّى تضع وَلَا حَائِل حَتَّى تحيض وَلم يسْأَل عَن ذَات زوج وَلَا غَيرهَا

وَمَعْلُوم أَنه كَانَ فيهم من لَهَا زوج وترق زَوْجَة الذِّمِّيّ

ص: 559

بِنَفس الْأسر وَيقطع بِهِ نِكَاحه

فَإِن قيل هَذَا يُخَالف قَوْلهم إِن الْحَرْبِيّ إِذا بذل الْجِزْيَة عصم نَفسه وَزَوجته من الاسترقاق

أُجِيب بِأَن المُرَاد هُنَاكَ الزَّوْجَة الْمَوْجُودَة حِين العقد

فيتناولها العقد على جِهَة التّبعِيَّة وَالْمرَاد هُنَا الزَّوْجَة المتجددة بعد العقد لِأَن العقد لم يَتَنَاوَلهَا وَيجوز إرقاق عَتيق الذِّمِّيّ إِذا كَانَ حَرْبِيّا لِأَن الذِّمِّيّ لَو الْتحق بدار الْحَرْب اسْترق فعتيقه أولى لَا عَتيق مُسلم الْتحق بدار الْحَرْب

فَلَا يسترق لِأَن الْوَلَاء بعد ثُبُوته لَا يرفع وَلَا تسْتَرق زَوْجَة الْمُسلم الحربية إِذا سبيت كَمَا صَححهُ فِي الْمِنْهَاج وَأَصله وَهُوَ الْمُعْتَمد

وَإِن كَانَ مُقْتَضى كَلَام الرَّوْضَة والشرحين الْجَوَاز فَإِنَّهُمَا سويا فِي جَرَيَان الْخلاف بَينهمَا وَبَين زَوْجَة الْحَرْبِيّ إِذا أسلم لِأَن الْإِسْلَام الْأَصْلِيّ أقوى من الْإِسْلَام الطارىء وَلَو سبيت زَوْجَة حرَّة أَو زوج حر ورق انْفَسَخ النِّكَاح لحدوث الرّقّ فَإِن كَانَا رقيقين لم يَنْفَسِخ النِّكَاح إِذْ لم يحدث رق وَإِنَّمَا انْتقل الْملك من شخص إِلَى آخر وَذَلِكَ لَا يقطع النِّكَاح كَالْبيع

وَإِذا رق الْحَرْبِيّ وَعَلِيهِ دين لغير حَرْبِيّ كمسلم وذمي لم يسْقط فيفضي من مَاله إِن غنم بعد رقّه

فَإِن كَانَ لحربي على حَرْبِيّ ورق من عَلَيْهِ الدّين بل أَو رب الدّين فَيسْقط

وَلَو رق رب الدّين وَهُوَ على غير حَرْبِيّ لم يسْقط وَمَا أَخذ من أهل الْحَرْب بِلَا رضَا من عقار أَو غَيره بِسَرِقَة أَو غَيرهَا غنيمَة مخمسة إِلَّا السَّلب خمسها لأَهله وَالْبَاقِي للآخذ وَكَذَا مَا وجد كلقطة مِمَّا يظنّ أَنه لَهُم فَإِن أمكن كَونه لمُسلم وَجب تَعْرِيفه

وَيعرف سنة إِلَّا أَن يكون حَقِيرًا كَسَائِر اللقطات

(وَيحكم للصَّبِيّ) أَي للصَّغِير ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى أَو خُنْثَى (بِالْإِسْلَامِ عِنْد وجود) أحد (ثَلَاثَة أَسبَاب) أَولهَا مَا ذكره بقوله (أَن يسلم أحد أَبَوَيْهِ)

وَالْمَجْنُون وَإِن جن بعد بُلُوغه كالصغير بِأَن يعلق بَين كَافِرين ثمَّ يسلم أَحدهمَا قبل بُلُوغه فَإِنَّهُ يحكم بِإِسْلَامِهِ حَالا سَوَاء أسلم أَحدهمَا قبل وَضعه أم بعده قبل تَمْيِيزه وَقبل بُلُوغه لقَوْله تَعَالَى {وَالَّذين آمنُوا وَاتَّبَعتهمْ ذُرِّيتهمْ بِإِيمَان ألحقنا بهم ذُرِّيتهمْ}

تَنْبِيه قَول المُصَنّف أَن يسلم أحد أَبَوَيْهِ يُوهم قصره على الْأَبَوَيْنِ

وَلَيْسَ مرَادا بل فِي معنى الْأَبَوَيْنِ الأجداد والجدات وَإِن لم يَكُونُوا وارثين وَكَانَ الْأَقْرَب حَيا

فَإِن قيل إِطْلَاق ذَلِك يَقْتَضِي إِسْلَام جَمِيع الْأَطْفَال بِإِسْلَام أَبِيهِم آدم عليه الصلاة والسلام

أُجِيب بِأَن الْكَلَام فِي جد يعرف النّسَب إِلَيْهِ بِحَيْثُ يحصل بَينهمَا التَّوَارُث وَبِأَن التّبعِيَّة فِي الْيَهُودِيَّة والنصرانية حكم جَدِيد وَإِنَّمَا أَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَو ينصرَانِهِ

ص: 560

وَالْمَجْنُون الْمَحْكُوم بِكُفْرِهِ كالصغير فِي تَبَعِيَّة أحد أُصُوله فِي الْإِسْلَام إِن بلغ مَجْنُونا

وَكَذَا إِن بلغ عَاقِلا ثمَّ جن فِي الْأَصَح وَإِذا حدث للْأَب ولد بعد موت الْجد مُسلما تبعه فِي أحد احْتِمَالَيْنِ رَجحه السُّبْكِيّ وَهُوَ الظَّاهِر

فَإِن بلغ الصَّغِير وَوصف كفرا بعد بُلُوغه أَو أَفَاق الْمَجْنُون وَوصف كفرا بعد إِفَاقَته فمرتد على الْأَظْهر لسبق الحكم بِإِسْلَامِهِ

فَأشبه من أسلم بِنَفسِهِ ثمَّ ارْتَدَّ وَإِن كَانَ أحد أَبَوي الصَّغِير مُسلما وَقت علوقه

فَهُوَ مُسلم بِإِجْمَاع وتغليبا لِلْإِسْلَامِ وَلَا يضر مَا يطْرَأ بعد الْعلُوق مِنْهُمَا من ردة

فَإِن بلغ وَوصف كفرا بِأَن أعرب بِهِ عَن نَفسه كَمَا فِي الْمُحَرر فمرتد قطعا لِأَنَّهُ مُسلم ظَاهرا وَبَاطنا وَثَانِيها مَا ذكره بقوله (أَو يسبيه) أَي الصَّغِير أَو الْمَجْنُون (مُسلم) وَقَوله (مُنْفَردا) حَال من ضمير الْمَفْعُول أَي حَال انْفِرَاده

(عَن أَبَوَيْهِ) فَيحكم بِإِسْلَامِهِ ظَاهرا وَبَاطنا تبعا لسابيه لِأَن لَهُ عَلَيْهِ ولَايَة وَلَيْسَ مَعَه من هُوَ أقرب إِلَيْهِ مِنْهُ فيتبعه كَالْأَبِ قَالَ الإِمَام وَكَأن السابي لما أبطل حُرِّيَّته قلبه قلبا كليا

فَعدم عَمَّا كَانَ وافتتح لَهُ وجود تَحت يَد السابي وَولَايَة فَأشبه تولده بَين الْأَبَوَيْنِ الْمُسلمين

وَسَوَاء أَكَانَ السابي بَالغا عَاقِلا أم لَا أما إِذا سبي مَعَ أحد أَبَوَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يتبع السابي جزما وَمعنى كَون أحد أَبَوي الصَّغِير مَعَه أَن يَكُونَا فِي جَيش وَاحِد وغنيمة وَاحِدَة وَإِن اخْتلف سابيهما لِأَن تَبَعِيَّة الأَصْل أقوى من تَبَعِيَّة السابي فَكَانَ أولى بالاستتباع وَلَا يُؤثر موت الأَصْل بعد لِأَن التّبعِيَّة إِنَّمَا تثبت فِي ابْتِدَاء السَّبي وَخرج بِالْمُسلمِ الْكَافِر فَلَو سباه ذمِّي وَحمله إِلَى دَار الْإِسْلَام أَو مستأمن كَمَا قَالَه الدَّارمِيّ لم يحكم بِإِسْلَامِهِ فِي الْأَصَح

لِأَن كَونه من أهل دَار الْإِسْلَام لم يُؤثر فِيهِ وَلَا فِي أَوْلَاده

فَكيف يُؤثر فِي مسبيه وَلِأَن تَبَعِيَّة الدَّار إِنَّمَا تُؤثر فِي حق من لَا يعرف حَاله وَلَا نسبه

نعم هُوَ على دين سابيه كَمَا ذكره الْمَاوَرْدِيّ وَغَيره

ثَالِثهَا مَا ذكره بقوله (أَو يُوجد لقيطا فِي دَار الْإِسْلَام) فَيحكم بِإِسْلَامِهِ تبعا للدَّار وَمَا ألحق بهَا وَإِن اسْتَلْحقهُ كَافِر بِلَا بَيِّنَة بنسبه هَذَا إِن وجد بِمحل وَلَو بدار كفر بِهِ مُسلم يُمكن كَونه مِنْهُ وَلَو أَسِيرًا منتشرا أَو تَاجِرًا أَو مجتازا تَغْلِيبًا لِلْإِسْلَامِ

وَلِأَنَّهُ قد حكم بِإِسْلَامِهِ فَلَا يُغير بِمُجَرَّد دَعْوَى الِاسْتِلْحَاق وَلَكِن لَا يَكْفِي اجتيازه بدار كفر

بِخِلَافِهِ بِدَارِنَا لحرمتها وَلَو نَفَاهُ مُسلم

قبل فِي نفي نسبه لَا فِي نفي إسْلَامهَا اتِّفَاقًا لِأَن نطقه بِالشَّهَادَتَيْنِ إِمَّا خبر وَإِمَّا إنْشَاء فَإِن كَانَ خَبرا للْكَافِرِ لَيْسَ بِهِ مُسلم فَهُوَ كَافِر أما إِذا اسْتَلْحقهُ الْكَافِر بِبَيِّنَة أَو وجد اللَّقِيط بِمحل مَنْسُوب للْكفَّار لَيْسَ بِهِ مُسلم فَهُوَ كَافِر

تَنْبِيه اقْتِصَاره كَغَيْرِهِ على هَذِه الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة يدل على عدم الحكم بِإِسْلَام الصَّغِير الْمُمَيز وَهُوَ الصَّحِيح الْمَنْصُوص

فِي

ص: 561