المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في الوقف - الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع - جـ ٢

[الخطيب الشربيني]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الْبيُوع وَغَيرهَا من أَنْوَاع الْمُعَامَلَات

- ‌فصل فِي الرِّبَا

- ‌فصل فِي أَحْكَام الْخِيَار

- ‌فصل فِي السّلم وَيُقَال لَهُ السّلف

- ‌فصل فِي الرَّهْن

- ‌فصل فِي الْحجر

- ‌فصل فِي الصُّلْح

- ‌فصل فِي الْحِوَالَة

- ‌فصل فِي الضَّمَان

- ‌فصل فِي كَفَالَة الْبدن

- ‌فصل فِي الشّركَة

- ‌فصل فِي الْوكَالَة

- ‌فصل فِي الْإِقْرَار

- ‌فصل فِي الْعَارِية

- ‌فصل فِي الْغَصْب

- ‌فصل فِي الشُّفْعَة

- ‌فصل فِي الْقَرَاض

- ‌فصل فِي الْمُسَاقَاة

- ‌فصل فِي الْإِجَارَة

- ‌فصل فِي الْجعَالَة

- ‌فصل فِي الْمُزَارعَة وَالْمُخَابَرَة وكراء الأَرْض

- ‌فصل فِي إحْيَاء الْموَات

- ‌فصل فِي الْوَقْف

- ‌فصل فِي الْهِبَة

- ‌فصل فِي اللّقطَة

- ‌فصل فِي بعض النّسخ وَهُوَ فِي أَقسَام اللّقطَة وَبَيَان حكم كل مِنْهَا

- ‌(فصل فِي اللَّقِيط)

- ‌فصل فِي الْوَدِيعَة

- ‌حجب الحرمان بالشخص

- ‌فصل فِي الْوَصِيَّة الشاملة للإيصاء

- ‌فصل فِي أَرْكَان النِّكَاح

- ‌فصل فِي بَيَان أَوْلِيَاء

- ‌فصل فِي مُحرمَات النِّكَاح ومثبتات الْخِيَار فِيهِ

- ‌فصل فِي الصَدَاق

- ‌فصل فِي الْوَلِيمَة

- ‌فصل فِي الْقسم والنشوز

- ‌فصل فِي الْخلْع

- ‌فصل فِي الطَّلَاق

- ‌فصل فِي طَلَاق السّني

- ‌فصل فِيمَا يملكهُ الزَّوْج من الطلقات

- ‌فصل فِي الرّجْعَة

- ‌فصل فِي بَيَان مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ حل الْمُطلقَة

- ‌فصل فِي الْإِيلَاء

- ‌فصل فِي الظِّهَار

- ‌فصل فِي اللّعان

- ‌فرع لَو قذف زوج زَوجته

- ‌فصل فِي الْعدَد

- ‌فصل فِيمَا يجب للمعتدة وَعَلَيْهَا

- ‌فصل فِي أَحْكَام الِاسْتِبْرَاء

- ‌فصل فِي الرَّضَاع

- ‌فصل فِي نَفَقَة الْقَرِيب وَالرَّقِيق والبهائم

- ‌فصل فِي النَّفَقَة

- ‌فصل فِي الْحَضَانَة

- ‌كتاب الْجِنَايَات

- ‌فصل فِي الدِّيَة

- ‌فصل فِي الْقسَامَة

- ‌فصل فِي حد الْقَذْف

- ‌فصل فِي حد شَارِب السكر من خمر وَغَيره

- ‌فصل فِي حد السّرقَة

- ‌فصل فِي قَاطع الطَّرِيق

- ‌فصل فِي حكم الصيال وَمَا تتلفه الْبَهَائِم

- ‌فصل فِي قتال الْبُغَاة

- ‌فصل فِي الرِّدَّة

- ‌فصل فِي تَارِك الصَّلَاة

- ‌فصل فِي قسم الْغَنِيمَة

- ‌فصل فِي قسم الْفَيْء

- ‌فصل فِي الْجِزْيَة تطلق

- ‌فصل فِي الْأَطْعِمَة

- ‌فصل فِي الْأُضْحِية

- ‌فصل فِي الْعَقِيقَة

- ‌فصل فِي أَحْكَام النذور

- ‌فصل فِي الْقِسْمَة

- ‌فصل فِي الدَّعْوَى والبينات

- ‌فصل فِي الشَّهَادَات

- ‌فصل كَمَا فِي بعض النّسخ يذكر فِيهِ الْعدَد فِي الشُّهُود والذكورة

- ‌كتاب الْعتْق

- ‌فصل فِي أَحْكَام الْوَلَاء

- ‌فصل فِي التَّدْبِير

- ‌فصل فِي الْكِتَابَة

- ‌فصل فِي أُمَّهَات الْأَوْلَاد

الفصل: ‌فصل في الوقف

كاليتيم والأوقاف الْعَامَّة فعندي فِيهِ وَقْفَة انْتهى

وَالظَّاهِر الْجَوَاز

والقناة أَو الْعين الْمُشْتَركَة يقسم مَاؤُهَا عِنْد ضيقه عَنْهُم بِنصب خَشَبَة فِي عرض النَّهر فِيهَا ثقب مُتَسَاوِيَة أَو مُتَفَاوِتَة على قدر الحصص من الْقَنَاة أَو الْعين وللشركاء الْقِسْمَة مُهَايَأَة وَهِي أَمر يتراضون عَلَيْهِ كَأَن يسْقِي كل مِنْهُم يَوْمًا أَو بَعضهم يَوْمًا وَبَعْضهمْ أَكثر بِحَسب حِصَّته

وَإِن سقى زرعه بِمَاء مَغْصُوب ضمن المَاء بِبَدَلِهِ وَالْغلَّة لَهُ لِأَنَّهُ الْمَالِك للبذر فَإِن غرم الْبَدَل وتحلل من صَاحب المَاء كَانَت الْغلَّة أطيب لَهُ مِمَّا لَو غرم الْبَدَل فَقَط وَلَو أشعل نَارا فِي حطب مُبَاح لم يمْنَع أحدا الِانْتِفَاع بهَا وَلَا الاستصباح مِنْهَا فَإِن كَانَ الْحَطب لَهُ فَلهُ الْمَنْع من الْأَخْذ مِنْهَا كَالْمَاءِ لَا الاصطلاء بهَا وَلَا الاستصباح مِنْهَا

‌فصل فِي الْوَقْف

هُوَ والتحبيس والتسبيل بِمَعْنى وَهُوَ لُغَة الْحَبْس

يُقَال وقفت كَذَا أَي حَبسته

وَلَا يُقَال أوقفته إِلَّا فِي لُغَة تميمية وَهِي رَدِيئَة وَعَلَيْهَا الْعَامَّة وَهُوَ عكس حبس فَإِن الفصيح أحبس وَأما حبس فلغة رَدِيئَة

وَشرعا حبس مَال يُمكن الِانْتِفَاع بِهِ مَعَ بَقَاء عينه بِقطع التَّصَرُّف فِي رقبته على مصرف مُبَاح مَوْجُود وَيجمع على وقُوف وأوقاف

وَالْأَصْل فِيهِ قبل الْإِجْمَاع قَوْله تَعَالَى {لن تنالوا الْبر حَتَّى تنفقوا مِمَّا تحبون} فَإِن أَبَا طَلْحَة لما سَمعهَا رغب فِي وقف بيرحاء وَهِي أحب أَمْوَاله إِلَيْهِ

وَخبر مُسلم إِذا مَاتَ ابْن آدم انْقَطع عمله إِلَّا من ثَلَاث صَدَقَة جَارِيَة أَو علم ينْتَفع بِهِ أَو ولد صَالح يَدْعُو لَهُ وَالصَّدَََقَة الْجَارِيَة مَحْمُولَة عِنْد الْعلمَاء على الْوَقْف كَمَا قَالَه الرَّافِعِيّ

القَوْل فِي أَرْكَان الْوَقْف وأركانه أَرْبَعَة وَاقِف وَمَوْقُوف وَمَوْقُوف عَلَيْهِ وَصِيغَة

وَالْمُصَنّف ذكر بَعْضهَا معبرا عَنهُ بِالشُّرُوطِ فَقَالَ (وَالْوَقْف) أَي من مُخْتَار أهل تبرع (جَائِز) أَي صَحِيح وَهَذَا هُوَ الرُّكْن الأول وَهُوَ الْوَاقِف فَيصح من كَافِر وَلَو لمَسْجِد وَمن مبعض لَا من مكره ومكاتب

ومحجور عَلَيْهِ بفلس أَو غَيره

وَلَو بِمُبَاشَرَة وليه

القَوْل فِي شُرُوط صِحَة الْوَقْف وَقَوله (بِثَلَاثَة شَرَائِط) ذكر أَرْبَعَة وَأسْقط خَامِسًا وسادسا وسابعا وثامنا كَمَا ستعرفه الشَّرْط الأول وَهُوَ الرُّكْن الثَّانِي وَهُوَ الْمَوْقُوف (أَن يكون مِمَّا ينْتَفع بِهِ) عينا معينا (مَعَ بَقَاء عينه) مَمْلُوكا للْوَاقِف

نعم يَصح وقف الإِمَام من بَيت المَال وَلَا بُد أَن يقبل النَّقْل من ملك شخص إِلَى ملك آخر ويفيد لَا بفواته نفعا مُبَاحا مَقْصُودا وَسَوَاء كَانَ النَّفْع فِي الْحَال أم لَا كوقف عبد وجحش صغيرين وَسَوَاء كَانَ عقارا أم مَنْقُولًا كمشاع وَلَو مَسْجِدا كمدبر ومعلق عتقه بِصفة

قَالَ فِي الرَّوْضَة كَأَصْلِهَا ويعتقان بِوُجُود الصّفة وَيبْطل الْوَقْف بعتقهما

وَبِنَاء وغراس وضعا بِأَرْض بِحَق فَلَا يَصح وقف مَنْفَعَة لِأَنَّهَا لَيست بِعَين وَلَا مَا فِي الذِّمَّة وَلَا أحد عبديه لعدم تعيينهما وَلَا مَا لَا يملك للْوَاقِف كمكتري وموصي بمنفعته لَهُ وحر

ص: 360

وكلب وَلَو معلما وَلَا مُسْتَوْلدَة ومكاتب لِأَنَّهُمَا لَا يقبلان النَّقْل وَلَا آلَة لَهو وَلَا دَرَاهِم لزينة لِأَن آلَة اللَّهْو مُحرمَة والزينة مَقْصُودَة وَلَا مَا لَا يُفِيد نفعا كزمن لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ وَلَا مَا لَا يُفِيد إِلَّا بفواته كطعام وَرَيْحَان غير مزروع لِأَن نَفعه فِي فَوته ومقصود الْوَقْف الدَّوَام بِخِلَاف مَا يَدُوم كمسك وَعَنْبَر وَرَيْحَان مزروع

(و) الشَّرْط الثَّانِي وَهُوَ الرُّكْن الثَّالِث وَهُوَ الْمَوْقُوف عَلَيْهِ (أَن يكون) الْوَقْف (على أصل مَوْجُود) فِي الْحَال وَهُوَ على قسمَيْنِ معِين وَغير معِين فَإِن وقف على معِين اشْترط إِمْكَان تَمْلِيكه فِي حَال الْوَقْف عَلَيْهِ بِوُجُودِهِ فِي الْخَارِج فَلَا يَصح الْوَقْف على وَلَده وَهُوَ لَا ولد لَهُ وَلَا على فُقَرَاء أَوْلَاده وَلَا فَقير فيهم فَإِن كَانَ فيهم فَقير وغني صَحَّ وَيُعْطِي مِنْهُ أَيْضا من افْتقر بعد كَمَا قَالَ الْبَغَوِيّ

وَلَا على جَنِين لعدم صِحَة تملكه وَسَوَاء أَكَانَ مَقْصُودا أم تَابعا حَتَّى لَو كَانَ لَهُ أَوْلَاد وَله جَنِين عِنْد الْوَقْف لم يدْخل

نعم إِن انْفَصل دخل مَعَهم إِلَّا أَن يكون الْوَاقِف قد سمى الموجدين أَو ذكر عَددهمْ فَلَا يدْخل كَمَا قَالَه الْأَذْرَعِيّ

تَنْبِيه قد علم مِمَّا ذكر أَن الْوَقْف على الْمَيِّت لَا يَصح لِأَنَّهُ لَا يملك وَبِه صرح الْجِرْجَانِيّ وَلَا على أحد هذَيْن الشخصين لعدم تعْيين الْمَوْقُوف عَلَيْهِ وَلَا على نفس العَبْد لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهلا للْملك

فَإِن أطلق الْوَقْف عَلَيْهِ فَإِن كَانَ لَهُ لم يَصح لِأَنَّهُ يَقع للْوَاقِف وَإِن كَانَ لغيره فَهُوَ وقف على سَيّده وَأما الْوَقْف على الْمبعض فَالظَّاهِر أَنه إِن كَانَ مُهَايَأَة وَصدر الْوَقْف عَلَيْهِ يَوْم نوبَته فكالحر أَو يَوْم نوبَة سَيّده فكالعبد وَإِن لم تكن مُهَايَأَة وزع على الرّقّ وَالْحريَّة

وَلَو وقف على بَهِيمَة مَمْلُوكَة لم يَصح الْوَقْف لِأَنَّهَا لَيست أَهلا للْملك بِحَال فَإِن قصد بِهِ مَالِكهَا فَهُوَ وقف عَلَيْهِ وَخرج بالمملوكة الْمَوْقُوفَة كالخيل الْمَوْقُوفَة فِي الثغور وَنَحْوهَا فَيصح الْوَقْف على عَلفهَا وَيصِح على ذمِّي معِين مِمَّا يُمكن تَمْلِيكه لَهُ فَيمْتَنع وقف الْمُصحف وَكتب علم وَالْعَبْد الْمُسلم عَلَيْهِ وَلَا يَصح الْوَقْف على مُرْتَد وحربي

وَلَا وقف الشَّخْص على نَفسه لِأَن الْأَوَّلين لَا دوَام لَهما مَعَ كفرهما وَالثَّالِث لتعذر تمْلِيك الْإِنْسَان ملكه لنَفسِهِ لِأَنَّهُ حَاصِل وَتَحْصِيل الْحَاصِل محَال

(و) الشَّرْط الثَّالِث أَن يكون الْوَقْف مُؤَبَّدًا على (فرع لَا يَنْقَطِع) سَوَاء أظهر فِيهِ جِهَة قربَة كالوقف على الْفُقَرَاء وَالْعُلَمَاء

ص: 361

والمجاهدين والمساجد والربط أم لم تظهر كالأغنياء وَأهل الذِّمَّة والفسقة لِأَن الصَّدَقَة عَلَيْهِم جَائِزَة وَلَو وقف شخص على الْأَغْنِيَاء وَادّعى شخص أَنه غَنِي لم يقبل إِلَّا بِبَيِّنَة بِخِلَاف مَا لَو وقف على الْفُقَرَاء وَادّعى شخص أَنه فَقير وَلم يعرف لَهُ مَال فَيقبل بِلَا بَيِّنَة نظرا للْأَصْل فيهمَا

تَنْبِيه قَضِيَّة عطف المُصَنّف قَوْله وَفرع لَا يَنْقَطِع على مَا قبله أَنَّهُمَا شَرط وَاحِد وَلِهَذَا عد الشُّرُوط ثَلَاثَة وَالَّذِي فِي الرَّوْضَة أَنهم شَرْطَانِ كَمَا قررت بِهِ كَلَامه

(و) الشَّرْط الرَّابِع (أَن لَا يكون فِي مَحْظُور) بِالْحَاء الْمُهْملَة والظاء المشالة أَي محرم كعمارة الْكَنَائِس وَنَحْوهَا من متعبدات الْكفَّار للتعبد فِيهَا أَو حصرها أَو قناديلها أَو خدامها أَو كتب التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل أَو السِّلَاح لقطاع الطَّرِيق لِأَنَّهُ إِعَانَة على مَعْصِيّة وَالْوَقْف شرع للتقرب فهما متضادان

وَشرط فِي الصِّيغَة وَهُوَ الرُّكْن الرَّابِع لفظ يشْعر بالمراد كَالْعِتْقِ بل أولى وَفِي مَعْنَاهُ مَا مر فِي الضَّمَان وصريحة كوقفت وسلبت وحبست كَذَا على كَذَا أَو تَصَدَّقت بِكَذَا على كَذَا صَدَقَة مُحرمَة أَو مُؤَبّدَة أَو مَوْقُوفَة أَو لَا تبَاع أَو لَا توهب أَو جعلت هَذَا الْمَكَان مَسْجِدا وكنايته كحرمت وأبدت هَذَا للْفُقَرَاء لِأَن كلا مِنْهُمَا لَا يسْتَعْمل مُسْتقِلّا وَإِنَّمَا يُؤَكد بِهِ فَلَا يكون صَرِيحًا وكتصدقت بِهِ مَعَ إِضَافَته لجِهَة عَامَّة كالفقراء

وَألْحق الْمَاوَرْدِيّ بِاللَّفْظِ أَيْضا مَا لَو بنى مَسْجِدا بنيته بموات

وَالشّرط الْخَامِس التَّأْبِيد كالوقف على من لم ينقرض قبل قيام السَّاعَة كالفقراء أَو على من ينقرض ثمَّ على من لَا ينقرض كزيد ثمَّ الْفُقَرَاء فَلَا يَصح تأقيت الْوَقْف

فَلَو قَالَ وقفت هَذَا على كَذَا سنة لم يَصح لفساد الصِّيغَة فَإِن أعقبه بمصرف كوقفته على زيد سنة ثمَّ على الْفُقَرَاء صَحَّ وَرُوِيَ فِيهِ شَرط الْوَاقِف وَهَذَا فِيمَا لَا يضاهي التَّحْرِير أما مَا يضاهيه كالمسجد والمقبرة والرباط كَقَوْلِه جعلته مَسْجِدا سنة فَإِنَّهُ يَصح مُؤَبَّدًا كَمَا لَو ذكر فِيهِ شرطا فَاسِدا وَهُوَ لَا يفْسد بِالشّرطِ الْفَاسِد وَلَو قَالَ وقفت على أَوْلَادِي أَو على زيد ثمَّ نَسْله وَنَحْوه مِمَّا لَا يَدُوم وَلم يزدْ على ذَلِك من يصرف إِلَيْهِ بعدهمْ صَحَّ لِأَن الْمَقْصُود بِالْوَقْفِ الْقرْبَة والدوام فَإِذا تبين مصرفه ابْتِدَاء سهل إدامته على سَبِيل الْخَيْر وَيُسمى مُنْقَطع الآخر فَإِذا انقرض الْمَذْكُور صرف إِلَى أقرب النَّاس إِلَى الْوَاقِف يَوْم انْقِرَاض الْمَذْكُور وَيخْتَص الْمصرف وجوبا بفقراء قرَابَة الرَّحِم لَا الْإِرْث فِي الْأَصَح فَيقدم ابْن بنت على ابْن عَم وَلَو كَانَ الْوَقْف مُنْقَطع الأول كوقفته على من سيولد لي ثمَّ على الْفُقَرَاء لم يَصح لِأَن الأول بَاطِل لعدم إِمْكَان الصّرْف إِلَيْهِ فِي الْحَال فَكَذَا مَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ أَو كَانَ الْوَقْف مُنْقَطع الْوسط كوقفت على أَوْلَادِي ثمَّ على رجل مُبْهَم ثمَّ على الْفُقَرَاء صَحَّ لوُجُود الْمصرف فِي الْحَال والمآل ثمَّ بعد أَوْلَاده يصرف للْفُقَرَاء

وَالشّرط السَّادِس بَيَان الْمصرف فَلَو اقْتصر على قَوْله وقفت كَذَا وَلم يذكر مصرفه لم يَصح لعدم ذكر مصرفه وَلَو ذكر الْمصرف إِجْمَالا كَقَوْلِه وقفت هَذَا على مَسْجِد كَذَا كفي وَصرف إِلَى مَصَالِحه عِنْد الْجُمْهُور

ص: 362

وَالشّرط السَّابِع أَن يكون مُنجزا فَلَا يَصح تَعْلِيقه كَقَوْلِه إِذا جَاءَ زيد فقد وقفت كَذَا على كَذَا لِأَنَّهُ عقد يَقْتَضِي نقل الْملك فِي الْحَال لم يبن على التغليب والسراية فَلَا يَصح تَعْلِيقه على شَرط كَالْبيع وَالْهِبَة وَمحل الْبطلَان فِيمَا لَا يضاهي التَّحْرِير

أما مَا يضاهيه كجعلته مَسْجِدا إِذا جَاءَ رَمَضَان فَالظَّاهِر صِحَّته كَمَا ذكره ابْن الرّفْعَة وَمحله أَيْضا مَا لم يعلقه بِالْمَوْتِ فَإِن علقه بِهِ كَقَوْلِه وقفت دَاري بعد موتِي على الْفُقَرَاء فَإِنَّهُ يَصح قَالَ الشَّيْخَانِ وَكَأَنَّهُ وَصِيَّة لقَوْل الْقفال إِنَّه لَو عرضهَا للْبيع كَانَ رُجُوعا وَلَو نجز الْوَقْف وعلق الْإِعْطَاء للْمَوْقُوف عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ جَازَ نَقله الزَّرْكَشِيّ عَن القَاضِي حُسَيْن

وَلَو قَالَ وقفت على من شِئْت أَو فِيمَا شِئْت وَكَانَ قد عين لَهُ مَا شَاءَ أَو من يَشَاء عِنْد وَقفه صَحَّ وَأخذ ببيانه وَإِلَّا فَلَا يَصح للْجَهَالَة

وَلَو قَالَ وقفت فِيمَا شَاءَ الله كَانَ بَاطِلا لِأَنَّهُ لَا يعلم مَشِيئَة الله تَعَالَى

وَالشّرط الثَّامِن الْإِلْزَام فَلَو قَالَ وقفت هَذَا على كَذَا بِشَرْط الْخِيَار لنَفسِهِ فِي إبْقَاء وَقفه أَو الرُّجُوع فِيهِ مَتى شَاءَ أَو شَرطه لغيره أَو شَرط عوده إِلَيْهِ بِوَجْه مَا كَانَ شَرط أَن يَبِيعهُ أَو شَرط أَن يدْخل من شَاءَ وَيخرج من شَاءَ لم يَصح قَالَ الرَّافِعِيّ كَالْعِتْقِ

قَالَ السُّبْكِيّ وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامه من بطلَان الْعتْق غير مَعْرُوف

وَأفْتى الْقفال بِأَن الْعتْق لَا يبطل بذلك لِأَنَّهُ مَبْنِيّ على الْغَلَبَة والسراية

القَوْل فِي الْوَقْف على شُرُوط الْوَاقِف (وَهُوَ) أَي الْوَقْف (على مَا شَرط الْوَاقِف) سَوَاء أقلنا الْملك لَهُ أم للْمَوْقُوف عَلَيْهِ أم ينْتَقل إِلَى الله تَعَالَى بِمَعْنى أَنه يَنْفَكّ عَن اخْتِصَاص الْآدَمِيّين كَمَا هُوَ الْأَظْهر إِذْ مبْنى الْوَقْف على اتِّبَاع شَرط الْوَاقِف (من تَقْدِيم أَو تَأْخِير أَو تَسْوِيَة أَو تَفْصِيل) أَو جمع وترتيب وَإِدْخَال من شَاءَ بِصفة وإخراجه بِصفة مِثَال التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير كَقَوْلِه وقفت على أَوْلَادِي بِشَرْط أَن يقدم الأورع مِنْهُم فَإِن فضل شَيْء كَانَ للباقين

وَمِثَال التَّسْوِيَة كَقَوْلِه بِشَرْط أَن يصرف لكل وَاحِد مِنْهُم مائَة دِرْهَم وَمِثَال التَّفْضِيل كَقَوْلِه بِشَرْط أَن يصرف لزيد مائَة ولعمرو خَمْسُونَ

وَمِثَال الْجمع خَاصَّة كَقَوْلِه وقفت على أَوْلَادِي وَأَوْلَادهمْ فَإِن ذَلِك يَقْتَضِي التَّسْوِيَة فِي أصل الْإِعْطَاء والمقدار بَين الْكل وَهُوَ جَمِيع أَفْرَاد الْأَوْلَاد وَأَوْلَادهمْ ذكورهم وإناثهم لِأَن الْوَاو لمُطلق الْجمع لَا للتَّرْتِيب كَمَا هُوَ الصَّحِيح عِنْد الْأُصُولِيِّينَ وَنقل عَن إِجْمَاع النُّحَاة وَإِن زَاد على ذَلِك مَا تَنَاسَلُوا أَو بَطنا بعد بطن لِأَن الْمَزِيد للتعميم فِي النَّسْل

ص: 363

وَمِثَال التَّرْتِيب خَاصَّة كَقَوْلِه وقفت على أَوْلَادِي ثمَّ على أَوْلَاد أَوْلَادِي أَو الْأَعْلَى فالأعلى أَو الأول فَالْأول أَو الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب لدلَالَة اللَّفْظ عَلَيْهِ

وَمِثَال الْجمع وَالتَّرْتِيب كَقَوْلِه وقفته على أَوْلَادِي وَأَوْلَاد أَوْلَادِي فَإِذا انقرضوا فعلى أَوْلَادهم ثمَّ على أَوْلَاد أَوْلَادهم مَا تَنَاسَلُوا

فَتكون الْأَوْلَاد وَأَوْلَاد الْأَوْلَاد مشتركين وبعدهم يكونُونَ مرتبين وَحَيْثُ وجد لفظ التَّرْتِيب فَلَا يصرف للبطن الثَّانِي شَيْء مَا بَقِي من الْبَطن الأول أحد

وَهَكَذَا فِي جَمِيع الْبُطُون لَا يصرف إِلَى بطن وَهُنَاكَ من بطن أقرب مِنْهُ إِلَّا أَن يَقُول من مَاتَ من أَوْلَادِي مِنْهُم فَنصِيبه لوَلَده فَيتبع شَرطه وَلَا يدْخل أَوْلَاد الْأَوْلَاد فِي الْوَقْف على الْأَوْلَاد لِأَنَّهُ لَا يَقع عَلَيْهِ اسْم الْوَلَد حَقِيقَة

وَيدخل أَوْلَاد الْبَنَات فِي الْوَقْف على الذُّرِّيَّة وعَلى النَّسْل وعَلى الْعقب وعَلى أَوْلَاد الْأَوْلَاد لصدق اللَّفْظ بهم أما فِي الذُّرِّيَّة فَلقَوْله تَعَالَى {وَمن ذُريَّته دَاوُد وَسليمَان} إِلَى أَن ذكر عِيسَى وَلَيْسَ هُوَ إِلَّا ولد الْبِنْت والنسل والعقب فِي مَعْنَاهُ إِلَّا إِن قَالَ على من ينْسب إِلَيّ مِنْهُم فَلَا يدْخل أَوْلَاد الْبَنَات فِيمَا ذكر نظرا للقيد الْمَذْكُور

هَذَا إِن كَانَ الْوَاقِف رجلا فَإِن كَانَ امْرَأَة دخلُوا فِيهِ بِجعْل الانتساب فِيهَا لغويا لَا شَرْعِيًّا فالتقييد فِيهَا لبَيَان الْوَاقِع لَا للإخراج وَمِثَال الإدخال بِصفة والإخراج بِصفة كوقفته على أَوْلَادِي الأرامل وأولادي الْفُقَرَاء فَلَا تدخل المتزوجة وَلَا يدْخل الْغَنِيّ فَلَو عَادَتْ أرملة أَو عَاد فَقِيرا عَاد الِاسْتِحْقَاق وتستحق غير الرَّجْعِيَّة فِي زمن عدتهَا كَمَا قَالَه فِي الزَّوَائِد تفقها

تَتِمَّة الْمولى يَشْمَل الْأَعْلَى وَهُوَ من لَهُ الْوَلَاء والأسفل وَهُوَ من عَلَيْهِ الْوَلَاء فَلَو اجْتمعَا اشْتَركَا لتناول اسْمه لَهما

وَالصّفة وَالِاسْتِثْنَاء يلحقان المتعاطفات بِحرف مُشْرك كالواو وَالْفَاء وَثمّ إِن لم يتخللها كَلَام طَوِيل لِأَن الأَصْل اشتراكهما فِي جَمِيع المتعاطفات سَوَاء أتقدما عَلَيْهَا أم تأخرا أم توسطا كوقفت هَذَا على محتاجي أَوْلَادِي وأحفادي وإخوتي أَو على أَوْلَادِي وأحفادي وإخوتي المحتاجين أَو على أَوْلَادِي وأحفادي وإخوتي والمحتاجين أَو على أَوْلَادِي المحتاجين وأحفادي أَو على من ذكر إِلَّا من يفسق مِنْهُم وَالْحَاجة هُنَا مُعْتَبرَة بِجَوَاز أَخذ الزَّكَاة كَمَا أفتى بِهِ الْقفال فَإِن تخَلّل المتعاطفات مَا ذكر كوقفت على أَوْلَادِي على أَن من مَاتَ مِنْهُم وأعقب فَنصِيبه بَين أَوْلَاده للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ وَإِلَّا فَنصِيبه لمن فِي دَرَجَته

فَإِذا انقرضوا صرف إِلَى إخوتي المحتاجين أَو إِلَّا من لم يفسق مِنْهُم اخْتصَّ بذلك بالمعطوف الْأَخير وَنَفَقَة الْمَوْقُوف وَمؤنَة تَجْهِيزه وعمارته من حَيْثُ شَرطهَا الْوَاقِف من مَاله أَو من مَال الْوَقْف وَإِلَّا فَمن مَنَافِع الْمَوْقُوف ككسب العَبْد وغلة الْعقار فَإِذا انْقَطَعت مَنَافِعه فالنفقة وَمؤنَة التَّجْهِيز لَا الْعِمَارَة فِي بَيت المَال وَإِذا شَرط الْوَاقِف نظرا لنَفسِهِ أَو لغيره اتبع شَرطه وَإِلَّا فَهُوَ للْقَاضِي. وَشرط النَّاظر: عَدَالَة، وكفاية، ووظيفته عمَارَة وَإِجَارَة

ص: 364