الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الْعتْق
بِمَعْنى الْإِعْتَاق وَهُوَ لُغَة مَأْخُوذ من قَوْلهم عتق الْفرس إِذا سبق وَعتق الفرخ إِذا طَار واستقل فَكَأَن العَبْد إِذا فك من الرّقّ تخلص واستقل وَشرعا إِزَالَة ملك عَن آدَمِيّ لَا إِلَى مَالك تقربا إِلَى الله تَعَالَى وَخرج بالآدمي والبهيمة فَلَا يَصح عتقهما
كَمَا فِي زَوَايَا الخبايا عَن الرَّافِعِيّ أَو ملك طائرا وَأَرَادَ إرْسَاله فَوَجْهَانِ أصَحهمَا الْمَنْع لِأَنَّهُ فِي معنى السوائب
وَالْأَصْل فِي مشروعيته قبل الْإِجْمَاع قَوْله تَعَالَى {فك رَقَبَة} وَقَوله تَعَالَى {وَإِذ تَقول للَّذي أنعم الله عَلَيْهِ} أَي بِالْإِسْلَامِ {وأنعمت عَلَيْهِ} أَي بِالْعِتْقِ كَمَا قَالَه الْمُفَسِّرُونَ وَفِي غير مَوضِع فَتَحْرِير رَقَبَة
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من أعتق رَقَبَة مُؤمنَة أعتق الله بِكُل عُضْو مِنْهَا عضوا من أَعْضَائِهِ من النَّار حَتَّى الْفرج بالفرج وَفِي سنَن أبي دَاوُد أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من أعتق رَقَبَة مُؤمنَة كَانَت فداءه من النَّار وخصت الرَّقَبَة بِالذكر فِي هذَيْن الْخَبَرَيْنِ لِأَن ملك السَّيِّد الرَّقِيق كالغل فِي رقبته فَهُوَ محتبس بِهِ كَمَا تحبس الدَّابَّة بالحبل فِي عُنُقهَا فَإِذا أعْتقهُ أطلقهُ من ذَلِك الغل الَّذِي كَانَ فِيهِ رقبته وَقَوله حَتَّى الْفرج بالفرج خصّه بِالذكر إِمَّا لِأَن ذَنبه فَاحش وَإِمَّا لِأَنَّهُ قد يخْتَلف من الْمُعْتق وَالْمُعتق
فَائِدَة أعتق النَّبِي صلى الله عليه وسلم ثَلَاثًا وَسِتِّينَ نسمَة وعاش ثَلَاثًا وَسِتِّينَ سنة وأعتقت السيدة عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا تسعا وَسِتِّينَ
وَعَاشَتْ كَذَلِك وَأعْتق عبد الله بن عمر ألفا وَأعْتق حَكِيم بن حزَام مائَة مطوقين بِالْفِضَّةِ وَأعْتق ذُو الكراع الْحِمْيَرِي فِي يَوْم ثَمَانِيَة آلَاف وَأعْتق عبد الرَّحْمَن بن عَوْف ثَلَاثِينَ ألفا رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وحشرنا مَعَهم آمين
وأركانه ثَلَاثَة مُعتق وعتيق وَصِيغَة وَقد شرع فِي الرُّكْن الأول فَقَالَ (وَيصِح الْعتْق من كل مَالك) للرقبة (جَائِز التَّصَرُّف فِي ملكه) أهل للتبرع وَالْوَلَاء مُخْتَار وَمن وَكيل أَو ولي فِي كَفَّارَة لَزِمت موليه فَلَا يَصح من غير مَالك بِلَا إِذن وَلَا من غير مُطلق التَّصَرُّف من صبي وَمَجْنُون ومحجور عَلَيْهِ بِسَفَه أَو فلس وَلَا من مبعض ومكاتب ومكره بِغَيْر حق وَيتَصَوَّر الْإِكْرَاه بِحَق فِي البيع بِشَرْط الْعتْق وَيصِح من سَكرَان وَمن كَافِر وَلَو حَرْبِيّا وَيثبت وَلَاؤُه على عتيقه الْمُسلم سَوَاء أعْتقهُ مُسلما أَو كَافِرًا ثمَّ أسلم وَلَا يَصح عتق مَوْقُوف لِأَنَّهُ غير مَمْلُوك وَلِأَن ذَلِك يبطل بِهِ حق بَقِيَّة الْبُطُون وَيصِح مُعَلّقا بِصفة مُحَققَة الْوُقُوع وَغَيرهَا
كالتدبير لما فِيهِ من التَّوسعَة لتَحْصِيل الْقرْبَة وَإِذا علق الْإِعْتَاق على صفة لم يملك الرُّجُوع فِيهِ بالْقَوْل
ويملكه بِالتَّصَرُّفِ كَالْبيع وَنَحْوه
وَلَو بَاعه ثمَّ اشْتَرَاهُ لم تعد الصّفة وَلَو علقه على صفة بعد الْمَوْت ثمَّ مَاتَ السَّيِّد لم تبطل الصّفة وَيصِح مؤقتا وَيَلْغُو التَّأْقِيت
والركن الثَّانِي الْعَتِيق وَيشْتَرط فِيهِ أَن لَا يتَعَلَّق بِهِ حق لَازم غير عتق يمْنَع بَيْعه كمستولدة ومؤجر بِخِلَاف مَا تعلق بِهِ ذَلِك كرهن على تَفْصِيل مر بَيَانه
وَهَذَا الرُّكْن لم يذكرهُ المُصَنّف
ثمَّ شرع فِي الرُّكْن الثَّالِث وَهُوَ الصِّيغَة وَهِي إِمَّا صَرِيح وَإِمَّا كِنَايَة وَقد شرع فِي الْقسم الأول بقوله (وَيَقَع الْعتْق) أَي ينفذ (بِصَرِيح) لفظ (الْعتْق والتحرير) وَمَا تصرف مِنْهُمَا كَأَنْت عَتيق أَو مُعتق أَو مُحَرر أَو حررتك لورودهما فِي الْقُرْآن وَالسّنة متكررين وَيَسْتَوِي فِي ألفاظهما الهازل واللاعب لِأَن هزلهما جد كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَغَيره
وَكَذَا {فك رَقَبَة} وَمَا تصرف مِنْهُ كمفكوك الرَّقَبَة صَرِيح فِي الْأَصَح لوروده فِي الْقُرْآن
فروع لَو كَانَ اسْم أمته قبل إرقاقها حرَّة فسميت بِغَيْرِهِ
فَقَالَ لَهَا يَا حرَّة عتقت إِن لم يقْصد النداء باسمها الْقَدِيم فَإِن كَانَ اسْمهَا فِي الْحَال حرَّة لم تعْتق إِلَّا إِن قصد الْعتْق
وَلَو أقرّ بحريّة رَقِيقه خوفًا من أَخذ المكس عَنهُ إِذا طَالبه المكاس بِهِ وَقصد
الْإِخْبَار بِهِ لم يعْتق بَاطِنا وَلَو قَالَ لامْرَأَة زاحمته تأخري يَا حرَّة فَبَانَت أمته لم تعْتق وَلَو قَالَ لعَبْدِهِ افرغ من عَمَلك وَأَنت حر
وَقَالَ أردْت حرا من الْعَمَل لم يقبل ظَاهرا ويدين وَلَو قَالَ الله أعتقك عتق أَو أعتقك الله فَكَذَلِك
كَمَا هُوَ مُقْتَضى كَلَام الشَّيْخَيْنِ
وَلَو قَالَ لعَبْدِهِ أَنْت حر مثل هَذَا العَبْد وَأَشَارَ إِلَى عبد آخر لَهُ لم يعْتق ذَلِك العَبْد كَمَا بَحثه النَّوَوِيّ لِأَن وَصفه بِالْعَبدِ يمْنَع عتقه وَيعتق الْمُخَاطب فَإِن قَالَ مثل هَذَا وَلم يقل العَبْد عتقا كَمَا صَوبه النَّوَوِيّ
وَإِن قَالَ الْإِسْنَوِيّ إِنَّمَا يعْتق الأول فَقَط
وَلَو قَالَ السَّيِّد لرجل أَنْت تعلم أَن عَبدِي حر عتق بِإِقْرَارِهِ وَإِن لم يكن الْمُخَاطب عَالما بحريَّته لَا إِن قَالَ لَهُ أَنْت تظن أَو ترى والصريح لَا يحْتَاج إِلَى نِيَّة لإيقاعه كَسَائِر الصرائح لِأَنَّهُ لَا يفهم مِنْهُ غَيره عِنْد الْإِطْلَاق فَلم يحْتَج لتقويته بِالنِّيَّةِ وَلِأَن هزله جد كَمَا مر فَيَقَع الْعتْق وَإِن لم يقْصد إِيقَاعه أما قصد الصَّرِيح لمعناه فَلَا بُد مِنْهُ ليخرج أعجمي تلفظ بِالْعِتْقِ وَلم يعرف مَعْنَاهُ
ثمَّ شرع فِي الْقسم الثَّانِي وَهُوَ الْكِنَايَة بقوله
(و) يَقع الْعتْق أَيْضا بِلَفْظ (الْكِنَايَة) وَهُوَ مَا احْتمل الْعتْق وَغَيره كَقَوْلِه لَا ملك لي عَلَيْك لَا سُلْطَان لي عَلَيْك لَا سَبِيل لي عَلَيْك لَا خدمَة لي عَلَيْك أَنْت سائبة أَنْت مولَايَ وَنَحْو ذَلِك كأزلت ملكي أَو حكمي عَنْك لإشعار مَا ذكر بِإِزَالَة الْملك مَعَ احْتِمَال غَيره وَلذَلِك قَالَ المُصَنّف (مَعَ النِّيَّة) أَي لَا بُد من نِيَّة وَإِن احتف بهَا قرينَة لاحتمالها غير الْعتْق فَلَا بُد من نِيَّة الْعتْق التَّمْيِيز كالإمساك فِي الصَّوْم
تَنْبِيه يشْتَرط أَن يَأْتِي بِالنِّيَّةِ قبل فَرَاغه من لفظ الْكِنَايَة كَمَا مر ذَلِك فِي الطَّلَاق بِالْكِنَايَةِ وَلَو قَالَ لعَبْدِهِ يَا سَيِّدي هَل هُوَ كِنَايَة أَو لَا وَجْهَان رجح الإِمَام أَنه كِنَايَة وَجرى عَلَيْهِ ابْن الْمقري وَهُوَ الظَّاهِر وَرجح القَاضِي وَالْغَزالِيّ أَنه لَغْو لِأَنَّهُ من السؤدد وتدبير الْمنزل وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي الْعتْق وَصِيغَة طَلَاق أَو ظِهَار صَرِيحه كَانَت أَو كِنَايَة كِنَايَة هُنَا أَي فِيمَا هُوَ صَالح فِيهِ بِخِلَاف قَوْله للْعَبد اعْتد أَو استبرىء رَحِمك أَو لرقيقه أَنا مِنْك حر فَلَا ينفذ بِهِ الْعتْق وَلَو نَوَاه وَلَا يضر خطأ بتذكير أَو تَأْنِيث فَقَوله لعَبْدِهِ أَنْت حرَّة ولأمته أَنْت حر صَرِيح وَتَصِح إِضَافَة الْعتْق إِلَى جُزْء من الرَّقِيق كَمَا قَالَ (فَإِذا أعتق) الْمَالِك (بعض عبد) معِين كَيده أَو شَائِع مِنْهُ كربعه (عتق جَمِيعه) سرَايَة كَنَظِيرِهِ فِي الطَّلَاق وَسَوَاء الْمُوسر وَغَيره
لما روى النَّسَائِيّ أَن رجلا أعتق شِقْصا من غُلَام فَذكر ذَلِك للنَّبِي صلى الله عليه وسلم فَأجَاز عتقه وَقَالَ لَيْسَ لله شريك هَذَا إِذا كَانَ بَاقِيه لَهُ
فَإِن كَانَ بَاقِيه لغيره فقد ذكره بقوله (وَإِن أعتق شركا) بِكَسْر الشين أَي نَصِيبا مُشْتَركا (لَهُ فِي عبد) سَوَاء كَانَ شَرِيكه مُسلما أم لَا كثر نصِيبه أم قل (وَهُوَ مُوسر يسري الْعتْق) مِنْهُ بِمُجَرَّد تلفظه بِهِ (إِلَى بَاقِيه) من غير توقف على أَدَاء الْقيمَة
تَنْبِيه المُرَاد بِكَوْنِهِ مُوسِرًا أَن يكون مُوسِرًا بِقِيمَة حِصَّة شَرِيكه فَاضلا ذَلِك عَن قوته وقوت من تلْزمهُ نَفَقَته فِي يَوْمه وَلَيْلَته
ودست ثوب يلْبسهُ وسكنى يَوْم على مَا سبق فِي الْفلس وَيصرف إِلَى ذَلِك كل مَا يُبَاع وَيصرف فِي الدُّيُون
(وَكَانَ عَلَيْهِ) بِمُجَرَّد السَّرَايَة (قيمَة نصيب شَرِيكه) يَوْم الْإِعْتَاق لِأَنَّهُ وَقت الْإِتْلَاف فَإِن أيسر بِبَعْض حِصَّته سرى إِلَى مَا أيسر بِهِ من نصيب شَرِيكه
وَالْأَصْل فِي ذَلِك خبر الصَّحِيحَيْنِ من أعتق شركا لَهُ فِي عبد وَكَانَ لَهُ مَال يبلغ ثمن العَبْد قوم العَبْد عَلَيْهِ قيمَة عدل فَأعْطى شركاءه حصصهم وَعتق عَلَيْهِ العَبْد وَإِلَّا فقد عتق عَلَيْهِ مِنْهُ مَا عتق وَفِي رِوَايَة وَمن أعتق شركا لَهُ فِي عبد وَكَانَ لَهُ مَال يبلغ قيمَة العَبْد
فَهُوَ عَتيق وَاحْترز بِقَيْد يسَاره عَن إِعْسَاره فَإِنَّهُ لَا يسري بل الْبَاقِي ملك لشَرِيكه وَيعتق نصِيبه فَقَط
وَالِاعْتِبَار باليسار بِحَالَة الْإِعْتَاق فَلَو أعتق وَهُوَ مُعسر ثمَّ أيسر فَلَا تَقْوِيم كَمَا قَالَه فِي الرَّوْضَة وَقَضِيَّة إِطْلَاق التَّقْوِيم شُمُوله مَا لَو كَانَ عَلَيْهِ دين بِقَدرِهِ وَهُوَ كَذَلِك على الْأَظْهر عِنْد الْأَكْثَرين كَمَا قَالَه فِي الرَّوْضَة لِأَنَّهُ مَالك لما فِي يَده نَافِذ تصرفه فِيهِ وَلِهَذَا لَو اشْترى بِهِ عبدا وَأعْتقهُ نفذ وَيسْتَثْنى من السَّرَايَة مَا لَو كَانَ نصيب الشَّرِيك مستولدا بِأَن اسْتَوْلدهَا وَهُوَ مُعسر فَلَا سرَايَة فِي الْأَصَح لِأَن السَّرَايَة تَتَضَمَّن النَّقْل وَيجْرِي الْخلاف فِيمَا لَو اسْتَوْلدهَا أَحدهمَا وَهُوَ مُعسر ثمَّ اسْتَوْلدهَا الآخر ثمَّ أعْتقهَا أَحدهمَا وَلَو كَانَت حِصَّة الَّذِي لم يعْتق مَوْقُوفَة لم يسر الْعتْق إِلَيْهَا قولا وَاحِدًا كَمَا قَالَه فِي الْكِفَايَة وَيسْتَثْنى صُورَتَانِ لَا تَقْوِيم فيهمَا على الْمُعْتق مَعَ يسَاره الأولى مَا إِذا وهب الأَصْل لفرعه شِقْصا من رَقِيق وَقَبضه ثمَّ أعتق الأَصْل مَا بَقِي فِي ملكه فَإِنَّهُ يسري إِلَى نصيب الْفَرْع مَعَ الْيَسَار وَلَا قيمَة عَلَيْهِ على الرَّاجِح
وَالثَّانيَِة مَا لَو بَاعَ شِقْصا من رَقِيق ثمَّ حجر على المُشْتَرِي بالفلس فَأعتق البَائِع نصِيبه فَإِنَّهُ يسري إِلَى الْبَاقِي الَّذِي لَهُ الرُّجُوع فِيهِ بِشَرْط الْيَسَار وَلَا قيمَة عَلَيْهِ لِأَن عتقه صَادف مَا كَانَ لَهُ أَن يرجع فِيهِ
وَلَو كَانَ رَقِيق بَين ثَلَاثَة فَأعتق اثْنَان مِنْهُم نصيبهما مَعًا وَأَحَدهمَا مُعسر وَالْآخر مُوسر قوم جَمِيع نصيب الَّذِي لم يعْتق على هَذَا الْمُوسر كَمَا قَالَه الشَّيْخَانِ وَالْمَرِيض مُعسر إِلَّا فِي ثلثه مَاله فَإِذا أعتق نصِيبه من رَقِيق مُشْتَرك فِي مرض مَوته فَإِن خرج جَمِيع العَبْد من ثلثه مَاله قوم عَلَيْهِ نصيب شَرِيكه وَعتق جَمِيعه
وَإِن لم يخرج إِلَّا نصِيبه عتق بِلَا سرَايَة وَلَا تخْتَص السَّرَايَة بِالْإِعْتَاقِ وَحِينَئِذٍ استيلاد أحد الشَّرِيكَيْنِ الْمُوسر الْأمة الْمُشْتَركَة بَينهمَا يسري إِلَى نصيب شَرِيكه كَالْعِتْقِ بل أولى مِنْهُ بالنفوذ لِأَنَّهُ فعل وَهُوَ أقوى من القَوْل وَلِهَذَا ينفذ استيلاد الْمَجْنُون والمحجور عَلَيْهِ دون عتقهما وإيلاد الْمَرِيض من رَأس المَال وإعتاقه من الثُّلُث وَخرج بالموسر الْمُعسر فَلَا يسري استيلاده كَالْعِتْقِ نعم إِن كَانَ الشَّرِيك المستولد أصلا لشَرِيكه يسري كَمَا لَو استولد الْجَارِيَة الَّتِي كلهَا لَهُ وَعَلِيهِ قيمَة نصيب شَرِيكه للإتلاف بِإِزَالَة ملكه وَعَلِيهِ أَيْضا حِصَّته من مهر مثل للاستمتاع بِملك غَيره مَعَ أرش الْبكارَة لَو كَانَت بكرا وَهَذَا إِن تَأَخّر الْإِنْزَال عَن تغييب الْحَشَفَة كَمَا هُوَ للْغَالِب وَإِلَّا فَلَا يلْزمه حِصَّة مهر لِأَن الْمُوجب لَهُ تغييب الْحَشَفَة فِي ملك غَيره وَهُوَ مُنْتَفٍ
وشروط سرَايَة الْعتْق أَرْبَعَة الأول إِعْتَاق الْمَالِك وَلَو بنائبه بِاخْتِيَارِهِ كشرائه جُزْء أَصله وَلَيْسَ المُرَاد بِالِاخْتِيَارِ مُقَابل الْإِكْرَاه بل المُرَاد السَّبَب فِي الاعتاق وَلَا يَصح الِاحْتِرَاز بِالِاخْتِيَارِ عَن الْإِكْرَاه لِأَن الْكَلَام فِيمَا يعْتق فِيهِ الشّقص وَالْإِكْرَاه لَا عتق فِيهِ وَخرج بِالِاخْتِيَارِ مَا لَو ورث بعض فَرعه أَو أَصله فَإِنَّهُ لم يسر عَلَيْهِ الْعتْق إِلَى بَاقِيه لِأَن التَّقْوِيم سَبيله سَبِيل ضَمَان الْمُتْلفَات وَعند انْتِفَاء الِاخْتِيَار لَا صنع مِنْهُ يعد إتلافا
الشَّرْط الثَّانِي أَن يكون لَهُ يَوْم الْإِعْتَاق مَال يَفِي بِقِيمَة الْبَاقِي أَو بعضه كَمَا مر
الشَّرْط الثَّالِث أَن يكون محلهَا قَابلا للنَّقْل فَلَا
سرَايَة فِي نصيب حكم بالاستيلاد فِيهِ وَلَا إِلَى الْحصَّة الْمَوْقُوفَة وَلَا إِلَى الْمَنْذُور إِعْتَاقه
الشَّرْط الرَّابِع أَن يعْتق نصِيبه ليعتق أَولا ثمَّ يسري الْعتْق إِلَى نصيب شَرِيكه فَلَو أعتق نصيب شَرِيكه لَغَا إِذْ لَا ملك وَلَا تَبَعِيَّة فَلَو أعتق نصِيبه بعد ذَلِك سرى إِلَى حِصَّة شَرِيكه وَلَو أعتق نصف الْمُشْتَرك وَأطلق حمل على ملكه فَقَط لِأَن الْإِنْسَان إِنَّمَا يعْتق مَا يملكهُ كَمَا جزم بِهِ صَاحب الْأَنْوَار (وَمن ملك وَاحِدًا من وَالِديهِ أَو مولوديه) من النّسَب بِكَسْر الدَّال فيهمَا ملكا قهريا كَالْإِرْثِ أَو اختياريا كالشراء وَالْهِبَة
(وَعتق عَلَيْهِ) أما الْأُصُول فَلقَوْله تَعَالَى {واخفض لَهما جنَاح الذل من الرَّحْمَة} وَلَا يتأنى خفض الْجنَاح مَعَ الاسترقاق وَلما فِي صَحِيح مُسلم لن يَجْزِي ولد وَالِده إِلَّا أَن يجده مَمْلُوكا فيشتريه فيعتقه أَي بِالشِّرَاءِ لَا أَن الْوَلَد هُوَ الْمُعْتق بإنشائه الْعتْق كَمَا فهمه دَاوُد الظَّاهِرِيّ بِدَلِيل رِوَايَة فَيعتق عَلَيْهِ وَأما الْفُرُوع فَلقَوْله تَعَالَى {وَمَا يَنْبَغِي للرحمن أَن يتَّخذ ولدا إِن كل من فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض إِلَّا آتِي الرَّحْمَن عبدا} وَقَالَ تَعَالَى {وَقَالُوا اتخذ الرَّحْمَن ولدا سُبْحَانَهُ بل عباد مكرمون} دلّ على نفي اجْتِمَاع الولدية والعبدية
تَنْبِيه شَمل قَوْله وَالِديهِ أَو مولوديه الذُّكُور مِنْهُمَا وَالْإِنَاث علوا أَو سفلوا اتَّحد دينهما أم لَا لِأَنَّهُ حكم مُتَعَلق بِالْقَرَابَةِ فَاسْتَوَى فِيهِ من ذَكرْنَاهُ وَخرج من عداهما من الْأَقَارِب كالإخوة والأعمام فَإِنَّهُم لَا يعتقون بِالْملكِ لِأَنَّهُ لم يرد فِيهِ نَص وَلَا هُوَ فِي معنى مَا ورد فِيهِ النَّص لانْتِفَاء البعضية عَنهُ وَأما خبر من ملك ذَا رحم فقد عتق عَلَيْهِ فضعيف بل قَالَ النَّسَائِيّ إِنَّه مُنكر وَخرج بقولنَا من النّسَب أَصله أَو فَرعه من الرَّضَاع فَإِنَّهُ لَا يعْتق عَلَيْهِ
تَتِمَّة لَا يَصح شِرَاء الْوَلِيّ لطفل أَو مَجْنُون أَو سَفِيه قَرِيبه الَّذِي يعْتق عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يتَصَرَّف عَلَيْهِ بالغبطة وَلَا غِبْطَة لِأَنَّهُ يعْتق عَلَيْهِ وَلَو وهب لمن ذكر أَو وصّى لَهُ بِهِ وَلم تلْزمهُ نَفَقَته كَأَن كَانَ هُوَ مُعسرا أَو فَرعه كسوبا فعلى الْوَلِيّ قبُوله وَيعتق على موليه لانْتِفَاء الضَّرَر وَحُصُول الْكَمَال للْبَعْض فَإِن لَزِمته نَفَقَته لم يجز للْوَلِيّ قبُوله وَلَو ملك أَصله أَو فَرعه فِي مرض مَوته مجَّانا كَأَن وَرثهُ أَو وهب لَهُ عتق عَلَيْهِ من رَأس المَال لِأَن الشَّرْع أخرجه عَن ملكه فَكَأَنَّهُ لم يدْخل وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد
كَمَا صَححهُ فِي الرَّوْضَة كالشرحين وَإِن صحّح فِي الْمِنْهَاج أَنه يعْتق من ثلثه وَإِن ملكه بعوض بِلَا مُحَابَاة عتق من ثلثه لِأَنَّهُ فَوت على الْوَرَثَة مَا بذلوه من الثّمن وَلَا يَرِثهُ لِأَنَّهُ لَو وَرثهُ لَكَانَ عتقه تَبَرعا على الْوَرَثَة فَيبْطل لتعذر إِجَازَته لتوقفها على إِرْثه المتوقف على عتقه المتوقف عَلَيْهَا فَيتَوَقَّف كل من إِجَازَته وإرثه على الآخر فَيمْتَنع إِرْثه فَإِن كَانَ الْمَرِيض مدينا بدين مُسْتَغْرق لمَاله عِنْد مَوته بيع للدّين وَلَا يعْتق مِنْهُ شَيْء لِأَن عتقه يعْتَبر من الثُّلُث وَالدّين يمْنَع مِنْهُ وَإِن ملكه بعوض بمحاباة من البَائِع فقدرها كملكه مجَّانا فَيكون من رَأس المَال