الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وعصبات الْمولى الْمُعْتق) الَّذين يتعصبون بِأَنْفسِهِم لانجرار الْوَلَاء إِلَيْهِم كَمَا مر بَيَانه فيرثون عَتيق مُورثهم بِالْوَلَاءِ دون أخواتهم لِأَن الْإِنَاث إِذا لم يرثن فِي النّسَب الْبعيد فَلَا يرثن فِي الْوَلَاء الَّذِي هُوَ أَضْعَف من النّسَب الْبعيد أولى
وَمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من أَنه صلى الله عليه وسلم ورث بنت حَمْزَة من عَتيق أَبِيهَا قَالَ السُّبْكِيّ إِنَّه حَدِيث مُضْطَرب لَا تقوم بِهِ الْحجَّة وَالَّذِي صَححهُ النَّسَائِيّ أَنه كَانَ عتيقها وَكَذَا حكى تصويب ذَلِك عَن النَّسَائِيّ ابْن الملقن فِي أَدِلَّة التَّنْبِيه
تَنْبِيه الابْن الْمُنْفَرد يسْتَغْرق التَّرِكَة وَكَذَا الابنان والبنون إِجْمَاعًا وَلَو اجْتمع بنُون وَبَنَات فالتركة لَهُم للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ وَأَوْلَاد الابْن وَإِن نزل إِذا انفردوا كأولاد الصلب فِيمَا ذكر فَلَو اجْتمع أَوْلَاد الصلب وَأَوْلَاد الابْن فَإِن كَانَ من أَوْلَاد الصلب ذكر حجب أَوْلَاد الابْن بِالْإِجْمَاع فَإِن لم يكن فَإِن كَانَ للصلب بنت فلهَا النّصْف وَالْبَاقِي لأَوْلَاد الابْن الذُّكُور والإنث وَلَا شَيْء للإناث الخلص فِي أَوْلَاد الابْن مَعَ بِنْتي الصلب أَو فَصَاعِدا أخذتا أَو أخذن الثُّلثَيْنِ وَالْبَاقِي لأَوْلَاد الابْن الذُّكُور أَو الذُّكُور وَالْإِنَاث وَلَا شَيْء للإناث الخلص من أَوْلَاد الابْن مَعَ بِنْتي الصلب بِالْإِجْمَاع إِلَّا أَن يكون أَسْفَل مِنْهُنَّ ذكر فيعصبهن فِي الْبَاقِي وَأَوْلَاد ابْن الابْن مَعَ أَوْلَاد الابْن كأولاد الابْن مَعَ أَوْلَاد الصلب فِي جَمِيع مَا مر وَكَذَا سَائِر الْمنَازل وَإِنَّمَا يعصب الذّكر النَّازِل من أَوْلَاد الابْن من فِي دَرَجَته كأخته وَبنت عَمه ويعصب من فَوْقه كَبِنْت عَم أَبِيه إِن لم يكن لَهَا شَيْء من الثُّلثَيْنِ كبنتي صلب وَبنت ابْن وَابْن ابْن ابْن بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ لَهَا شَيْء من الثُّلثَيْنِ لِأَن لَهَا فرضا استغنت بِهِ عَن تعصيبه وَبَاب الْفَرَائِض بَاب وَاسع وَقد أفرد بالتأليف
وَفِي هَذَا الْقدر كِفَايَة بِالنِّسْبَةِ لهَذَا الْمُخْتَصر
فصل فِي الْوَصِيَّة الشاملة للإيصاء
وَهِي فِي اللُّغَة الإيصال من وصّى الشَّيْء بِكَذَا وَصله بِهِ لِأَن الْمُوصي وصل خير دُنْيَاهُ بِخَير عقباه
وَشرعا لَا بِمَعْنى الْإِيصَاء تبرع بِحَق مُضَاف وَلَو تَقْديرا لما بعد الْمَوْت لَيْسَ بتدبير وَلَا تَعْلِيق عتق بِصفة وَإِن ألحقا بهَا حكما كالتبرع الْمُنجز فِي مرض الْمَوْت أَو الملحق بِهِ وَكَانَ الْأَنْسَب تَقْدِيم الْوَصِيَّة على الْفَرَائِض لِأَن الْإِنْسَان يُوصي ثمَّ يَمُوت فتقسم تركته
وَالْأَصْل فِيهَا قبل الْإِجْمَاع قَوْله تَعَالَى فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع من الْمَوَارِيث {من بعد وَصِيَّة يُوصي بهَا أَو دين} وأخبار كَخَبَر ابْن مَاجَه المحروم من حرم الْوَصِيَّة
من مَاتَ على وَصِيَّة مَاتَ على سَبِيل وَسنة وتقى وَشَهَادَة وَمَات مغفورا لَهُ وَكَانَت أول
الْإِسْلَام وَاجِبَة بِكُل المَال للْوَالِدين والأقربين ثمَّ نسخ وُجُوبهَا بِآيَة الْمَوَارِيث وَبَقِي استحبابها فِي الثُّلُث فَأَقل لغير الْوَارِث وَإِن قل المَال وَكثر الْعِيَال
القَوْل فِي أَرْكَان الْوَصِيَّة وأركانها أَرْبَعَة صِيغَة وموصي وموصى لَهُ وموصى بِهِ وَأسْقط المُصَنّف من ذَلِك الصِّيغَة وَذكر الْبَقِيَّة
وَبَدَأَ بالموصي بِهِ بقوله (وَتجوز الْوَصِيَّة) بالشَّيْء (الْمَعْلُوم) وَإِن قل كحبتي الْحِنْطَة وبنجوم الْكِتَابَة وَإِن لم تكن مُسْتَقِرَّة وبالمكاتب وَإِن لم يقل إِن عجز نَفسه وَبِعَبْد غَيره وَإِن لم يقل إِن ملكته
وبنجاسة يحل الِانْتِفَاع بهَا ككلب معلم أَو قَابل التَّعْلِيم وَبِنَحْوِ زبل مِمَّا ينْتَفع بِهِ كسماد وَجلد ميتَة قَابل للدباغ وزيت نجس وميتة لطعم الْجَوَارِح كَمَا نَقله القَاضِي أَبُو الطّيب عَن الْأَصْحَاب وخمر مُحْتَرمَة لثُبُوت الِاخْتِصَاص فِي ذَلِك
وَلَو أوصى بكلب من كلابه أعْطى الْمُوصى لَهُ أَحدهَا فَإِن لم يكن لَهُ كلب يحل الِانْتِفَاع بِهِ لغت وَصيته
وَلَو كَانَ لَهُ مَال وكلاب وَأوصى بهَا كلهَا أَو بِبَعْضِهَا نفذت وَصيته وَإِن كثرت الْكلاب وَقل المَال لِأَن المَال خير من الْكلاب (و) تجوز الْوَصِيَّة بالشَّيْء (الْمَجْهُول) عينه كأوصيت لزيد بِمَالي الْغَائِب أَو عبد من عَبِيدِي أَو قدره كأوصيت لَهُ بِهَذِهِ الدَّرَاهِم أَو نَوعه كأوصيت لَهُ بِصَاع حِنْطَة أَو جنسه كأوصيت لَهُ بِثَوْب أَو صفته كالحمل الْمَوْجُود وَكَانَ ينْفَصل حَيا لوقت يعلم وجوده عِنْدهَا لِأَن الْوَصِيَّة تحْتَمل الْجَهَالَة وَبِمَا لَا يقدر على تَسْلِيمه كالطير الطَّائِر وَالْعَبْد الْآبِق لِأَن الْمُوصى لَهُ يخلف الْمَيِّت فِي ثلثه كَمَا يخلفه الْوَارِث فِي ثُلثَيْهِ (و) تجوز بالشَّيْء (الْمَوْجُود) كأوصيت لَهُ بِهَذِهِ الْمِائَة لِأَنَّهَا إِذا صحت بالمعدوم فبالموجود أولى (و) تجوز بالشَّيْء (الْمَعْدُوم) كَأَن يُوصي بثمرة أَو حمل سيحدث لِأَن الْوَصِيَّة احْتمل فِيهَا وُجُوه من الْغرَر رفقا بِالنَّاسِ وتوسعة وَلِأَن الْمَعْدُوم يَصح تملكه بِعقد السّلم وَالْمُسَاقَاة وَالْإِجَارَة فَكَذَا بِالْوَصِيَّةِ وَتجوز بالمبهم كَأحد عبديه لِأَن الْوَصِيَّة تحْتَمل الْجَهَالَة فَلَا يُؤثر فِيهَا الْإِبْهَام ويعين الْوَارِث وَتجوز بالمنافع الْمُبَاحَة وَحدهَا مُؤَقَّتَة ومؤبدة ومطلقة وَالْإِطْلَاق يَقْتَضِي التَّأْبِيد لِأَنَّهَا أَمْوَال مُقَابلَة بالأعواض كالأعيان وَتجوز بِالْعينِ دون الْمَنْفَعَة وبالعين لوَاحِد وبالمنفعة لآخر
وَإِنَّمَا صحت فِي الْعين وَحدهَا لشخص مَعَ عدم الْمَنْفَعَة فِيهَا لِإِمْكَان صيرورة الْمَنْفَعَة لَهُ بِإِجَارَة أَو إِبَاحَة أَو نَحْو ذَلِك
تَنْبِيه يشْتَرط فِي الْمُوصى بِهِ كَونه مَقْصُودا كَمَا فِي الرَّوْضَة فَلَا تصح بِمَا لَا يقْصد كَالدَّمِ وَكَونه يقبل النَّقْل من شخص إِلَى شخص فَمَا لَا يقبل النَّقْل كَالْقصاصِ وحد الْقَذْف لَا تصح الْوَصِيَّة بِهِ لِأَنَّهُمَا وَإِن انتقلا بِالْإِرْثِ لَا يتَمَكَّن مستحقهما من أقلهَا
نعم لَو أوصى بِهِ لمن هُوَ عَلَيْهِ صَحَّ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي بَاب الْعَفو عَن الْقصاص
القَوْل فِي مِقْدَار الْوَصِيَّة (وَهِي) أَي الْوَصِيَّة مُعْتَبرَة (من الثُّلُث) سَوَاء أوصى بِهِ فِي صِحَة أَو مَرضه لِاسْتِوَاء الْكل وَقت اللُّزُوم حَال الْمَوْت
تَنْبِيه يعْتَبر المَال الْمُوصى بِثُلثِهِ يَوْم الْمَوْت لِأَن الْوَصِيَّة تمْلِيك بعد الْمَوْت فَلَو أوصى بِعَبْد وَلَا عبد لَهُ ثمَّ ملك عِنْد الْمَوْت عبدا تعلّقت الْوَصِيَّة بِهِ وَلَو زَاد مَاله تعلّقت الْوَصِيَّة بِهِ وَلَا يخفى أَن الثُّلُث الَّذِي تنفذ فِيهِ الْوَصِيَّة هُوَ الثُّلُث الْفَاضِل بعد الدّين فَلَو كَانَ عَلَيْهِ دين مُسْتَغْرق لم تنفذ الْوَصِيَّة فِي شَيْء لَكِنَّهَا تَنْعَقِد حَتَّى ينفذها لَو أَبْرَأ الْغَرِيم أَو قضى عَنهُ الدّين كَمَا جزم بِهِ الرَّافِعِيّ وَغَيره
وَيعْتَبر من الثُّلُث تبرع نجز فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ كوقف وَهبة وَعتق وإبراء لخَبر إِن الله تَعَالَى تصدق عَلَيْكُم عِنْد وفاتكم بِثلث أَمْوَالكُم زِيَادَة لكم فِي أَعمالكُم رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَفِي إِسْنَاده مقَال
وَلَو وهب فِي الصِّحَّة وأقبض فِي الْمَرَض اعْتبر من الثُّلُث أَيْضا إِذْ لَا أثر لتقدم الْهِبَة
وَخرج بتبرع مَا لَو استولد فِي مرض مَوته فَإِنَّهُ لَيْسَ تَبَرعا بل إِتْلَاف واستمتاع فَهُوَ من رَأس المَال وبمرضه تبرع نجز فِي صِحَّته فيحسب من رَأس المَال لَكِن يسْتَثْنى من الْعتْق فِي مرض الْمَوْت عتق أم الْوَلَد إِذا أعْتقهَا فِي مرض مَوته فَإِنَّهُ ينفذ من رَأس المَال كَمَا سَيَأْتِي فِي مَحَله إِن شَاءَ الله تَعَالَى مَعَ أَنه تبرع نجز فِي الْمَرَض
فَائِدَة قيمَة مَا يفوت على الْوَرَثَة يعْتَبر بِوَقْت التفويت فِي الْمُنجز وبوقت الْمَوْت فِي الْمُضَاف إِلَيْهِ وَفِيمَا يبْقى للْوَرَثَة يعْتَبر بِأَقَلّ قيمَة من يَوْم الْمَوْت إِلَى يَوْم الْقَبْض لِأَنَّهُ إِن كَانَ يَوْم الْمَوْت أقل فَالزِّيَادَة حصلت فِي ملك الْوَارِث أَو يَوْم الْقَبْض أقل فَمَا نقص قبله لم يدْخل فِي يَده فَلَا يحْسب عَلَيْهِ وَكَيْفِيَّة اعْتِبَارهَا من الثُّلُث أَنه إِذا اجْتمع فِي وَصِيَّة تبرعات مُتَعَلقَة بِالْمَوْتِ وَإِن كَانَت مرتبَة وَلم يوف الثُّلُث بهَا فَإِن تمحض الْعتْق كَأَن قَالَ إِذا مت فَأنْتم أَحْرَار أَو غَانِم وَسَالم وَبكر أَحْرَار أَقرع بَينهم فَمن قرع عتق مِنْهُ مَا يَفِي بِالثُّلثِ وَلَا يعْتق من كل بعضه لِأَن الْمَقْصُود من الْعتْق تَخْلِيص الشَّخْص من الرّقّ وَإِنَّمَا لم يعْتَبر ترتيبها مَعَ إضافتها للْمَوْت لاشتراكها فِي وَقت نفاذها وَهُوَ وَقت الْمَوْت
نعم إِن اعْتبر الْمُوصي وُقُوعهَا مرتبَة كَأَن قَالَ أعتقوا سالما بعد موتِي ثمَّ غانما ثمَّ بكرا قدم مَا قدمه لِأَن الْمُوصي اعْتبر وُقُوعهَا مرتبَة من غَيره فَلَا بُد أَن تقع كَذَلِك بِخِلَاف مَا مر أَو تمحض تبرعات غير الْعتْق قسط الثُّلُث على الْجَمِيع بِاعْتِبَار الْقيمَة أَو الْمِقْدَار كَمَا تقسط التَّرِكَة بَين أَرْبَاب الدُّيُون أَو اجْتمع عتق وَغَيره كَأَن أوصى بِعِتْق سَالم ولزيد بِمِائَة قسط الثُّلُث عَلَيْهِمَا بِالْقيمَةِ للعتيق لِاتِّحَاد وَقت الِاسْتِحْقَاق فَإِذا كَانَت قِيمَته مائَة وَالثلث مائَة عتق نصفه ولزيد خَمْسُونَ
نعم لَو دبر عَبده وَقِيمَته مائَة وَأوصى لَهُ بِمِائَة وَثلث مَاله مائَة فَإِنَّهُ يعْتق كُله وَلَا شَيْء للْوَصِيَّة على الْأَصَح أَو اجْتمع تبرعات منجزة قدم الأول مِنْهَا فَالْأول حَتَّى يتم الثُّلُث سَوَاء أَكَانَ فِيهَا عتق أم لَا ويتوقف مَا بَقِي على إجَازَة الْوَارِث فَإِن وجدت هَذِه التَّبَرُّعَات دفْعَة إِمَّا مِنْهُ أَو بوكالة واتحد الْجِنْس فِيهَا كعتق عبيد أَو إِبْرَاء جمع كَقَوْلِه أعتقتكم أَو أبرأتكم أَقرع فِي الْعتْق خَاصَّة
حذرا من التشقيص وقسط بِالْقيمَةِ فِي غَيره كَمَا مر
وَإِن كَانَت التَّبَرُّعَات منجزة ومعلقة بِالْمَوْتِ قدم الْمُنجز لِأَنَّهُ يُفِيد الْملك حَالا ولازم لَا يُمكن الرُّجُوع فِيهِ
فروع لَو قَالَ إِن أعتقت غانما فسالم حر فَأعتق غانما فِي مرض مَوته تعين لِلْعِتْقِ إِن خرج وَحده من الثُّلُث وَلَا إقراع وَلَو أوصى بحاضر هُوَ ثلث مَاله وَبَاقِيه غَائِب لم يتسلط موصى لَهُ على شَيْء مِنْهُ حَالا وَلَو أوصى بِالثُّلثِ وَله عين وَدين دفع للْمُوصى لَهُ ثلث الْعين وَكلما نض من الدّين شَيْء دفع لَهُ ثلثه
وَينْدب للْمُوصي أَن لَا يُوصي بِأَكْثَرَ من ثلث مَاله وَالْأولَى أَن ينقص مِنْهُ شَيْئا لخَبر الصَّحِيحَيْنِ الثُّلُث وَالثلث كثير (فَإِن زَاد) على الثُّلُث وَالزِّيَادَة عَلَيْهِ مَكْرُوهَة وَهُوَ الْمُعْتَمد كَمَا قَالَه الْمُتَوَلِي وَغَيره وَإِن قَالَ القَاضِي وَغَيره إِنَّهَا مُحرمَة (وقف) الزَّائِد (على إجَازَة الْوَرَثَة) فَتبْطل الْوَصِيَّة بِالزَّائِدِ إِن رده وَارِث خَاص مُطلق التَّصَرُّف لِأَنَّهُ حَقه فَإِن لم يكن وَارِث خَاص بطلت فِي الزَّائِد لِأَن الْحق للْمُسلمين فَلَا مجيز أَو كَانَ وَهُوَ غير مُطلق التَّصَرُّف فَالظَّاهِر كَمَا بَحثه بَعضهم أَنه إِن توقعت أَهْلِيَّته وقف الْأَمر إِلَيْهَا وَإِلَّا بطلت
وَعَلِيهِ يحمل مَا أفتى بِهِ السُّبْكِيّ من الْبطلَان وَإِن أجَازه فإجازته تَنْفِيذ للْوَصِيَّة بِالزَّائِدِ
حكم الْوَصِيَّة للْوَارِث (وَلَا تجوز الْوَصِيَّة) أَي تكره كَرَاهَة تَنْزِيه (لوَارث) خَاص غير جَائِز بزائد على حِصَّته لقَوْله صلى الله عليه وسلم لَا وَصِيَّة لوَارث رَوَاهُ أَصْحَاب السّنَن (إِلَّا أَن يجيزها بَاقِي الْوَرَثَة) المطلقين التَّصَرُّف لقَوْله صلى الله عليه وسلم لَا وَصِيَّة لوَارث إِلَّا أَن يجيزها بَاقِي الْوَرَثَة رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد
قَالَ الذَّهَبِيّ صَالح وَقِيَاسًا على الْوَصِيَّة لأَجْنَبِيّ بِالزَّائِدِ على الثُّلُث وَخرج بالخاص الْوَارِث للعام كَمَا لَو أوصى لإِنْسَان بِشَيْء ثمَّ انْتقل إِرْثه لبيت المَال فَإِن ذَلِك يصرف إِلَيْهِ وَلَا يحْتَاج إِلَى إجَازَة الإِمَام وَبِغير حائز مَا لَو أوصى لحائز بِمَالِه كُله فَإِنَّهَا بَاطِلَة على الْأَصَح وبزائد على حِصَّته مَا لَو أوصى لوَارث بِقدر إِرْثه فَإِن فِيهِ تَفْصِيلًا يَأْتِي بَين الْمشَاع والمعين وبالمطلقين التَّصَرُّف مَا لَو كَانَ فيهم صَغِير أَو مَجْنُون أَو مَحْجُور عَلَيْهِ بِسَفَه فَلَا تصح مِنْهُ الْإِجَازَة وَلَا من وليه
تَنْبِيه فِي معنى الْوَصِيَّة للْوَارِث الْوَقْف عَلَيْهِ وإبراؤه من دين عَلَيْهِ أوهبته شَيْئا فَإِنَّهُ يتَوَقَّف على إجَازَة بَقِيَّة الْوَرَثَة
نعم يسْتَثْنى من الْوَقْف صُورَة وَاحِدَة وَهِي مَا لَو وقف مَا يخرج من الثُّلُث على قدر نصِيبهم كمن لَهُ ابْن وَبنت وَله دَار تخرج من ثلثه فَوقف
ثلثيها على الابْن وثلثها على الْبِنْت فَإِنَّهُ ينفذ وَلَا يحْتَاج إِلَى إجَازَة فِي الْأَصَح
فَائِدَة من الْحِيَل فِي الْوَصِيَّة للْوَارِث أَن يَقُول أوصيت لزيد بِأَلف إِن تبرع لوَلَدي بِخَمْسِمِائَة مثلا فَإِذا قبل لزمَه دَفعهَا إِلَيْهِ وَلَا عِبْرَة برد بَقِيَّة الْوَرَثَة وإجازتهم للْوَصِيَّة فِي حَيَاة الْمُوصي إِذْ لَا اسْتِحْقَاق لَهُم قبل مَوته وَالْعبْرَة فِي كَون الْمُوصى لَهُ وَارِثا بِوَقْت الْمَوْت فَلَو أوصى لِأَخِيهِ فَحدث لَهُ ابْن قبل مَوته صحت أَو أوصى لِأَخِيهِ وَله ابْن فَمَاتَ قبل موت الْمُوصي فَهِيَ وَصِيَّة لوَارث وَالْوَصِيَّة لكل وَارِث بِقدر حِصَّته شَائِعا من نصف أَو غَيره لَغْو لِأَنَّهُ يسْتَحقّهُ بِغَيْر وَصِيَّة
وَخرج بِكُل وَارِث مَا لَو أوصى لبَعْضهِم بِقدر حِصَّته شَائِعا كَأَن أوصى لأحد بنيه الثَّلَاثَة بِثلث مَاله فَإِنَّهُ يَصح ويتوقف على الْإِجَازَة فَإِن أُجِيز أَخذه وَقسم الْبَاقِي بَينهم بِالسَّوِيَّةِ
وَالْوَصِيَّة لكل وَارِث بِعَين هِيَ قدر حِصَّته كَأَن أوصى لأحد ابنيه بِعَبْد قِيمَته ألف وَللْآخر بدار قيمتهَا ألف وهما مَا يملكهُ صَحِيحَة كَمَا لَو أوصى بِبيع عين من مَاله لزيد وَلَكِن يفْتَقر إِلَى الْإِجَازَة فِي الْأَصَح لاخْتِلَاف الْأَغْرَاض بالأعيان ومنافعها
ثمَّ شرع فِي الرُّكْن الثَّانِي وَهُوَ الْمُوصي بقوله (وَتَصِح) أَي تجوز (الْوَصِيَّة من كل مَالك) بَالغ (عَاقل) حر مُخْتَار بِالْإِجْمَاع لِأَنَّهَا تبرع وَلَو كَافِرًا حَرْبِيّا أَو غَيره أَو مَحْجُورا عَلَيْهِ بِسَفَه أَو فلس لصِحَّة عبارتهم واحتياجهم للثَّواب فَلَا تصح من صبي وَمَجْنُون ومغمى عَلَيْهِ ورقيق وَلَو مكَاتبا ومكره كَسَائِر الْعُقُود وَلعدم ملك الرَّقِيق أَو ضعفه والسكران كالمكلف
تَنْبِيه دخل فِي الْكَافِر الْمُرْتَد فَتَصِح وَصيته
نعم إِن مَاتَ أَو قتل كَافِرًا بطلت وَصيته لِأَن ملكه مَوْقُوف على الْأَصَح وَالْمُوصى لَهُ وَهُوَ الرُّكْن الثَّالِث إِمَّا أَن يكون معينا أَو غير معِين
وَقد شرع المُصَنّف رَحمَه الله تَعَالَى فِي الْقسم الأول بقوله (لكل متملك) أَي بِأَن يتَصَوَّر لَهُ الْملك عِنْد موت الْمُوصي وَلَو بمعاقدة وليه فَلَا تصح الْوَصِيَّة لدابة لِأَنَّهَا لَيست أَهلا للْملك
وَقَضِيَّة هَذَا أَنَّهَا لَا تصح لمَيت وَهُوَ كَذَلِك وَقَول الرَّافِعِيّ فِي بَاب التَّيَمُّم إِنَّه لَو أوصى بِمَاء لأولى النَّاس بِهِ وَهُنَاكَ ميت قدم على الْمُتَنَجس أَو الْمُحدث الْحَيّ على الْأَصَح لَيْسَ فِي الْحَقِيقَة وَصِيَّة لمَيت بل لوَلِيِّه لِأَنَّهُ الَّذِي يتَوَلَّى أمره وَيشْتَرط فِيهِ أَيْضا عدم الْمعْصِيَة وَأَن يكون معينا وَأَن يكون مَوْجُودا فَلَا تصح لكَافِر بِمُسلم لكَونهَا مَعْصِيّة وَلَا لأحد هذَيْن الرجلَيْن للْجَهْل بِهِ
نعم إِن قَالَ أعْطوا هَذَا لأحد هذَيْن صَحَّ كَمَا لَو قَالَ لوَكِيله بِعْهُ لأحد هذَيْن وَلَا لحمل سيحدث
تَنْبِيه يُؤْخَذ من اعْتِبَار تصور الْملك اشْتِرَاط كَون الْمُوصى بِهِ مَمْلُوكا للْمُوصي فتمتنع الْوَصِيَّة بِمَال الْغَيْر وَهُوَ قَضِيَّة كَلَام الرَّافِعِيّ فِي الْكِتَابَة
وَقَالَ النَّوَوِيّ قِيَاس الْبَاب الصِّحَّة أَي يصير موصى بِهِ إِذا ملكه قبل مَوته
وَلَو فسر الْوَصِيَّة للدابة بِالصرْفِ فِي عَلفهَا صَحَّ لِأَن عَلفهَا على مَالِكهَا فَهُوَ الْمَقْصُود بِالْوَصِيَّةِ فَيشْتَرط قبُوله وَيتَعَيَّن الصّرْف إِلَى جِهَة الدَّابَّة رِعَايَة لغَرَض الْمُوصي وَلَا يسلم عَلفهَا للْمَالِك بل يصرفهُ الْوَصِيّ فَإِن لم يكن فَالْقَاضِي وَلَو بنائبه وَتَصِح لكَافِر وَلَو حَرْبِيّا مُرْتَدا وَقَاتل بِحَق أَو بِغَيْرِهِ
كالصدقة عَلَيْهِمَا وَالْهِبَة لَهما
وَصورتهَا فِي الْقَاتِل أَن يُوصي لرجل فيقتله ولحمل إِن انْفَصل حَيا حَيَاة مُسْتَقِرَّة لدوّنَ سِتَّة أشهر مِنْهَا للْعَمَل بِأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودا عِنْدهَا أَو لأكْثر مِنْهُ ولأربع سِنِين فَأَقل مِنْهَا وَلم تكن الْمَرْأَة فراشا لزوج أَو سيد فَإِن كَانَت فراشا لَهُ أَو انْفَصل لأكْثر من أَربع سِنِين لم تصح الْوَصِيَّة لاحْتِمَال حُدُوثه مَعهَا أَو بعْدهَا فِي الأولى وَلعدم وجودهَا عِنْدهَا فِي الثَّانِيَة
وَتَصِح لعمارة مَسْجِد ومصالحه ومطلقا وَتحمل عِنْد الْإِطْلَاق عَلَيْهِمَا عملا بِالْعرْفِ فَإِن قَالَ أردْت تَمْلِيكه فَقيل تبطل الْوَصِيَّة
وَبحث الرَّافِعِيّ صِحَّتهَا بِأَن لِلْمَسْجِدِ ملكا وَعَلِيهِ وَقفا قَالَ النَّوَوِيّ هَذَا هُوَ الأفقه الْأَرْجَح
ثمَّ شرع فِي الْقسم الثَّانِي وَهُوَ الْوَصِيَّة لغير معِين بقوله (و) تجوز الْوَصِيَّة (فِي سَبِيل الله تَعَالَى) لِأَنَّهُ من القربات وَتصرف إِلَى الْغُزَاة من أهل الزَّكَاة لثُبُوت هَذَا الِاسْم لَهُم فِي عرف الشَّرْع وَيشْتَرط فِي الْوَصِيَّة لغير الْمعِين أَن لَا يكون جِهَة مَعْصِيّة كعمارة كَنِيسَة للتعبد فِيهَا وَكِتَابَة التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وقراءتهما وَكِتَابَة كتب الفلسفة وَسَائِر الْعُلُوم الْمُحرمَة وَمن ذَلِك الْوَصِيَّة لدهن سراج الْكَنِيسَة تَعْظِيمًا لَهَا
أما إِذا قصد انْتِفَاع المقيمين والمجاورين بضوئها فَالْوَصِيَّة جَائِزَة وَإِن خَالف فِي ذَلِك الْأَذْرَعِيّ وَسَوَاء أوصى بِمَا ذكر مُسلم أم كَافِر وَإِذا انْتَفَت الْمعْصِيَة فَلَا فرق بَين أَن تكون قربَة كالفقراء وَبِنَاء الْمَسَاجِد أَو مُبَاحَة لَا يظْهر فِيهَا قربَة كَالْوَصِيَّةِ للأغنياء وَفك أُسَارَى الْكفَّار من الْمُسلمين لِأَن الْقَصْد من الْوَصِيَّة تدارك مَا فَاتَ فِي حَال الْحَيَاة من الْإِحْسَان فَلَا يجوز أَن تكون مَعْصِيّة
تَنْبِيه سكت المُصَنّف رَحمَه الله تَعَالَى عَن الصِّيغَة وَهُوَ الرُّكْن الرَّابِع وَشرط فِيهَا لفظ يشْعر بِالْوَصِيَّةِ وَفِي مَعْنَاهُ مَا مر فِي الضَّمَان
وَهِي تَنْقَسِم إِلَى صَرِيح كأوصيت لَهُ بِكَذَا أَو أَعْطوهُ لَهُ أَو هُوَ لَهُ أَو وهبته لَهُ بعد موتِي فِي الثَّلَاثَة وَإِلَى كِنَايَة كَقَوْلِه من مَالِي وَمَعْلُوم أَن الْكِنَايَة تفْتَقر إِلَى النِّيَّة وَالْكِتَابَة كِنَايَة فتنعقد بهَا مَعَ النِّيَّة كَالْبيع وَأولى فَلَو اقْتصر على قَوْله هُوَ لَهُ فَقَط فإقرار لَا وَصِيَّة
القَوْل فِي لُزُوم الْوَصِيَّة بِالْمَوْتِ وَتلْزم الْوَصِيَّة بِمَوْت وَلَكِن مَعَ قبُول بعده وَلَو بتراخ فِي موصى لَهُ معِين وَإِن تعدد
وَلَا يشْتَرط الْقبُول فِي غير معِين كالفقراء وَيجوز الِاقْتِصَار على ثَلَاثَة مِنْهُم وَلَا تجب التَّسْوِيَة بَينهم وَإِنَّمَا لم يشْتَرط الْفَوْر فِي الْقبُول لِأَنَّهُ إِنَّمَا يشْتَرط فِي الْعُقُود الَّتِي يشْتَرط فِيهَا ارتباط الْقبُول بِالْإِيجَابِ فَلَا يَصح قبُول وَلَا رد فِي حَيَاة الْمُوصي إِذْ لَا حق لَهُ قبل الْمَوْت فَأشبه إِسْقَاط الشُّفْعَة قبل البيع فَلِمَنْ قبل فِي الْحَيَاة الرَّد بعد الْمَوْت وَبِالْعَكْسِ
وَيصِح الرَّد بَين الْمَوْت وَالْقَبُول لَا بعدهمَا وَبعد الْقَبْض وَأما بعد الْقبُول وَقبل الْقَبْض فَالْأَوْجه عدم الصِّحَّة كَمَا صَححهُ النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة كَأَصْلِهَا وَإِن صحّح فِي تَصْحِيحه الصِّحَّة فَإِن مَاتَ الْمُوصى لَهُ قبل الْمُوصي بطلت الْوَصِيَّة لِأَنَّهَا قبل الْمَوْت غير لَازِمَة فبطلت بِالْمَوْتِ وَإِن مَاتَ بعد الْمُوصي وَقبل الْقبُول وَالرَّدّ خَلفه وَارثه فيهمَا فَإِن كَانَ الْوَارِث بَيت المَال فالقابل وَالرَّدّ هُوَ الإِمَام وَملك الْمُوصى لَهُ الْمعِين للْمُوصى بِهِ الَّذِي لَيْسَ بِإِعْتَاق بعد موت الْمُوصي وَقبل الْقبُول مَوْقُوف إِن قبل بَان أَنه ملكه بِالْمَوْتِ وَإِن رد بَان أَنه للْوَارِث ويتبعه فِي الْوَقْف الْفَوَائِد الْحَاصِلَة من الْمُوصى بِهِ كثمرة وَكسب والمؤنة وَلَو فطْرَة وَيُطَالب الْوَارِث الْمُوصى لَهُ أَو الرَّقِيق الْمُوصى بِهِ أَو الْقَائِم مقامهما من ولي ووصي بالمؤن إِن توقف
فِي قبُول ورد كَمَا لَو امْتنع مُطلق إِحْدَى زوجتيه من التَّعْيِين فَإِن لم يقبل أَو لم يرد خَيره الْحَاكِم بَين الْقبُول وَالرَّدّ فَإِن لم يفعل حكم بِالْبُطْلَانِ كالمتحجر إِذا امْتنع من الْإِحْيَاء
أما لَو أوصى بِإِعْتَاق رَقِيق فالملك فِيهِ للْوَارِث إِلَى إِعْتَاقه فالمؤنة عَلَيْهِ
وللموصي رُجُوع فِي وَصيته وَعَن بَعْضهَا بِنَحْوِ نقضتها كأبطلتها وَبِنَحْوِ قَوْله هَذَا لوارثي مُشِيرا إِلَى الْمُوصى بِهِ وَبِنَحْوِ بيع وَرهن وَكِتَابَة لما وصّى بِهِ وَلَو بِلَا قبُول وبوصية بذلك وتوكيل بِهِ وَعرض عَلَيْهِ وخلطه برا معينا وصّى بِهِ وخلطه صبرَة وصّى بِصَاع مِنْهَا بأجود مِنْهَا وطحنه برا وصّى بِهِ وبذر لَهُ وعجنه دَقِيقًا وصّى بِهِ وغزله قطنا وصّى بِهِ ونسجه غزلا وصّى بِهِ وقطعه ثوبا وصّى بِهِ قَمِيصًا وبنائه وغراسه بِأَرْض وصّى بهَا
القَوْل فِي الْإِيصَاء وشروط الْوَصِيّ ثمَّ شرع فِي الْإِيصَاء وَهُوَ إِثْبَات تصرف مُضَاف لما بعد الْمَوْت بقوله (وَتَصِح الْوَصِيَّة) بِمَعْنى الْإِيصَاء فِي التَّصَرُّفَات الْمَالِيَّة الْمُبَاحَة يُقَال أوصيت لفُلَان بِكَذَا وأوصيت إِلَيْهِ ووصيته إِذا جعلته وَصِيّا
وَقد أوصى ابْن مَسْعُود رضي الله عنه فَكتب وصيتي إِلَى الله تَعَالَى وَإِلَى الزبير وَابْنه عبد الله
وأركان الْإِيصَاء أَرْبَعَة موص ووصي وموصي فِيهِ وَصِيغَة
وَشرط فِي الْمُوصي بِقَضَاء حق كَدين وتنفيذ وَصِيَّة ورد وَدِيعَة وعارية مَا مر فِي الْمُوصى بِمَال وَقد مر بَيَانه
وَشرط فِي الْمُوصي بِنَحْوِ أَمر طِفْل كمجنون ومحجور بِسَفَه مَعَ مَا مر ولَايَة عَلَيْهِ ابْتِدَاء من الشَّرْع بتفويض فَلَا يَصح الْإِيصَاء مِمَّن فقد شَيْئا من ذَلِك كصبي وَمَجْنُون ومكره وَمن بِهِ رق وَأم وَعم ووصي لم يُؤذن لَهُ فِيهِ وَيصِح الْإِيصَاء (إِلَى من اجْتمعت فِيهِ خمس شَرَائِط) عِنْد الْمَوْت وَترك سادسا وسابعا كَمَا ستعرفه الأول (الْإِسْلَام) فِي مُسلم
(و) الثَّانِي (الْبلُوغ و) الثَّالِث (الْعقل و) الرَّابِع (الْحُرِّيَّة و) الْخَامِس (الْأَمَانَة) وَعبر بَعضهم عَنْهَا بِالْعَدَالَةِ وَلَو ظَاهِرَة وَكِلَاهُمَا صَحِيح
السَّادِس الاهتداء إِلَى التَّصَرُّف كَمَا هُوَ الصَّحِيح فِي الرَّوْضَة
وَالسَّابِع عدم عَدَاوَة مِنْهُ للْمولى عَلَيْهِ وَعدم جَهَالَة فَلَا يَصح الْإِيصَاء إِلَى من فقد شَيْئا من ذَلِك كصبي وَمَجْنُون وفاسق ومجهول وَمن بِهِ رق أَو عَدَاوَة وَكَافِر على مُسلم وَمن لَا يَكْفِي فِي التَّصَرُّف لسفه أَو هرم أَو لغيره لعدم الْأَهْلِيَّة فِي بَعضهم وللتهمة فِي الْبَاقِي
وَيصِح الْإِيصَاء إِلَى كَافِر مَعْصُوم عدل فِي دينه على كَافِر
واعتبرت الشُّرُوط عِنْد الْمَوْت لَا عِنْد الْإِيصَاء وَلَا بَينهمَا لِأَنَّهُ وَقت التسلط على الْقبُول حَتَّى لَو أوصى لمن خلا عَن الشُّرُوط أَو بعضهما كصبي ورقيق ثمَّ استكملها عِنْد الْمَوْت صَحَّ
وَلَا يضر عمى لِأَن الْأَعْمَى مُتَمَكن من التَّوْكِيل فِيمَا لَا يتَمَكَّن مِنْهُ
وَلَا أنوثة لما فِي سنَن أبي دَاوُد أَن عمر رضي الله عنه أوصى إِلَى حَفْصَة وَالأُم أولى من غَيرهَا إِذا حصلت الشُّرُوط فِيهَا عِنْد الْمَوْت وينعزل ولي بفسق لَا إِمَام لتَعلق الْمصَالح الْكُلية بولايته
وَشرط فِي الْمُوصى فِيهِ كَونه تَصرفا ماليا مُبَاحا فَلَا يَصح الْإِيصَاء فِي تَزْوِيج لِأَن غير الْأَب وَالْجد لَا يُزَوّج الصَّغِير وَالصَّغِيرَة وَلَا فِي مَعْصِيّة كبناء كَنِيسَة لمنافاتها لَهُ لكَونه قربَة
وَشرط فِي الصِّيغَة إِيجَاب بِلَفْظ يشْعر بالإيصاء وَفِي مَعْنَاهُ مَا مر فِي الضَّمَان كأوصيت إِلَيْك أَو فوضت إِلَيْك أَو جعلتك وَصِيّا وَلَو كَانَ الْإِيجَاب مؤقتا ومعلقا كأوصيت إِلَيْك إِلَى بُلُوغ ابْني أَو قدوم زيد فَإِذا بلغ أَو قدم فَهُوَ الْوَصِيّ لِأَنَّهُ يحْتَمل الجهالات والأخطار وَقبُول كوكالة فيكتفي بِالْعَمَلِ وَيكون الْقبُول بعد الْمَوْت مَتى شَاءَ كَمَا فِي الْوَصِيَّة بِمَال مَعَ بَيَان مَا يُوصي فِيهِ فَلَو اقْتصر على أوصيت إِلَيْك مثلا لَغَا
تَتِمَّة يسن إيصاء بِأَمْر نَحْو طِفْل كمجنون وبقضاء حق إِن لم يعجز عَنهُ حَالا أَو عجز وَبِه شُهُود وَلَا يَصح الْإِيصَاء على نَحْو طِفْل وَالْجد بِصفة الْولَايَة عَلَيْهِ لِأَن ولَايَته ثَابِتَة شرعا وَلَو أوصى اثْنَيْنِ وقبلا لم ينْفَرد أَحدهمَا بِالتَّصَرُّفِ إِلَّا بِإِذْنِهِ لَهُ بالانفراد عملا بِالْإِذْنِ
نعم لَهُ الِانْفِرَاد برد الْحُقُوق وتنفيذ وَصِيَّة مُعينَة وَقَضَاء دين فِي التَّرِكَة جنسه وَإِن لم يَأْذَن لَهُ
وَلكُل من الْمُوصي وَالْوَصِيّ رُجُوع عَن الْإِيصَاء مَتى شَاءَ لِأَنَّهُ عقد جَائِز إِلَّا أَن يتَعَيَّن الْوَصِيّ أَو يغلب على ظَنّه تلف المَال باستيلاء ظَالِم من قَاض أَو غَيره فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوع وَصدق بِيَمِينِهِ ولي وَصِيّا كَانَ أَو قيمًا أَو غَيره فِي إِنْفَاق على موليه لَائِق بِالْحَال لَا فِي دفع المَال إِلَيْهِ بعد كَمَاله فَلَا يصدق بل الْمُصدق موليه إِذْ لَا يعسر إِقَامَة الْبَيِّنَة عَلَيْهِ بِخِلَاف الْإِنْفَاق
وَلَو قَالَ أوصيت إِلَى الله تَعَالَى وَإِلَى زيد حمل ذكر الله على التَّبَرُّك وَلَو خَافَ الْوَصِيّ على المَال من اسْتِيلَاء ظَالِم فَلهُ تخليصه بِشَيْء مِنْهُ {وَالله يعلم الْمُفْسد من المصلح} قَالَ الْأَذْرَعِيّ وَمن هَذَا لَو علم أَنه لَو لم يبْذل شَيْئا لقَاضِي سوء لانتزع مِنْهُ المَال وَسلمهُ لبَعض خونته وَأدّى ذَلِك إِلَى استئصاله وَيقرب من ذَلِك قَول ابْن عبد السَّلَام يجوز تغييب مَال الْيَتِيم أَو السَّفِيه أَو الْمَجْنُون لحفظه إِذا خيف عَلَيْهِ الْغَصْب كَمَا فِي قصَّة الْخضر عليه السلام نفعنا الله ببركته فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة آمين
وانضم بَعْضهَا إِلَى بعض
وَشرعا عقد يتَضَمَّن إِبَاحَة وَطْء بِلَفْظ إنكاح أَو تَزْوِيج أَو تَرْجَمته
وَالْعرب تستعمله بِمَعْنى العقد وَالْوَطْء جَمِيعًا ولأصحابنا فِي مَوْضُوعه الشَّرْعِيّ ثَلَاثَة أوجه أَصَحهَا أَنه حَقِيقَة فِي العقد مجَاز فِي الْوَطْء كَمَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآن وَالْأَخْبَار وَلَا يرد على ذَلِك قَوْله تَعَالَى {حَتَّى تنْكح زوجا غَيره}
= كتاب النِّكَاح = هُوَ لُغَة الضَّم وَالْجمع وَمِنْه تناكحت الْأَشْجَار إِذا تمايلت لِأَن المُرَاد العقد وَالْوَطْء مُسْتَفَاد من خبر الصَّحِيحَيْنِ حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَته وَيَذُوق عُسَيْلَتك وَعقد النِّكَاح لَازم من جِهَة الزَّوْجَة وَكَذَلِكَ من جِهَة الزَّوْج على الْأَصَح وَهل كل من الزَّوْجَيْنِ مَعْقُود عَلَيْهِ أَو الزَّوْجَة فَقَط وَجْهَان أوجههمَا الثَّانِي
وَهل هُوَ ملك أَو إِبَاحَة وَجْهَان أوجههمَا الثَّانِي أَيْضا
وَالْأَصْل فِي حلّه الْكتاب وَالسّنة وَإِجْمَاع الْأمة فَمن الْكتاب قَوْله تَعَالَى {وَأنْكحُوا الْأَيَامَى مِنْكُم} من السّنة قَوْله صلى الله عليه وسلم من أحب فِطْرَتِي فَليَسْتَنَّ بِسنتي وَمن سنتي النِّكَاح
وَزَاد المُصَنّف فِي التَّرْجَمَة (وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من) بعض (الْأَحْكَام) كصحة وَفَسَاد (و) من (القضايا) الْآتِي ذكر بَعْضهَا فِي الْفُصُول الْآتِيَة
القَوْل فِي حكم النِّكَاح (وَالنِّكَاح) بِمَعْنى التَّزْوِيج (مُسْتَحبّ) لتائق لَهُ بتوقانه للْوَطْء إِن وجد أهبته من مهر وَكِسْوَة فصل التَّمْكِين وَنَفَقَة يَوْمه تحصينا
لدينِهِ سَوَاء أَكَانَ مشتغلا بِالْعبَادَة أم لَا فَإِن فقد أهبته فَتَركه أولى وَكسر إرشادا توقانه بِصَوْم لخَبر يَا معشر الشَّبَاب من اسْتَطَاعَ مِنْكُم الْبَاءَة فليتزوج فَإِنَّهُ أَغضّ لِلْبَصَرِ وَأحْصن لِلْفَرجِ وَمن لم يسْتَطع فَعَلَيهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وَجَاء أَي قَاطع لتوقانه والباءة بِالْمدِّ مُؤَن النِّكَاح فَإِن لم تنكسر بِالصَّوْمِ فَلَا يكسرهُ بالكافور وَنَحْوه بل يتَزَوَّج وَكره النِّكَاح لغير التائق لَهُ لعِلَّة أَو غَيرهَا إِن فقد أهبته أَو وجدهَا وَكَانَ بِهِ عِلّة كهرم وتعنين لانْتِفَاء حَاجته مَعَ الْتِزَام فَاقِد الأهبة مَا لَا يقدر عَلَيْهِ وخطر الْقيام بواجبه فِيمَا عداهُ وَإِن وجدهَا وَلَا عِلّة بِهِ فتخل لعبادة أفضل من النِّكَاح إِن كَانَ متعبدا اهتماما بهَا فَإِن لم يتعبد فَالنِّكَاح أفضل من تَركه لِئَلَّا تُفْضِي بِهِ البطالة إِلَى الْفَوَاحِش
وَيسْتَثْنى من إِطْلَاق المُصَنّف مَا لَو كَانَ فِي دَار الْحَرْب فَإِنَّهُ لَا يسْتَحبّ لَهُ النِّكَاح وَإِن اجْتمعت فِيهِ الشُّرُوط كَمَا نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي وَعلله بالخوف على وَلَده من الْكفْر والاسترقاق
تَنْبِيه نَص فِي الْأُم وَغَيرهَا على أَن الْمَرْأَة التائقة يسن لَهَا النِّكَاح وَفِي مَعْنَاهَا المحتاجة إِلَى النَّفَقَة والخائفة من اقتحام الفجرة
وَيُوَافِقهُ مَا فِي التَّنْبِيه من أَن من جَازَ لَهَا النِّكَاح إِن كَانَت محتاجة إِلَيْهِ اسْتحبَّ لَهَا النِّكَاح وَإِلَّا كره فَمَا قيل إِنَّه يسْتَحبّ لَهَا ذَلِك مُطلقًا مَرْدُود وَيسن أَن يتَزَوَّج بكرا لخَبر الصَّحِيحَيْنِ عَن جَابر رضي الله عنه هلا بكرا تلاعبها وتلاعبك إِلَّا لعذر كضعف آلَته عَن الافتضاض أَو احْتِيَاجه لمن يقوم على عِيَاله دينة لَا فاسقة جميلَة لوُرُود خبر الصَّحِيحَيْنِ تنْكح الْمَرْأَة لأَرْبَع لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها فاظفر بِذَات الدّين تربت يداك أَي افْتَقَرت إِن لم تفعل واستغنيت إِن فعلت
وَخبر تزوجوا الْوَلُود الْوَدُود فَإِنِّي مُكَاثِر بكم الْأُمَم يَوْم الْقِيَامَة وَيعرف كَون الْبكر ولودا بأقاربها نسيبة أَي طيبَة الأَصْل لخَبر تخَيرُوا لنُطَفِكُمْ غير ذَات قرَابَة قريبَة بِأَن تكون أَجْنَبِيَّة أَو ذَات قرَابَة بعيدَة لضعف الشَّهْوَة فِي الْقَرِيبَة فَيَجِيء الْوَلَد نحيفا
(وَيجوز للْحرّ أَن يجمع) فِي نِكَاح (بَين أَربع حرائر) فَقَط لقَوْله تَعَالَى {فانكحوا مَا طَابَ لكم من النِّسَاء مثنى وَثَلَاث وَربَاع} لقَوْله صلى الله عليه وسلم لغيلان وَقد أسلم وَتَحْته عشر نسْوَة أمسك أَرْبعا وَفَارق سائرهن وَإِذا امْتنع فِي الدَّوَام فَفِي الِابْتِدَاء أولى
فَائِدَة ذكر ابْن عبد السَّلَام أَنه كَانَ فِي شَرِيعَة مُوسَى عليه السلام الْجَوَاز من غير حصر تَغْلِيبًا لمصْلحَة الرِّجَال وَفِي شَرِيعَة عِيسَى عليه السلام لَا يجوز غير وَاحِدَة تَغْلِيبًا لمصْلحَة النِّسَاء وراعت شَرِيعَة نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وعَلى سَائِر الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ مصلحَة النَّوْعَيْنِ
قَالَ ابْن النَّقِيب وَالْحكمَة فِي تَخْصِيص الْحر بالأربع أَن الْمَقْصُود من النِّكَاح الألفة والمؤانسة وَذَلِكَ يفوت مَعَ الزِّيَادَة على الْأَرْبَع وَلِأَنَّهُ بالقسم يغيب عَن كل وَاحِدَة مِنْهُنَّ ثَلَاث لَيَال وَهِي مُدَّة قريبَة اه
وَقد تتَعَيَّن الْوَاحِدَة للْحرّ وَذَلِكَ فِي كل نِكَاح توقف على الْحَاجة كالسفيه وَالْمَجْنُون وَقَالَ بعض الْخَوَارِج الْآيَة تدل على جَوَاز تسع مثنى بِاثْنَيْنِ
وَثَلَاث بِثَلَاث وَربَاع بِأَرْبَع ومجموع ذَلِك تسع
وَبَعض مِنْهُم قَالَ تدل على ثَمَانِيَة عشرَة مثنى اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ وَثَلَاث ثَلَاثَة ثَلَاثَة وَربَاع أَرْبَعَة أَرْبَعَة ومجموع ذَلِك مَا ذكر
وَهَذَا خرق للْإِجْمَاع
الْيَمين من غير حصر سَوَاء أكن مَعَ الْحَرَائِر أَو منفردات وَهُوَ كَذَلِك لإِطْلَاق قَوْله تَعَالَى {فَإِن خِفْتُمْ أَلا تعدلوا فَوَاحِدَة أَو مَا ملكت أَيْمَانكُم}
تَنْبِيه اسْتُفِيدَ من تَقْيِيد المُصَنّف بالحرائر جَوَاز الْجمع بَين الْإِمَاء بِملك
(و) يجوز (للْعَبد أَن يجمع بَين اثْنَتَيْنِ) فَقَط لِأَن الحكم بن عتيبة نقل إِجْمَاع الصَّحَابَة فِيهِ وَلِأَنَّهُ على النّصْف من الْحر وَلِأَن النِّكَاح من بَاب الْفَضَائِل فَلم يلْحق العَبْد فِيهِ بِالْحرِّ كَمَا لم يلْحق الْحر بِمنْصب النُّبُوَّة فِي الزِّيَادَة على الْأَرْبَع
والمبعض كالقن كَمَا صرح بِهِ أَبُو حَامِد وَالْمَاوَرْدِيّ وَغَيرهمَا فَلَو نكح الْحر خمْسا مثلا بِعقد وَاحِد أَو العَبْد ثَلَاثًا كَذَلِك بطلن إِذْ لَيْسَ إبِْطَال نِكَاح وَاحِدَة مِنْهُنَّ بِأولى من الْأُخْرَى فَبَطل الْجَمِيع كَمَا لَو جمع بَين أُخْتَيْنِ أَو مُرَتبا فالخامسة للْحرّ وَالثَّالِثَة للْعَبد يبطل نِكَاحهَا لِأَن الزِّيَادَة على الْعدَد الشَّرْعِيّ حصل بهَا
(وَلَا ينْكح الْحر أمة) لغيره (إِلَّا بِشَرْطَيْنِ) بل بِثَلَاثَة وَإِن عَم الثَّالِث الْحر وَغَيره
واختص بِالْمُسلمِ أول الثَّلَاثَة (عدم) قدرته على (صدَاق الْحرَّة) وَلَو كِتَابِيَّة تصلح تِلْكَ الْحرَّة للاستمتاع بهَا أَو قدر على صَدَاقهَا وَلم يجدهَا أَو وجدهَا وَلم ترض إِلَّا بِزِيَادَة على مهر مثلهَا أَو لم ترض بنكاحه لقُصُور نسبه وَنَحْوه أَو كَانَ تَحْتَهُ من لَا تصلح للاستمتاع كصغيرة لَا تحْتَمل الْوَطْء أَو رتقاء أَو قرناء أَو هرمة أَو نَحْو ذَلِك فَلَو قدر على حرَّة غَائِبَة عَن بَلَده حلت لَهُ الْأمة إِن لحقه مشقة ظَاهِرَة فِي قَصدهَا
وَضبط الإِمَام الْمَشَقَّة بِأَن ينْسب محتملها فِي طلب الزَّوْجَة إِلَى الْإِسْرَاف ومجاوزة الْحَد أَو خَافَ زنا مُدَّة قصد الْحرَّة وَإِلَّا فَلَا تحل لَهُ الْأمة
وَيجب السّفر للْحرَّة لَكِن مَحَله كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيّ إِذا أمكن انتقالها مَعَه إِلَى وَطنه وَإِلَّا فَهِيَ كالمعدومة لما فِي تَكْلِيفه الْمقَام مَعهَا هُنَاكَ من التَّغْرِيب والرخص لَا تحْتَمل هَذَا التَّضْيِيق
وَلَا يمْنَع مَاله الْغَائِب نِكَاح الْأمة وَلَو قدر على حرَّة بِبيع مَسْكَنه حلت لَهُ الْأمة وَلَو وجد حرَّة ترْضى بمؤجل وَلم يجد الْمهْر أَو ترْضى بِدُونِ مهر الْمثل وَهُوَ واجده حلت لَهُ الْأمة فِي الصُّورَة الأولى لِأَن ذمَّته تصير مَشْغُولَة فِي الْحَال وَقد لَا يجده عِنْد حُلُول الْأَجَل دون الصُّورَة الثَّانِيَة لقدرته على نِكَاح حرَّة والْمنَّة فِي ذَلِك قَليلَة إِذْ الْعَادة الْمُسَامحَة فِي المهور
وَلَو رضيت حرَّة بِلَا مهر حلت لَهُ الْأمة أَيْضا لوُجُوب مهرهَا بِالْوَطْءِ
(و) ثَانِي الشُّرُوط (خوف الْعَنَت) وَهُوَ الْوُقُوع فِي الزِّنَا بِأَن تغلب شَهْوَته وتضعف تقواه وَإِن لم يغلب على ظَنّه وُقُوع الزِّنَا بل توقعه لَا على ندور فَمن ضعفت شَهْوَته وَله تقوى أَو مُرُوءَة أَو حَيَاء يستقبح مَعَه الزِّنَا وقويت شَهْوَته وتقواه لم تحل لَهُ الْأمة لِأَنَّهُ لَا يخَاف الزِّنَا فَلَا يجوز لَهُ أَن يرق وَلَده لفضاء وطر أَو كسر شَهْوَة
وأصل الْعَنَت الْمَشَقَّة سمي بِهِ الزِّنَا لِأَنَّهُ سَببهَا بِالْحَدِّ فِي الدُّنْيَا والعقوبة فِي الْآخِرَة
وَالْأَصْل فِيمَا ذكر قَوْله تَعَالَى {وَمن لم يسْتَطع مِنْكُم طولا أَن ينْكح الْمُحْصنَات الْمُؤْمِنَات فَمن مَا ملكت أَيْمَانكُم}
إِلَى قَوْله تَعَالَى {ذَلِك لمن خشِي الْعَنَت مِنْكُم} والطول السعَة وَالْمرَاد بالمحصنات الْحَرَائِر
قَالَ الرَّوْيَانِيّ وبالعنت عُمُومه لَا خصوصه حَتَّى لَو خَافَ الْعَنَت من أمة بِعَينهَا لقُوَّة ميله إِلَيْهَا وحبه لَهَا فَلَيْسَ لَهُ أَن يَتَزَوَّجهَا إِذا كَانَ واجدا للطول لِأَن الْعِشْق لَا معنى لاعتباره هُنَا لِأَن هَذَا تهييج من البطالة وإطالة الْفِكر وَكم من إِنْسَان ابتلى بِهِ وَسَلاهُ اه
وَالْوَجْه ترك التَّقْيِيد بِوُجُود الطول لِأَنَّهُ يَقْتَضِي جَوَاز نِكَاحهَا عِنْد فقد الطول فَيفوت اعْتِبَار عُمُوم الْعَنَت مَعَ أَن وجود الطول كَاف فِي الْمَنْع من نِكَاحهَا وَبِهَذَا الشَّرْط علم أَن الْحر لَا ينْكح أمتين وَأَن الْمَمْسُوح والمجبوب ذكره لَا يحل لَهُ نِكَاح الْأمة مُطلقًا وَهُوَ كَذَلِك إِذْ لَا يتَصَوَّر مِنْهُ الزِّنَا
وَلَو وجدت الْأمة زَوجهَا مجبوبا وأرادت إبِْطَال النِّكَاح وَادّعى الزَّوْج حُدُوث الْجب بعد النِّكَاح وَأمكن حكم بِصِحَّة نِكَاحه فَإِن لم يُمكن حُدُوثه بِأَن كَانَ الْموضع مندملا وَقد عقد النِّكَاح أمس حكم بِبُطْلَان النِّكَاح
وَالشّرط الثَّالِث إسْلَامهَا لمُسلم حر أَو غَيره كَمَا مر فَلَا تحل لَهُ كِتَابِيَّة أما الْحر فَلقَوْله تَعَالَى {فَمن مَا ملكت أَيْمَانكُم من فَتَيَاتكُم الْمُؤْمِنَات} وَأما غير الْحر فَلِأَن الْمَانِع من نِكَاحهَا كفرها فساوى الْحر كالمرتدة والمجوسية وَمن بَعْضهَا رَقِيق وباقيها حر حكمهَا كرقيق كلهَا فَلَا ينْكِحهَا الْحر إِلَّا بِالشُّرُوطِ السَّابِقَة لِأَن إرقاق بعض الْوَلَد مَحْذُور
وَفِي جَوَاز نِكَاح أمة مَعَ تيَسّر مبعضة تردد للْإِمَام لِأَن إرقاق بعض الْوَلَد أَهْون من إرقاق كُله وعَلى تَعْلِيل الْمَنْع اقْتصر الشَّيْخَانِ قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَهُوَ الْمُرَجح
أما غير الْمُسلم من حر وَغَيره ككتابيين فَتحل لَهُ أمة كِتَابِيَّة لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الدّين وَلَا بُد فِي نِكَاح الْحر الْكِتَابِيّ الْأمة الْكِتَابِيَّة من أَن يخَاف الزِّنَا ويفقد الْحرَّة كَمَا فهمه السُّبْكِيّ من كَلَامهم
وَاعْلَم أَنه لَا يحل للْحرّ مُطلقًا نِكَاح أمة وَلَده وَلَا أمة مُكَاتبَة وَلَا أمة مَوْقُوفَة عَلَيْهِ وَلَا موصى لَهُ بخدمتها
القَوْل فِي أَنْوَاع النّظر إِلَى الْمَرْأَة (وَنظر الرجل) الْفَحْل الْبَالِغ الْعَاقِل (إِلَى الْمَرْأَة) وَلَو غير مشتهاة (على سَبْعَة أضْرب) بِتَقْدِيم السِّين على الْمُوَحدَة فَخرج بِقَيْد الرجل وَالْمَرْأَة وَسَيَأْتِي حكم نظرها لمثلهَا لَكِن عِبَارَته توهم خُرُوج الْخُنْثَى الْمُشكل وَالصَّحِيح أَن حكمه فِي النّظر حكم الرجل وبقيد الْفَحْل الْمَمْسُوح فنظره للأجنبية جَائِز على الْأَصَح كنظر الْفَحْل إِلَى مَحَارمه
تَنْبِيه شَمل قَول المُصَنّف الرجل الْفَحْل الْخصي وَهُوَ من قلعت أنثياه وَبَقِي ذكره والمجبوب بِالْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ من قطع ذكره وَبَقِي أنثياه والعنين وَالشَّيْخ الْهَرم والمخنث وَهُوَ بِكَسْر النُّون على الْأَفْصَح المتشبه بِالنسَاء
وبقيد الْبَالِغ الصَّبِي وَلَو مُمَيّزا لَكِن الْمُرَاهق هُنَا كَالْبَالِغِ على الْأَصَح وبقيد الْعَاقِل الْمَجْنُون فنظره لَا يُوصف بِتَحْرِيم كالبهيمة
(أَحدهَا نظره) أَي الرجل (إِلَى) بدن امْرَأَة (أَجْنَبِيَّة) غير الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ وَلَو غير مشتهاة قصدا (لغير حَاجَة) مِمَّا سَيَأْتِي (فَغير جَائِز) قطعا وَإِن إِلَى الاختلاء بهَا لجماع أَو مقدماته بِالْإِجْمَاع كَمَا قَالَه الإِمَام وَلَو نظر إِلَيْهِمَا بِشَهْوَة وَهِي قصد التَّلَذُّذ بِالنّظرِ الْمُجَرّد وَأمن الْفِتْنَة حرم قطعا وَكَذَا يحرم النّظر إِلَيْهِمَا عِنْد الْأَمْن من الْفِتْنَة فِيمَا يظْهر لَهُ من نَفسه من غير شَهْوَة على الصَّحِيح كَمَا فِي الْمِنْهَاج كَأَصْلِهِ
وَوَجهه الإِمَام بِاتِّفَاق الْمُسلمين على منع النِّسَاء من الْخُرُوج سافرات الْوُجُوه وَبِأَن النّظر مَظَنَّة الْفِتْنَة ومحرك للشهوة وَقد قَالَ تَعَالَى قل أَمن الْفِتْنَة وَأما نظره
إِلَى الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ فَحَرَام عِنْد خوف فتْنَة تَدْعُو {للْمُؤْمِنين يغضوا من أَبْصَارهم} واللائق بمحاسن الشَّرِيعَة سد الْبَاب والإعراض عَن تفاصيل الْأَحْوَال كالخلوة بالأجنبية وَقيل لَا يحرم لقَوْله تَعَالَى {وَلَا يبدين زينتهن إِلَّا مَا ظهر مِنْهَا} وَهُوَ مُفَسّر بِالْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَنسبه الإِمَام لِلْجُمْهُورِ والشيخان للأكثرين وَقَالَ فِي الْمُهِمَّات إِنَّه الصَّوَاب لكَون الْأَكْثَرين عَلَيْهِ وَقَالَ البُلْقِينِيّ التَّرْجِيح بِقُوَّة الْمدْرك وَالْفَتْوَى على مَا فِي الْمِنْهَاج اه وَكَلَام المُصَنّف شَامِل لذَلِك وَهُوَ الْمُعْتَمد وَخرج بِقَيْد الْقَصْد مَا إِذا حصل النّظر اتِّفَاقًا فَلَا إِثْم فِيهِ
(و) الضَّرْب (الثَّانِي نظره) أَي الرجل (إِلَى) بدن (زَوجته و) إِلَى بدن (أمته) الَّتِي يحل لَهُ الِاسْتِمْتَاع بهَا (فَيجوز) حِينَئِذٍ (أَن ينظر إِلَى) كل بدنهما حَال حياتهما لِأَنَّهُ مَحل استمتاعه (مَا عدا الْفرج) الْمُبَاح مِنْهُمَا فَلَا يجوز جَوَازًا مستوي الطَّرفَيْنِ فَيكْرَه النّظر إِلَيْهِ بِلَا حَاجَة وَإِلَى بَاطِنه أَشد كَرَاهَة قَالَت عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا مَا رَأَيْت مِنْهُ وَلَا رأى مني أَي الْفرج
وَأما خبر النّظر إِلَى الْفرج يُورث الطمس أَي الْعَمى كَمَا ورد كَذَلِك فَرَوَاهُ ابْن حبَان وَغَيره فِي الضُّعَفَاء بل ذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي الموضوعات
وَقَالَ ابْن عدي حَدِيث مُنكر حَكَاهُ عَنهُ ابْن الْقطَّان فِي كِتَابه الْمُسَمّى بِالنّظرِ فِي أَحْكَام النّظر وَخَالف ابْن الصّلاح وَحسن إِسْنَاده وَقَالَ أَخطَأ من ذكره فِي الموضوعات وَمَعَ ذَلِك هُوَ مَحْمُول على الْكَرَاهَة كَمَا قَالَه الرَّافِعِيّ وَإِن كَانَ كَلَام المُصَنّف يُوهم الْحُرْمَة
وَاخْتلفُوا فِي قَوْله يُورث الْعَمى فَقيل فِي النَّاظر وَقيل فِي الْوَلَد وَقيل فِي الْقلب وَنظر الزَّوْجَة إِلَى زَوجهَا كنظره إِلَيْهَا
تَنْبِيه شَمل كلا مِنْهُم الدبر وَقَول الإِمَام والتلذذ بالدبر بِلَا إيلاج جَائِز صَرِيح فِيهِ وَهُوَ الْمُعْتَمد وَإِن خَالف فِي ذَلِك الدَّارمِيّ وَقَالَ بِحرْمَة النّظر إِلَيْهِ
ويستثني زَوجته الْمُعْتَدَّة عَن وَطْء الْغَيْر بِشُبْهَة فَإِنَّهُ يحرم عَلَيْهِ نظر مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة وَيحل مَا سواهُ على الصَّحِيح
وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ وَلَا يجوز للْمَرْأَة أَن تنظر إِلَى عَورَة زَوجهَا إِذا منعهَا مِنْهُ بِخِلَاف الْعَكْس لِأَنَّهُ يملك التَّمَتُّع بهَا
بِخِلَاف الْعَكْس اه
وَهُوَ ظَاهر وَإِن توقف فِيهِ بَعضهم وَخرج بِقَيْد الْحَيَاة مَا بعد الْمَوْت فَيصير الزَّوْج فِي النّظر حِينَئِذٍ كالمحرم كَمَا قَالَه فِي الْمَجْمُوع
وَمُقْتَضى التَّشْبِيه بالمحرم أَنه يحرم النّظر إِلَيْهِ بِشَهْوَة فِي غير مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة وَإِلَى مَا بَينهمَا بِغَيْر شَهْوَة وَمثل الزَّوْج السَّيِّد فِي أمته الَّتِي يحل لَهُ الِاسْتِمْتَاع بهَا أما الَّتِي لَا يحل لَهُ فِيهَا ذَلِك بِكِتَابَة أَو تَزْوِيج أَو شركَة أَو كفر كتوثن وردة وعدة من غَيره وَنسب ورضاع ومصاهرة وَنَحْو ذَلِك فَيحرم عَلَيْهِ نظره مِنْهَا إِلَى مَا بَين سرة وركبة دون مَا زَاد أما الْمُحرمَة بِعَارِض قريب الزَّوَال كحيض وَرهن فَلَا يحرم نظره إِلَيْهَا
(و) الضَّرْب (الثَّالِث نظره إِلَى ذَوَات مَحَارمه) من نسب أَو رضَاع أَو مصاهرة (أَو) إِلَى (أمته الْمُزَوجَة) وَمثلهَا الَّتِي يحرم الِاسْتِمْتَاع بهَا كالمكاتبة والمعتدة والمشتركة والمرتدة والمجوسية والوثنية فَيجوز بِغَيْر شَهْوَة فِيمَا مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة مِنْهُنَّ لِأَن الْمَحْرَمِيَّة معنى يُوجب حُرْمَة المناكحة فَكَانَا كالرجلين والمرأتين وَالْمَانِع الْمَذْكُور فِي الْأمة صيرها كالمحرم أما مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة فَيحرم نظره فِي الْمحرم إِجْمَاعًا وَمثل الْمحرم الْأمة الْمَذْكُورَة وَأما النّظر إِلَى السُّرَّة وَالركبَة فَيجوز لِأَنَّهُمَا ليسَا بِعَوْرَة بِالنِّسْبَةِ لنظر الْمحرم وَالسَّيِّد فَهَذِهِ الْعبارَة أولى من عبارَة ابْن الْمقري تبعا لغيره بِمَا فَوق السُّرَّة وَتَحْت الرّكْبَة
وَخرج بِقَيْد عدم الشَّهْوَة النّظر بهَا فَيحرم مُطلقًا فِي كل مَا لَا يُبَاح لَهُ الِاسْتِمْتَاع بِهِ وَلَكِن النّظر فِي الْخطْبَة يجوز وَلَو بِشَهْوَة كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْله
(و) الضَّرْب (الرَّابِع النّظر) الْمسنون (لأجل النِّكَاح فَيجوز) بل يسن إِذا قصد نِكَاحهَا ورجاه رَجَاء ظَاهرا أَنه يُجَاب إِلَى خطبَته كَمَا قَالَه ابْن عبد السَّلَام لقَوْله صلى الله عليه وسلم للْمُغِيرَة بن شُعْبَة وَقد خطب امْرَأَة انْظُر إِلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَن يُؤْدم بَيْنكُمَا الْمَوَدَّة والألفة وَمعنى يُؤْدم أَي يَدُوم قدمت الْوَاو على الدَّال
وَقيل من الإدام مَأْخُوذ من إدام الطَّعَام لِأَنَّهُ يطيب بِهِ حكى الأول الْمَاوَرْدِيّ عَن الْمُحدثين وَالثَّانِي عَن أهل اللُّغَة وَوقت النّظر قبل الْخطْبَة وَبعد الْعَزْم على النِّكَاح لِأَنَّهُ قبل الْعَزْم لَا حَاجَة إِلَيْهِ وَبعد الْخطْبَة قد يُفْضِي الْحَال إِلَى التّرْك فَيشق عَلَيْهَا وَلَا يتَوَقَّف النّظر على إِذْنهَا وَلَا إِذن وَليهَا اكْتِفَاء بِإِذن الشَّارِع وَلِئَلَّا تتزين فَيفوت غَرَضه
وَله تَكْرِير نظره إِن احْتَاجَ إِلَيْهِ ليتبين هيئتها فَلَا ينْدَم بعد النِّكَاح
وَالضَّابِط فِي ذَلِك الْحَاجة وَلَا يتَقَيَّد بِثَلَاث مَرَّات وَسَوَاء أَكَانَ بِشَهْوَة أم بغَيْرهَا كَمَا قَالَه الإِمَام وَالرُّويَانِيّ وَإِن قَالَ الْأَذْرَعِيّ فِي نظره بِشَهْوَة نظر وَينظر فِي الْحرَّة (إِلَى) جَمِيع (الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ) ظهرا وبطنا لِأَنَّهُمَا مَوَاضِع مَا يظْهر من الزِّينَة الْمشَار إِلَيْهَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَا يبدين زينتهن إِلَّا مَا ظهر مِنْهَا} وَلَا يجوز أَن ينظر إِلَى غير ذَلِك
وَالْحكمَة فِي الِاقْتِصَار عَلَيْهِ أَن فِي الْوَجْه مَا يسْتَدلّ بِهِ
على الْجمال وَفِي الْيَدَيْنِ مَا يسْتَدلّ بِهِ على خصب الْبدن أما الْأمة وَلَو مبعضة فَينْظر مِنْهَا مَا عدا مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة كَمَا صرح بِهِ ابْن الرّفْعَة وَقَالَ إِنَّه مَفْهُوم كَلَامهم فَإِن لم يَتَيَسَّر نظره إِلَيْهَا أَو لم يردهُ بعث امْرَأَة أَو نَحْوهَا تتأملها وتصفها لَهُ وَيجوز للمبعوث أَن يصف للباعث زَائِدا على مَا ينظره فيستفيد بِالْبَعْثِ مَا لَا يستفيده بنظره وَيسن للْمَرْأَة أَيْضا أَن تنظر من الرجل غير عَوْرَته إِذا أَرَادَت تزَوجه فَإِنَّهَا يعجبها مِنْهُ مَا يُعجبهُ مِنْهَا وتستوصف كَمَا مر فِي الرجل
تَنْبِيه قد علم مِمَّا تقرر أَن كلا من الزَّوْجَيْنِ ينظر من الآخر مَا عدا عَورَة الصَّلَاة وَخرج بِالنّظرِ الْمس فَلَا يجوز إِذْ لَا حَاجَة إِلَيْهِ
(و) الضَّرْب (الْخَامِس النّظر للمداواة) كفصد وحجامة وعلاج وَلَو فِي فرج (فَيجوز إِلَى الْمَوَاضِع الَّتِي يحْتَاج إِلَيْهَا فَقَط) لِأَن فِي التَّحْرِيم حِينَئِذٍ حرجا فللرجل مداواة الْمَرْأَة وَعَكسه وَليكن ذَلِك بِحَضْرَة محرم أَو زوج أَو امْرَأَة ثِقَة إِن جَوَّزنَا خلْوَة أَجْنَبِي بامرأتين وَهُوَ الرَّاجِح
وَيشْتَرط عدم امْرَأَة يُمكنهَا تعَاطِي ذَلِك من امْرَأَة وَعَكسه كَمَا صَححهُ فِي زِيَادَة الرَّوْضَة وَأَن لَا يكون ذِمِّيا مَعَ وجود مُسلم وَفِيه كَمَا قَالَه الْأَذْرَعِيّ أَن لَا تكون كَافِرَة أَجْنَبِيَّة مَعَ وجود مسلمة على الْأَصَح وَلَو لم نجد لعلاج الْمَرْأَة إِلَّا كَفَّارَة وَمُسلمًا فَالظَّاهِر أَن الْكَافِرَة تقدم لِأَن نظرها ومسها أخف من الرجل بل الْأَشْبَه عِنْد الشَّيْخَيْنِ أَنَّهَا تنظر مِنْهَا مَا يَبْدُو عِنْد المهنة بِخِلَاف الرجل
وَقيد فِي الْكَافِي الطَّبِيب بالأمين فَلَا يعدل إِلَى غَيره مَعَ وجوده
وَشرط الْمَاوَرْدِيّ أَن يَأْمَن الافتتان وَلَا يكْشف إِلَّا قدر الْحَاجة وَفِي معنى مَا ذكر نظر الخاتن إِلَى فرج من يختنه وَنظر الْقَابِلَة إِلَى فرج الَّتِي تولدها وَيعْتَبر فِي النّظر إِلَى الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ مُطلق الْحَاجة وَفِي غَيرهمَا مَا عدا السوأتين تأكدها بِأَن يكون مِمَّا يُبِيح التَّيَمُّم كشدة الضنا وَفِي السوأتين مزِيد تأكيدها بِأَن لَا يعد الْكَشْف بِسَبَبِهَا هتكا للمروءة
(و) الضَّرْب (السَّادِس النّظر للشَّهَادَة) تحملا وَأَدَاء أَو للمعاملة من بيع وَغَيره (فَيجوز) حَتَّى يجوز فِي الشَّهَادَة النّظر إِلَى الْفرج للشَّهَادَة على الزِّنَا والولادة وَإِلَى الثدي للشَّهَادَة على الرَّضَاع وَإِذا نظر إِلَيْهَا وَتحمل الشَّهَادَة عَلَيْهَا كلفت الْكَشْف عَن وَجههَا عِنْد الْأَدَاء إِن لم يعرفهَا فِي نقابها فَإِن عرفهَا لم يفْتَقر إِلَى الْكَشْف بل يحرم النّظر حِينَئِذٍ
وَيجوز النّظر إِلَى عانة ولد الْكَافِر لينْظر هَل نَبتَت أَو لَا وَيجوز للنسوة أَن ينظرن إِلَى ذكر الرجل إِذا ادَّعَت الْمَرْأَة عبالته وامتنعت من التَّمْكِين
تَنْبِيه هَذَا كُله إِذا لم يخف فتْنَة فَإِن خافها لم ينظر إِلَّا إِن تعين عَلَيْهِ فَينْظر ويضبط نَفسه وَأما فِي الْمُعَامَلَة فَينْظر إِلَى الْوَجْه فَقَط كَمَا جزم بِهِ الْمَاوَرْدِيّ وَغَيره
(و) الضَّرْب (السَّابِع النّظر إِلَى) بدن (الْأمة عِنْد ابتياعها) أَي إِذا أَرَادَ أَن يَشْتَرِيهَا رجل أَو بدن عبد إِذا أَرَادَت أَن تشتريه
امْرَأَة (فَيجوز إِلَى الْمَوَاضِع الَّتِي يحْتَاج إِلَى تقليبها) فَينْظر الرجل إِذا اشْترى جَارِيَة أَو اشترت الْمَرْأَة عبدا مَا عدا مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة
قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَلَا يُزَاد على النظرة الْوَاحِدَة إِلَّا أَن يحْتَاج إِلَى ثَانِيَة للتحقق فَيجوز
تَنْبِيه سكت المُصَنّف عَن النّظر إِلَى أَشْيَاء اختصارا مِنْهَا النّظر إِلَى التَّعْلِيم كَمَا قَالَه النَّوَوِيّ فِي الْمِنْهَاج وَاخْتلف الشُّرَّاح فِي معنى ذَلِك فَقَالَ السُّبْكِيّ إِنَّمَا يظْهر فِيمَا يجب تعلمه وتعليمه كالفاتحة وَمَا يتَعَيَّن تَعْلِيمه من الصَّنَائِع الْمُحْتَاج إِلَيْهَا بِشَرْط التَّعَذُّر من وَرَاء حجاب
وَأما غير ذَلِك فكلامهم يَقْتَضِي الْمَنْع وَمِنْهُم النَّوَوِيّ حَيْثُ قَالَ فِي الصَدَاق وَلَو أصدقهَا تَعْلِيم قُرْآن فَطلق قبله فَالْأَصَحّ تعذر تَعْلِيمه
وَقَالَ الْجلَال الْمحلي وَهُوَ أَي التَّعْلِيم للأمرد خَاصَّة لما سَيَأْتِي وَيُشِير بذلك إِلَى مَسْأَلَة الصَدَاق وَالْمُعْتَمد أَنه يجوز النّظر للتعليم للأمرد وَغَيره وَاجِبا كَانَ أَو مَنْدُوبًا
وَإِنَّمَا منع من تَعْلِيم الزَّوْجَة الْمُطلقَة لِأَن كلا من الزَّوْجَيْنِ تعلّقت آماله بِالْآخرِ فَصَارَ لكل مِنْهُمَا طمعة فِي الآخر فَمنع من ذَلِك
وَمِنْهَا نظر الْمَرْأَة إِلَى محارمها وَحكمه كَعَكْسِهِ فتنظر مِنْهُ مَا عدا مَا بَين سرته وركبته
وَمِنْهَا نظر الْمَرْأَة إِلَى بدن أَجْنَبِي وَالأَصَح أَنه كنظره إِلَيْهَا وَمِنْهَا نظر رجل إِلَى رجل فَيحل بِلَا شَهْوَة إِلَّا مَا بَين سرة وركبة فَيحرم وَمِنْهَا نظر الْأَمْرَد وَهُوَ الشَّاب الَّذِي لم تنْبت لحيته وَلَا يُقَال لمن أسن وَلَا شعر بِوَجْهِهِ أَمْرَد بل يُقَال لَهُ ثط بالثاء الْمُثَلَّثَة فَإِن كَانَ بِشَهْوَة فَهُوَ حرَام بِالْإِجْمَاع وَلَا يخْتَص ذَلِك بالأمرد كَمَا مر بل النّظر إِلَى الملتحي وَالنِّسَاء الْمَحَارِم بِشَهْوَة حرَام قطعا
وَضَابِط الشَّهْوَة فِيهِ كَمَا قَالَه فِي الْإِحْيَاء إِن كل من تأثر بِجَمَال صُورَة الْأَمْرَد بِحَيْثُ يظْهر من نَفسه الْفرق بَينه وَبَين الملتحي فَهُوَ لَا يحل لَهُ النّظر وَلَو انْتَفَت الشَّهْوَة وَخيف الْفِتْنَة حرم النّظر أَيْضا
قَالَ ابْن الصّلاح وَلَيْسَ المعني بخوف الْفِتْنَة غَلَبَة الظَّن بوقوعها بل يَكْفِي أَن لَا يكون ذَلِك نَادرا وَأما نظره بِغَيْر شَهْوَة وَلَا خوف فتْنَة فَيحرم عِنْد النَّوَوِيّ أَيْضا وَالْأَكْثَرُونَ على خِلَافه
وَمِنْهَا النّظر إِلَى الْأمة وَهِي الْحرَّة على الْأَصَح عِنْد الْمُحَقِّقين
وَمِنْهَا نظر الْمَرْأَة إِلَى مثلهَا وَهُوَ كنظر رجل إِلَى رجل وَأما الْخُنْثَى الْمُشكل فيعامل بالأشد فَيجْعَل مَعَ النِّسَاء رجلا وَمَعَ الرِّجَال امْرَأَة إِذا كَانَ فِي سنّ يحرم فِيهِ نظر الْوَاضِح كَمَا جزم بِهِ النَّوَوِيّ فِي بَاب الْأَحْدَاث من الْمَجْمُوع وَلَا يجوز أَن يَخْلُو بِهِ أَجْنَبِي وَلَا أَجْنَبِيَّة وَلَو كَانَ مَمْلُوكا لامْرَأَة فَهُوَ مَعهَا كعبدها وَمِنْهَا نظر الْكَافِرَة إِلَى الْمسلمَة فَهُوَ حرَام فتحتجب الْمسلمَة عَنْهَا لقَوْله تَعَالَى {أَو نسائهن} فَلَو جَازَ لَهَا النّظر لم يبْق للتخصيص فَائِدَة وَصَحَّ عَن عمر رضي الله عنه منع الكتابيات دُخُول الْحمام مَعَ المسلمات هَذَا مَا فِي الْمِنْهَاج كَأَصْلِهِ وَالْأَشْبَه كَمَا فِي الرَّوْضَة وَأَصلهَا أَنه يجوز أَن ترى مِنْهَا مَا يَبْدُو عِنْد المهنة وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر وَمحل ذَلِك فِي كَافِرَة غير محرم للمسلمة وَغير مَمْلُوكَة لَهَا أما هما فَيجوز