الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ففيهما تَفْصِيل ذكرته فِي شرح الْمِنْهَاج وَغَيره مَعَ فَوَائِد مهمة لَا بَأْس بمراجعتها فَإِن هَذَا الْمُخْتَصر لَا يحْتَمل ذكرهَا وَلَو ادّعى رَقِيق كِتَابَة فَأنْكر سَيّده أَو وَارثه حلف الْمُنكر وَلَو اخْتلف السَّيِّد وَالْمكَاتب فِي قدر النُّجُوم أَو فِي قدر الْأَجَل وَلَا بَيِّنَة أَو لكل بَيِّنَة تحَالفا ثمَّ إِن لم يتَّفقَا على شَيْء فَسخهَا الْحَاكِم أَو المتحالفان أَو أَحدهمَا كَمَا فِي البيع وَلَو قَالَ السَّيِّد كاتبتك وَأَنا مَجْنُون أَو مَحْجُور عَليّ فَأنْكر الْمكَاتب صدق السَّيِّد بِيَمِينِهِ إِن عرف لَهُ مَا ادَّعَاهُ وَإِلَّا فالمكاتب وَلَو مَاتَ السَّيِّد وَالْمكَاتب مِمَّن يعْتق على الْوَارِث عتق عَلَيْهِ وَلَو ورث رجل زَوجته الْمُكَاتبَة أَو ورثت امْرَأَة زَوجهَا الْمكَاتب انْفَسَخ النِّكَاح لِأَن كلا مِنْهُمَا ملكه زوجه أَو بعضه
وَلَو اشْترى الْمكَاتب زَوجته أَو بِالْعَكْسِ وَانْقَضَت مُدَّة الْخِيَار أَو كَانَ الْخِيَار للْمُشْتَرِي انْفَسَخ النِّكَاح لِأَن كلا مِنْهُمَا ملك زوجه
فصل فِي أُمَّهَات الْأَوْلَاد
ختم المُصَنّف رَحمَه الله تَعَالَى كِتَابه بِالْعِتْقِ رَجَاء أَن الله تَعَالَى يعتقهُ وقارئه وشارحه من النَّار
فنسأل الله تَعَالَى من فَضله وَكَرمه أَن يجيرنا ووالدينا ومشايخنا وَجَمِيع أهلنا ومحبينا مِنْهَا وَآخر هَذَا الْفَصْل لِأَنَّهُ عتق قهري مشوب بِقَضَاء أوطار وَأُمَّهَات بِضَم الْهمزَة وَكسرهَا مَعَ فتح الْمِيم وَكسرهَا وَأَصلهَا أمهة بِدَلِيل جمعهَا على ذَلِك قَالَه الْجَوْهَرِي
وَيُقَال فِي جمعهَا أَيْضا أمات وَقَالَ بَعضهم الْأُمَّهَات للنَّاس والأمات للبهائم وَقَالَ آخَرُونَ يُقَال فيهمَا أُمَّهَات وأمات لَكِن الأول أَكثر فِي النَّاس وَالثَّانِي أَكثر فِي غَيرهم وَيُمكن رد الأول إِلَى هَذَا
وَالْأَصْل فِي ذَلِك خبر أَيّمَا أمة ولدت من سَيِّدهَا فَهِيَ حرَّة عَن دبر مِنْهُ رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالْحَاكِم وَصحح إِسْنَاده
وَخبر الصَّحِيحَيْنِ عَن أبي مُوسَى قُلْنَا يَا رَسُول الله إِنَّا نأتي السبايا ونحب أَثْمَانهنَّ فَمَا ترى فِي الْعَزْل فَقَالَ مَا عَلَيْكُم أَن لَا تَفعلُوا مَا من نسمَة كائنة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا وَهِي كائنة فَفِي قَوْلهم ونحب أَثْمَانهنَّ دَلِيل على أَن بيعهنَّ بالاستيلاد مُمْتَنع وَاسْتشْهدَ لذَلِك الْبَيْهَقِيّ بقول عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا لم يتْرك رَسُول الله صلى الله عليه وسلم دِينَارا وَلَا درهما وَلَا عبدا وَلَا أمة
قَالَ فِيهِ دلَالَة على أَنه لم يتْرك أم إِبْرَاهِيم رقيقَة وَأَنَّهَا عتقت بِمَوْتِهِ
(وَإِذا أصَاب) أَي وطىء (السَّيِّد) الرجل الْحر كلا أَو بَعْضًا مُسلما كَانَ أَو كَافِرًا أَصْلِيًّا (أمته)
أَي بِأَن علقت مِنْهُ وَلَو سَفِيها أَو مَجْنُونا أَو مكْرها أَو أحبلها الْكَافِر حَال إسْلَامهَا قبل بيعهَا عَلَيْهِ بِوَطْء مُبَاح أَو محرم كَأَن تكون حَائِضًا أَو محرما لَهُ كأخته أَو مُزَوّجَة أَو باستدخال مَائه الْمُحْتَرَم فِي حَال حَيَاته (فَوضعت) حَيا أَو مَيتا أَو مَا يجب فِيهِ غرَّة وَهُوَ (مَا) أَي لحم (يتَبَيَّن) لكل أحد أَو لأهل الْخِبْرَة من القوابل (فِيهِ شَيْء من خلق آدَمِيّ) كمضغة فِيهَا صُورَة آدَمِيّ وَإِن لم تظهر إِلَّا لأهل الْخِبْرَة وَلَو من غير النِّسَاء وَجَوَاب إِذا (حرم عَلَيْهِ بيعهَا)
وَلَو مِمَّن تعْتق عَلَيْهِ أَو بِشَرْط الْعتْق أَو مِمَّن أقرّ بحريتها
(ورهنها وهبتها) مَعَ بطلَان ذَلِك أَيْضا لخَبر أُمَّهَات الْأَوْلَاد لَا يبعن وَلَا يوهبن وَلَا يورثن يسْتَمْتع بهَا سَيِّدهَا مَا دَامَ حَيا فَإِذا مَاتَ فَهِيَ حرَّة رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ ابْن الْقطَّان رُوَاته
كلهم ثِقَات
وَقد قَامَ الْإِجْمَاع على عدم صِحَة بيعهَا واشتهر عَن عَليّ رضي الله عنه أَنه خطب يَوْمًا على الْمِنْبَر فَقَالَ فِي أثْنَاء خطبَته اجْتمع رَأْي ورأي عمر على أَن أُمَّهَات الْأَوْلَاد لَا يبعن وَأَنا الْآن أرى بيعهنَّ فَقَالَ عُبَيْدَة السَّلمَانِي رَأْيك مَعَ رَأْي عمر
وَفِي رِوَايَة مَعَ الْجَمَاعَة أحب إِلَيْنَا من رَأْيك وَحدك
فَقَالَ اقضوا فِيهِ مَا أَنْتُم قاضون فَإِنِّي أكره أَن أُخَالِف الْجَمَاعَة فَلَو حكم حَاكم بِصِحَّة بيعهَا نقض حكمه لمُخَالفَته الْإِجْمَاع وَمَا كَانَ فِي بيعهَا من خلاف بَين الْقرن الأول فقد انْقَطع وَصَارَ مجمعا على مَنعه وَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن جَابر كُنَّا نبيع سرارينا أُمَّهَات الْأَوْلَاد وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم حَيّ لَا يرى بذلك بَأْسا أُجِيب عَنهُ بِأَنَّهُ مَنْسُوخ وَبِأَنَّهُ مَنْسُوب إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم اسْتِدْلَالا واجتهادا فَيقدم عَلَيْهِ مَا نسب إِلَيْهِ قولا ونصا وَهُوَ نَهْيه صلى الله عليه وسلم عَن بيع أُمَّهَات الْأَوْلَاد كَمَا مر وَيسْتَثْنى من منع بيعهَا بيعهَا من نَفسهَا بِنَاء على أَنه عقد عتاقة وَهُوَ الْأَصَح وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ أَنه لَو بَاعهَا بَعْضهَا أَنه يَصح ويسري إِلَى بَاقِيهَا كَمَا لَو أعتق بعض رَقِيقه وَأَنه إِذا كَانَ السَّيِّد مبعضا أَنه لَا يَصح مِنْهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ من أهل الْوَلَاء وَهَذَا ظَاهر وَإِن لم أر من ذكره وَمحل الْمَنْع إِذا لم يرْتَفع الإيلاد فَإِن ارْتَفع بِأَن كَانَت كَافِرَة وَلَيْسَت لمُسلم وسبيت وَصَارَت قنة
فَإِنَّهُ يَصح جَمِيع التَّصَرُّفَات فِيهَا
وَكَذَا يَصح بيعهَا فِي صور مِنْهَا مُسْتَوْلدَة الرَّاهِن المقبض الْمُعسر تبَاع فِي الدّين وَمِنْهَا جَارِيَة التَّرِكَة الَّتِي تعلق بهَا دين إِذا اسْتَوْلدهَا الْوَارِث وَهُوَ مُعسر تبَاع فِي دين الْمَيِّت وَمِنْهَا مَا إِذا استولد الجانية جِنَايَة توجب مَالا مُتَعَلقا برقبتها وَهُوَ مُعسر تبَاع فِي دين الْجِنَايَة
وَمِنْهَا مَا إِذا استولد أمة العَبْد الْمَأْذُون لَهُ فِي التِّجَارَة وَهُوَ مُعسر تبَاع فِي دينه
وَقد ذكر فِي الرَّوْضَة هَذِه الصُّور الْأَرْبَع أَوَاخِر الْبَاب الْخَامِس من النِّكَاح وَقَالَ إِن الْملك إِذا عَاد فِي هَذِه الصُّور إِلَى الْمَالِك بعد البيع عَاد الِاسْتِيلَاد
اه
أما الصُّورَة الأولى وَهِي مَسْأَلَة السَّبي فَالَّذِي يظْهر فِيهَا أَنه لَا يعود الِاسْتِيلَاد إِذا عَادَتْ لمَالِكهَا بعد ذَلِك لأَنا أبطلناه بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَاف هَذِه الْمسَائِل وَيسْتَثْنى من نُفُوذ الِاسْتِيلَاد مَا لَو نذر التَّصَدُّق بِثمنِهَا ثمَّ اسْتَوْلدهَا فَإِنَّهُ يلْزمه بيعهَا وَالتَّصَدُّق بِثمنِهَا وَلَا ينفذ
استيلاده فِيهَا
وَمَا إِذا أوصى بِعِتْق جَارِيَة تخرج من الثُّلُث فالملك فِيهَا للْوَارِث
وَمَعَ ذَلِك لَو اسْتَوْلدهَا قبل إعْتَاقهَا لم ينفذ لإفضائه إِلَى إبِْطَال الْوَصِيَّة وَمَا إِذا اسْتكْمل الصَّبِي تسع سِنِين فوطىء أمته فَولدت لأكْثر من سِتَّة أشهر فَإِن الْوَلَد يلْحقهُ قَالُوا وَلَكِن لَا يحكم بِبُلُوغِهِ قَالَ البُلْقِينِيّ وَظَاهر كَلَامهم يَقْتَضِي أَنه لَا يثبت استيلاد وَالَّذِي صوبناه الحكم بِبُلُوغِهِ وَثُبُوت استيلاد أمته فعلى كَلَامهم تستثنى هَذِه الصُّورَة وعَلى مَا قُلْنَاهُ لَا اسْتثِْنَاء اه
وَالْمُعْتَمد الِاسْتِثْنَاء وَاخْتلف فِي نُفُوذ استيلاد الْمَحْجُور عَلَيْهِ بالفلس فرجح نُفُوذه ابْن الرّفْعَة وَتَبعهُ البُلْقِينِيّ وَرجح السُّبْكِيّ خِلَافه وَتَبعهُ الْأَذْرَعِيّ وَالزَّرْكَشِيّ ثمَّ قَالَ لَكِن سبق عَن الْحَاوِي وَالْغَزالِيّ النّفُوذ اه
وَكَونه كاستيلاد الرَّاهِن الْمُعسر أشبه من كَونه كَالْمَرِيضِ فَإِن من يَقُول بالنفوذ يُشبههُ بالمريض وَمن يَقُول بِعَدَمِهِ يُشبههُ بالراهن الْمُعسر وَخرج بِقَيْد الْحر كلا أَو بَعْضًا الْمكَاتب إِذا أحبل أمته ثمَّ مَاتَ رَقِيقا قبل الْعَجز أَو بعده فَلَا تعْتق بِمَوْتِهِ وبالماء الْمُحْتَرَم مَا إِذا كَانَ غير مُحْتَرم وَهُوَ الْخَارِج على وَجه محرم لَعنه كَالزِّنَا فَلَا يثبت بِهِ استيلاد وبحال الْحَيَاة مَا لَو استدخلت منيه الْمُنْفَصِل مِنْهُ فِي حَال حَيَاته بعد مَوته فَلَا يثبت بِهِ أُميَّة الْوَلَد لِأَنَّهَا بِالْمَوْتِ انْتَقَلت إِلَى ملك الْوَارِث وَيدخل فِي عِبَارَته أمته الَّتِي اشْتَرَاهَا بِشَرْط الْعتْق فَإِنَّهُ إِذا اسْتَوْلدهَا وَمَات قبل أَن يعتقها فَإِنَّهَا تعْتق بِمَوْتِهِ وَقد توهم عِبَارَته أَنه لَو أحبل الْجَارِيَة الَّتِي يملك بَعْضهَا أَنه لَا ينفذ بالاستيلاد فِيهَا وَلَيْسَ مرَادا بل يثبت الِاسْتِيلَاد فِي نصِيبه وَفِي الْكل إِن كَانَ مُوسِرًا كَمَا مر فِي الْعتْق (وَجَاز لَهُ) أَي السَّيِّد (التَّصَرُّف فِيهَا بالاستخدام) وَالْإِجَارَة والإعارة لبَقَاء ملكه عَلَيْهَا فَإِن قيل قد صرح الْأَصْحَاب بِأَنَّهُ لَا يجوز إِجَارَة الْأُضْحِية الْمعينَة كَمَا لَا يجوز بيعهَا إِلْحَاقًا للمنافع بالأعيان فَهَلا كَانَ هُنَا كَذَلِك كَمَا قَالَ بِهِ الإِمَام مَالك
أُجِيب بِأَن الْأُضْحِية خرج ملكه عَنْهَا
تَنْبِيه مَحل صِحَة إِجَارَتهَا إِذا كَانَ من غَيرهَا أما إِذا أجرهَا نَفسهَا فَإِنَّهُ لَا يَصح لِأَن الشَّخْص لَا يملك مَنْفَعَة نَفسه وَهل لَهَا أَن تستعير نَفسهَا من سَيِّدهَا قِيَاس مَا قَالُوهُ فِي الْحر إِنَّه لَو أجر نَفسه وَسلمهَا ثمَّ استعارها جَازَ أَنه هُنَا كَذَلِك وَلَو مَاتَ السَّيِّد بعد أَن أجرهَا انْفَسَخت الْإِجَارَة
فَإِن قيل لَو أعتق رَقِيقه الْمُؤَجّر لم تَنْفَسِخ فِيهِ الْإِجَارَة فَهَلا كَانَ هُنَا كَذَلِك أُجِيب بِأَن السَّيِّد فِي العَبْد لَا يملك مَنْفَعَة الْإِجَارَة فإعتاقه ينزل على مَا يملكهُ وَأم الْوَلَد ملكت نَفسهَا بِمَوْت سَيِّدهَا فانفسخت الْإِجَارَة
وَيُؤْخَذ من هَذَا أَنه لَو أجرهَا ثمَّ أحبلها ثمَّ مَاتَ لَا تَنْفَسِخ الْإِجَارَة فِي الْمُسْتَقْبل
وَهُوَ كَذَلِك وَله تَزْوِيجهَا بِغَيْر إِذْنهَا لبَقَاء ملكه عَلَيْهَا وعَلى مَنَافِعهَا
(و) لَهُ (الْوَطْء) لأم وَلَده بِالْإِجْمَاع وَلِحَدِيث الدَّارَقُطْنِيّ الْمُتَقَدّم هَذَا إِذا لم يحصل هُنَاكَ مَانع مِنْهُ والموانع كَثِيرَة فَمِنْهَا مَا لَو أحبل الْكَافِر أمته الْمسلمَة أَو أحبل الشَّخْص أمته الْمُحرمَة عَلَيْهِ بِنسَب أَو رضَاع أَو مصاهرة وَمَا لَو أولد مُكَاتبَته وَمَا لَو أولد الْمبعض أمته
(وَإِذا مَاتَ السَّيِّد) وَلَو بقتلها لَهُ بِقصد الاستعجال (عتقت) بِلَا خلاف لما مر من الْأَدِلَّة وَلما روى الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن
عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه قَالَ أم الْوَلَد أعْتقهَا وَلَدهَا أَي أثبت لَهَا حق الْحُرِّيَّة وَلَو كَانَ سقطا وَهَذَا أحد الصُّور المستثناة من الْقَاعِدَة الْمَعْرُوفَة وَهِي من استعجل بِشَيْء قبل أَوَانه عُوقِبَ بحرمانه وعتقها (من رَأس مَاله) لقَوْله صلى الله عليه وسلم أعْتقهَا وَلَدهَا وَسَوَاء أحبلها أم أعْتقهَا فِي الْمَرَض أم لَا أَو أوصى بهَا من الثُّلُث أم لَا بِخِلَاف مَا لَو أوصى بِحجَّة الْإِسْلَام فَإِن الْوَصِيَّة بهَا تحسب من الثُّلُث لِأَن هَذَا إِتْلَاف حصل بالاستمتاع فَأشبه إِنْفَاق المَال فِي اللَّذَّات والشهوات وَيبدأ بِعتْقِهَا
(قبل) قَضَاء (الدُّيُون) وَلَو لله تَعَالَى كالكفارة (والوصايا) وَلَو لجِهَة عَامَّة كالفقراء (وَوَلدهَا) الْحَاصِل قبل الِاسْتِيلَاد من زنا أَو من زوج لَا يعتقون بِمَوْت السَّيِّد وَله بَيْعه وَالتَّصَرُّف فِيهِ بِسَائِر التَّصَرُّفَات لحدوثه قبل ثُبُوت الْحُرِّيَّة للْأُم بِخِلَاف الْوَلَد الْحَاصِل بعد الِاسْتِيلَاد
(من غَيره) بِنِكَاح أَو غَيره فَإِنَّهُ (بمنزلتها) فِي منع التَّصَرُّف فِيهِ بِمَا يمْتَنع عَلَيْهِ التَّصَرُّف بِهِ فِيهَا وَيجوز لَهُ استخدامه وإجارته وإجباره على النِّكَاح إِن كَانَ أُنْثَى لَا إِن كَانَ ذكرا وعتقه بِمَوْت السَّيِّد
وَإِن كَانَت أمه قد مَاتَت فِي حَيَاة السَّيِّد كَمَا قَالَه فِي الرَّوْضَة لِأَن الْوَلَد يتبع أمه رقا وحرية فَكَذَا فِي سَببه اللَّازِم وَلِأَنَّهُ حق اسْتَقر لَهُ فِي حَيَاة أمه فَلم يسْقط بموتها وَلَو أعتق السَّيِّد مستولدته لم يعْتق وَلَدهَا
وَلَيْسَ لَهُ وَطْء بنت مستولدته
وَعلل ذَلِك بحرمتها بِوَطْء أمهَا وَهُوَ جري على الْغَالِب فَإِن استدخال الْمَنِيّ الَّذِي يثبت بِهِ الِاسْتِيلَاد كَذَلِك فَلَو وَطئهَا هَل تصير مُسْتَوْلدَة كَمَا لَو كَاتب ولد الْمُكَاتبَة فَإِنَّهُ يصير مكَاتبا أَو لَا يَنْبَغِي أَن يصير وَفَائِدَته الْحلف وَالتَّعْلِيق
تَنْبِيه سكت المُصَنّف عَن أَوْلَاد أَوْلَاد الْمُسْتَوْلدَة
وَلم أر من تعرض لَهُم وَالظَّاهِر أخذا من كَلَامهم أَنهم إِن كَانُوا من أَوْلَادهَا الْإِنَاث فحكمهم حكم أَوْلَادهَا أَو من الذكوره فَلَا لِأَن الْوَلَد يتبع الْأُم رقا وحرية وَلَو ادَّعَت الْمُسْتَوْلدَة أَن هَذَا الْوَلَد حدث بعد الِاسْتِيلَاد أَو بعد موت السَّيِّد فَهُوَ حر
وَأنكر الْوَارِث ذَلِك وَقَالَ بل حدث قبل الِاسْتِيلَاد فَهُوَ قن صدق بِيَمِينِهِ بِخِلَاف مَا لَو كَانَ فِي يَدهَا مَال وَادعت أَنَّهَا اكتسبته بعد موت السَّيِّد وَأنكر الْوَارِث فَإِنَّهَا المصدقة لِأَن الْيَد لَهَا فترجح بِخِلَافِهَا فِي الأولى فَإِنَّهَا تَدعِي حُرِّيَّته وَالْحر لَا يدْخل تَحت الْيَد (وَمن أصَاب) أَي وَطْء (أمة غَيره بِنِكَاح) لَا غرور فِيهِ بحريّة أَو زنا (فولده مِنْهَا) حِينَئِذٍ (مَمْلُوك لسَيِّدهَا) بِالْإِجْمَاع لِأَنَّهُ يتبع الْأُم فِي الرّقّ وَالْحريَّة أما إِذا غر بحريّة أمه فنكحها وأولدها فَالْوَلَد حر كَمَا ذكره الشَّيْخَانِ فِي بَاب الْخِيَار والإعفاف
وَكَذَا إِذا نَكَحَهَا بِشَرْط أَن أَوْلَادهَا الحادثين مِنْهُ أَحْرَار فَإِنَّهُ يَصح الشَّرْط وَمَا حدث لَهُ مِنْهَا من ولد فَهُوَ حر كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَام الْقُوت فِي بَاب الصَدَاق
تَنْبِيه لَو نكح حر جَارِيَة أَجْنَبِي ثمَّ ملكهَا ابْنه أَو تزوج رَقِيق جَارِيَة ابْنه ثمَّ عتق لم يَنْفَسِخ النِّكَاح لِأَن الأَصْل فِي النِّكَاح الثَّبَات والدوام فَلَو اسْتَوْلدهَا الْأَب بعد عتقه فِي الثَّانِيَة وَملك ابْنه لَهَا فِي الأولى لم ينفذ استيلادها لِأَنَّهُ رَضِي برق وَلَده حِين نَكَحَهَا
وَلِأَن النِّكَاح حَاصِل مُحَقّق فَيكون واطئا بِالنِّكَاحِ لَا بِشُبْهَة الْملك بِخِلَاف مَا إِذا لم يكن نِكَاح كَمَا جرى على ذَلِك الشَّيْخَانِ فِي بَاب النِّكَاح وَلَو ملك الْمكَاتب زَوْجَة سَيّده الْأمة انْفَسَخ نِكَاحه (فَإِن أَصَابَهَا) أَي وَطئهَا لَا بِنِكَاح بل (بِشُبْهَة) مِنْهُ كَأَن ظَنّهَا أمته أَو زَوجته الْحرَّة (فولده مِنْهَا) حِينَئِذٍ (حر نسيب) بِلَا خلاف اعْتِبَارا بظنه
(و) لَكِن (عَلَيْهِ) فِي هَذِه الْحَالة (قِيمَته) وَقت وِلَادَته بِأَن يقدر رَقِيقا فَمَا بلغت قِيمَته دَفعه (للسَّيِّد) لتفويته الرّقّ عَلَيْهِ بظنه أما إِذا ظَنّهَا زَوجته الْأمة فَالْوَلَد رَقِيق للسَّيِّد اعْتِبَارا بظنه وَإِطْلَاق المُصَنّف ينزل على هَذَا التَّفْصِيل كَمَا نزلنَا عَلَيْهِ عبارَة الْمِنْهَاج فِي شَرحه إِذْ هُوَ الْمَذْكُور فِي الرَّوْضَة وَغَيرهَا
وَلَو أفْصح بِهِ كَانَ أولى وَلَو تزوج شخص بحرة وَأمة بِشَرْطِهِ فوطىء الْأمة يَظُنهَا الْحرَّة فالأشبه أَن الْوَلَد حر كَمَا فِي أمة الْغَيْر يَظُنهَا زَوجته الْحرَّة
تَنْبِيه أطلق المُصَنّف الشُّبْهَة وَمُقْتَضى تَعْلِيلهم شُبْهَة الْفَاعِل فَتخرج شُبْهَة الطَّرِيق الَّتِي أَبَاحَ الْوَطْء بهَا عَالم فَلَا يكون الْوَلَد بهَا حرا كَأَن تزوج شَافِعِيّ أمة وَهُوَ مُوسر وَبَعض الْمذَاهب يرى بِصِحَّتِهِ فَيكون الْوَلَد رَقِيقا وَكَذَا لَو أكره على أمة الْغَيْر كَمَا قَالَه الزَّرْكَشِيّ
(وَإِن ملك) الواطىء بِالنِّكَاحِ (الْأمة الْمُطلقَة) مِنْهُ (بعد ذَلِك) أَي بعد وِلَادَتهَا من النِّكَاح (لم تصر أم ولد) بِمَا وَلدته مِنْهُ (بِالْوَطْءِ فِي النِّكَاح) لكَونه رَقِيقا لِأَنَّهَا علقت بِهِ فِي غير ملك الْيَمين
وَالِاسْتِيلَاد إِنَّمَا يثبت تبعا لحرية الْوَلَد كَمَا قَالَه فِي الرَّوْضَة
تَنْبِيه تَقْيِيد المُصَنّف بالمطلقة لَا معنى لَهُ بل قد يُوهم قصر الحكم عَلَيْهِ وَلَيْسَ مرَادا فَإِنَّهُ إِذا ملكهَا فِي نِكَاحه بعد الْولادَة كَانَ الحكم كَذَلِك بِلَا فرق
وَكَذَلِكَ إِذا ملكهَا فِي نِكَاحه حَامِلا لم تصر أم ولد
لَكِن يعْتق عَلَيْهِ وَلَده إِن وَضعته لدوّنَ أقل مُدَّة الْحمل من الْملك أَو دون أَكْثَره من حِين وَطْء بعد الْملك فَإِن وَضعته بعد الْملك لدوّنَ أَقَله من الْوَطْء فَيحكم بِحُصُول علوقه فِي ملكه وَإِن أمكن كَونه سَابِقًا عَلَيْهِ كَمَا قَالَه الصيدلاني وَأقرهُ فِي الرَّوْضَة
فَلَو حذف المُصَنّف لفظ الْمُطلقَة لَكَانَ أولى وأشمل
(وَصَارَت) أَي الْأمة الَّتِي ملكهَا (أم ولد) بِمَا وَلدته مِنْهُ (بِالْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ) المقرونة بظنه (على أحد الْقَوْلَيْنِ) وَهُوَ الْمَرْجُوح لِأَنَّهَا علقت مِنْهُ بَحر والعلوق بِالْحرِّ سَبَب للحرية بِالْمَوْتِ
وَالْقَوْل الثَّانِي وَهُوَ الْأَظْهر كَمَا فِي الْمِنْهَاج وَغَيره لَا تصير أم ولد لِأَنَّهَا علقت بِهِ فِي غير ملكه فَأشبه مَا لَو علقت بِهِ فِي النِّكَاح
تَنْبِيه مَحل الْخلاف فِي الْحر أما إِذا وطىء العَبْد جَارِيَة غَيره بِشُبْهَة ثمَّ عتق ثمَّ ملكهَا فَإِنَّهَا لَا تصير أم ولد بِلَا خلاف لِأَنَّهُ لم ينْفَصل من حر
خَاتِمَة لَو أولد السَّيِّد أمة مُكَاتبَة ثَبت فِيهَا الِاسْتِيلَاد وَلَو أولد الْأَب الْحر أمة ابْنه الَّتِي لم يستولدها ثَبت فِيهَا الِاسْتِيلَاد وَإِن كَانَ الْأَب مُعسرا أَو كَافِرًا وَإِنَّمَا لم يخْتَلف الحكم هُنَا باليسار والإعسار كَمَا فِي الْأمة الْمُشْتَركَة لِأَن الإيلاد هُنَا إِنَّمَا ثَبت لحُرْمَة الْأُبُوَّة وشبهة الْملك وَهَذَا الْمَعْنى لَا يخْتَلف بذلك وَلَو أولد الشَّرِيك الْأمة الْمُشْتَركَة فَإِن كَانَ مُعسرا ثَبت الِاسْتِيلَاد فِي نصِيبه خَاصَّة وَإِن كَانَ مُوسِرًا بِحِصَّة شَرِيكه ثَبت الِاسْتِيلَاد فِي جَمِيعهَا كَمَا مرت الْإِشَارَة إِلَيْهِ وَكَذَا الْأمة الْمُشْتَركَة بَين فرع الواطىء وأجنبي إِذا كَانَ الأَصْل مُوسِرًا وَلَو أولد الْأَب الْحر مُكَاتبَة وَلَده هَل ينفذ استيلاده لِأَن الْكِتَابَة تقبل الْفَسْخ أَو لَا لِأَن الْكِتَابَة لَا تقبل النَّقْل
وَجْهَان أوجههمَا كَمَا جزم بِهِ الْقفال الأول وَلَو أولد أمة وَلَده الْمُزَوجَة نفذ إيلاده كإيلاد السَّيِّد لَهَا وَحرمت على الزَّوْج مُدَّة الْحمل
وَجَارِيَة بَيت المَال كجارية الْأَجْنَبِيّ فَيحد واطئها وَإِن أولدها فَلَا نسب وَلَا استيلاد وَإِن ملكهَا بعد سَوَاء أَكَانَ فَقِيرا أم لَا لِأَن الإعفاف لَا يجب فِي بَيت المَال
وَلَو شهد اثْنَان على إِقْرَار سيد الْأمة بإيلادها وَحكم بِهِ ثمَّ رجعا عَن شَهَادَتهمَا لم يغرما شَيْئا لِأَن الْملك بَاقٍ فِيهَا وَلم يفوتا إِلَّا سلطنة البيع وَلَا قيمَة لَهَا بانفرادها وَلَيْسَ كإباق العَبْد من يَد غاصبه فَإِنَّهُ فِي عُهْدَة ضَمَان يَده حَتَّى يعود إِلَى مُسْتَحقّه فَإِن مَاتَ السَّيِّد غرما للْوَارِث لِأَن هَذِه الشَّهَادَة لَا تنحط عَن الشَّهَادَة بتعليق الْعتْق وَلَو شَهدا بتعليقه فَوجدت الصّفة وَحكم بِعِتْقِهِ ثمَّ رجعا غرما وَحكى الرَّافِعِيّ قبيل الصَدَاق عَن فَتَاوَى الْبَغَوِيّ وَأقرهُ أَن الزَّوْج إِذا كَانَ يظنّ أَن أم الْوَلَد
حرَّة فَالْوَلَد حر وَعَلِيهِ قِيمَته للسَّيِّد وَلَو عجز السَّيِّد عَن نَفَقَة أم الْوَلَد أجبر على تخليتها لتكتسب وتنفق على نَفسهَا أَو على إيجارها وَلَا يجْبر على عتقهَا وتزويجها
كَمَا لَا يرفع ملك الْيَمين بِالْعَجزِ عَن الِاسْتِمْتَاع فَإِن عجزت عَن الْكسْب فنفقتها فِي بَيت المَال وَالله سبحانه وتعالى أعلم
قَالَ المُصَنّف رَحمَه الله تَعَالَى هَذَا آخر مَا يسره الله سبحانه وتعالى من الْإِقْنَاع فِي حل أَلْفَاظ أبي شُجَاع فدونك مؤلفا موضح الْمسَائِل مُحَرر الدَّلَائِل فَلَو كَانَ لَهُ نفس ناطقة ولسان منطلقة لقَالَ بمقال صَرِيح وَكَلَام فصيح لله در مؤلف هَذَا التَّأْلِيف الرَّائِق النفيس وَلَا شلت يدا مُصَنف هَذَا التصنيف الْفَائِق النفيس وَهَذَا الْمُؤلف لَا بُد أَن يَقع لأحد رجلَيْنِ إِمَّا عَالم محب منصف فَيشْهد لي بِالْخَيرِ ويعذرني فِيمَا عَسى يجده من العثار الَّذِي هُوَ لَازم الْإِكْثَار
وَإِمَّا جَاهِل مبغض متعسف فَلَا اعْتِبَار بوعوعته وَلَا اعْتِدَاد بوسوسته وَمثله لَا يعبأ بموافقته وَلَا مُخَالفَته وَإِنَّمَا الِاعْتِبَار بِذِي النّظر الَّذِي يُعْطي كل ذِي حق حَقه
إِذا رضيت عني كرام عشيرتي فَلَا زَالَ غضبانا عَليّ لثامها فَإِن ظَفرت بفائدة شاردة فَادع لي بِحسن الخاتمة وَإِن ظَفرت بعثرة قلم فَادع لي بالتجاوز وَالْمَغْفِرَة والعذر عِنْد خِيَار النَّاس مَقْبُول واللطف من شيم السادات مأمول
وَأَنا أسأَل الله تَعَالَى أَن يَجعله لوجهه خَالِصا وَأَن يَنْفَعنِي بِهِ حِين يكون الظل فِي الْآخِرَة قالصا وَأَن يصب عَلَيْهِ قبُول الْقبُول فَإِنَّهُ أكْرم مسؤول وأعز مأمول ونختم هَذَا الشَّرْح بِمَا ختم بِهِ الرَّافِعِيّ كِتَابه الْمُحَرر بقوله اللَّهُمَّ كَمَا ختمنا بِالْعِتْقِ كتَابنَا نرجو أَن تعْتق من النَّار رقابنا وَأَن تجْعَل إِلَى الْجنَّة مآبنا وَأَن تسهل عِنْد سُؤال الْملكَيْنِ جَوَابنَا وَإِلَى رضوانك إيابنا اللَّهُمَّ بِفَضْلِك حقق رجاءنا وَلَا تخيب دعاءنا بِرَحْمَتك يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ
انْتهى
وَصلى الله وعَلى سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آله وَأَصْحَابه وأزواجه وَذريته وَأهل بَيته صَلَاة وَسلَامًا وائمين متلازمين وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا إِلَى يَوْم الدّين
رَبنَا تقبل منا إِنَّك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم وَتب علينا إِنَّك أَنْت التواب الرَّحِيم وَاخْتِمْ لنا بِخَير أَجْمَعِينَ رَبنَا اغْفِر لنا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذين سبقُونَا بِالْإِيمَان وَلَا تجْعَل فِي قُلُوبنَا غلا للَّذين آمنُوا رَبنَا إِنَّك رؤوف رَحِيم وصل اللَّهُمَّ على سيدن مُحَمَّد وعَلى آله وَصَحبه وَسلم