الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْإِيلَاء مرَّتَيْنِ فَأكْثر وَأَرَادَ بِغَيْر الأولى التَّأْكِيد لَهَا وَلَو تعدد الْمجْلس وَطَالَ الْفَصْل صدق بِيَمِينِهِ كَنَظِيرِهِ فِي تَعْلِيق الطَّلَاق وَفرق بَينهَا وَبَين تَنْجِيز الطَّلَاق بِأَن التَّنْجِيز إنْشَاء وإيقاع
وَالْإِيلَاء وَالتَّعْلِيق متعلقان بِأَمْر مُسْتَقْبل فالتأكيد بهما أليق أَو أَرَادَ الِاسْتِئْنَاف تعدّدت الْأَيْمَان وَإِن أطلق وَلم يرد تَأْكِيدًا وَلَا استئنافا فَوَاحِدَة إِن اتَّحد الْمجْلس حملا على التَّأْكِيد وَإِلَّا تعدّدت لبعد التَّأْكِيد مَعَ اخْتِلَاف الْمجْلس
فصل فِي الظِّهَار
هُوَ لُغَة مَأْخُوذ من الظّهْر لِأَن صورته الْأَصْلِيَّة أَن يَقُول لزوجته أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي وخصوا الظّهْر دون غَيره لِأَنَّهُ مَوضِع الرّكُوب وَالْمَرْأَة مركوب الزَّوْج وَكَانَ طَلَاقا فِي الْجَاهِلِيَّة كالإيلاء فَغير الشَّرْع حكمه إِلَى تَحْرِيمهَا بعد الْعود وَلُزُوم الْكَفَّارَة كَمَا سَيَأْتِي
وَحَقِيقَته الشَّرْعِيَّة تَشْبِيه الزَّوْج زَوجته فِي الْحُرْمَة بمحرمة كَمَا يُؤْخَذ مِمَّا سَيَأْتِي
وَالْأَصْل فِيهِ قبل الْإِجْمَاع آيَة {وَالَّذين يظاهرون من نِسَائِهِم} وَهُوَ من الْكَبَائِر قَالَ الله تَعَالَى {وَإِنَّهُم ليقولون مُنْكرا من القَوْل وزورا}
فَائِدَة سُورَة المجادلة فِي كل آيَة مِنْهَا اسْم الله تَعَالَى مرّة أَو مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا فَلَيْسَ فِي الْقُرْآن سُورَة تشابههما وَهِي نصف الْقُرْآن عددا وعشره بِاعْتِبَار الْأَجْزَاء
وأركان الظِّهَار أَرْبَعَة صِيغَة وَمظَاهر وَمظَاهر مِنْهَا ومشبه بِهِ
القَوْل فِي صِيغَة الظِّهَار وَكلهَا تُؤْخَذ من قَوْله (وَالظِّهَار أَن يَقُول) أَي وصيغته وَهُوَ الرُّكْن الأول أَن يَقُول (الرجل) أَي الزَّوْج وَهُوَ الرُّكْن الثَّانِي (لزوجته) أَي الْمظَاهر مِنْهَا وَهُوَ الرُّكْن الثَّالِث (أَنْت عَليّ) أَو مني أَو معي أَو عِنْدِي (كَظهر أُمِّي) أَي مركبي مِنْك حرَام كمركبي من أُمِّي وَهَذَا هُوَ الْمُشبه بِهِ وَهُوَ الرُّكْن الرَّابِع فقد حصل من كَلَام المُصَنّف جَمِيع الْأَركان وَلَكِن لَهَا شُرُوط فَشرط فِي الصِّيغَة لفظ يشْعر بالظهار
وَفِي مَعْنَاهُ مَا مر فِي الضَّمَان وَذَلِكَ إِمَّا صَرِيح كَأَنْت أَو رَأسك أَو يدك وَلَو بِدُونِ عَليّ كَظهر أُمِّي أَو كيدها أَو كِنَايَة كَأَنْت كأمي أَو كعينها أَو غَيرهَا مِمَّا يذكر للكرامة كرأسها
القَوْل فِي شَرط الْمظَاهر وَشرط فِي الْمظَاهر كَونه زوجا يَصح طَلَاقه وَلَو عبدا أَو كَافِرًا أَو خَصيا أَو مجبوبا أَو سكرانا فَلَا يَصح من غير زوج وَإِن نكح من ظَاهر مِنْهَا وَلَا من صبي وَمَجْنُون ومكره
القَوْل فِي شَرط الْمظَاهر مِنْهَا وَشرط فِي الْمظَاهر مِنْهَا كَونهَا زَوْجَة وَلَو أمة أَو صَغِيرَة أَو مَجْنُونَة أَو رتقاء أَو قرناء أَو رَجْعِيَّة لَا أَجْنَبِيَّة وَلَو مختلعة أَو أمة كَالطَّلَاقِ فَلَو قَالَ لأجنبية إِن نكحتك فَأَنت عَليّ كَظهر أُمِّي أَو قَالَ السَّيِّد لأمته أَنْت
عَليّ كَظهر أُمِّي لم يَصح وَشرط فِي الْمُشبه بِهِ كَونه كل أُنْثَى محرم أَو جُزْء أُنْثَى محرم بِنسَب أَو رضَاع أَو مصاهرة لَهُ تكن حلا للزَّوْج كبنته وَأُخْته من نسب ومرضعة أَبِيه أَو أمه وَزَوْجَة أَبِيه الَّتِي نَكَحَهَا قبل وِلَادَته أَو مَعهَا فِيمَا يظْهر بِخِلَاف غير الْأُنْثَى من ذكر وَخُنْثَى لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحل التَّمَتُّع وَبِخِلَاف من كَانَت حَلَاله كَزَوْجَة ابْنه وَبِخِلَاف أَزوَاج النَّبِي صلى الله عليه وسلم لِأَن تحريمهن لَيْسَ للمحرمية بل لشرفه صلى الله عليه وسلم
وَأما أُخْته من الرَّضَاع فَإِن كَانَت وِلَادَتهَا قبل إرضاعه فَلَا يَصح التَّشْبِيه بهَا وَإِن كَانَت بعده صَحَّ وَكَذَا إِن كَانَت مَعَه فِيمَا يظْهر
تَنْبِيه يَصح تأقيت الظِّهَار كَأَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي يَوْمًا تَغْلِيبًا للْيَمِين
فَلَو قَالَ أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي خَمْسَة أشهر كَانَ ظِهَارًا مؤقتا وإيلاء لامتناعه من وَطئهَا فَوق أَرْبَعَة أشهر وَيصِح تَعْلِيقه لِأَنَّهُ يتَعَلَّق بِالتَّحْرِيمِ فَأشبه الطَّلَاق فَلَو قَالَ إِن ظَاهَرت من ضرتك فَأَنت عَليّ كَظهر أُمِّي فَظَاهر مِنْهَا فمظاهر مِنْهُمَا عملا بِمُقْتَضى التَّنْجِيز وَالتَّعْلِيق
القَوْل فِي مُضِيّ الْعود فِي الظِّهَار (فَإِذا قَالَ) الْمظَاهر (ذَلِك وَلم يتبعهُ بِالطَّلَاق) بِأَن يمْسِكهَا بعد ظِهَاره زمن إِمْكَان فرقة وَلم يفعل (صَار عَائِدًا) لِأَن تشبيهها بِالْأُمِّ مثلا يَقْتَضِي أَن لَا يمْسِكهَا زَوْجَة فَإِن أمْسكهَا زَوْجَة بعد عَاد فِيمَا قَالَ لِأَن الْعود لِلْقَوْلِ مُخَالفَته
يُقَال قَالَ فلَان قولا ثمَّ عَاد لَهُ وَعَاد فِيهِ أَي خَالفه ونقضه وَهُوَ قريب من قَوْلهم عَاد فِي هِبته
تَنْبِيه هَذَا فِي الظِّهَار المؤبد أَو الْمُطلق وَفِي غير الرَّجْعِيَّة لِأَنَّهُ فِي الظِّهَار الْمُؤَقت إِنَّمَا يصير عَائِدًا بِالْوَطْءِ فِي الْمدَّة كَمَا سَيَأْتِي لَا بالإمساك وَالْعود فِي الرَّجْعِيَّة إِنَّمَا هُوَ بالرجعة وَاسْتثنى من كَلَامه مَا إِذا كرر لفظ الظِّهَار وَقصد بِهِ التَّأْكِيد فَإِنَّهُ لَيْسَ بِعُود على الْأَصَح مَعَ تمكنه بالإتيان بِلَفْظ الطَّلَاق بدل التَّأْكِيد وَمَا تقدم من حُصُول الْعود بِمَا ذكر مَحَله إِذا لم يتَّصل بالظهار فرقة بِسَبَب من أَسبَابهَا فَلَو اتَّصَلت بالظهار فرقة جرت مِنْهُمَا أَو من أَحدهمَا أَو فسخ نِكَاح بِسَبَبِهِ أَو بِسَبَبِهَا أَو بانفساخ كردة قبل الدُّخُول أَو فرقة بِسَبَب طَلَاق بَائِن أَو رَجْعِيّ وَلم يُرَاجع أَو جن الزَّوْج عقب ظِهَاره فَلَا عود وَلَو رَاجع من طَلقهَا عقب ظِهَاره أَو ارْتَدَّ بعد دُخُول مُتَّصِلا ثمَّ أسلم بعد ردته فِي الْعدة صَار عَائِدًا بالرجعة وَإِن لم يمْسِكهَا عقب الرّجْعَة بل طَلقهَا لَا الْإِسْلَام بل هُوَ عَائِد بعده إِن مضى بعد الْإِسْلَام زمن يسع الْفرْقَة وَالْفرق أَن مَقْصُود الرّجْعَة الاستباحة ومقصود الْإِسْلَام الرُّجُوع إِلَى الدّين الْحق فَلَا يحصل بِهِ إمْسَاك إِنَّمَا يحصل بعد (و) إِذا صَار عَائِدًا (لَزِمته الْكَفَّارَة) لقَوْله تَعَالَى {وَالَّذين يظاهرون من نِسَائِهِم ثمَّ يعودون لما قَالُوا}
الْآيَة وَهل وَجَبت الْكَفَّارَة بالظهار وَالْعود أَو بالظهار وَالْعود شَرط أَو بِالْعودِ فَقَط لِأَنَّهُ الْجُزْء الْأَخير أوجه ذكرهَا فِي أصل الرَّوْضَة بِلَا تَرْجِيح وَالْأول هُوَ ظَاهر الْآيَة الْمُوَافق لترجيحهم أَن كَفَّارَة الْيَمين تجب بِالْيَمِينِ والحنث جَمِيعًا
وَلَا تسْقط الْكَفَّارَة بعد الْعود بفرقة لمن ظَاهر مِنْهَا بِطَلَاق أَو غَيره لاستقرارها بالإمساك وَلَو قَالَ لزوجاته الْأَرْبَع أنتن عَليّ كَظهر أُمِّي فمظاهر مِنْهُنَّ فَإِن أمسكهن زَمنا يسع طلاقهن فعائد مِنْهُنَّ فَيلْزمهُ أَربع كَفَّارَات فَإِن ظَاهر مِنْهُنَّ بِأَرْبَع كَلِمَات صَار عَائِدًا من كل وَاحِدَة من الثَّلَاث الأول وَلَزِمَه ثَلَاث كَفَّارَات وَأما الرَّابِعَة فَإِن فَارقهَا عقب ظهارها فَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ فِيهَا وَإِلَّا فَعَلَيهِ كَفَّارَة
(وَالْكَفَّارَة) مَأْخُوذَة من الْكفْر وَهُوَ السّتْر لسترها للذنب تَخْفِيفًا من الله تَعَالَى وَسمي الزراع كَافِرًا لِأَنَّهُ يستر الْبذر
وتنقسم الْكَفَّارَة إِلَى نَوْعَيْنِ مخيرة فِي أَولهَا ومرتبة فِي آخرهَا وَهِي كَفَّارَة الْيَمين ومرتبة فِي كلهَا وَهِي كَفَّارَة الْقَتْل وَالْجِمَاع فِي نَهَار رَمَضَان وَالظِّهَار
وَالْكَلَام الْآن فِي كَفَّارَة الظِّهَار وخصالها ثَلَاثَة الأول (عتق رَقَبَة) لِلْآيَةِ الْكَرِيمَة وللرقبة المجزئة فِي الْكَفَّارَة أَرْبَعَة شُرُوط ذكر المُصَنّف مِنْهَا شرطين الشَّرْط الأول مَا ذكره بقوله (مُؤمنَة) وَلَو بِإِسْلَام أحد الْأَبَوَيْنِ أَو تبعا للسابي أَو الدَّار قَالَ تَعَالَى فِي كَفَّارَة الْقَتْل {فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة} وَألْحق بهَا غَيرهَا قِيَاسا عَلَيْهَا أَو حملا لإِطْلَاق آيَة الظِّهَار على الْمُقَيد فِي آيَة الْقَتْل كحمل الْمُطلق فِي قَوْله تَعَالَى {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} على الْمُقَيد فِي قَوْله تَعَالَى {وَأشْهدُوا ذَوي عدل مِنْكُم} الشَّرْط الثَّانِي مَا ذكره بقوله (سليمَة من الْعُيُوب الْمضرَّة بِالْعَمَلِ) إِضْرَارًا بَينا لِأَن الْمَقْصُود تَكْمِيل حَاله ليتفرغ لوظائف الْأَحْرَار
وَإِنَّمَا يحصل ذَلِك إِذا اسْتَقل بكفاية نَفسه وَإِلَّا فَيصير كلا على نَفسه أَو على غَيره
تَنْبِيه قَالَ الْأَصْحَاب مُلَاحظَة الشَّافِعِي فِي الْعَيْب هُنَا مَا يضر بِالْعَمَلِ نَظِير ملاحظته فِي عيب الْأُضْحِية مَا ينقص اللَّحْم لِأَنَّهُ الْمَقْصُود فِيهَا وَفِي عيب النِّكَاح مَا يخل بمقصود الْجِمَاع وَفِي عيب الْمَبِيع مَا يخل بالمالية فَاعْتبر فِي كل مَوضِع مَا يَلِيق بِهِ فيجزىء صَغِير وَلَو ابْن يَوْم حكم بِإِسْلَامِهِ لإِطْلَاق الْآيَة الْكَرِيمَة وَلِأَنَّهُ يُرْجَى كبره كَالْمَرِيضِ يُرْجَى بُرْؤُهُ وأقرع وَهُوَ من لَا نَبَات بِرَأْسِهِ وأعرج يُمكنهُ تتَابع الْمَشْي بِأَن يكون عرجه غير شَدِيد وأعور لم يضعف عوره بصر عينه السليمة وأصم وَهُوَ فَاقِد السّمع وأخرس إِذا فهمت إِذا فهمت إِشَارَته وَيفهم بِالْإِشَارَةِ وفاقد أَنفه وفاقد أُذُنَيْهِ وفاقد أَصَابِع رجلَيْهِ وَلَا يجزىء زمن وَلَا فَاقِد رجل أَو خنصر وبنصر من يَد أَو فَاقِد أنملتين من غَيرهمَا وَلَا فَاقِد أُنْمُلَة إِبْهَام لتعطل مَنْفَعَة الْيَد
وَلَا يجزىء هرم عَاجز وَلَا مَرِيض لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ
فَإِن برىء بَان الْإِجْزَاء على الْأَصَح
الشَّرْط الثَّالِث كَمَال الرّقّ فِي الْإِعْتَاق عَن الْكَفَّارَة فَلَا يجزىء شِرَاء قريب يعْتق عَلَيْهِ بِمُجَرَّد الشِّرَاء بِأَن كَانَ أصلا أَو فرعا
بنية عتقه عَن كَفَّارَته لِأَن عتقه مُسْتَحقّ بِجِهَة الْقَرَابَة فَلَا ينْصَرف عَنْهَا إِلَى الْكَفَّارَة وَلَا عتق أم ولد لاستحقاقها الْعتْق وَلَا عتق ذِي كِتَابَة صَحِيحَة لِأَن عتقه يَقع بِسَبَب الْكِتَابَة ويجزىء مُدبر ومعلق عتقه بِصفة
الشَّرْط الرَّابِع خلو الرَّقَبَة عَن شوب الْعِوَض فَلَو أعتق عَبده عَن كَفَّارَته بعوض يَأْخُذهُ من الرَّقِيق كأعتقتك عَن كفارتي على أَن ترد عَليّ ألفا أَو على أَجْنَبِي كأعتقت عَبدِي هَذَا عَن كفارتي بِأَلف لي عَلَيْك فَقيل لم يجز ذَلِك الْإِعْتَاق عَن كَفَّارَته
وَضَابِط من يلْزمه الْعتْق كل من ملك رَقِيقا أَو ثمنه من نقد أَو عرض فَاضلا عَن كِفَايَة نَفسه وَعِيَاله الَّذين تلْزمهُ مؤنتهم شرعا نَفَقَة وَكِسْوَة وسكنى وأثاثا وإخداما لَا بُد مِنْهُ لزمَه الْعتْق
قَالَ الرَّافِعِيّ وسكتوا عَن تَقْدِير مُدَّة النَّفَقَة وَبَقِيَّة الْمُؤَن فَيجوز أَن يقدر ذَلِك بالعمر الْغَالِب وَأَن يقدر بِسنة وَصوب فِي الرَّوْضَة مِنْهُمَا
الثَّانِي وَقَضِيَّة ذَلِك أَنه لَا نقل فيهمَا مَعَ أَن مَنْقُول الْجُمْهُور الأول وَهُوَ الْمُعْتَمد
وَلَا يجب على الْمُكَفّر بيع ضيعته وَهِي بِفَتْح الضَّاد الْعقار وَلَا بيع رَأس مَال تِجَارَته بِحَيْثُ لَا يفضل دخلهما من غلَّة الضَّيْعَة وَربح مَال التِّجَارَة عَن كِفَايَته لممونه لتَحْصِيل رَقِيق يعتقهُ وَلَا بيع مسكن ورقيق نفيسين ألفهما لعسر مُفَارقَة المألوف وَلَا يجب شِرَاء بِغَبن وَأظْهر الْأَقْوَال اعْتِبَار الْيَسَار الَّذِي يلْزمه بِهِ الْإِعْتَاق بِوَقْت الْأَدَاء لَا بِوَقْت الْوُجُوب وَلَا بِأَيّ وَقت كَانَ
ثمَّ شرع فِي الْخصْلَة الثَّانِيَة من خِصَال الْكَفَّارَة فَقَالَ (فَإِن لم يجد) رَقَبَة يعتقها بِأَن عجز عَنْهَا حسا أَو شرعا (فَصِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين) لِلْآيَةِ الْكَرِيمَة
فَلَو تكلّف الْإِعْتَاق بالاستقراض أَو غَيره أَجزَأَهُ لِأَنَّهُ ترقى إِلَى الرُّتْبَة الْعليا وَيعْتَبر الشهران بالهلال وَلَو نقصا وَيكون صومهما بنية الْكَفَّارَة لكل يَوْم مِنْهُمَا كَمَا هُوَ مَعْلُوم فِي صَوْم الْفَرْض
وَيجب تبييت النِّيَّة كَمَا فِي صَوْم رَمَضَان وَلَا يشْتَرط نِيَّة التَّتَابُع اكْتِفَاء بالتتابع الْفعْلِيّ فَإِن بَدَأَ بِالصَّوْمِ فِي أثْنَاء شهر حسب الشَّهْر بعده بالهلال وَأتم الأول من الثَّالِث ثَلَاثِينَ يَوْمًا ويفوت التَّتَابُع بِفَوَات يَوْم بِلَا عذر وَلَو كَانَ الْيَوْم الْأَخير
أما إِذا فَاتَ بِعُذْر فَإِن كَانَ كجنون لم يضر لِأَنَّهُ يُنَافِي الصَّوْم أَو كَمَرَض مسوغ للفطر ضرّ لِأَن الْمَرَض لَا يُنَافِي الصَّوْم
ثمَّ شرع فِي الْخصْلَة الثَّالِثَة من خِصَال الْكَفَّارَة فَقَالَ (فَإِن لم يسْتَطع) أَي الصَّوْم المتتابع لهرم أَو لمَرض يَدُوم شَهْرَيْن ظنا الْمُسْتَفَاد من الْعَادة فِي مثله أَو من قَول الْأَطِبَّاء أَو لمَشَقَّة شَدِيدَة وَلَو كَانَت الْمَشَقَّة لشبق وَهُوَ شدَّة الغلمة أَي شَهْوَة الْوَطْء أَو خوف زِيَادَة مرض (فإطعام سِتِّينَ مِسْكينا) لِلْآيَةِ السَّابِقَة أَو فَقِيرا لِأَنَّهُ أَسْوَأ حَالا مِنْهُ وَيَكْفِي الْبَعْض مَسَاكِين وَالْبَعْض فُقَرَاء
تَنْبِيه قَوْله فإطعام تبع فِيهِ لفظ الْقُرْآن الْكَرِيم وَالْمرَاد تمليكهم كَقَوْل جَابر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أطْعم النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْجدّة السُّدس أَي ملكهَا فَلَا يَكْفِي التغدية وَلَا التعشية وَهل يشْتَرط اللَّفْظ أَو يَكْفِي الدّفع عبارَة الرَّوْضَة تَقْتَضِي اللَّفْظ لِأَنَّهُ عبر بالتمليك قَالَ الْأَذْرَعِيّ وَهُوَ بعيد
أَي فَلَا يشْتَرط لفظ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر كدفع الزَّكَاة وَلَا يَكْفِي تَمْلِيكه كَافِرًا وَلَا هاشميا وَلَا مطلبيا وَلَا من تلْزمهُ نَفَقَته كزوجته وقريبه وَلَا إِلَى مكفي بِنَفَقَة قريب أَو زوج وَلَا إِلَى عبد وَلَو مكَاتبا لِأَنَّهَا حق الله تَعَالَى فَاعْتبر فِيهَا صِفَات الزَّكَاة وَيصرف للستين الْمَذْكُورين سِتِّينَ مدا
(كل مِسْكين مد) كَأَن يَضَعهَا