الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للْقَاضِي أَن يعرض لَهُ بِالرُّجُوعِ عَمَّا أقرّ بِهِ
كَأَن يَقُول لَهُ فِي الزِّنَا لَعَلَّك فَأخذت أَو لمست أَو باشرت وَفِي السّرقَة لَعَلَّك أخذت من غير حرز
وَفِي الشّرْب لَعَلَّك لم تعلم أَن مَا شربته مُسكرا لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ لمن أقرّ عِنْده بِالسَّرقَةِ مَا إخالك سرقت قَالَ بلَى فَأَعَادَ عَلَيْهِ مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا فَأمر بِهِ فَقطع وَقَالَ لماعز لَعَلَّك قبلت أَو غمزت أَو نظرت رَوَاهُ البُخَارِيّ
وَلَا يَقُول لَهُ ارْجع عَنهُ لِأَنَّهُ يكون أمرا بِالْكَذِبِ
وَتثبت أَيْضا بِشَهَادَة رجلَيْنِ كَسَائِر الْعُقُوبَات غير الزِّنَا
فَلَو شهد رجل وَامْرَأَتَانِ ثَبت المَال وَلَا قطع
وَيشْتَرط ذكر الشَّاهِد شُرُوط السّرقَة الْمُوجبَة للْقطع كَمَا مر فِي الْإِقْرَار
وَيجب على السَّارِق رد مَا أَخذه إِن كَانَ بَاقِيا لخَبر أبي دَاوُد على الْيَد مَا أخذت حَتَّى تُؤَدِّيه فَإِن تلف ضمنه بِبَدَلِهِ جبرا لما فَاتَ
فصل فِي قَاطع الطَّرِيق
الأَصْل فِيهِ آيَة {إِنَّمَا جَزَاء الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله} وَقطع الطَّرِيق هُوَ البروز لأخذ مَال أَو لقتل أَو لإرعاب مُكَابَرَة واعتمادا على الْقُوَّة مَعَ الْبعد عَن الْغَوْث
وَيثبت برجلَيْن لَا بِرَجُل وَامْرَأَتَيْنِ
وقاطع الطَّرِيق مُلْزم للْأَحْكَام وَلَو سكرانا أَو ذِمِّيا مُخْتَار مخيف للطريق يُقَاوم من يبرز هوله بِأَن يُسَاوِيه أَو يغلبه بِحَيْثُ يبعد مَعَه غوث لبعد عَن الْعِمَارَة أَو ضعف فِي أَهلهَا
وَإِن كَانَ البارز وَاحِدًا أَو أُنْثَى أَو بِلَا سلَاح
وَخرج بالقيود الْمَذْكُورَة أضدادها فَلَيْسَ المتصف بهَا أَو بِشَيْء مِنْهَا من حَرْبِيّ وَلَو معاهدا وَصبي وَمَجْنُون ومكره ومختلس ومنتهب قَاطع طَرِيق
وَقد علم مِمَّا تقرر أَنه لَا يشْتَرط فِيهِ إِسْلَام وَإِن شَرطه فِي الْمِنْهَاج كَأَصْلِهِ وَلَو دخل جمع بِاللَّيْلِ دَارا وَمنعُوا أَهلهَا من الِاسْتِعَانَة مَعَ قُوَّة السُّلْطَان وحضوره فقطاع
(وقطاع الطَّرِيق على أَرْبَعَة أَقسَام) فَقَط لِأَن الْمَوْجُود مِنْهُم إِمَّا الِاقْتِصَار على الْقَتْل أَو الْجمع بَينه وَبَين أَخذ المَال أَو الِاقْتِصَار على أَخذ المَال أَو على الإخافة ورتبها المُصَنّف على هَذَا مبتدئا بِالْأولِ فَقَالَ (إِن قتلوا) مَعْصُوما مكافئا لَهُم عمدا
(وَلم يَأْخُذُوا المَال قتلوا) حتما لِلْآيَةِ السَّابِقَة
وَلِأَنَّهُم ضمُّوا إِلَى جنايتهم إخافة سَبِيل الْمُقْتَضِيَة زِيَادَة الْعقُوبَة
وَلَا زِيَادَة هُنَا إِلَّا تحتم الْقَتْل فَلَا يسْقط
قَالَ الْبَنْدَنِيجِيّ وَمحل تحتمه إِذا قتلوا لأخذ المَال وَإِلَّا فَلَا تحتم
ثمَّ أَشَارَ إِلَى الْقسم الثَّانِي بقوله (فَإِن قتلوا وَأخذُوا المَال) الْمُقدر بنصاب السّرقَة وَقِيَاس مَا سبق اعْتِبَار الْحِرْز وَعدم الشُّبْهَة
(قتلوا) حتما (وصلبوا) زِيَادَة فِي التنكيل وَيكون صلبهم بعد غسلهم وتكفينهم وَالصَّلَاة عَلَيْهِم
وَالْغَرَض من صلبهم بعد قَتلهمْ التنكيل بهم وزجر غَيرهم ويصلب على خَشَبَة وَنَحْوهَا ثَلَاثَة أَيَّام ليشتهر الْحَال
وَيتم النكال وَلِأَن لَهَا اعْتِبَارا فِي الشَّرْع وَلَيْسَ لما زَاد عَلَيْهَا غَايَة ثمَّ ينزل هَذَا إِذا لم يخف التَّغَيُّر
فَإِن خيف قبل الثَّلَاثَة أنزل على الْأَصَح وَحمل النَّص فِي الثَّلَاث على زمن الْبرد والاعتدال ثمَّ أَشَارَ إِلَى الْقسم الثَّالِث بقوله (وَإِن أخذُوا المَال) الْمُقدر بنصاب سَرقَة بِلَا شُبْهَة من حرز مِمَّا مر بَيَانه فِي السّرقَة
(وَلم يقتلُوا قطعت) بِطَلَب من الْمَالِك (أَيْديهم وأرجلهم من خلاف) بِأَن تقطع الْيَد الْيُمْنَى وَالرجل الْيُسْرَى دفْعَة أَو على الْوَلَاء لِأَنَّهُ حد وَاحِد فَإِن عَادوا بعد قطعهمَا ثَانِيًا قطعت الْيَد الْيُسْرَى وَالرجل الْيُمْنَى لقَوْله تَعَالَى {أَو تقطع أَيْديهم وأرجلهم من خلاف} وَإِنَّمَا قطع من خلاف لما مر فِي السّرقَة وَقطعت الْيَد الْيُمْنَى لِلْمَالِ كالسرقة وَقيل للمحاربة وَالرجل قيل لِلْمَالِ وَقيل للمجاهرة تَنْزِيلا لذَلِك منزلَة سَرقَة ثَانِيَة وَقيل للمحاربة قَالَ العمراني وَهُوَ أشبه
ثمَّ أَشَارَ إِلَى الْقسم الرَّابِع بقوله (فَإِن أخافوا السَّبِيل) أَي الطَّرِيق بوقوفهم فِيهَا (وَلم يَأْخُذُوا مَالا) من الْمَارَّة (وَلم يقتلُوا) مِنْهُم أحدا (حبسوا) فِي غير موضعهم لِأَنَّهُ أحوط وأبلغ فِي الزّجر والإيحاش
كَمَا هُوَ فِي الرَّوْضَة حِكَايَة عَن ابْن سُرَيج
وَأقرهُ (وعزروا) بِمَا يرَاهُ الإِمَام من ضرب وَغَيره لارتكابهم مَعْصِيّة لَا حد فِيهَا وَلَا كَفَّارَة
تَنْبِيه عطف المُصَنّف التَّعْزِير على الْحَبْس من عطف الْعَام على الْخَاص إِذْ الْحَبْس من جنس التَّعْزِير وَللْإِمَام تَركه إِن رَآهُ مصلحَة وَبِمَا تقرر فسر ابْن عَبَّاس الْآيَة الْكَرِيمَة فَقَالَ الْمَعْنى أَن يقتلُوا إِن قتلوا أَو يصلبوا مَعَ ذَلِك إِن قتلوا وَأخذُوا المَال أَو تقطع أَيْديهم وأرجلهم من خلاف إِن اقتصروا على أَخذ المَال أَو ينفوا من الأَرْض إِن أرعبوا وَلم يَأْخُذُوا شَيْئا فَحمل كلمة أَو على التنويع لَا التَّخْيِير كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَقَالُوا كونُوا هودا أَو نَصَارَى} أَي قَالَت الْيَهُود كونُوا هودا وَقَالَت النَّصَارَى كونُوا نَصَارَى
إِذْ لم يُخَيّر أحد مِنْهُم بَين الْيَهُودِيَّة والنصرانية وَقتل الْقَاطِع يغلب فِيهِ معنى الْقصاص لَا الْحَد لِأَن الأَصْل فِيمَا اجْتمع فِيهِ حق الله تَعَالَى وَحقّ الْآدَمِيّ يغلب فِيهِ حق الْآدَمِيّ لبنائه على التَّضْيِيق وَلِأَنَّهُ لَو قتل بِلَا محاربة ثَبت لَهُ الْقود فَكيف يحبط حَقه بقتْله فِيهَا
فَلَا يقتل بِغَيْر كُفْء كولده وَلَو مَاتَ بِغَيْر قتل فديَة تجب فِي تركته فِي الْحر
أما فِي الرَّقِيق فَتجب قِيمَته مُطلقًا وَيقتل بِوَاحِد مِمَّن قَتلهمْ وللباقين ديات فَإِن قَتلهمْ مُرَتبا قتل بِالْأولِ مِنْهُم
وَلَو عَفا ولي الْقَتِيل بِمَال وَجب المَال وَقتل الْقَاتِل حدا لتحتيم قَتله وتراعى الْمُمَاثلَة فِيمَا قتل بِهِ وَلَا يتحتم غير قتل وصلب كَأَن قطع يَده فاندمل لِأَن التحتم تَغْلِيظ لحق الله تَعَالَى
فاختص بِالنَّفسِ كالكفارة
الظفر بِهِ (سقط عَنهُ الْحُدُود) أَي الْعُقُوبَات الَّتِي تخص الْقَاطِع من تحتم الْقَتْل والصلب وَقطع الْيَد وَالرجل لآيَة {إِلَّا الَّذين تَابُوا من قبل أَن}