المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الْجِنَايَات عبر بهَا دون الْجراح لتشمله وَالْقطع وَالْقَتْل وَنَحْوهمَا مِمَّا - الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع - جـ ٢

[الخطيب الشربيني]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الْبيُوع وَغَيرهَا من أَنْوَاع الْمُعَامَلَات

- ‌فصل فِي الرِّبَا

- ‌فصل فِي أَحْكَام الْخِيَار

- ‌فصل فِي السّلم وَيُقَال لَهُ السّلف

- ‌فصل فِي الرَّهْن

- ‌فصل فِي الْحجر

- ‌فصل فِي الصُّلْح

- ‌فصل فِي الْحِوَالَة

- ‌فصل فِي الضَّمَان

- ‌فصل فِي كَفَالَة الْبدن

- ‌فصل فِي الشّركَة

- ‌فصل فِي الْوكَالَة

- ‌فصل فِي الْإِقْرَار

- ‌فصل فِي الْعَارِية

- ‌فصل فِي الْغَصْب

- ‌فصل فِي الشُّفْعَة

- ‌فصل فِي الْقَرَاض

- ‌فصل فِي الْمُسَاقَاة

- ‌فصل فِي الْإِجَارَة

- ‌فصل فِي الْجعَالَة

- ‌فصل فِي الْمُزَارعَة وَالْمُخَابَرَة وكراء الأَرْض

- ‌فصل فِي إحْيَاء الْموَات

- ‌فصل فِي الْوَقْف

- ‌فصل فِي الْهِبَة

- ‌فصل فِي اللّقطَة

- ‌فصل فِي بعض النّسخ وَهُوَ فِي أَقسَام اللّقطَة وَبَيَان حكم كل مِنْهَا

- ‌(فصل فِي اللَّقِيط)

- ‌فصل فِي الْوَدِيعَة

- ‌حجب الحرمان بالشخص

- ‌فصل فِي الْوَصِيَّة الشاملة للإيصاء

- ‌فصل فِي أَرْكَان النِّكَاح

- ‌فصل فِي بَيَان أَوْلِيَاء

- ‌فصل فِي مُحرمَات النِّكَاح ومثبتات الْخِيَار فِيهِ

- ‌فصل فِي الصَدَاق

- ‌فصل فِي الْوَلِيمَة

- ‌فصل فِي الْقسم والنشوز

- ‌فصل فِي الْخلْع

- ‌فصل فِي الطَّلَاق

- ‌فصل فِي طَلَاق السّني

- ‌فصل فِيمَا يملكهُ الزَّوْج من الطلقات

- ‌فصل فِي الرّجْعَة

- ‌فصل فِي بَيَان مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ حل الْمُطلقَة

- ‌فصل فِي الْإِيلَاء

- ‌فصل فِي الظِّهَار

- ‌فصل فِي اللّعان

- ‌فرع لَو قذف زوج زَوجته

- ‌فصل فِي الْعدَد

- ‌فصل فِيمَا يجب للمعتدة وَعَلَيْهَا

- ‌فصل فِي أَحْكَام الِاسْتِبْرَاء

- ‌فصل فِي الرَّضَاع

- ‌فصل فِي نَفَقَة الْقَرِيب وَالرَّقِيق والبهائم

- ‌فصل فِي النَّفَقَة

- ‌فصل فِي الْحَضَانَة

- ‌كتاب الْجِنَايَات

- ‌فصل فِي الدِّيَة

- ‌فصل فِي الْقسَامَة

- ‌فصل فِي حد الْقَذْف

- ‌فصل فِي حد شَارِب السكر من خمر وَغَيره

- ‌فصل فِي حد السّرقَة

- ‌فصل فِي قَاطع الطَّرِيق

- ‌فصل فِي حكم الصيال وَمَا تتلفه الْبَهَائِم

- ‌فصل فِي قتال الْبُغَاة

- ‌فصل فِي الرِّدَّة

- ‌فصل فِي تَارِك الصَّلَاة

- ‌فصل فِي قسم الْغَنِيمَة

- ‌فصل فِي قسم الْفَيْء

- ‌فصل فِي الْجِزْيَة تطلق

- ‌فصل فِي الْأَطْعِمَة

- ‌فصل فِي الْأُضْحِية

- ‌فصل فِي الْعَقِيقَة

- ‌فصل فِي أَحْكَام النذور

- ‌فصل فِي الْقِسْمَة

- ‌فصل فِي الدَّعْوَى والبينات

- ‌فصل فِي الشَّهَادَات

- ‌فصل كَمَا فِي بعض النّسخ يذكر فِيهِ الْعدَد فِي الشُّهُود والذكورة

- ‌كتاب الْعتْق

- ‌فصل فِي أَحْكَام الْوَلَاء

- ‌فصل فِي التَّدْبِير

- ‌فصل فِي الْكِتَابَة

- ‌فصل فِي أُمَّهَات الْأَوْلَاد

الفصل: ‌ ‌كتاب الْجِنَايَات عبر بهَا دون الْجراح لتشمله وَالْقطع وَالْقَتْل وَنَحْوهمَا مِمَّا

‌كتاب الْجِنَايَات

عبر بهَا دون الْجراح لتشمله وَالْقطع وَالْقَتْل وَنَحْوهمَا مِمَّا يُوجب حدا أَو تعزيرا وَهُوَ حسن وَهِي جمع جِنَايَة وجمعت وَإِن كَانَت مصدرا لتنوعها كَمَا سَيَأْتِي إِلَى عمد وَخطأ وَشبه عمد

وَالْأَصْل فِي ذَلِك قبل الْإِجْمَاع قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا كتب عَلَيْكُم الْقصاص فِي الْقَتْلَى} وأخبار كَخَبَر الصَّحِيحَيْنِ اجتنبوا السَّبع الموبقات

قيل وَمَا هن يَا رَسُول الله قَالَ الشّرك بِاللَّه تَعَالَى وَالسحر وَقتل النَّفس الَّتِي حرم الله إِلَّا بِالْحَقِّ وَأكل الرِّبَا وَأكل مَال الْيَتِيم والتولي يَوْم الزَّحْف وَقذف الْمُحْصنَات الْغَافِلَات

القَوْل فِي ذَنْب الْقَتْل وَقتل الْآدَمِيّ عمدا بِغَيْر حق من أكبر الْكَبَائِر بعد الْكفْر

فقد سُئِلَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَي الذَّنب أعظم عِنْد الله تَعَالَى قَالَ أَن تجْعَل لله ندا وَهُوَ خلقك

قيل ثمَّ أَي قَالَ أَن تقتل ولدك مَخَافَة أَن يطعم مَعَك رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَتَصِح تَوْبَة الْقَاتِل عمدا لِأَن الْكَافِر تصح تَوْبَته فَهَذَا أولى وَلَا يتحتم عَذَابه بل هُوَ فِي خطر الْمَشِيئَة وَلَا يخلد عَذَابه إِن عذب وَإِن أصر على ترك التَّوْبَة كَسَائِر ذَوي الْكَبَائِر غير الْكفْر

وَأما قَوْله تَعَالَى {وَمن يقتل مُؤمنا مُتَعَمدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم خَالِدا فِيهَا} فَالْمُرَاد بالخلود الْمكْث الطَّوِيل

فَإِن الدَّلَائِل تظاهرت على أَن عصاة الْمُسلمين لَا يَدُوم عَذَابهمْ أَو مَخْصُوص بالمستحيل كَمَا ذكره عِكْرِمَة وَغَيره

وَإِن اقْتصّ مِنْهُ الْوَارِث أَو عَفا عَنهُ على مَال أَو مجَّانا فظواهر الشَّرْع تَقْتَضِي سُقُوط الْمُطَالبَة فِي الدَّار الْآخِرَة كَمَا أفتى بِهِ النَّوَوِيّ وَذكر مثله فِي شرح مُسلم

وَمذهب أهل السّنة أَن الْمَقْتُول لَا يَمُوت إِلَّا بأجله وَالْقَتْل لَا يقطع الْأَجَل خلافًا للمعتزلة فَإِنَّهُم قَالُوا الْقَتْل بِقطعِهِ

القَوْل فِي أَنْوَاع الْقَتْل ثمَّ شرع فِي تَقْسِيم الْقَتْل بقوله (الْقَتْل على ثَلَاثَة أضْرب عمد مَحْض وَخطأ مَحْض وَعمد خطأ) وَجه الْحصْر فِي

ص: 494

ذَلِك أَن الْجَانِي إِن لم يقْصد عين الْمَجْنِي عَلَيْهِ فَهُوَ الْخَطَأ

وَإِن قَصدهَا فَإِن كَانَ بِمَا يقتل غَالِبا فَهُوَ الْعمد وَإِلَّا فَشبه عمد كَمَا تُؤْخَذ هَذِه الثَّلَاثَة من قَوْله (فالعمد الْمَحْض) أَي الْخَالِص (هُوَ أَن يعمد) بِكَسْر الْمِيم أَي يقْصد (إِلَى ضربه) أَي الشَّخْص الْمَقْصُود بِالْجِنَايَةِ

(بِمَا يقتل غَالِبا) كجارح ومثقل وسحر

(ويقصد) بِفِعْلِهِ (قَتله بذلك) عُدْوانًا من حَيْثُ كَونه مزهقا للروح كَمَا فِي الرَّوْضَة فَخرج بِقَيْد قصد الْفِعْل مَا لَو تزلقت رجله فَوَقع على غَيره فَمَاتَ فَهُوَ خطأ وبقيد الشَّخْص الْمَقْصُود مَا لَو رمى زيدا فَأصَاب عمرا فَهُوَ خطأ

وبقيد الْغَالِب النَّادِر كَمَا لَو غرز إبرة فِي غير مقتل وَلم يعقبها ورم وَمَات فَلَا قصاص فِيهِ

وَإِن كَانَ عُدْوانًا وبقيد الْعدوان الْقَتْل الْجَائِز وبقيد حيثية الإزهاق للروح مَا إِذا اسْتحق حز رقبته قصاصا فَقده نِصْفَيْنِ فَلَا قصاص فِيهِ وَإِن كَانَ عُدْوانًا قَالَ فِي الرَّوْضَة لِأَنَّهُ لَيْسَ عُدْوانًا من حَيْثُ كَونه مزهقا وَإِنَّمَا هُوَ عدوان من حَيْثُ إِنَّه عدل عَن الطَّرِيق

فَائِدَة يُمكن انقسام الْقَتْل إِلَى الْأَحْكَام الْخَمْسَة وَاجِب وَحرَام ومكروه ومندوب ومباح فَالْأول قتل الْمُرْتَد إِذا لم يتب وَالْحَرْبِيّ إِذا لم يسلم أَو يُعْطي الْجِزْيَة وَالثَّانِي قتل الْمَعْصُوم بِغَيْر حق وَالثَّالِث قتل الْغَازِي قَرِيبه الْكَافِر إِذا لم يسب الله تَعَالَى أَو رَسُوله وَالرَّابِع قَتله إِذا سبّ أَحدهمَا وَالْخَامِس قتل الإِمَام الْأَسير إِذا اسْتَوَت الْخِصَال فَإِنَّهُ مُخَيّر فِيهِ وَأما قتل الْخَطَأ فَلَا يُوصف بحلال وَلَا حرَام لِأَنَّهُ غير مُكَلّف فِيمَا أَخطَأ فِيهِ فَهُوَ كَفعل الْمَجْنُون والبهيمة

الْوَاجِب فِي الْعمد الْمَحْض (فَيجب) فِي الْقَتْل الْعمد لَا فِي غَيره كَمَا سَيَأْتِي (الْقود) أَي الْقصاص لقَوْله تَعَالَى {كتب عَلَيْكُم الْقصاص فِي الْقَتْلَى} اي الْآيَة سَوَاء أمات فِي الْحَال أم بعده بسراية جِرَاحَة وَأما عدم وُجُوبه فِي غَيره فَسَيَأْتِي وَسمي الْقصاص قودا لأَنهم يقودون الْجَانِي بِحَبل أَو غَيره إِلَى مَحل الِاسْتِيفَاء وَإِنَّمَا وَجب الْقصاص فِيهِ لِأَنَّهُ بدل متْلف فَتعين جنسه كَسَائِر الْمُتْلفَات

(فَإِن عَفا) الْمُسْتَحق (عَنهُ) أَي الْقود مجَّانا سقط وَلَا دِيَة

وَكَذَا إِن أطلق الْعَفو لَا دِيَة على الْمَذْهَب لِأَن الْقَتْل لم يُوجب الدِّيَة وَالْعَفو إِسْقَاط ثَابت لَا إِثْبَات مَعْدُوم أَو عَفا على مَال (وَجَبت دِيَة مُغَلّظَة) كَمَا سنعرفه فِيمَا سَيَأْتِي (حَالَة فِي مَال الْقَاتِل) وَإِن لم يرض الْجَانِي لما روى

ص: 495

الْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد وَغَيره كَانَ فِي شرع مُوسَى عليه السلام تحتم الْقصاص جزما وَفِي شرع عِيسَى عليه السلام الدِّيَة فَقَط

فَخفف الله تَعَالَى عَن هَذِه الْأمة وَخَيرهَا بَين الْأَمريْنِ لما فِي الْإِلْزَام بِأَحَدِهِمَا من الْمَشَقَّة وَلِأَن الْجَانِي مَحْكُوم عَلَيْهِ فَلَا يعْتَبر رِضَاهُ كالمحال عَلَيْهِ وَلَو عَفا عَن عُضْو من أَعْضَاء الْجَانِي سقط كُله كَمَا أَن تطليق بعض الْمَرْأَة تطليق لكلها

وَلَو عَفا بعض الْمُسْتَحقّين سقط أَيْضا وَإِن لم يرض الْبَعْض الآخر لِأَن الْقصاص لَا يتَجَزَّأ ويغلب فِيهِ جَانب السُّقُوط

القَوْل فِي الْخَطَأ الْمَحْض (وَالْخَطَأ الْمَحْض) هُوَ أَن يقْصد الْفِعْل دون الشَّخْص كَأَن (يَرْمِي إِلَى شَيْء) كشجرة أَو صيد (فَيُصِيب) إنْسَانا (رجلا) أَي ذكرا أَو غَيره (فيقتله) أَو يَرْمِي بِهِ زيدا فَيُصِيب عمرا كَمَا مر وَلم يقْصد أصل الْفِعْل كَأَن زلق فَسقط على غَيره فَمَاتَ كَمَا مر أَيْضا

(فَلَا قَود عَلَيْهِ) لقَوْله تَعَالَى {وَمن قتل مُؤمنا خطأ فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة ودية مسلمة إِلَى أَهله} اي فَأوجب الدِّيَة وَلم يتَعَرَّض للْقصَاص (بل تجب دِيَة) لِلْآيَةِ الْمَذْكُورَة (مُخَفّفَة على الْعَاقِلَة) كَمَا ستعرفه فِي فصلها

(مُؤَجّلَة) عَلَيْهِم لأَنهم يحملونها على سَبِيل الْمُوَاسَاة وَمن الْمُوَاسَاة تأجيلها عَلَيْهِم (فِي ثَلَاث سِنِين) بِالْإِجْمَاع كَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِي رضي الله عنه وَغَيره

(وَعمد الْخَطَأ) الْمُسَمّى بشبه الْعمد

هُوَ (أَن يقْصد ضربه) أَي الشَّخْص (بِمَا لَا يقتل غَالِبا) كسوط أَو عَصا خَفِيفَة أَو نَحْو ذَلِك (فَيَمُوت) بِسَبَبِهِ (فَلَا قَود عَلَيْهِ) لفقد الْآلَة القاتلة غَالِبا فموته بغَيْرهَا مصادفة قدر

(بل تجب دِيَة مُغَلّظَة) لقَوْله صلى الله عليه وسلم أَلا إِن فِي قَتِيل عمد الْخَطَأ قَتِيل السَّوْط أَو الْعَصَا مائَة من الْإِبِل مُغَلّظَة مِنْهَا أَرْبَعُونَ خلفة فِي بطونها أَوْلَادهَا وَالْمعْنَى فِيهِ أَن شبه الْعمد مُتَرَدّد بَين الْعمد وَالْخَطَأ فَأعْطِي حكم الْعمد من وَجه تغليظها وَحكم الْخَطَأ من وَجه كَونهَا (على الْعَاقِلَة)

لما فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنه صلى الله عليه وسلم قضى بذلك (مُؤَجّلَة) عَلَيْهِم كَمَا فِي دِيَة الْخَطَأ

تَنْبِيه جِهَات تحمل الدِّيَة ثَلَاث قرَابَة وَوَلَاء وَبَيت مَال لَا غَيرهَا

كزوجية وقرابة لَيست بعصبة وَلَا الفريد الَّذِي لَا عشيرة لَهُ فَيدْخل نَفسه فِي قَبيلَة ليعد مِنْهَا

الْجِهَة الأولى عصبَة الْجَانِي الَّذين يرثونه بِالنّسَبِ أَو الْوَلَاء إِذا كَانُوا ذُكُورا مكلفين

قَالَ الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَلَا أعلم مُخَالفا فِي أَن الْعَاقِلَة الْعصبَة وهم الْقَرَابَة من قبل الْأَب قَالَ وَلَا أعلم مُخَالفا فِي أَن الْمَرْأَة وَالصَّبِيّ إِن أيسرا لَا يحْملَانِ شَيْئا وَكَذَا الْمَعْتُوه عِنْدِي انْتهى

وَاسْتثنى من الْعصبَة أصل الْجَانِي وَإِن علا وفرعه وَإِن سفل لأَنهم أَبْعَاضه فَكَمَا لَا يتَحَمَّل الْجَانِي لَا يتَحَمَّل أَبْعَاضه

وَيقدم فِي تحمل الدِّيَة من الْعصبَة الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب

فَإِن لم يَفِ الْأَقْرَب بِالْوَاجِبِ بِأَن بَقِي مِنْهُ شَيْء وزع الْبَاقِي على من يَلِيهِ الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب وَيقدم مِمَّن ذكر مدل بأبوين على مدل بأب فَإِن لم يَفِ مَا

ص: 496

عَلَيْهِم بِالْوَاجِبِ فمعتق ذكر لخَبر الْوَلَاء لحْمَة كلحمة النّسَب ثمَّ إِن فقد الْمُعْتق أَو لم يَفِ مَا عَلَيْهِ بِالْوَاجِبِ فعصبته من نسب غير أَصله وَإِن علا وفرعه وَإِن سفل كَمَا مر فِي أصل الْجَانِي وفرعه ثمَّ مُعتق الْمُعْتق ثمَّ عصبته كَذَلِك وَهَكَذَا مَا عدا الأَصْل وَالْفرع ثمَّ مُعتق أَب الْجَانِي ثمَّ عصبته ثمَّ مُعتق مُعتق الْأَب وعصبته غير أَصله وفرعه

وَكَذَا أبدا وعتيق الْمَرْأَة يعقله عاقلتها ومعتقون فِي تحملهم كمعتق وَاحِد وكل شخص من عصبَة كل مُعتق يحمل مَا كَانَ يحملهُ ذَلِك الْمُعْتق فِي حَيَاته وَلَا يعقل عَتيق عَن مُعْتقه كَمَا لَا يَرِثهُ فَإِن فقد الْعَاقِل مِمَّن ذكر عقل ذَوُو الْأَرْحَام إِذا لم يَنْتَظِم أَمر بَيت المَال فَإِن انتظم عقل بَيت المَال فَإِن فقد بَيت المَال فكله على الْجَانِي بِنَاء على أَنَّهَا تلْزمهُ ابْتِدَاء ثمَّ تتحملها الْعَاقِلَة وَهُوَ الْأَصَح

وصفات من يعقل خمس الذُّكُورَة وَعدم الْفقر وَالْحريَّة والتكليف واتفاق الدّين فَلَا تعقل امْرَأَة وَلَا خُنْثَى نعم إِن بَان ذكرا غرم حِصَّته الَّتِي أَدَّاهَا غَيره وَلَا فَقير وَلَو كسوبا وَلَا رَقِيق وَلَو مكَاتبا وَلَا صبي وَلَا مَجْنُون وَلَا مُسلم عَن كَافِر وَعَكسه

وَيعْقل يَهُودِيّ عَن نَصْرَانِيّ وَعَكسه كَالْإِرْثِ وعَلى الْغَنِيّ فِي كل سنة من الْعَاقِلَة وَهُوَ من يملك فَاضلا عَمَّا يبْقى لَهُ فِي الْكَفَّارَة عشْرين دِينَارا أَو قدرهَا اعْتِبَارا بِالزَّكَاةِ نصف دِينَار على أهل الذَّهَب أَو قدره دَرَاهِم على أهل الْفضة وعَلى الْمُتَوَسّط مِنْهُم وَهُوَ من يملك فَاضلا عَمَّا ذكر دون الْعشْرين دِينَارا أَو قدرهَا وَفَوق ربع دِينَار لِئَلَّا يبْقى فَقِيرا ربع دِينَار أَو ثَلَاثَة دَرَاهِم لِأَنَّهُ وَاسِطَة بَين الْفَقِير الَّذِي لَا شَيْء عَلَيْهِ

والغني الَّذِي عَلَيْهِ نصف دِينَار وَتحمل الْعَاقِلَة الْجِنَايَة على العَبْد لِأَنَّهُ بدل آدَمِيّ فَفِي آخر كل سنة يُؤْخَذ من قِيمَته قدر ثلث دِيَة وَلَو قتل شخص رجلَيْنِ مثلا فَفِي ثَلَاث سِنِين

والأطراف كَقطع الْيَدَيْنِ والحكومات وأروش الْجِنَايَات تؤجل فِي كل سنة قدر ثلث دِيَة كَامِلَة وَأجل دِيَة النَّفس من الزهوق وَأجل دِيَة غير النَّفس كَقطع يَد من ابْتِدَاء الْجِنَايَة

وَمن مَاتَ من الْعَاقِلَة فِي أثْنَاء سنة سقط من وَاجِب تِلْكَ السّنة

القَوْل فِي شُرُوط وجوب الْقصاص (وشرائط وجوب الْقصاص) فِي الْعمد

(أَرْبَعَة) بل خَمْسَة كَمَا ستعرفه الأول (أَن يكون الْقَاتِل بَالغا)

وَالثَّانِي أَن يكون (عَاقِلا) فَلَا قصاص على صبي وَمَجْنُون لرفع الْقَلَم عَنْهُمَا وتضمينهما متلفاتهما إِنَّمَا هُوَ من بَاب خطاب الْوَضع فَتجب الدِّيَة فِي مَالهمَا

تَنْبِيه مَحل عدم الْجِنَايَة على الْمَجْنُون إِذا كَانَ جُنُونه مطبقا فَإِن تقطع فَلهُ حكم الْمَجْنُون حَال جُنُونه وَحكم الْعَاقِل حَال إِفَاقَته وَمن لزمَه قصاص ثمَّ جن استوفى مِنْهُ حَال جُنُونه لِأَنَّهُ لَا يقبل الرُّجُوع

وَلَو قَالَ كنت يَوْم الْقَتْل صَبيا أَو مَجْنُونا وَكذبه ولي الْمَقْتُول صدق الْقَاتِل بِيَمِينِهِ إِن أمكن الصِّبَا وَقت الْقَتْل وعهد الْجُنُون قبله لِأَن الأَصْل بقاؤهما بِخِلَاف مَا إِذا لم يكن صباه وَلم يعْهَد جُنُونه

وَالْمذهب وجوب الْقصاص على السَّكْرَان الْمُتَعَدِّي بسكره لِأَنَّهُ مُكَلّف عِنْد غير النَّوَوِيّ

وَلِئَلَّا يُؤَدِّي إِلَى ترك الْقصاص لِأَن من رام الْقَتْل لَا يعجز أَن يسكر حَتَّى لَا يقْتَصّ مِنْهُ

وَهَذَا كالمستثنى من شَرط الْعقل

وَهُوَ من قبيل ربط الْأَحْكَام بالأسباب وَألْحق بِهِ من تعدى بِشرب دَوَاء يزِيل الْعقل أما غير الْمُتَعَدِّي فَهُوَ كالمعتوه فَلَا قصاص عَلَيْهِ وَلَا قصاص وَلَا دِيَة على حَرْبِيّ قتل حَال حرابته وَإِن عصم بعد ذَلِك بِإِسْلَام أَو عقد ذمَّة لما تَوَاتر من فعله صلى الله عليه وسلم وَالصَّحَابَة بعده من عدم الْقصاص مِمَّن أسلم كوحشي قَاتل حَمْزَة وَلعدم الْتِزَامه الْأَحْكَام

ص: 497

(و) الثَّالِث (أَن لَا يكون) الْقَاتِل (والدا للمقتول) فَلَا قصاص بقتل ولد للْقَاتِل وَإِن سفل لخَبر الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ وصححاه لَا يُقَاد للِابْن من أَبِيه وَلَو كَافِرًا ولرعاية حرمته وَلِأَنَّهُ كَانَ سَببا فِي وجوده فَلَا يكون هُوَ سَببا فِي عَدمه

تَنْبِيه هَل يقتل بولده الْمَنْفِيّ بِاللّعانِ وَجْهَان ويجريان فِي الْقطع بِسَرِقَة مَاله وَقبُول شَهَادَته لَهُ

قَالَ الْأَذْرَعِيّ وَالْأَشْبَه أَنه يقتل بِهِ مَا دَامَ مصرا على النَّفْي انْتهى

وَالْأَوْجه أَنه لَا يقتل بِهِ مُطلقًا للشُّبْهَة كَمَا قَالَه غَيره

وَلَا قصاص للْوَلَد على الْوَالِد

كَأَن قتل زَوْجَة نَفسه وَله مِنْهَا ولد أَو قتل زَوْجَة ابْنه أَو لزمَه قَود فورث بعضه وَلَده كَأَن قتل أَبَا زَوجته ثمَّ مَاتَت الزَّوْجَة وَله مِنْهَا ولد لِأَنَّهُ إِذا لم يقتل بِجِنَايَتِهِ على وَلَده فَلِأَن لَا يقتل بِجِنَايَتِهِ على من لَهُ فِي قَتله حق أولى

وَأفهم كَلَامه أَن الْوَلَد يقتل بِكُل وَاحِد من وَالِديهِ وَهُوَ كَذَلِك بِشَرْط التَّسَاوِي فِي الْإِسْلَام وَالْحريَّة

إِلَّا أَنه يسْتَثْنى مِنْهُ الْمكَاتب إِذا قتل أَبَاهُ وَهُوَ يملكهُ فَلَا يقتل بِهِ على الْأَصَح فِي الرَّوْضَة وَيقتل الْمَحَارِم بعضم بِبَعْض وَيقتل العَبْد بِعَبْد لوالده

(و) الرَّابِع (أَن لَا يكون الْمَقْتُول أنقص من الْقَاتِل بِكفْر أَو رق) أَو هدر دم تَحْقِيقا للمكافأة الْمَشْرُوطَة لوُجُوب الْقصاص بالأدلة الْمَعْرُوفَة فَإِن كَانَ أنقص بِأَن قتل مُسلم كَافِرًا أَو حر من فِيهِ رق أَو مَعْصُوم بِالْإِسْلَامِ زَانيا مُحصنا فَلَا قصاص حِينَئِذٍ وَخرج بتقييد الْعِصْمَة بِالْإِسْلَامِ الْمَعْصُوم بجزية كالذمي فَإِنَّهُ يقتل بالزاني الْمُحصن وبذمي أَيْضا وَإِن اخْتلفت ملتهما فَيقْتل يَهُودِيّ بنصراني ومعاهد ومستأمن ومجوسي وَعَكسه لِأَن الْكفْر كُله مِلَّة وَاحِدَة من حَيْثُ إِن النّسخ شَمل الْجَمِيع

فَلَو أسلم الذِّمِّيّ الْقَاتِل لم يسْقط الْقصاص لتكافؤهما حَال الْجِنَايَة

لِأَن الِاعْتِبَار فِي الْعُقُوبَات بِحَال الْجِنَايَات وَلَا نظر لما يحدث بعْدهَا وَيقتل رجل بِامْرَأَة وَخُنْثَى كَعَكْسِهِ وعالم بجاهل كَعَكْسِهِ وشريف بخسيس وَشَيخ بشاب كعسكهما

وَالْخَامِس عصمَة الْقَتِيل بِإِيمَان أَو أَمَان كعقد ذمَّة أَو عهد لقَوْله تَعَالَى {قَاتلُوا الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِاللَّه} اي الْآيَة وَلقَوْله تَعَالَى {وَإِن أحد من الْمُشْركين استجارك} اي الْآيَة فيهدر الْحَرْبِيّ وَلَو صَبيا وَامْرَأَة وعبدا لقَوْله تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْركين حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} ومرتد فِي حق مَعْصُوم لخَبر من بدل دينه فَاقْتُلُوهُ كزان مُحصن قَتله مُسلم مَعْصُوم كَمَا مر لاستيفائه حق الله

ص: 498

تَعَالَى سَوَاء أثبت زِنَاهُ بِإِقْرَارِهِ أم بِبَيِّنَة

وَمن عَلَيْهِ قَود لقاتله لاستيفائه حَقه وَيقتل قن ومدبر ومكاتب وَأم ولد بَعضهم بِبَعْض وَإِن كَانَ الْمَقْتُول الْكَافِر وَالْقَاتِل الْمُسلم وَلَو قتل عبد عبدا ثمَّ عتق الْقَاتِل فكحدوث الْإِسْلَام لذِمِّيّ قتل وَحكمه كَمَا سبق وَمن بعضه حر لَو قتل مثله سَوَاء ازادت حريَّة الْقَاتِل على حريَّة الْمَقْتُول أم لَا لَا قصاص لِأَنَّهُ لم يقتل بِالْبَعْضِ الْحر الْبَعْض الْحر وبالرقيق الرَّقِيق بل قَتله جَمِيعه بِجَمِيعِهِ حريَّة وَرقا شَائِعا فَيلْزم قتل جُزْء حريَّة بِجُزْء رق وَهُوَ مُمْتَنع والفضيلة فِي شخص لَا بِخَبَر النَّقْص فِيهِ وَلِهَذَا لَا قصاص بَين عبد مُسلم وحر ذمِّي لِأَن الْمُسلم لَا يقتل بالذمي وَالْحر لَا يقتل بِالْعَبدِ وَلَا تجبر فَضِيلَة كل مِنْهُمَا نقيضته

القَوْل فِي قتل الْجَمَاعَة بِالْوَاحِدِ (وَتقتل الْجَمَاعَة) وَإِن كَثُرُوا (بِالْوَاحِدِ) وَإِن تفاضلت جراحاتهم فِي الْعدَد وَالْفُحْش وَالْأَرْش سَوَاء أقتلوه بمحدد أم بِغَيْرِهِ كَأَن ألقوه من شَاهِق وَفِي بَحر لما روى مَالك أَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قتل نَفرا خَمْسَة أَو سَبْعَة بِرَجُل قَتَلُوهُ غيلَة أَي حِيلَة بِأَن يخدع وَيقتل فِي مَوضِع لَا يرَاهُ فِيهِ أحد وَقَالَ لَو تمالأ أَي اجْتمع عَلَيْهِ أهل صنعاء لقتلتهم بِهِ جَمِيعًا وَلم يُنكر عَلَيْهِ أحد فَصَارَ ذَلِك إِجْمَاعًا وَلِأَن الْقصاص عُقُوبَة تجب للْوَاحِد على الْوَاحِد فَتجب للْوَاحِد على الْجَمَاعَة كَحَد الْقَذْف وَلِأَنَّهُ شرع لحقن الدِّمَاء فَلَو لم يجب عِنْد الِاشْتِرَاك لَكَانَ كل من أَرَادَ أَن يقتل شخصا اسْتَعَانَ بآخر على قَتله وَاتخذ ذَلِك ذَرِيعَة لسفك الدِّمَاء لِأَنَّهُ صَار آمنا من الْقصاص وللولي الْعَفو عَن بَعضهم على الدِّيَة وَعَن جَمِيعهم عَلَيْهَا

ثمَّ إِن كَانَ الْقَتْل بجراحات وزعت الدِّيَة بِاعْتِبَار عدد الرؤوس لِأَن تَأْثِير الْجِرَاحَات لَا يَنْضَبِط وَقد تزيد نكاية الْجرْح الْوَاحِد على جراحات كَثِيرَة وَإِن كَانَ بِالضَّرْبِ فعلى عدد الضربات لِأَنَّهَا تلاقي الظَّاهِر وَلَا يعظم فِيهَا التَّفَاوُت بِخِلَاف الْجِرَاحَات

وَمن قتل جمعا مُرَتبا قتل بأولهم أَو دفْعَة فبالقرعة وللباقين الدِّيات لتعذر الْقصاص عَلَيْهِم فَلَو قَتله غير الأول من الْمُسْتَحقّين فِي الأولى أَو غير من خرجت قرعته مِنْهُم فِي الثَّانِيَة عصى وَوَقع قَتله قصاصا وللباقين الدِّيات لتعذر الْقصاص عَلَيْهِم بِغَيْر اختيارهم

وَلَو قَتَلُوهُ كلهم أساؤوا وَوَقع الْقَتْل موزعا عَلَيْهِم وَرجع كل مِنْهُم بِالْبَاقِي لَهُ من الدِّيَة

ص: 499

عُفيَ عَنهُ قَوْله (على عدد الضربات الخ) وَهُوَ المعمتد وَقيل على عدد الرؤوس هَذَا إِن عرف عدد الضربات وَإِلَّا فعلى عدد الرؤوس قَوْله (وَمن قتل جمعا الخ) هَذَا عكس مَا فِي الْمَتْن قَوْله مُرَتبا أَي يَقِينا وَقَوله دفْعَة أَي وَلَو احْتِمَالا فَيدْخل فِي الثَّانِيَة (وكل شَخْصَيْنِ جري الْقصاص بَينهمَا فِي النَّفس) بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدّمَة (يجْرِي بَينهمَا) الْقصاص أَيْضا (فِي) قطع (الْأَطْرَاف) وَفِي الْجرْح الْمُقدر كالموضحة كَمَا سَيذكرُهُ المُصَنّف وَفِي إِزَالَة بعض الْمَنَافِع المضبوطة كضوء الْعين والسمع والشم والبطش والذوق

قَالَ فِي الرَّوْضَة لِأَن لَهَا محالا مضبوطة وَلأَهل الْخِبْرَة طرق فِي إِبْطَالهَا

القَوْل فِي شُرُوط الْقصاص فِي الْأَطْرَاف (وشرائط وجوب الْقصاص فِي الْأَطْرَاف بعد الشَّرَائِط) الْخَمْسَة (الْمَذْكُورَة) فِي قصاص النَّفس (اثْنَان) الأول (الِاشْتِرَاك فِي الِاسْم الْخَاص) رِعَايَة للمماثلة (الْيُمْنَى باليمنى واليسرى باليسرى) فَلَا تقطع يسَار بِيَمِين وَلَا شفة سفلى بعليا وعكسهما وَلَا حَادث بعد الْجِنَايَة بموجود فَلَو قلع سنا لَيْسَ لَهُ مثلهَا فَلَا قَود وَإِن نبت لَهُ مثلهَا بعد وَخرج بِقَيْد الِاسْم الْخَاص الِاشْتِرَاك فِي الْبدن فَلَا يشْتَرط فَيقطع الرجل بِالْمَرْأَةِ وَعَكسه وَالذِّمِّيّ بِالْمُسلمِ وَالْعَبْد بِالْحرِّ وَلَا عكس فيهمَا

قَالَه فِي الرَّوْضَة

(و) الثَّانِي (أَن لَا يكون بِأحد الطَّرفَيْنِ) أَي الْجَانِي والمجني عَلَيْهِ (شلل) وَهُوَ يبس فِي الْعُضْو يبطل عمله فَلَا تقطع صَحِيحَة من يَد أَو رجل بشلاء وَإِن رَضِي بِهِ الْجَانِي أَو شلت يَده أَو رجله بعد الْجِنَايَة لانْتِفَاء الْمُمَاثلَة فَلَو خَالف صَاحب الشلاء وَفعل الْقطع بِغَيْر إِذن الْجَانِي لم يقطع قصاصا لِأَنَّهُ غير مُسْتَحقّ بل عَلَيْهِ دِيَتهَا وَله حُكُومَة يَده الشلاء فَلَو سرى الْقطع فَعَلَيهِ قصاص النَّقْص لتفويتها بِغَيْر حق وتقطع الشلاء بالشلاء إِذا اسْتَويَا فِي الشلل أَو كَانَ شلل الْجَانِي أَكثر وَلم يخف نزف الدَّم وَإِلَّا فَلَا قطع

وتقطع الشلاء أَيْضا بالصحيحة لِأَنَّهَا دون حَقه إِلَّا أَن يَقُول أهل الْخِبْرَة لَا يَنْقَطِع الدَّم بل تنفتح أَفْوَاه الْعُرُوق وَلَا تنسد بحسم النَّار وَلَا غَيره فَلَا تقطع بهَا وَإِن رَضِي الْجَانِي كَمَا نَص عَلَيْهِ فِي الْأُم حذرا من اسْتِيفَاء النَّفس بالطرف فَإِن قَالُوا يَنْقَطِع الدَّم وقنع بهَا مستوفيها بِأَن لَا يطْلب أرشا لشلل قطعت لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الجرم

وَإِن اخْتلفَا فِي الصّفة لِأَن الصّفة الْمُجَرَّدَة لَا تقَابل بِمَال وَكَذَا لَو قتل الذِّمِّيّ بِالْمُسلمِ وَالْعَبْد بِالْحرِّ لم يجب لفضيلة الْإِسْلَام وَالْحريَّة شَيْء وَيقطع عُضْو سليم بأعسم وأعرج إِذْ لَا خلل فِي الْعُضْو والعسم بمهملتين مفتوحتين تشنج فِي الْمرْفق أَو قصر فِي الساعد أَو الْعَضُد وَلَا أثر فِي الْقصاص فِي يَد أَو رجل لخضرة أظفار وسوادها لِأَنَّهُ عِلّة أَو مرض فِي الظفر وَذَلِكَ لَا يُؤثر فِي وجوب الْقصاص وتقطع ذَاهِبَة الْأَظْفَار بسليمتها لِأَنَّهَا دونهَا دون عَكسه

لِأَن الْكَامِل لَا يُؤْخَذ بالناقص وَالذكر صِحَة وشللا كَالْيَدِ صِحَة وشللا أَو لذكر الأشل منقبض لَا ينبسط وَعَكسه وَلَا أثر للانتشار وَعَدَمه

فَيقطع ذكر فَحل بِذكر خصي وعنين وأنف صَحِيح الشم بأخشم

وتقطع أذن سميع بِأَصَمَّ وَلَا تُؤْخَذ عين صَحِيحَة بحدقة عمياء وَلَا

ص: 500

لِسَان نَاطِق بأخرس وَفِي قلع السن قصاص قَالَ تَعَالَى {وَالسّن بِالسِّنِّ} اي فَلَا قصاص فِي كسرهَا كَمَا لَا قصاص فِي كسر الْعِظَام نعم إِن أمكن فِيهَا الْقصاص فَعَن النَّص أَنه يجب لِأَن السن عظم مشَاهد من أَكثر الجوانب وَلأَهل الصَّنْعَة آلَات قطاعة يعْتَمد عَلَيْهَا فِي الضَّبْط فَلم تكن كَسَائِر الْعِظَام وَلَو قلع شخص مثغور وَهُوَ الَّذِي سَقَطت رواضعه سنّ كَبِير أَو صَغِير لم تسْقط أَسْنَانه الرواضع وَمِنْهَا المقلوعة فَلَا ضَمَان فِي الْحَال لِأَنَّهَا تعود غَالِبا فَإِن جَاءَ وَقت نباتها بِأَن سقط الْبَوَاقِي ونبتت دون المقلوعة وَقَالَ أهل الْخِبْرَة فسد المنبت وَجب الْقصاص فِيهَا حِينَئِذٍ وَلَا يسْتَوْفى للصَّغِير فِي صغره لِأَن الْقصاص للتشفي وَلَو قلع شخص سنّ مثغور فَنَبَتَتْ لم يسْقط الْقصاص لِأَن عودهَا نعْمَة جَدِيدَة من الله تَعَالَى (وكل عُضْو أَخذ) أَي قطع جِنَايَة (من مفصل) بِفَتْح الْمِيم وَكسر الْمُهْملَة كالمرفق والأنامل والكوع ومفصل الْقدَم وَالركبَة

(فَفِيهِ الْقصاص) لانضباط ذَلِك مَعَ الْأَمْن من اسْتِيفَاء الزِّيَادَة وَلَا يضر فِي الْقصاص عِنْد مُسَاوَاة الْمحل كبر وَصغر وَقصر وَطول وَقُوَّة بَطش وَضَعفه فِي عُضْو أُصَلِّي أَو زَائِد

وَمن المفاصل أصل الْفَخْذ والمنكب فَإِن أمكن الْقصاص فيهمَا بِلَا جَائِفَة اقْتصّ وَإِلَّا فَلَا سَوَاء أجاف الْجَانِي أم لَا

نعم إِن مَاتَ الْمَجْنِي عَلَيْهِ بذلك قطع الْجَانِي وَإِن لم يُمكن بِلَا إجافة وَيجب الْقصاص فِي فقء عين وَفِي قطع أذن وجفن وشفة سفلى وعليا ولسان وَذكر وأنثيين وشفرين وهما بِضَم الشين الْمُعْجَمَة تنثية شفر وَهُوَ حرف الْفرج وَفِي الأليتين وهما اللحمان الناتئان بَين الظّهْر والفخذ (وَلَا قصاص فِي الجروح) فِي سَائِر الْبدن لعدم ضَبطهَا وَعدم أَمن الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان طولا وعرضا (إِلَّا فِي) الْجراحَة (الْمُوَضّحَة) للعظم فِي أَي مَوضِع من الْبدن من غير كسر فَفِيهَا الْقصاص لتيسر ضَبطهَا

القَوْل فِي حكم الجروح فِي الْقصاص تَتِمَّة يعْتَبر قدر الْمُوَضّحَة بالمساحة طولا وعرضا فِي قصاصها لَا بالجزئية لِأَن الرأسين مثلا قد يَخْتَلِفَانِ صغرا وكبرا وَلَا يضر تفَاوت غلظ لحم وَجلد فِي قصاصها وَلَو أوضح كل رَأس المشجوج وَرَأس الشاج أَصْغَر من رَأسه استوعبناه إيضاحا وَلَا نكتفي بِهِ وَلَا نتممه من غَيره بل نَأْخُذ قسط الْبَاقِي من أرش الْمُوَضّحَة لَو وزع على جَمِيعهَا

وَإِن كَانَ رَأس الشاج أكبر من رَأس المشجوج أَخذ مِنْهُ قدر مُوضحَة رَأس المشجوج فَقَط والخيرة فِي تعْيين مَوْضِعه للجاني وَلَو أوضح نَاصِيَة من شخص وناصيته أَصْغَر من نَاصِيَة الْمَجْنِي عَلَيْهِ تمم من بَاقِي الرَّأْس لِأَن الرَّأْس كُله عُضْو وَاحِد وَلَو زَاد الْمُقْتَص عمدا فِي مُوضحَة على حَقه لزمَه قصاص الزِّيَادَة لتعمده

فَإِن كَانَ الزَّائِد خطأ أَو شبه عمد أَو عمدا وعفي عَنهُ على مَال وَجب أرش كَامِل وَلَو أوضحه جمع

ص: 501