الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل فِي الْوَدِيعَة
تقال على الْإِيدَاع وعَلى الْعين المودعة ومناسبة ذكرهَا بعد اللَّقِيط ظَاهِرَة
وَالْأَصْل فِيهَا قَوْله تَعَالَى {إِن الله يَأْمُركُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَات إِلَى أَهلهَا} وَخبر أد الْأَمَانَة إِلَى من ائتمنك وَلَا تخن من خانك
وَلِأَن بِالنَّاسِ حَاجَة بل ضَرُورَة إِلَيْهَا
القَوْل فِي أَرْكَان الْوَدِيعَة وأركانها بِمَعْنى الْإِيدَاع أَرْبَعَة وَدِيعَة بِمَعْنى الْعين المودعة وَصِيغَة ومودع ووديع
وَشرط فِي الْمُودع والوديع مَا مر فِي مُوكل ووكيل لِأَن الْإِيدَاع استنابة فِي الْحِفْظ فَلَو أودعهُ نَحْو صبي كمجنون ضمن مَا أَخذه مِنْهُ
وَإِن أودع شخص نَحْو صبي إِنَّمَا يضمن بإتلافه وَشرط فِي الصِّيغَة مَا مر فِي الْوكَالَة فَيشْتَرط اللَّفْظ من جَانب الْمُودع وَعدم الرَّد من جَانب الْوَدِيع نعم لَو قَالَ الْوَدِيع أَو دعنيه مثلا
فَدفعهُ لَهُ ساكتا فَيُشبه أَن يَكْفِي ذَلِك كالعارية
وَعَلِيهِ فَالشَّرْط اللَّفْظ من أَحدهمَا نبه عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيّ والإيجاب إِمَّا صَرِيح كأودعتك هَذَا أَو استحفظتكه أَو كِنَايَة مَعَ النِّيَّة كخذه
(والوديعة أَمَانَة) أَصَالَة فِي يَد الْوَدِيع (يسْتَحبّ) لَهُ (قبُولهَا) أَي أَخذهَا (لمن قَامَ بالأمانة فِيهَا) بِأَن قدر على حفظهَا ووثق بأمانة نَفسه فِيهَا هَذَا إِن لم يتَعَيَّن عَلَيْهِ أَخذهَا لخَبر مُسلم وَالله فِي عون العَبْد مَا دَامَ العَبْد فِي عون أَخِيه فَإِن تعين بِأَن لم يكن ثمَّ غَيره وَجب عَلَيْهِ أَخذهَا لَكِن لَا يجْبر على إِتْلَاف منفعَته وَمَنْفَعَة حرزه مجَّانا فَإِن عجز عَن حفظهَا حرم عَلَيْهِ قبُولهَا لِأَنَّهُ يعرضهَا للتلف
قَالَ ابْن الرّفْعَة وَمحله إِذا لم يعلم الْمَالِك بِحَالهِ وَإِلَّا فَلَا تَحْرِيم وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد وَإِن خَالف فِي ذَلِك الزَّرْكَشِيّ وَإِن قدر على الْحِفْظ وَهُوَ فِي الْحَال أَمِين وَلَكِن لم يَثِق بأمانته بل خَافَ الْخِيَانَة من نَفسه فِي الْمُسْتَقْبل كره لَهُ قبُولهَا خشيَة الْخِيَانَة فِيهَا وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد كَمَا فِي الْمِنْهَاج
قَالَ ابْن الرّفْعَة وَيظْهر أَن هَذَا إِذا لم يعلم الْمَالِك الْحَال وَإِلَّا فَلَا تَحْرِيم وَلَا كَرَاهَة كَمَا علم مِمَّا مر
تَنْبِيه أَحْكَام الْوَدِيعَة ثَلَاثَة الحكم الأول الْأَمَانَة وَالْحكم الثَّانِي الرَّد وَالْحكم الثَّالِث الْجَوَاز
وَقد أَشَارَ إِلَى الأول بقوله
والوديعة أَمَانَة وَقد تصير مَضْمُونَة بعوارض غالبها يُؤْخَذ من قَول المُصَنّف (وَلَا يضمن إِلَّا بِالتَّعَدِّي) فِي تلفهَا كَأَن نقلهَا من محلّة وَدَار لأخرى دونهَا حرْزا وَإِن لم يَنْهَهُ الْمُودع عَن نقلهَا لِأَنَّهُ عرضهَا للتلف
نعم إِن نقلهَا يظنّ أَنَّهَا ملكه وَلم ينْتَفع بهَا لم يضمن
وَكَأن يودعها غَيره وَلَو قَاضِيا بِلَا إِذن من الْمُودع وَلَا عذر لَهُ لِأَن الْمُودع لم يرض بذلك بِخِلَاف مَا لَو أودعها غَيره لعذر كَمَرَض وسفر وَله استعانة بِمن يحملهَا لحرز أَو يعلفها أَو يسقيها لِأَن الْعَادة جرت بذلك وَعَلِيهِ لعذر كإرادة سفر وَمرض ردهَا لمَالِكهَا أَو وَكيله فَإِن فقدهما ردهَا للْقَاضِي وَعَلِيهِ أَخذهَا فَإِن فَقده ردهَا الْأمين وَلَا يُكَلف تَأْخِير السّفر
ويغني عَن الرَّد إِلَى القَاضِي أَو الْأمين الْوَصِيَّة بهَا إِلَيْهِ فَهُوَ مُخَيّر عِنْد فقد الْمَالِك ووكيله بَين ردهَا للْقَاضِي وَالْوَصِيَّة بهَا إِلَيْهِ وَعند فقد القَاضِي بَين ردهَا للأمين وَالْوَصِيَّة بهَا إِلَيْهِ
وَالْمرَاد بِالْوَصِيَّةِ بهَا الْإِعْلَام بهَا وَالْأَمر بردهَا مَعَ وصفهَا بِمَا تتَمَيَّز بِهِ أَو الْإِشَارَة لعينها وَمَعَ ذَلِك يجب الْإِشْهَاد كَمَا فِي الرَّافِعِيّ عَن الْغَزالِيّ فَإِن لم يردهَا وَلم يوص بهَا لمن ذكر كَمَا ذكر ضمن إِن تمكن من ردهَا أَو الْإِيصَاء بهَا لِأَنَّهُ عرضهَا للفوات وَكَأن يدفنها بِموضع ويسافر وَلم يعلم بهَا أَمينا يراقبها لِأَنَّهُ عرضهَا للضياع بِخِلَاف مَا إِذا أعلم بهَا من ذكر لِأَن إِعْلَامه بهَا بِمَنْزِلَة إيداعه فشرطه فقد القَاضِي وَكَأن لَا يدْفع متلفاتها كَتَرْكِ تهوية ثِيَاب صوف أَو ترك لبسهَا عِنْد حَاجَتهَا لذَلِك وَقد علمهَا لِأَن الدُّود يُفْسِدهَا بترك ذَلِك وكل من الْهَوَاء وعبوق رَائِحَة الْآدَمِيّ بهَا يَدْفَعهُ أَو ترك علف دَابَّة بِسُكُون اللَّام لِأَنَّهُ وَاجِب عَلَيْهِ لِأَنَّهُ من الْحِفْظ لَا إِن نَهَاهُ عَن التهوية واللبس والعلف فَلَا يضمن لكنه يَعْصِي فِي مَسْأَلَة الدَّابَّة لحُرْمَة الرّوح فَإِن أعطَاهُ الْمَالِك علفا عَلفهَا مِنْهُ وَإِلَّا رَاجعه أَو وَكيله ليعلفها أَو يستردها فَإِن فقدهما رَاجع القَاضِي ليقترض على الْمَالِك أَو يؤجرها أَو يَبِيع جُزْءا مِنْهَا فِي عَلفهَا بِحَسب مَا يرَاهُ وَكَأن تلفت بمخالفة حفظ مَأْمُور بِهِ كَقَوْلِه لَا ترقد على الصندوق الَّذِي فِيهِ الْوَدِيعَة فرقد وانكسر بثقله وَتلف مَا فِيهِ بانكساره لَا إِن تلف بِغَيْرِهِ كسرقة فَلَا يضمن وَلَا إِن نَهَاهُ عَن قفلين فأقفلهما لِأَن رقاده وقفله ذَلِك زِيَادَة فِي الْحِفْظ
ثمَّ شرع فِي الحكم الثَّانِي وَهُوَ الرَّد بقوله (وَقَول الْمُودع) بِفَتْح الدَّال (مَقْبُول فِي ردهَا على الْمُودع) بِكَسْرِهَا بِيَمِينِهِ وَإِن أشهد عَلَيْهِ بهَا عِنْد دَفعهَا لِأَنَّهُ ائتمنه
تَنْبِيه مَا ذكره المُصَنّف يجْرِي فِي كل أَمِين كوكيل وَشريك وعامل قِرَاض وجاب فِي رد مَا جباه على الَّذِي اسْتَأْجرهُ للجباية كَمَا قَالَه ابْن الصّلاح
وَضَابِط الَّذِي يصدق بِيَمِينِهِ فِي الرَّد هُوَ كل أَمِين ادّعى الرَّد على من ائتمنه صدق بِيَمِينِهِ إِلَّا الْمُرْتَهن وَالْمُسْتَأْجر فَإِنَّهُمَا لَا يصدقان فِي الرَّد لِأَنَّهُمَا أخذا الْعين لغَرَض أَنفسهمَا فَإِن ادّعى الرَّد على غير من ائتمنه كوارث الْمَالِك أَو
ادّعى وَارِث الْمُودع بِفَتْح الدَّال رد الْوَدِيعَة على الْمَالِك أَو أودع الْمُودع عِنْد سَفَره أَمينا فَادّعى الْأمين الرَّد على الْمَالِك طُولِبَ كل مِمَّن ذكر بِبَيِّنَة بِالرَّدِّ على من ذكر إِذْ الأَصْل عدم الرَّد وَلم يأتمنه
القَوْل فِي مَا يجب على الْوَدِيع (وَعَلِيهِ) أَي الْوَدِيع (أَن يحفظها) أَي الْوَدِيعَة لمَالِكه أَو وَارثه (فِي حرز مثلهَا) فَإِن أخر إحرازها مَعَ التَّمَكُّن أَو دلّ عَلَيْهَا سَارِقا بِأَن عين لَهُ مَكَانهَا وضاعت بِالسَّرقَةِ أَو دلّ عَلَيْهَا من يصادر الْمَالِك بِأَن عين لَهُ موضعهَا فَضَاعَت بذلك ضمنهَا لمنافاة ذَلِك للْحِفْظ بِخِلَاف مَا إِذا أعلم بهَا غَيره
فَلَو أكره الْوَدِيع ظَالِم على تَسْلِيم الْوَدِيعَة حَتَّى سلمهَا إِلَيْهِ فللمالك تضمين الْوَدِيع لتسليمه ثمَّ يرجع على الظَّالِم لاستيلائه عَلَيْهَا وَيجب على الْوَدِيع إِنْكَار الْوَدِيعَة من الظَّالِم والامتناع من إِعْلَامه بهَا جهده فَإِن ترك ذَلِك مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهِ ضمن وَله أَن يحلف على ذَلِك لمصْلحَة حفظهَا
قَالَ الْأَذْرَعِيّ وَيتَّجه وجوب الْحلف إِذا كَانَت الْوَدِيعَة رَقِيقا والظالم يُرِيد قَتله أَو الْفُجُور بِهِ وَيجب أَن يوري فِي يَمِينه إِذا حلف وَأمكنهُ التورية وَكَانَ يعرفهَا لِئَلَّا يحلف كَاذِبًا فَإِن لم يور كفر عَن يَمِينه لِأَنَّهُ كَاذِب فِيهَا
فَإِن حلف بِالطَّلَاق أَو الْعتْق مكْرها عَلَيْهِ أَو على اعترافه فَحلف حنث لِأَنَّهُ فدى الْوَدِيعَة بِزَوْجَتِهِ أَو رَقِيقه وَإِن اعْترف بهَا وَسلمهَا ضمنهَا لِأَنَّهُ فدى زَوجته أَو رَقِيقه بهَا وَلَو أعلم اللُّصُوص بمكانها فَضَاعَت بذلك ضمن لمنافاة ذَلِك للْحِفْظ لَا إِن أعلمهم بِأَنَّهَا عِنْده من غير تعْيين مَكَانهَا فَلَا يضمن بذلك
القَوْل فِي ضَمَان الْوَدِيعَة (وَإِذا طُولِبَ) أَي طَالب الْمَالِك أَو وَارثه الْوَدِيع أَو وَارثه (بهَا) أَي بردهَا (لم يُخرجهَا) أَي لم يردهَا عَلَيْهِ (مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهَا) وَقت طلبَهَا (حَتَّى تلفت ضمنهَا) ببدلها من مثل إِن كَانَت مثلية أَو قيمَة إِن كَانَت مُتَقَومَة لتَركه الْوَاجِب عَلَيْهِ فَإِن الله تَعَالَى قَالَ {إِن الله يَأْمُركُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَات إِلَى أَهلهَا} وَلَيْسَ المُرَاد برد الْوَدِيعَة حملهَا إِلَى مَالِكهَا بل يحصل بِأَن يخلي بَينه وَبَينهَا فَقَط وَلَيْسَ لَهُ أَن يلْزم الْمَالِك الْإِشْهَاد وَإِن كَانَ أشهد عَلَيْهِ عِنْد الدّفع فَإِنَّهُ يصدق فِي الدّفع بِيَمِينِهِ بِخِلَاف مَا لَو طلبَهَا وَكيل الْمُودع لِأَنَّهُ لَا يقبل قَوْله فِي دَفعهَا إِلَيْهِ
وَلَو قَالَ من عِنْده وَدِيعَة لمَالِكهَا خُذ وديعتك
لزمَه أَخذهَا كَمَا فِي الْبَيَان وعَلى الْمَالِك مُؤنَة الرَّد
وَخرج بقوله مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهَا مَا إِذا لم يقدر على ذَلِك لعذر كَأَن كَانَ فِي جنح ليل والوديعة فِي خزانَة لَا يَتَأَتَّى فتح بَابهَا فِي ذَلِك الْوَقْت أَو كَانَ مَشْغُولًا بِصَلَاة أَو قَضَاء حَاجَة أَو فِي حمام أَو بِأَكْل طَعَام فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ لعدم تَقْصِيره
الحكم الثَّالِث الْجَوَاز فللمودع الِاسْتِرْدَاد وللوديع الرَّد فِي كل وَقت أما الْمُودع فَلِأَنَّهُ الْمَالِك وَأما الْوَدِيع فَلِأَنَّهُ مُتَبَرّع بِالْحِفْظِ
قَالَ ابْن النَّقِيب وَيَنْبَغِي أَن يُقيد جَوَاز الرَّد للوديع بِحَالَة لَا يلْزمه فِيهَا الْقبُول وَإِلَّا حرم الرَّد فَإِن كَانَ بِحَالَة ينْدب فِيهَا الْقبُول فالرد خلاف الأولى إِن لم يرض بِهِ الْمَالِك
وتنفسخ بِمَا تَنْفَسِخ بِهِ الْوكَالَة من موت أَحدهمَا أَو جُنُونه أَو إغمائه أَو نَحْو ذَلِك مِمَّا مر فِيهَا
القَوْل فِي ادِّعَاء الْوَدِيع تلف الْوَدِيعَة خَاتِمَة لَو ادّعى الْوَدِيع تلف الْوَدِيعَة وَلم يذكر لَهُ سَببا أَو ذكر لَهُ سَببا خفِيا كسرقة صدق فِي ذَلِك بِيَمِينِهِ
قَالَ ابْن الْمُنْذر
بِالْإِجْمَاع وَلَا يلْزمه بَيَان السَّبَب فِي الأولى نعم يلْزمه أَن يحلف لَهُ أَنَّهَا تلفت بِغَيْر تَفْرِيط وَإِن ذكر سَببا ظَاهرا كحريق فَإِن عرف الْحَرِيق وعمومه وَلم يحْتَمل سَلامَة الْوَدِيعَة كَمَا قَالَه ابْن الْمقري صدق بِلَا يَمِين لِأَن ظَاهر الْحَال يُغْنِيه عَن الْيَمين أما إِذا احْتمل سلامتها بِأَن عَم ظَاهرا لَا يَقِينا فَيحلف لاحْتِمَال سلامتها فَإِن عرف الْحَرِيق دون عُمُومه صدق بِيَمِينِهِ لاحْتِمَال مَا ادَّعَاهُ وَإِن جهل مَا ادَّعَاهُ من الظَّاهِر طُولِبَ بِبَيِّنَة عَلَيْهِ ثمَّ يحلف على التّلف لاحْتِمَال أَنَّهَا لم تتْلف بِهِ وَلَا يُكَلف الْبَيِّنَة على التّلف بِهِ لِأَنَّهُ مِمَّا يخفي
وَلَو أودعهُ ورقة مَكْتُوبًا فِيهَا الْحق الْمقر بِهِ كمائة دِينَار وَتَلفت بتقصيره ضمن قيمتهَا مَكْتُوبَة وَأُجْرَة الْكِتَابَة كَمَا قَالَه الشَّيْخَانِ بِخِلَاف مَا لَو أتلف ثوبا مطرزا فَإِنَّهُ يلْزمه قِيمَته وَلَا يلْزمه أُجْرَة التطريز لِأَن التطريز يزِيد قيمَة الثَّوْب غَالِبا وَلَا كَذَلِك الْكِتَابَة فَإِنَّهَا قد تنقصها
وَالله تَعَالَى أعلم
= كتاب بَيَان أَحْكَام الْفَرَائِض والوصايا = الْفَرَائِض جمع فَرِيضَة بِمَعْنى مَفْرُوضَة أَي مقدرَة لما فِيهَا من السِّهَام الْمقدرَة فَغلبَتْ على غَيرهَا
وَالْفَرْض لُغَة التَّقْدِير قَالَ الله تَعَالَى {فَنصف مَا فرضتم} أَي قدرتم
وَشرعا نصيب مُقَدّر شرعا لوَارث وَالْأَصْل فِيهِ قبل الْإِجْمَاع آيَات الْمَوَارِيث وَالْأَخْبَار كَخَبَر الصَّحِيحَيْنِ
ألْحقُوا الْفَرَائِض بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِي فَلأولى رجل ذكر فَإِن قيل مَا فَائِدَة ذكر ذكر بعد رجل أُجِيب بِأَنَّهُ للتَّأْكِيد لِئَلَّا يتَوَهَّم أَنه مُقَابل الصَّبِي بل المُرَاد أَنه مُقَابل الْأُنْثَى
فَإِن قيل لَو اقْتصر على ذكر ذكر كفتى فَمَا فَائِدَة ذكر رجل مَعَه أُجِيب بِأَن لَا يتَوَهَّم أَنه عَام مَخْصُوص
القَوْل فِي مِيرَاث الْجَاهِلِيَّة وَكَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة مَوَارِيث يورثون الرِّجَال دون النِّسَاء والكبار دون الصغار وَكَانَ فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام بِالْحلف والنصر ثمَّ نسخ فتوارثوا بِالْإِسْلَامِ وَالْهجْرَة ثمَّ نسخ فَكَانَت الْوَصِيَّة وَاجِبَة للْوَالِدين والأقربين ثمَّ نسخ بآيتي الْمَوَارِيث فَلَمَّا نزلتا قَالَ صلى الله عليه وسلم إِن الله أعْطى كل ذِي حق حَقه أَلا لَا وَصِيَّة لوَارث
القَوْل فِي الْحَث على تعلم الْفَرَائِض واشتهرت الْأَخْبَار بالحث على تعليمها وتعلمها مِنْهَا تعلمُوا الْفَرَائِض وعلموه أَي علم الْفَرَائِض النَّاس فَإِنِّي امْرُؤ مَقْبُوض وَإِن هَذَا الْعلم سيقبض وَتظهر الْفِتَن حَتَّى يخْتَلف اثْنَان فِي الْفَرِيضَة فَلَا يجدان من يقْضِي فِيهَا
وَمِنْهَا تعلمُوا الْفَرَائِض فَإِنَّهُ من دينكُمْ وَإنَّهُ نصف الْعلم وَإنَّهُ أول علم ينْزع من أمتِي
وَإِنَّمَا سمي نصف الْعلم لِأَن للْإنْسَان حالتين حَالَة حَيَاة وَحَالَة موت وَلكُل مِنْهُمَا أَحْكَام تخصه
وَقيل النّصْف بِمَعْنى الصِّنْف قَالَ الشَّاعِر
إِذا مت كَانَ النَّاس نِصْفَانِ شامت وَآخر مثن بِالَّذِي كنت أصنع وَاعْلَم أَن الْإِرْث يتَوَقَّف على ثَلَاثَة أُمُور وجود أَسبَابه وَوُجُود شُرُوطه وَانْتِفَاء موانعه
القَوْل فِي أَسبَاب الْإِرْث فَأَما الْأَسْبَاب فَأَرْبَعَة قرَابَة وَنِكَاح وَوَلَاء وجهة الْإِسْلَام
وشروطه أَيْضا أَرْبَعَة تحقق موت الْمُورث أَو إِلْحَاقه بالموتى حكما كَمَا فِي حكم القَاضِي بِمَوْت الْمَفْقُود اجْتِهَادًا أَو تحقق حَيَاة الْوَارِث بعد موت مُوَرِثه وَلَو بلحظة وَمَعْرِفَة إدلائه للْمَيت بِقرَابَة أَو نِكَاح أَو وَلَاء والجهة الْمُقْتَضِيَة للإرث تَفْصِيلًا
القَوْل فِي مَوَانِع الْإِرْث والموانع أَيْضا أَرْبَعَة كَمَا قَالَه ابْن الهائم فِي شرح كِفَايَته الرّقّ وَالْقَتْل وَاخْتِلَاف الدّين والدور الْحكمِي
وَهُوَ أَن يلْزم من تَوْرِيث شخص عدم توريثه كأخ أقرّ بِابْن للْمَيت فَيثبت نسب الابْن وَلَا يَرث
القَوْل فِي الوارثون من الرِّجَال (والوارثون من) جنس (الرِّجَال) ليدْخل فِيهِ الصَّغِير (عشرَة) بطرِيق الِاخْتِصَار مِنْهُم اثْنَان من أَسْفَل النّسَب وهما (الابْن وَابْن الابْن وَإِن سفل) بِفَتْح الْفَاء على الْأَفْصَح أَي نزل
وَاثْنَانِ من أَعْلَاهُ (و) هما (الْأَب وَالْجد) أَبُو الْأَب (وَإِن علا) وَأَرْبَعَة من الْحَوَاشِي (و) هم (الْأَخ) لِأَبَوَيْنِ أَو من أَحدهمَا (وَابْنه) أَي ابْن الْأَخ لِلْأَبَوَيْنِ أَو لأَب فَقَط ليخرج ابْن الْأَخ للْأُم فَلَا يَرث لِأَنَّهُ من ذَوي الْأَرْحَام (وَإِن تراخيا) أَي وَإِن سفل الْأَخ الْمَذْكُور وَابْنه (وَالْعم) لِأَبَوَيْنِ أَو لأَب فَقَط ليخرج الْعم للْأُم فَلَا يَرث لِأَنَّهُ من ذَوي الْأَرْحَام (وَابْنه) أَي الْعم الْمَذْكُور (وَإِن تباعدا) أَي الْعم الْمَذْكُور وَابْنه
وَالْمعْنَى أَنه لَا فرق فِي الْعم بَين الْقَرِيب كعم الْمَيِّت والبعيد كعم أَبِيه وَعم جده إِلَى حَيْثُ يَنْتَهِي وَكَذَلِكَ ابْنه وَاثْنَانِ بِغَيْر النّسَب (و) هما (الزَّوْج) وَلَو فِي عدَّة رَجْعِيَّة (وَالْمولى) وَيُطلق على نَحْو عشْرين معنى المُرَاد مِنْهَا هُنَا السَّيِّد (الْمُعْتق) بِكَسْر التَّاء وَالْمرَاد بِهِ من صدر مِنْهُ الْإِعْتَاق أَو ورث بِهِ فَلَا يرد على الْحصْر فِي الْعشْرَة عصبَة الْمُعْتق ومعتق الْمُعْتق
وَطَرِيق الْبسط هُنَا يُقَال الوارثون من الذُّكُور خَمْسَة عشر الْأَب وَأَبوهُ وَإِن علا وَالِابْن وَابْنه وَإِن سفل وَالْأَخ الشَّقِيق وَالْأَخ للْأَب وَالْأَخ للْأُم وَابْن الْأَخ الشَّقِيق وَابْن الْأَخ للْأَب وَالْعم لِأَبَوَيْنِ وَالْعم لأَب وَابْن الْعم لِأَبَوَيْنِ وَابْن الْعم لأَب وَالزَّوْج وَالْمُعتق
القَوْل فِي الوارثات من النِّسَاء (والوارثات من) جنس (النِّسَاء) ليدْخل فِيهِنَّ الصَّغِيرَة (سبع) بِتَقْدِيم السِّين على الْمُوَحدَة بطرِيق الِاخْتِصَار مِنْهُنَّ اثْنَتَانِ من أَسْفَل النّسَب وهما (الْبِنْت وَبنت الابْن) وَفِي بعض النّسخ (وَإِن سفلت) وَهُوَ فِي بعض نسخ الْمُحَرر أَيْضا وَصَوَابه وَإِن سفل بِحَذْف الْمُثَنَّاة إِذْ الْفَاعِل ضمير يعود على الْمُضَاف إِلَيْهِ أَي وَإِن سفل الابْن فَإِن بنته تَرث وَإِثْبَات الْمُثَنَّاة يُؤَدِّي إِلَى دُخُول بنت بنت الابْن فِي الْإِرْث وَهُوَ خطأ فَتَأَمّله وثنتان من أَعلَى النّسَب (و) هما (الْأُم وَالْجدّة) المدلية بوارث كَأُمّ الْأَب وَأم الْأُم (وَإِن علت) فَخرج بالمدلية بوارث أم أبي الْأُم فَلَا تَرث
وَوَاحِدَة من الْحَوَاشِي (و) هِيَ (الْأُخْت) لِأَبَوَيْنِ أَو من أَحدهمَا
وثنتان بِغَيْر النّسَب (و) هما (الزَّوْجَة) وَلَو فِي عدَّة رَجْعِيَّة (و) السيدة (الْمُعتقَة) بِكَسْر الْمُثَنَّاة وَهِي من صدر مِنْهَا الْعتْق أَو ورثت بِهِ كَمَا مر
تَنْبِيه الْأَفْصَح أَن يُقَال فِي الْمَرْأَة زوج وَالزَّوْجَة لُغَة مرجوحة قَالَ النَّوَوِيّ واستعمالها فِي بَاب الْفَرَائِض مُتَعَيّن ليحصل الْفرق بَين الزَّوْجَيْنِ انْتهى
وَالشَّافِعِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يسْتَعْمل فِي عِبَارَته الْمَرْأَة وَهُوَ حسن
وَطَرِيق الْبسط هُنَا أَن يُقَال والوارثات من النِّسَاء عشرَة الْأُم وَالْجدّة للْأَب وَالْجدّة للْأُم وَإِن علتا وَالْبِنْت وَبنت الابْن وَإِن سفل وَالْأُخْت الشَّقِيقَة وَالْأُخْت للْأَب وَالْأُخْت للْأُم وَالزَّوْجَة والمعتقة
القَوْل فِي اجْتِمَاع الذُّكُور فَلَو اجْتمع كل الذُّكُور فَقَط وَلَا يكون إِلَّا وَالْمَيِّت أُنْثَى ورث مِنْهُم ثَلَاثَة الْأَب وَالِابْن وَالزَّوْج فَقَط لأَنهم لَا يحجبون وَمن بَقِي مَحْجُوب بِالْإِجْمَاع فَابْن الابْن وَالْجد بِالْأَبِ وَتَصِح مسألتهم من اثْنَي عشر لِأَن فِيهَا
ربعا وسدسا وَللزَّوْج الرّبع وَللْأَب السُّدس وللابن الْبَاقِي
القَوْل فِي اجْتِمَاع الْإِنَاث أَو اجْتمع كل الْإِنَاث فَقَط وَلَا يكون إِلَّا وَالْمَيِّت ذكر فالوارثات مِنْهُنَّ خمس وَهن الْبِنْت وَبنت الابْن وَالأُم وَالْأُخْت لِأَبَوَيْنِ وَالزَّوْجَة وَالْبَاقِي من الْإِنَاث مَحْجُوب الْجدّة بِالْأُمِّ وَالْأُخْت للْأُم بالبنت وكل من الْأُخْت للْأَب والمعتقة بالشقيقة لكَونهَا مَعَ الْبِنْت وَبنت الابْن عصبَة تَأْخُذ الْفَاضِل عَن الْفُرُوض وَتَصِح مسألتهن من أَرْبَعَة وَعشْرين لِأَن فِيهَا سدسا وَثمنا للْأُم السُّدس وللزوجة الثّمن وللبنت النّصْف ولبنت الابْن السُّدس وَللْأُخْت الْبَاقِي وَهُوَ سهم
القَوْل فِي اجْتِمَاع الْمُمكن من الصِّنْفَيْنِ أَو اجْتمع الَّذين يُمكن اجْتِمَاعهم من الصِّنْفَيْنِ الذُّكُور وَالْإِنَاث بِأَن اجْتمع كل الذُّكُور وكل الْإِنَاث إِلَّا الزَّوْجَة فَإِنَّهَا الْميتَة أَو كل الْإِنَاث وكل الذُّكُور إِلَّا الزَّوْج فَإِنَّهُ الْمَيِّت ورث مِنْهُم فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الابْن والأبوان وَالْبِنْت وَأحد الزَّوْجَيْنِ وَهُوَ الزَّوْج حَيْثُ الْمَيِّت الزَّوْجَة وَهِي حَيْثُ الْمَيِّت الزَّوْج لحجبهم من عداهم فَالْأولى من اثْنَي عشر لِلْأَبَوَيْنِ السدسان أَرْبَعَة وَللزَّوْج الرّبع ثَلَاثَة وَالْبَاقِي وَهُوَ خَمْسَة بَين الابْن وَالْبِنْت أَثلَاثًا وَلَا ثلث لَهُ صَحِيح فَتضْرب ثَلَاثَة فِي اثْنَي عشر تبلغ سِتَّة وَثَلَاثِينَ وَمِنْهَا تصح
وَالثَّانيَِة أَصْلهَا أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ للزَّوْجَة الثّمن وللأبوين السدسان وَالْبَاقِي وَهُوَ ثَلَاثَة عشر بَين الابْن وَالْبِنْت أَثلَاثًا وَلَا ثلث لَهُ صَحِيح فَتضْرب ثَلَاثَة فِي أَرْبَعَة وَعشْرين تبلغ اثْنَيْنِ وَسبعين وَمِنْهَا تصح
ضَابِط كل من انْفَرد من الذُّكُور حَاز جَمِيع التَّرِكَة إِلَّا الزَّوْج وَالْأَخ للْأُم وَمن قَالَ بِالرَّدِّ لَا يسْتَثْنى إِلَّا الزَّوْج
وكل من انْفَرد من الْإِنَاث لَا يحوز جَمِيع المَال إِلَّا المعتقه وَمن قَالَ بِالرَّدِّ لَا يسْتَثْنى من حوز جَمِيع المَال إِلَّا الزَّوْجَة
القَوْل فِي مِيرَاث ذَوي الْأَرْحَام تَنْبِيه قد علم من كَلَام المُصَنّف كَغَيْرِهِ أَن ذَوي الْأَرْحَام لَا يَرِثُونَ وهم كل قريب لَيْسَ بِذِي فرض وَلَا عصبَة وهم أحد عشر صنفا جد وَجدّة ساقطان كَأبي أم وَأم أبي أم وَإِن علتا وَهَذَانِ صنف وَاحِد وَأَوْلَاد بَنَات لصلب أَو لِابْنِ من ذُكُور وإناث وَبَنَات إخْوَة لِأَبَوَيْنِ أَو لأَب أَو لأم وَأَوْلَاده أَخَوَات كَذَلِك وَبَنُو إخْوَة لأم وَعم لأم أَي أَخُو الْأَب لأمه وَبَنَات أعمام لِأَبَوَيْنِ أَو لأَب أَو لأم وعمات بِالرَّفْع وأخوال وخالات ومدلون بهم أَي بِمَا عدا الأول إِذْ لم يبْق فِي الأول من يُدْلِي بِهِ
وَمحل هَذَا إِذا استقام أَمر بَيت المَال فَإِذا لم يستقم أَمر بَيت المَال وَلم يكن عصبَة وَلَا ذُو فرض مُسْتَغْرق ورث ذَوُو الْأَرْحَام كَمَا صَححهُ فِي الزَّوَائِد
وَفِي كَيْفيَّة توريثهم مذهبان أَحدهمَا وَهُوَ الْأَصَح مَذْهَب أهل التَّنْزِيل وَهُوَ أَن ينزل كل مِنْهُم منزلَة من يُدْلِي بِهِ وَالثَّانِي مَذْهَب أهل الْقَرَابَة وَهُوَ تَقْدِيم الْأَقْرَب مِنْهُم إِلَى الْمَيِّت
فَفِي بنت بنت وَبنت بنت ابْن المَال على الأول بَينهمَا أَربَاعًا وعَلى الثَّانِي لبِنْت الْبِنْت لقربها إِلَى الْمَيِّت
وَقد بسطت الْكَلَام على ذَلِك فِي غير هَذَا الْكتاب هَذَا كُله إِذا وجد أحد من ذَوي الْأَرْحَام وَإِلَّا فَحكمه كَمَا قَالَه الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام أَنه إِذا جارت الْمُلُوك فِي مَال الْمصَالح فظفر بِهِ أحد يعرف المصارف أَخذه وَصَرفه فِيهَا كَمَا يصرفهُ الإِمَام الْعَادِل وَهُوَ مأجور على ذَلِك
قَالَ وَالظَّاهِر وُجُوبه
القَوْل فِي الْحجب بالشخص ثمَّ شرع فِيمَن يحجب وَمن لَا يحجب بقوله (وَمن) أَي وَالَّذِي (لَا يسْقط بِحَال) أَي الَّذِي لَا يحجب حجب حرمَان والحجب فِي اللُّغَة هُوَ الْمَنْع
وَشرعا منع من قَامَ بِهِ سَبَب الْإِرْث من الْإِرْث بِالْكُلِّيَّةِ أَو من أوفر حظيه
وَيُسمى الأول حجب حرمَان وَالثَّانِي حجب نُقْصَان فَالثَّانِي كحجب الْوَلَد الزَّوْج من النّصْف إِلَى الرّبع وَيُمكن دُخُوله على جَمِيع الْوَرَثَة وَالْأول قِسْمَانِ حجب بِالْوَصْفِ وَيُسمى منعا كَالْقَتْلِ وَالرّق وَسَيَأْتِي وَيُمكن دُخُوله على جَمِيع الْوَرَثَة أَيْضا
وحجب بالشخص أَو الِاسْتِغْرَاق وَهُوَ المُرَاد هُنَا كَمَا يُؤْخَذ من كَلَام المُصَنّف
وَمن لَا يسْقط بِحَال (خَمْسَة) وهم (الزَّوْجَانِ والأبوان وَولد الصلب) ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى وَهَذَا إِجْمَاع لِأَن كلا مِنْهُم يُدْلِي إِلَى الْمَيِّت بِنَفسِهِ بِنسَب أَو نِكَاح وَلَيْسَ فرعا لغيره وَالْأَصْل مقدم على الْفَرْع فَخرج بقولنَا وَلَيْسَ فرعا لغيره الْمُعْتق ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى فَإِنَّهُ وَإِن أدلى إِلَى الْمَيِّت بِنَفسِهِ يحجب لِأَنَّهُ فرع لغيره وَهُوَ النّسَب وَهَذَا أولى من قَول بَعضهم وَضَابِط من لَا يدْخل عَلَيْهِ الْحجب بالشخص حجب حرمَان كل من أدلى إِلَى الْمَيِّت بِنَفسِهِ إِلَّا الْمُعْتق والمعتقة
القَوْل فِي الْحجب بِالْوَصْفِ ثمَّ شرع فِي الْحجب بِالْوَصْفِ بقوله (وَمن) أَي الَّذِي (لَا يَرث بِحَال) أَي مُطلقًا سَبْعَة بل أَكثر كَمَا ستعرفه الأول
(العَبْد) قَالَ ابْن حزم وَهُوَ يَشْمَل الذّكر وَالْأُنْثَى
وَقَالَ فِي الْمُحكم العَبْد وَهُوَ الْمَمْلُوك ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى
(و) الثَّانِي الرَّقِيق (الْمُدبر و) الثَّالِث (أم الْوَلَد و) الرَّابِع الرَّقِيق (الْمكَاتب) لنقصهم بِالرّقِّ
وَكَانَ الأخصر للْمُصَنف أَن يَقُول أَرْبَعَة بدل سَبْعَة ويعبر عَن هَؤُلَاءِ بِالرّقِّ إِلَى آخر كَلَامه
تَنْبِيه إِطْلَاقه مشْعر بِأَنَّهُ لَا فرق بَين كَامِل الرّقّ وَغَيره وَهُوَ كَذَلِك إِذْ الصَّحِيح أَن الْمبعض لَا يَرث بِقدر مَا فِيهِ من الْحُرِّيَّة لِأَنَّهُ نَاقص بِالرّقِّ فِي النِّكَاح وَالطَّلَاق وَالْولَايَة فَلم يَرث كالقن وَلَا يُورث الرَّقِيق كُله وَأما الْمبعض فيورث عَنهُ مَا ملكه بِبَعْضِه الْحر لِأَنَّهُ تَامّ الْملك عَلَيْهِ فيرثه عَنهُ قَرِيبه الْحر أَو مُعتق بعضه وَزَوجته وَلَا شَيْء لسَيِّده لاستيفائه حَقه مِمَّا اكْتَسبهُ بالرقية
وَاسْتثنى من كَون الرَّقِيق لَا يُورث كَافِر لَهُ أَمَان وَجَبت لَهُ جِنَايَة حَال حُرِّيَّته وأمانه ثمَّ نقض الْأمان فسبي واسترق وَحصل الْمَوْت بِالسّرَايَةِ فِي حَال رقّه فَإِن قدر الْأَرْش من قِيمَته لوَرثَته على الْأَصَح قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَلَيْسَ لنا رَقِيق كُله يُورث إِلَّا هَذَا
(و) الْخَامِس (الْقَاتِل) فَلَا يَرث الْقَاتِل من مقتوله مُطلقًا لخَبر التِّرْمِذِيّ وَغَيره لَيْسَ للْقَاتِل شَيْء أَي من الْمِيرَاث وَلِأَنَّهُ لَو ورث لم يُؤمن أذ يستعجل بِالْقَتْلِ فاقتضت الْمصلحَة حرمانه وَلِأَن الْقَتْل قطع الْمُوَالَاة وَهِي سَبَب الْإِرْث
وَسَوَاء أَكَانَ الْقَتْل عمدا أم غَيره مَضْمُونا أم لَا بِمُبَاشَرَة أم لَا قصد مصْلحَته كضرب الْأَب أَو الزَّوْج أَو الْمعلم أم لَا مكْرها أم لَا فَكل ذَلِك تنَاوله إِطْلَاقه (و) السَّادِس (الْمُرْتَد) وَنَحْوه كيهودي تنصر فَلَا يَرث أحدا إِذْ لَيْسَ بَينه وَبَين أحد مُوالَاة فِي الدّين لِأَنَّهُ ترك دينا كَانَ يقر عَلَيْهِ وَلَا يقر على دينه الَّذِي انْتقل إِلَيْهِ وَظَاهر كَلَامهم أَنه لَا يَرث وَلَو عَاد بعده لِلْإِسْلَامِ بعد موت مُوَرِثه وَهُوَ كَذَلِك كَمَا حكى الْإِجْمَاع عَلَيْهِ الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ وَمَا وَقع لِابْنِ الرّفْعَة فِي الْمطلب من تَقْيِيده بِمَا إِذا مَاتَ مُرْتَدا وَأَنه إِذا أسلم تبين إِرْثه غلطه فِي ذَلِك صَاحبه السُّبْكِيّ فِي الابتهاج
وَقَالَ إِنَّه فِيهِ خارق للْإِجْمَاع
تَنْبِيه تنَاول إِطْلَاق المُصَنّف الْمُعْلن وَغَيره وَهُوَ كَذَلِك وكما لَا يَرث الْمُرْتَد لَا يُورث لما مر لَكِن لَو قطع شخص طرف مُسلم فَارْتَد الْمَقْطُوع وَمَات سرَايَة وَجب قَود الطّرف ويستوفيه من كَانَ وَارثه لَوْلَا الرِّدَّة وَمثله حد الْقَذْف
(و) السَّابِع (أهل ملتين) مختلفتين كملتي الْإِسْلَام وَالْكفْر فَلَا يَرث الْمُسلم الْكَافِر وَلَا الْكَافِر الْمُسلم لانْقِطَاع الْمُوَالَاة بَينهمَا
وانعقد الْإِجْمَاع على أَن الْكَافِر لَا يَرث الْمُسلم وَاخْتلفُوا فِي تَوْرِيث الْمُسلم مِنْهُ فالجمهور على الْمَنْع
فَإِن قيل يرد على مَا ذكر مَا لَو مَاتَ كَافِر عَن زَوْجَة كَافِرَة حَامِل ووقف الْمِيرَاث فَأسْلمت ثمَّ ولدت فَإِن الْوَلَد يَرث مِنْهُ مَعَ حكمنَا بِإِسْلَامِهِ بِإِسْلَام أمه
أُجِيب بِأَنَّهُ كَانَ مَحْكُومًا بِكُفْرِهِ يَوْم موت أَبِيه وَقد ورث مذ كَانَ حملا وَلِهَذَا قَالَ الكتاني من محققي الْمُتَأَخِّرين إِن لنا جمادا يملك وَهُوَ النُّطْفَة وَاسْتَحْسنهُ السُّبْكِيّ
قَالَ الدَّمِيرِيّ وَفِيه نظر إِذْ الجماد مَا لَيْسَ بحيوان وَلَا كَانَ حَيَوَانا
يَعْنِي وَلَا أصل حَيَوَان
وَخرج بملتي الْإِسْلَام وَالْكفْر ملتا الْكفْر إِذا كَانَ لَهما عهد فيتوارثان كيهودي من نَصْرَانِيّ وَنَصْرَانِي من مَجُوسِيّ ومجوسي من وَثني وَبِالْعَكْسِ لِأَن جَمِيع ملل الْكفْر فِي الْبطلَان كالملة الْوَاحِدَة قَالَ تَعَالَى {فَمَاذَا بعد الْحق إِلَّا الضلال}
فَإِن قيل كَيفَ يتَصَوَّر إِرْث الْيَهُودِيّ من النَّصْرَانِي وَعَكسه فَإِن الْأَصَح أَن من انْتقل من مِلَّة إِلَى مِلَّة لَا يقر أُجِيب بتصور ذَلِك فِي الْوَلَاء وَالنِّكَاح وَفِي النّسَب أَيْضا فِيمَا إِذا كَانَ أحد أَبَوَيْهِ يَهُودِيّا وَالْآخر نَصْرَانِيّا أما بِنِكَاح أَو وَطْء شُبْهَة فَإِنَّهُ يتَخَيَّر بعد بُلُوغه كَمَا قَالَه الرَّافِعِيّ قبيل نِكَاح الْمُشرك حَتَّى لَو كَانَ لَهُ ولدان وَاخْتَارَ أَحدهمَا الْيَهُودِيَّة وَالْآخر النَّصْرَانِيَّة جعل التَّوَارُث بَينهمَا بالأبوة والأمومة والأخوة مَعَ اخْتِلَاف الدّين
أما الْحَرْبِيّ وَغَيره كذمي ومعاهد فَلَا توارث بَين الْحَرْبِيّ وَغَيره لانْقِطَاع الْمُوَالَاة بَينهمَا
وَالثَّامِن إِيهَام وَقت الْمَوْت فَلَو مَاتَ متوارثان بغرق أَو حرق أَو هدم أَو فِي بِلَاد غربَة مَعًا أَو جهل أسبقهما أَو علم سبق وَجَهل لم يَرث أَحدهمَا من الآخر شَيْئا لِأَن من شَرط الْإِرْث كَمَا مر تَحْقِيق حَيَاة الْوَارِث بعد موت الْمُورث وَهُوَ هُنَا مُنْتَفٍ
وَالْجهل بِالسَّبقِ صَادِق بِأَن يعلم أصل السَّبق وَلَا يعلم عين السَّابِق وَبِأَن لَا يعلم بسبق أصلا
وصور الْمَسْأَلَة خمس الْعلم بالمعية الْعلم بِالسَّبقِ وَعين السَّابِق الْجَهْل بالمعية والسبق الْجَهْل بِعَين السَّابِق مَعَ الْعلم بِالسَّبقِ التباس السَّابِق بعد معرفَة عينه فَفِي الصُّورَة الْأَخِيرَة يُوقف الْمِيرَاث إِلَى الْبَيَان أَو الصُّلْح وَفِي الصُّورَة الثَّانِيَة تقسم التَّرِكَة وَفِي الثَّلَاثَة الْبَاقِيَة تَرِكَة كل من الميتين بغرق وَنَحْوه لباقي ورثته لِأَن الله تَعَالَى إِنَّمَا ورث الْأَحْيَاء من الْأَمْوَات وَهنا لم تعلم حَيَاته عِنْد موت صَاحبه فَلم يَرث كالجنين إِذا خرج مَيتا
وَالتَّاسِع الدّور الْحكمِي وَقد مر مِثَاله
والعاشر اللّعان فَإِنَّهُ يقطع التَّوَارُث ذكره الْغَزالِيّ
القَوْل فِي مَوَانِع الْمِيرَاث الْحَقِيقِيَّة وَقَالَ ابْن الهائم فِي شرح كِفَايَته الْمَوَانِع الْحَقِيقِيَّة أَرْبَعَة الْقَتْل وَالرّق وَاخْتِلَاف الدّين والدور الْحكمِي وَمَا زَاد عَلَيْهَا فتسميته مَانِعا مجَاز
وَقَالَ فِي غَيره إِنَّهَا سِتَّة الْأَرْبَعَة الْمَذْكُورَة وَالرِّدَّة وَاخْتِلَاف الْعَهْد وَإِن مَا زَاد عَلَيْهَا مجَاز وَانْتِفَاء الْإِرْث مَعَه لَا لِأَنَّهُ مَانع بل لانْتِفَاء الشَّرْط كَمَا فِي جهل التَّارِيخ وَهَذَا أوجه وعد بَعضهم من الْمَوَانِع النُّبُوَّة لخَبر الصَّحِيحَيْنِ نَحن معاشر الْأَنْبِيَاء لَا نورث مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة وَالْحكمَة فِيهِ أَن لَا يتَمَنَّى أحد من الْوَرَثَة مَوْتهمْ لذَلِك فَيهْلك وَأَن لَا يظنّ بهم الرَّغْبَة فِي الدُّنْيَا وَأَن يكون مَالهم صَدَقَة بعد وفاتهم توفيرا لأجورهم
وَقد علم مِمَّا تقرر أَن النَّاس فِي الْإِرْث على أَرْبَعَة أَقسَام مِنْهُم من يَرث وَيُورث وَعَكسه فيهمَا
وَمِنْهُم من يُورث وَلَا يَرث وَعَكسه
فَالْأولى كزوجين وأخوين وَالثَّانِي كرقيق ومرتد وَالثَّالِث كمبعض وجنين فِي غرته فَقَط فَإِنَّهَا تورث عَنهُ لَا غَيرهَا
وَالرَّابِع الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام فَإِنَّهُم يَرِثُونَ وَلَا يورثون
القَوْل فِي الْعَصَبَات (وَأقرب الْعَصَبَات) من النّسَب الْعصبَة بِنَفسِهِ وهم (الابْن) لِأَنَّهُ يُدْلِي إِلَى الْمَيِّت بِنَفسِهِ (ثمَّ ابْنه) وَإِن سفل لِأَنَّهُ يقوم مقَام أَبِيه فِي الْإِرْث فَكَذَا فِي التَّعْصِيب (ثمَّ الْأَب) لإدلاء سَائِر الْعَصَبَات بِهِ (ثمَّ أَبوهُ) وَإِن علا (ثمَّ الْأَخ للْأَب وَالأُم) أَي الشَّقِيق وَلَو
عبر بِهِ كَانَ أخصر (ثمَّ الْأَخ للْأَب) لِأَن كلا مِنْهُمَا ابْن الْأَب يُدْلِي بِنَفسِهِ (ثمَّ ابْن الْأَخ للْأَب وَالأُم) أَي الشَّقِيق (ثمَّ ابْن الْأَخ للْأَب) لِأَن كلا مِنْهُمَا يُدْلِي بِنَفسِهِ كأبيه (ثمَّ الْعم على هَذَا التَّرْتِيب) أَي فَيقدم الْعم الشَّقِيق على الْعم للْأَب لِأَن كلا مِنْهُمَا ابْن الْجد ويدلي للْمَيت بِنَفسِهِ
(ثمَّ ابْنه) أَي الْعم على تَرْتِيب أَبِيه فَيقدم ابْن الْعم الشَّقِيق على ابْن الْعم للْأَب ثمَّ عَم الْأَب من الْأَبَوَيْنِ ثمَّ من الْأَب ثمَّ بنوهما كَذَلِك ثمَّ عَم الْجد من الْأَبَوَيْنِ ثمَّ من الْأَب ثمَّ بنوهما كَذَلِك إِلَى حَيْثُ يَنْتَهِي قَالَه فِي الرَّوْضَة وَتَركه المُصَنّف اختصارا (فَإِذا عدمت الْعَصَبَات) من النّسَب الَّذين يتعصبون بِأَنْفسِهِم (فالمولى الْمُعْتق) والعصبات جمع عصبَة وَيُسمى بِهِ الْوَاحِد وَالْجمع والمذكر والمؤنث قَالَه المطرزي وَتَبعهُ النَّوَوِيّ وَأنكر ابْن الصّلاح إِطْلَاقه على الْوَاحِد لِأَنَّهُ جمع عاصب وَمعنى الْعصبَة لُغَة قرَابَة الرجل لِأَبِيهِ
وَشرعا من لَيْسَ لَهُم سهم مُقَدّر من الْوَرَثَة فيرث التَّرِكَة إِذا انْفَرد أَو مَا فضل بعد الْفُرُوض فقولنا يَرث التَّرِكَة صَادِق بالعصبة بِنَفسِهِ وَهُوَ مَا تقدم وبنفسه وَغَيره مَعًا
والعصبة بِغَيْرِهِ من الْبَنَات وَالْأَخَوَات غير ولد الْأُم مَعَ أخيهن
وَقَوْلنَا أَو مَا فضل إِلَى آخِره صَادِق بذلك وبالعصبة مَعَ غَيره وَهن الْأَخَوَات مَعَ الْبَنَات وَبَنَات الابْن فَلَيْسَ لَهُنَّ حَال يستغرقن فِيهِ التَّرِكَة
وَالْمُعتق يَشْمَل الذّكر وَالْأُنْثَى لإِطْلَاق قَوْله صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا الْوَلَاء لمن أعتق وَلِأَن الإنعام بِالْإِعْتَاقِ مَوْجُود من الرجل وَالْمَرْأَة فاستويا فِي الْإِرْث
وَحكى ابْن الْمُنْذر فِيهِ الْإِجْمَاع وَإِنَّمَا قدم النّسَب عَلَيْهِ لقُوته ويرشد إِلَيْهِ الْوَلَاء لحْمَة كلحمة النّسَب شبه بِهِ والمشبه دون الْمُشبه بِهِ (ثمَّ عصبته) أَي الْمُعْتق بِنسَب المتعصبون بِأَنْفسِهِم كابنه وأخيه لَا كبنته وَأُخْته وَلَو مَعَ أخويهما المعصبين لَهما لِأَنَّهُمَا من أَصْحَاب الْفُرُوض وَلَا للْعصبَةِ مَعَ غَيره وَالْمعْنَى فِيهِ أَن الْوَلَاء أَضْعَف من النّسَب المتراخي وَإِذا ترَاخى النّسَب ورث الذُّكُور دون الْإِنَاث كبني الْأَخ وَبني الْعم دون أخواتهم فَإِذا لم تَرث بنت الْأَخ وَبنت الْعم فبنت الْمُعْتق أولى أَن لَا تَرث لِأَنَّهَا أبعد مِنْهُمَا وَالْمُعْتَبر أقرب عصباته يَوْم موت الْعَتِيق فَلَو مَاتَ الْمُعْتق وَخلف ابْنَيْنِ ثمَّ مَاتَ أَحدهمَا وَخلف ابْنا ثمَّ مَاتَ الْعَتِيق فولاؤه لِابْنِ الْمُعْتق دون ابْن ابْنه
تَنْبِيه كَلَام المُصَنّف كَالصَّرِيحِ فِي أَن الْوَلَاء لَا يثبت للْعصبَةِ فِي حَيَاة الْمُعْتق بل إِنَّمَا يثبت بعده وَلَيْسَ بِمُرَاد بل الْوَلَاء ثَابت لَهُم فِي حَيَاة الْمُعْتق على الْمَذْهَب الْمَنْصُوص فِي الْأُم إِذْ لَو لم يثبت لَهُم الْوَلَاء إِلَّا بعد مَوته لم يرثوا
وَقَالَ السُّبْكِيّ يتلخص للأصحاب فِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا أَنه لَهُم مَعَه لَكِن هُوَ الْمُقدم عَلَيْهِم فِيمَا يُمكن جعله لَهُ كإرث المَال وَنَحْوه اه
وترتيبهم هُنَا
كالترتيب الْمُتَقَدّم فِي النّسَب إِلَّا فِي مسَائِل مِنْهَا إِذا اجْتمع الْجد وَالْأَخ الشَّقِيق أَو لأَب قدم الْأَخ هُنَا فِي الْوَلَاء على الْأَظْهر بِخِلَافِهِ فِي النّسَب فَلَو اجْتمعَا مَعَه فَلَا يقدم أَوْلَاد الْأَب على الْجد على الْأَصَح بل يقتسم الْجد مَعَ الشَّقِيق فَقَط
وَمِنْهَا مَا إِذا كَانَ مَعَ الْجد ابْن الْأَخ فَالْأَظْهر تَقْدِيم ابْن الْأَخ فِي الْوَلَاء لقُوَّة الْبُنُوَّة
وَمِنْهَا إِذا كَانَ للْمُعْتق ابْنا عَم أَحدهمَا أَخ لأم فَالْمَذْهَب تَقْدِيمه
وَسكت المُصَنّف عَمَّا إِذا لم يكن للْمُعْتق عصبَة وَحكمه أَن التَّرِكَة لمعتق الْمُعْتق ثمَّ لعصبته على التَّرْتِيب الْمُعْتَبر فِي عصبات الْمُعْتق ثمَّ لمعتق مُعتق الْمُعْتق وَهَكَذَا كَمَا فِي الرَّوْضَة فَإِن فقدوا فمعتق الْأَب ثمَّ عصبته ثمَّ مُعتق الْجد ثمَّ عصبته وَهَكَذَا فَإِن لم يكن وَارِث انْتقل المَال لبيت المَال إِرْثا للْمُسلمين إِذا انتظم أَمر بَيت المَال أما إِذا لم يَنْتَظِم لكَون الإِمَام غير عَادل فَإِنَّهُ يرد على أهل الْفُرُوض غير الزَّوْجَيْنِ لِأَن عِلّة الرَّد الْقَرَابَة وَهِي مفقودة فيهمَا
وَنقل ابْن سُرَيج فِيهِ الْإِجْمَاع هَذَا إِذا لم يَكُونَا من ذَوي الْأَرْحَام فَلَو كَانَ مَعَ الزَّوْجِيَّة رحم رد عَلَيْهَا كَبِنْت الْخَالَة وَبنت الْعم لَكِن الصّرْف إِلَيْهِم من جِهَة الرَّحِم لَا من جِهَة الزَّوْجِيَّة وَإِنَّمَا يرد مَا فضل عَن فروضهم بِالنِّسْبَةِ لسهام من يرد عَلَيْهِ طلبا للعدل فيهم فَفِي بنت وَأم يبْقى بعد إِخْرَاج فرضهما سَهْمَان من سِتَّة للْأُم ربعهما نصف سهم وللبنت ثَلَاثَة أرباعهما فَتَصِح الْمَسْأَلَة من اثْنَي عشر وَترجع بالاختصار إِلَى أَرْبَعَة للْبِنْت ثَلَاثَة وَللْأُمّ وَاحِد
وَذكرت أَشْيَاء من ذَلِك مِمَّا لَا يحْتَملهُ هَذَا الْمُخْتَصر فِي شرح التَّنْبِيه وَغَيره
القَوْل فِي الْإِرْث بِالْفَرْضِ وَبَيَان الْفُرُوض ثمَّ شرع فِي بَيَان الْفُرُوض وأصحابها وهم كل من لَهُ سهم مُقَدّر شرعا لَا يزِيد وَلَا ينقص وَقدر مَا يسْتَحقّهُ كل مِنْهُم بقوله (والفروض) جمع فرض بِمَعْنى نصيب أَي الْأَنْصِبَاء (الْمَذْكُورَة) أَي الْمقدرَة أَي المحصورة للْوَرَثَة بِأَن لَا يُزَاد عَلَيْهَا وَلَا ينقص عَنْهَا إِلَّا لعَارض كعول فينقص أَو رد فيزاد (فِي كتاب الله تَعَالَى) للْوَرَثَة وَخبر الْفُرُوض (سِتَّة) بعول وبدونه ويعبر عَنْهَا بعبارات أوضحها (النّصْف وَالرّبع وَالثمن وَالثُّلُثَانِ وَالثلث وَالسُّدُس) وأخصرها الرّبع وَالثلث والضعف كل وَنصفه وَإِن شِئْت قلت النّصْف وَنصفه وَنصف نصفه وَالثُّلُثَانِ ونصفهما وَنصف نصفهما وَإِن شِئْت قلت النّصْف وَنصفه وربعه والسدسان ونصفهما وربعهما
وَخرج بقوله فِي كتاب الله تَعَالَى السُّدس الَّذِي للجدة ولبنت الابْن إِلَّا أَن يُقَال السُّدس مَذْكُور فِي كتاب الله تَعَالَى لَا مَعَ كَون من يسْتَحقّهُ إِمَّا جدة أَو بنت ابْن والسبع وَالتسع فِي مسَائِل الْعَوْل إِلَّا أَن يُقَال الأول سدس عائل وَالثَّانِي ثمن عائل وَثلث مَا يبْقى فِي الغراوين كَزَوج وأبوين وَزَوْجَة وأبوين وَفِي مسَائِل الْجد حَيْثُ مَعَه ذُو فرض كَأُمّ وجد وَخَمْسَة إخْوَة فَإِنَّهُ من قبيل الِاجْتِهَاد
القَوْل فِي أَصْحَاب النّصْف (ف) الْفَرْض الأول (النّصْف) بَدَأَ المُصَنّف بِهِ كَغَيْرِهِ لكَونه أكبر كسر مُفْرد
قَالَ السُّبْكِيّ وَكنت أود أَن لَو بدأوا بالثلثين لِأَن الله تَعَالَى بَدَأَ بهما حَتَّى رَأَيْت أَبَا النَّجَاء وَالْحُسَيْن بن عبد الْوَاحِد الوني بدآ بهما فَأَعْجَبَنِي ذَلِك وَهُوَ (فرض خَمْسَة) أَحدهَا (الْبِنْت) إِذا انْفَرَدت عَن جنس الْبُنُوَّة وَالإِخْوَة لقَوْله تَعَالَى {وَإِن كَانَت وَاحِدَة فلهَا النّصْف}
(و) ثَانِيهَا (بنت الابْن) وَإِن سفل بِالْإِجْمَاع (إِذا انْفَرَدت) عَن تعصيب وتنقيص فَخرج بِالتَّعْصِيبِ مَا إِذا كَانَ مَعهَا أَخ فِي درجتها فَإِنَّهُ يعصبها وَيكون لَهَا نصف مَا حصل لَهُ وبالتنقيص مَا إِذا كَانَ مَعهَا بنت صلب فَإِن لَهَا مَعهَا السُّدس تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ
وَلَو عبر بالشقيقة لَكَانَ أخصر
(و) رَابِعهَا (الْأُخْت من الْأَب) إِذا انْفَرَدت عَن جنس الْبُنُوَّة وَالإِخْوَة لقَوْله تَعَالَى {وَله أُخْت فلهَا نصف مَا ترك} قَالَ ابْن الرّفْعَة وَأَجْمعُوا على أَن
(و) ثَالِثهَا (الْأُخْت من الْأَب وَالأُم) إِذا انْفَرَدت عَن جنس الْبُنُوَّة وَالإِخْوَة المُرَاد بهَا الْأُخْت الشَّقِيقَة وَالْأُخْت من الْأَب وَخرج بِقَيْد الِانْفِرَاد عَمَّن ذكر فِي الْأَرْبَعَة الزَّوْج فَإِن لكل وَاحِدَة مَعَ وجوده النّصْف أَيْضا
(و) خَامِسهَا (الزَّوْج إِذا لم يكن لَهَا) أَي لزوجته (ولد) مِنْهُ أَو من غَيره وَيصدق الْوَلَد بِالذكر وَالْأُنْثَى (وَلَا ولد ابْن) لَهَا وَإِن سفل مِنْهُ أَو من غَيره أما مَعَ عدم الْوَلَد فَلقَوْله تَعَالَى {وَلكم نصف مَا ترك أزواجكم إِن لم يكن لَهُنَّ ولد} وانعقد الْإِجْمَاع على أَن ولد الابْن كَوَلَد الصلب فِي حجب الزَّوْج من النّصْف إِلَى الرّبع إِمَّا لصدق اسْم الْوَلَد عَلَيْهِ مجَازًا وَإِمَّا قِيَاسا على الْإِرْث والتعصيب فَإِنَّهُ فيهمَا كَوَلَد الصلب إِجْمَاعًا
القَوْل فِي أَصْحَاب الرّبع (و) الْفَرْض الثَّانِي (الرّبع وَهُوَ فرض اثْنَيْنِ) فرض (الزَّوْج مَعَ الْوَلَد) لزوجته مِنْهُ أَو من غَيره (أَو) مَعَ (ولد الابْن) لَهَا وَإِن سفل مِنْهُ أَو من غَيره أما مَعَ الْوَلَد فَلقَوْله تَعَالَى {فَإِن كَانَ لَهُنَّ ولد فلكم الرّبع} وَأما مَعَ ولد الابْن فَلَمَّا مر
وَخرج بِقَيْد الابْن هُنَا وَفِيمَا قبله ولد الْبِنْت فَإِنَّهُ لَا يَرث وَلَا يحجب (وَهُوَ) أَي الرّبع (للزَّوْجَة) الْوَاحِدَة (و) لكل (الزَّوْجَات) بِالسَّوِيَّةِ (مَعَ عدم الْوَلَد) للزَّوْج (أَو) عدم (ولد الابْن) لَهُ وَإِن سفل أما مَعَ عدم الْوَلَد فَلقَوْله تَعَالَى {ولهن الرّبع مِمَّا تركْتُم إِن لم يكن لكم ولد} وَأما مَعَ عدم ولد الابْن فبالإجماع واستفيد من تَعْبِيره بالزوجات بعد الْوَاحِدَة أَن مَا فَوق الْوَاحِدَة إِلَى انْتِهَاء الْأَرْبَع فِي اسْتِحْقَاق الرّبع كالواحدة وَهُوَ إِجْمَاع كَمَا قَالَه ابْن الْمُنْذر
تَنْبِيه قد تَرث الْأُم الرّبع فرضا فِيمَا إِذا ترك زَوْجَة وأبوين فللزوجة الرّبع وَللْأُمّ ثلث مَا بَقِي وَاحِد وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة ربع وَلَكنهُمْ تأدبوا مَعَ لفظ الْقُرْآن الْعَظِيم
القَوْل فِي أَصْحَاب الثّمن (و) الْفَرْض الثَّالِث (الثّمن) وَهُوَ (فرض الزَّوْجَة) الْوَاحِدَة (و) كل (الزَّوْجَات) بالتسوية (مَعَ الْوَلَد) للزَّوْج مِنْهَا أَو من غَيرهَا (أَو) مَعَ (ولد الابْن) لَهُ وَإِن سفل أما مَعَ الْوَلَد فَلقَوْله تَعَالَى {فَإِن كَانَ لكم ولد فَلَهُنَّ الثّمن} وَأما مَعَ ولد الابْن فَلَمَّا تقدم
من الْإِجْمَاع وَالْقِيَاس على ولد الصلب وَيُسْتَفَاد من تَعْبِيره هُنَا بالزوجات بعد الْوَاحِدَة مَا اسْتُفِيدَ فِيمَا قبله
القَوْل فِي أَصْحَاب الثُّلثَيْنِ (و) الْفَرْض الرَّابِع (الثُّلُثَانِ) وَهُوَ قَوْله (فرض أَرْبَعَة البنتين) فَأكْثر أما فِي البنتين فبالإجماع الْمُسْتَند لما صَحَّ الْحَاكِم أَنه صلى الله عليه وسلم أعْطى بِنْتي سعد بن الرّبيع الثُّلثَيْنِ وَإِلَى الْقيَاس على الْأُخْتَيْنِ وَمِمَّا احْتج بِهِ أَيْضا أَن الله تَعَالَى قَالَ {للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ} وَهُوَ لَو كَانَ مَعَ وَاحِدَة كَانَ حظها الثُّلُث فَأولى وَأَحْرَى أَن يجب لَهَا ذَلِك مَعَ أُخْتهَا وَأما فِي الْأَكْثَر من ثِنْتَيْنِ فلعموم قَوْله تَعَالَى {فَإِن كن نسَاء فَوق اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثلثا مَا ترك} وَفرض (بَنَات الابْن) وَإِن سفل وَلَو عبر ببنتي الابْن فَأكْثر كَانَ أولى ليدْخل بِنْتا الابْن وَالْألف وَاللَّام فِي الابْن للْجِنْس حَتَّى لَو كن من أَبنَاء كَانَ الحكم كَذَلِك وَهَذَا إِذا لم يكن مَعَهُنَّ بنت صلب فَإِن كَانَ فَسَيَأْتِي حكمه
(و) فرض (الْأُخْتَيْنِ) فَأكْثر (من الْأَب وَالأُم) أما فِي الْأُخْتَيْنِ فَلقَوْله تَعَالَى {فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا ترك} وَأما فِي الْأَكْثَر فلعموم قَوْله تَعَالَى {فَإِن كن نسَاء فَوق اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثلثا مَا ترك} وفللآية الْكَرِيمَة الْمُتَقَدّمَة فَإِن المُرَاد بهما الصنفان كَمَا حكى ابْن الرّفْعَة فِيهِ الْإِجْمَاع وَأما فِي الْأَكْثَر فلعموم قَوْله تَعَالَى {فَإِن كن نسَاء فَوق}
فرض (الْأُخْتَيْنِ) فَأكْثر (من الْأَب) عِنْد فقد الشقيقتين أما فِي الْأُخْتَيْنِ اثْنَتَيْنِ كَمَا تقدم
تَنْبِيه ضَابِط من يَرث الثُّلثَيْنِ من تعدد من الْإِنَاث مِمَّن فَرْضه النّصْف عِنْد انفرادهن عَمَّن يعصبهن أَو يحجبهن
القَوْل فِي أَصْحَاب الثُّلُث (و) الْفَرْض الْخَامِس (الثُّلُث) وَهُوَ (فرض اثْنَيْنِ) فرض (الْأُم إِذا لم تحجب) حجب نُقْصَان بِأَن لم يكن لميتها ولد وَلَا ولد ابْن وَارِث وَلَا اثْنَان من الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات للْمَيت سَوَاء أكانوا أشقاء أم لَا ذُكُورا أم لَا محجوبين بغَيْرهَا كأخوين لأم من جد أم لَا لقَوْله تَعَالَى {فَإِن لم يكن لَهُ ولد وَورثه أَبَوَاهُ فلأمه الثُّلُث فَإِن كَانَ لَهُ إخْوَة فلأمه السُّدس} وَولد الابْن مُلْحق بِالْوَلَدِ وَالْمرَاد بالإخوة اثْنَان فَأكْثر إِجْمَاعًا قبل إِظْهَار ابْن عَبَّاس الْخلاف
وَيشْتَرط أَيْضا أَن لَا يكون مَعَ الْأُم أَب وَأحد الزَّوْجَيْنِ فَقَط فَإِن كَانَ مَعهَا ذَلِك ففرضها ثلث الْبَاقِي كَمَا مر
(وَهُوَ) أَي الثُّلُث (للاثنين فَصَاعِدا) بِالنّصب على الْحَال وناصبه وَاجِب الاضمار أَي ذَاهِبًا من فرض عدد الِاثْنَيْنِ إِلَى الصعُود على الِاثْنَيْنِ وَلَا يجوز فِيهِ غير النصب وَإِنَّمَا يسْتَعْمل بِالْفَاءِ وَثمّ لَا بِالْوَاو كَمَا فِي الْمُحكم أَي فزائدا (من الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات من الْأُم) يَسْتَوِي فِيهِ الذّكر وَغَيره لقَوْله تَعَالَى {وَإِن كَانَ رجل يُورث كَلَالَة أَو امْرَأَة وَله أَخ أَو أُخْت} الْآيَة
وَالْمرَاد أَوْلَاد الْأُم بِدَلِيل قِرَاءَة ابْن مَسْعُود وَغَيره وَله أَخ أَو أُخْت من أم وَهِي وَإِن لم تتواتر لَكِنَّهَا كالخبر فِي الْعَمَل على الصَّحِيح لِأَن مثل ذَلِك إِنَّمَا يكون توقيفا
وَإِنَّمَا سوى بَين الذّكر وَالْأُنْثَى لِأَنَّهُ لَا تعصيب فِيمَن أدلوا بِهِ بِخِلَاف الأشقاء ولأب فَإِن فيهم تعصيبا فَكَانَ للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ كالبنين وَالْبَنَات ذكره ابْن أبي هُرَيْرَة فِي تَعْلِيقه وَقد يفْرض الثُّلُث للْجدّ مَعَ الْإِخْوَة فِيمَا إِذا نقص عَنهُ بالمقاسمة كَمَا لَو كَانَ مَعَه ثَلَاثَة إخْوَة فَأكْثر وَبِهَذَا يكون فرض الثُّلُث لثَلَاثَة وَإِن لم يكن الثَّالِث فِي كتاب الله تَعَالَى كَمَا مر
القَوْل فِي أَصْحَاب السُّدس (و) الْفَرْض السَّادِس (السُّدس) وَهُوَ (فرض سَبْعَة) بِتَقْدِيم السِّين على الْمُوَحدَة (للْأُم مَعَ الْوَلَد) ذكرا كَانَ أَو غَيره لقَوْله تَعَالَى {ولأبويه لكل وَاحِد مِنْهُمَا السُّدس مِمَّا ترك إِن كَانَ لَهُ ولد} أَو مَعَ (ولد الابْن) وَإِن سفل للْإِجْمَاع على حجبها بِهِ من الثُّلُث إِلَى السُّدس وَلم يعتبروا مُخَالفَة مُجَاهِد فِي ذَلِك (أَو) مَعَ (اثْنَيْنِ فَصَاعِدا) أَي فَأكْثر (من الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات) لما مر فِي الْآيَتَيْنِ
تَنْبِيه قَوْله (اثْنَيْنِ) قد يَشْمَل مَا لَو ولدت امْرَأَة وَلدين ملتصقين لَهما رأسان وَأَرْبع أرجل وَأَرْبع أيد وفرجان وَلَهُمَا ابْن آخر ثمَّ مَاتَ هَذَا الابْن وَترك أمه وهذين فَيصْرف لَهَا السُّدس وَهُوَ كَذَلِك لِأَن حكمهمَا حكم الِاثْنَيْنِ فِي سَائِر الْأَحْكَام من قصاص ودية وَغَيرهمَا
وتعطى أَيْضا السُّدس مَعَ الشَّك فِي وجود أَخَوَيْنِ كَأَن وطىء اثْنَان امْرَأَة بِشُبْهَة وَأَتَتْ بِولد واشتبه الْحَال ثمَّ مَاتَ الْوَلَد قبل