الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل فِي السّلم وَيُقَال لَهُ السّلف
يُقَال أسلم وَسلم وأسلف وَسلف وَالسّلم لُغَة أهل الْحجاز وَالسَّلَف لُغَة أهل الْعرَاق قَالَه الْمَاوَرْدِيّ
سمي سلما لتسليم رَأس المَال فِي الْمجْلس وسلفا لتقديم رَأس المَال
وَالْأَصْل فِيهِ قبل الْإِجْمَاع قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا تداينتم بدين} الْآيَة
قَالَ ابْن عَبَّاس رضى الله عَنْهُمَا نزلت فِي السّلم وَخبر الصَّحِيحَيْنِ من أسلف فِي شَيْء فليسلف فِي كيل مَعْلُوم وَوزن مَعْلُوم إِلَى أجل مَعْلُوم وَتقدم تَعْرِيف السّلم فِي كَلَام المُصَنّف أول الْبيُوع
(وَيصِح السّلم حَالا ومؤجلا) بِأَن يُصَرح بهما أما الْمُؤَجل فبالنص وَالْإِجْمَاع وَأما الْحَال فبالأولى لبعده عَن الْغرَر
فَإِن قيل الْكِتَابَة لَا تصح بِالْحَال وَتَصِح بالمؤجل أُجِيب بِأَن الْأَجَل فِيهَا إِنَّمَا وَجب لعدم قدرَة الرَّقِيق والحلول يُنَافِي ذَلِك
وَيشْتَرط تَسْلِيم رَأس المَال فِي مجْلِس العقد قبل لزمَه فَلَو تفَرقا قبل قبض رَأس المَال أَو ألزمهُ بَطل العقد أَو قبل تَسْلِيم بعضه بَطل فِيمَا لم يقبض وَفِيمَا يُقَابله من الْمُسلم فِيهِ فَلَو أطلق كأسلمت إِلَيْك دِينَارا فِي ذِمَّتِي فِي كَذَا ثمَّ عين الدِّينَار وَسلم فِي الْمجْلس قبل التخاير جَازَ ذَلِك لِأَن الْمجْلس حَرِيم العقد وَلَو قَبضه الْمُسلم إِلَيْهِ فِي الْمجْلس وأودعه الْمُسلم قبل التَّفَرُّق جَازَ لِأَن الْوَدِيعَة لَا تستدعي لُزُوم الْملك
وَكَذَا يجوز رده إِلَيْهِ عَن دينه كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَام أصل الرَّوْضَة فِي بَاب الرِّبَا وَيجوز كَون رَأس المَال مَنْفَعَة
وبقبض الْعين ورؤية رَأس المَال تَكْفِي عَن معرفَة قدره
وَلَا يسلم إِلَّا (فِيمَا تَكَامل) أَي اجْتمع (فِيهِ خمس شَرَائِط) الأول القَوْل فِي شُرُوط الْمُسلم فِيهِ وَهُوَ الْمُسلم فِي السّلم (أَن يكون) الْمُسلم فِيهِ (مضبوطا بِالصّفةِ) الَّتِي لَا يعز وجودهَا كالحبوب والأدهان وَالثِّمَار وَالثيَاب وَالدَّوَاب والأرقاء والأصواف والأخشاب والأحجار وَالْحَدِيد والرصاص وَنَحْو ذَلِك من الْأَمْوَال الَّتِي تضبط بِالصِّفَاتِ فَمَا لَا يضْبط بهَا كالنبل لَا يَصح السّلم فِيهِ وَكَذَا مَا يعز وجوده كاللآلىء الْكِبَار واليواقيت وَسَائِر الْجَوَاهِر وَالْجَارِيَة وَأُخْتهَا أَو وَلَدهَا
(و) الثَّانِي (أَن يكون) الْمُسلم فِيهِ (جِنْسا) وَاحِدًا (لم يخْتَلط بِهِ) جنس (غَيره) اختلاطا لَا يَنْضَبِط بِهِ مَقْصُوده كالمختلط الْمَقْصُود الْأَركان الَّتِي لَا تنضبط كهريسة ومعجون وغالية وخف مركب لاشْتِمَاله على ظهارة وبطانة فَإِن كَانَ الْخُف مُفردا صَحَّ السّلم فِيهِ إِن كَانَ جَدِيدا وَاتخذ من غير جلد وَإِلَّا امْتنع وَلَا يَصح فِي الترياق الْمَخْلُوط فَإِن كَانَ مُنْفَردا جَازَ السّلم فِيهِ
وَلَا يَصح فِي رُؤُوس الْحَيَوَان لِأَنَّهَا تجمع أجناسا مَقْصُودَة وَلَا تنضبط بِالْوَصْفِ
(وَلم تدخله النَّار لإحالته) أَي فَيصير غير منضبط
فَلَا يَصح السّلم فِي خبز ومطبوخ ومشوي لاخْتِلَاف الْغَرَض باخْتلَاف تَأْثِير النَّار فِيهِ وَتعذر الضَّبْط بِخِلَاف مَا يَنْضَبِط تَأْثِير ناره كالعسل الْمُصَفّى بهَا وَالسكر والفانيد والدبس واللبأ فَيصح السّلم فِيهَا كَمَا مَال إِلَى تَرْجِيحه النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة وَهُوَ الْمُعْتَمد
وَقيل لَا يَصح كَمَا فِي الرِّبَا
وَفرق بِضيق بَاب الرِّبَا وَلَا يَصح فِي مُخْتَلف أجزاؤه كَقدْر وكوز وقمقم ومنارة ودست معمولة لتعذر ضَبطهَا
وَخرج بمعمولة المصبوبة فِي قالب فَيصح السّلم فِيهَا وَلَا يَصح فِي الْجلد لاخْتِلَاف الْأَجْزَاء فِي الرقة والغلظ وَيصِح فِي أسطال مربعة أَو مُدَوَّرَة
وَيصِح فِي الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير بِغَيْرِهِمَا لَا بمثلهما وَلَا فِي أَحدهمَا بِالْآخرِ حَالا كَانَ أَو مُؤَجّلا
وَشرط فِي السّلم فِي الرَّقِيق ذكر نَوعه كتركي فَإِن اخْتلف صنف النَّوْع كرومي وَجب ذكره وَذكر لَونه إِن اخْتلف كأبيض مَعَ وَصفه كَأَن يصف بياضه بسمرة وَذكر سنه كَابْن خمس سِنِين وَذكر قده طولا أَو غَيره تَقْرِيبًا فِي الْوَصْف وَالسّن وَالْقد حَتَّى لَو شَرط كَونه ابْن سبع سِنِين مثلا بِلَا زِيَادَة وَلَا نُقْصَان لم يجز لندرته ويعتمد قَول الرَّقِيق فِي الِاحْتِلَام وَفِي السن إِن كَانَ بَالغا وَإِلَّا فَقَوْل سَيّده إِن ولد فِي الْإِسْلَام وَإِلَّا فَقَوْل النخاسين أَي الدلالين بظنونهم
وَذكر ذكورته أَو أنوثته وَشرط فِي مَاشِيَة من بقر وإبل وَغَيرهمَا مَا ذكر فِي الرَّقِيق إِلَّا ذكر وصف اللَّوْن وَالْقد فَلَا يشْتَرط ذكرهمَا
وَشرط فِي طير وسمك نوع وجثة وَفِي لحم غير صيد وطير نوع كلحم بقر
وَذكر خصي رَضِيع معلوف جذع أَو ضدها من فَخذ أَو غَيرهَا ككتف وَيقبل عظم اللَّحْم مُعْتَاد وَشرط فِي ثوب أَن يذكر جنسه كقطن ونوعه وبلده الَّذِي ينسج فِيهِ إِن اخْتلف بِهِ الْغَرَض وَطوله وَعرضه وَكَذَا غلظه وصفاقته ونعومته أَو ضدها
وَمُطلق الثَّوْب يحمل على الخام
وَيصِح السّلم فِي الْمَقْصُور وَفِي مصبوغ قبل نسجه وَشرط فِي تمر أَو زبيب أَو حب كبر أَن يذكر نَوعه كبرني ولونه كأحمر وبلده كمدني وجرمه كبرا وصغرا وعتقه أَو حداثته وَشرط فِي عسل نحل مَكَانَهُ كجلبي وزمانه كصيفي ولونه كأبيض
(و) الثَّالِث (وَأَن لَا يكون) الْمُسلم فِيهِ (معينا) بل يشْتَرط أَن يكون دينا لِأَن لفظ السّلم مَوْضُوع لَهُ فَلَو أسلم فِي معِين كَأَن قَالَ أسلمت إِلَيْك هَذَا الثَّوْب فِي هَذَا العَبْد فَقيل لم ينْعَقد سلما لانْتِفَاء الدِّينِيَّة وَلَا بيعا لاخْتِلَاف اللَّفْظ
(و) الرَّابِع (أَن لَا يكون) الْمُسلم فِيهِ (من) مَوضِع (معِين) لَا يُؤمن ان فِيهِ فَلَو أسلم فِي تمر قَرْيَة صَغِيرَة أَو بُسْتَان أَو ضَيْعَة أَي فِي قدر مَعْلُوم مِنْهُ لم يَصح لِأَنَّهُ قد يَنْقَطِع بجائحة وَنَحْوهَا وَظَاهر كَلَامهم أَنه لَا فرق فِي ذَلِك بَين السّلم الْحَال والمؤجل وَهُوَ كَذَلِك
أما إِذا أسلم فِي تمر نَاحيَة أَو قَرْيَة عَظِيمَة صَحَّ لِأَنَّهُ لَا يَنْقَطِع غَالِبا
(و) الْخَامِس (أَن يكون) الْمُسلم فِيهِ (مِمَّا يَصح بَيْعه) لِأَنَّهُ بيع شَيْء مَوْصُوف فِي الذِّمَّة
وَيشْتَرط فِيهِ لفظ السّلم
قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَلَيْسَ لنا عقد يخْتَص بِصِيغَة إِلَّا هَذَا وَالنِّكَاح وَيُؤْخَذ من كَون السّلم بيعا أَنه لَا يَصح أَن يسلم الْكَافِر فِي الرَّقِيق الْمُسلم وَهُوَ الْأَصَح كَمَا فِي الْمَجْمُوع وَمثل الرَّقِيق الْمُسلم الرَّقِيق الْمُرْتَد
شُرُوط لصِحَّة عقد الْمُسلم فِيهِ (ثمَّ لصِحَّة) عقد (الْمُسلم فِيهِ) حِينَئِذٍ (ثَمَانِيَة شَرَائِط) الأول (أَن يصفه بعد ذكر جنسه ونوعه بِالصِّفَاتِ الَّتِي يخْتَلف بهَا الْغَرَض) اخْتِلَافا ظَاهرا وينضبط بهَا الْمُسلم فِيهِ وَلَيْسَ الأَصْل عدمهَا لتقريبه من المعاينة
وَخرج بالقيد الأول مَا يتَسَامَح بإهمال ذكره كالكحل وَالسمن فِي الرَّقِيق وَبِالثَّانِي مَا لَا يَنْضَبِط كَمَا مر وبالثالث كَون الرَّقِيق قَوِيا على الْعَمَل أَو ضَعِيفا أَو كَاتبا أَو أُمِّيا أَو نَحْو ذَلِك فَإِنَّهُ وصف يخْتَلف بِهِ الْغَرَض اخْتِلَافا ظَاهرا مَعَ أَنه لَا يجب التَّعَرُّض لَهُ لِأَن الأَصْل عَدمه
(و) الثَّانِي (أَن يذكر قدره) أَي الْمُسلم فِيهِ (بِمَا يَنْفِي الْجَهَالَة عَنهُ) من كيل فِيمَا يُكَال أَو وزن فِيمَا يُوزن للْحَدِيث الْمشَار
إِلَيْهِ أول الْبَاب أَو عد فِيمَا يعد أَو ذرع فِيمَا يذرع قِيَاسا على مَا قبلهمَا
وَيصِح سلم الْمكيل وزنا وَالْمَوْزُون الَّذِي يتأنى كَيْله كَيْلا وَحمل الإِمَام إِطْلَاق الْأَصْحَاب جَوَاز كيل الْمَوْزُون على مَا يعد الْكَيْل فِي مثله ضابطا فِيهِ فَلَا يَصح أَن يسلم
فِي قتاب الْمسك وَنَحْوه كَيْلا
وَقيل يَصح كاللآلىء الصغار
وَفرق بِكَثْرَة التَّفَاوُت فِي الْمسك وَنَحْوه بالثقل على الْمحل وتراكمه بِخِلَاف اللُّؤْلُؤ لَا يحصل بذلك تفَاوت كالقمح والفول
وَاسْتثنى الْجِرْجَانِيّ وَغَيره النَّقْدَيْنِ أَيْضا فَلَا يَصح فيهمَا إِلَّا بِالْوَزْنِ وَيشْتَرط الْوَزْن فِي الْبِطِّيخ والقثاء والباذنجان
وَمَا أشبه ذَلِك مِمَّا لَا يضبطه الْكَيْل لتجافيه فِي الْمِكْيَال كقصب السكر والبقول وَلَا يَكْفِي
فِيهَا الْعد لِكَثْرَة التَّفَاوُت فِيهَا وَالْجمع فِيهَا بَين الْعد وَالْوَزْن مُفسد لِأَنَّهُ يحْتَاج مَعَه إِلَى ذكر الجرم فيورث عزة الْوُجُود
وَيصِح فِي اللوز والجوز وَإِن لم يقل اختلافه وزنا وَكَذَا كَيْلا قِيَاسا على الْحُبُوب وَالتَّمْر وَلَو عين كَيْلا فسد السّلم وَلَو كَانَ حَالا إِن لم يكن ذَلِك الْكَيْل مُعْتَادا ككوز لَا يعرف قدر مَا يسع
فَإِن كَانَ الْكَيْل مُعْتَادا بِأَن عرف قدر مَا يسع وَلم يفْسد السّلم وَيَلْغُو تَعْيِينه كَسَائِر الشُّرُوط الَّتِي لَا غَرَض فِيهَا
(و) الثَّالِث (إِن كَانَ) السّلم (مُؤَجّلا ذكر وَقت مَحَله) بِكَسْر الْمُهْملَة أَي وَقت حُلُول الْأَجَل فَيجب أَن يذكر الْعَاقِد أَََجَلًا مَعْلُوما وَالْأَجَل الْمَعْلُوم مَا يعرفهُ النَّاس كشهور الْعَرَب أَو الْفرس أَو الرّوم لِأَنَّهَا مَعْلُومَة مضبوطة
وَيصِح التَّأْقِيت بالنيروز وَهُوَ نزُول الشَّمْس برج الْمِيزَان وبعيد الْكفَّار إِن عرفه الْمُسلمُونَ وَلَو عَدْلَيْنِ مِنْهُم أَو المتعاقدان فَإِن أطلق الشَّهْر حمل على الْهلَال وَهُوَ مَا بَين الهلالين لِأَنَّهُ عرف الشَّرْع ذَلِك بِأَن يَقع العقد أول الشَّهْر فَإِن انْكَسَرَ شهر بِأَن وَقع العقد فِي أَثْنَائِهِ والتأجيل بِالْأَشْهرِ حسب الْبَاقِي بعد الأول المنكسر بِالْأَهِلَّةِ
وتمم الأول ثَلَاثِينَ مِمَّا بعْدهَا
نعم إِن وَقع العقد فِي الْيَوْم الْأَخير من الشَّهْر اكْتفى بِالْأَشْهرِ بعده بأهلة تَامَّة كَانَت أَو نَاقِصَة وَالسّنة الْمُطلقَة تحمل على الْهِلَالِيَّة دون غَيرهَا لِأَنَّهَا عرف الشَّرْع قَالَ تَعَالَى {يَسْأَلُونَك عَن الْأَهِلّة قل هِيَ مَوَاقِيت للنَّاس وَالْحج} وَلَو قَالَا إِلَى يَوْم كَذَا أَو شهر كَذَا أَو سنة كَذَا حل بِأول جُزْء مِنْهُ وَلَو قَالَ فِي يَوْم كَذَا أَو شهر كَذَا أَو سنة كَذَا لم يَصح على الْأَصَح أَو قَالَا إِلَى أول شهر كَذَا أَو آخِره صَحَّ وَحمل على الْجُزْء الأول كَمَا قَالَه الْبَغَوِيّ وَغَيره
وَيصِح التَّأْجِيل بالعيد وجمادى وربيع وَنَفر الْحَج وَيحمل على الأول من ذَلِك لتحقيق الِاسْم
نعم لَو قَالَ بعد عيد الْفطر إِلَى الْعِيد حمل على الْأَضْحَى لِأَنَّهُ الَّذِي يَلِي العقد قَالَه ابْن الرّفْعَة
(و) الرَّابِع (أَن يكون) الْمُسلم فِيهِ (مَوْجُودا عِنْد الِاسْتِحْقَاق) أَي عِنْد وجوب التَّسْلِيم لِأَن المعجوز عَن تَسْلِيمه يمْتَنع بَيْعه فَيمْتَنع السّلم فِيهِ فَإِذا أسلم فِي مُنْقَطع عِنْد الْحُلُول كالرطب فِي زمن الشتَاء لم يَصح وَكَذَا لَو أسلم مُسلم كَافِرًا فِي عبد مُسلم
نعم إِن كَانَ فِي يَد الْكَافِر وَكَانَ السّلم حَالا صَحَّ وَلَو ظن تَحْصِيل الْمُسلم فِيهِ بِمَشَقَّة عَظِيمَة كَقدْر كثير من الباكورة
وَهِي أول الْفَاكِهَة لم يَصح فَإِن كَانَ الْمُسلم فِيهِ يُوجد بِبَلَد آخر صَحَّ السّلم فِيهِ إِن اعْتقد نَقله غَالِبا مِنْهُ للْبيع وَنَحْوه من الْمُعَامَلَات وَإِن بَعدت الْمسَافَة للقدرة عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا يَصح السّلم فِيهِ لعدم الْقُدْرَة عَلَيْهِ
وَلَو أسلم فِيمَا يعم وجوده فَانْقَطع وَقت حُلُوله لم يَنْفَسِخ لِأَن الْمُسلم فِيهِ يتَعَلَّق بِالذِّمةِ فَأشبه إفلاس المُشْتَرِي بِالثّمن فَيتَخَيَّر الْمُسلم بَين فَسخه وَالصَّبْر حَتَّى يُوجد فَيُطَالب بِهِ دفعا للضَّرَر وَلَو علم قبل الْمحل انْقِطَاعه عِنْده فَلَا خِيَار قبله لِأَنَّهُ لم يدْخل وَقت وجوب التسلم
وَالْخَامِس أَن يكون وجوده (فِي الْغَالِب) من الْأَزْمَان فَلَا يَصح فِيمَا ينْدر وجوده كلحم الصَّيْد بِمحل يعز وجوده فِيهِ لانْتِفَاء الوثوق بِتَسْلِيمِهِ
نعم لَو كَانَ السّلم حَالا وَكَانَ الْمُسلم فِيهِ مَوْجُودا عِنْد الْمُسلم إِلَيْهِ بِموضع ينْدر فِيهِ صَحَّ كَمَا فِي الِاسْتِقْصَاء وَلَا فِيمَا لَو استقصى وَصفه عز وجوده كاللآلىء الْكِبَار واليواقيت وَجَارِيَة وَأُخْتهَا أَو خَالَتهَا أَو عَمَّتهَا أَو وَلَدهَا أَو شَاة وسخلتها فَإِن اجْتِمَاع ذَلِك بِالصِّفَاتِ الْمَشْرُوطَة فِيهَا نَادِر
(و) السَّادِس (أَن يذكر) فِي السّلم الْمُؤَجل (مَوضِع قَبضه) إِذا عقا بِموضع لَا يصلح للتسليم كالبادية أَو يصلح ولحمل الْمُسلم فِيهِ مُؤنَة لتَفَاوت الْأَغْرَاض فِيمَا يُرَاد من الْأَمْكِنَة
أما إِذا صلح للتسليم وَلم يكن لحمله مُؤنَة فَلَا يشْتَرط مَا ذكر وَيتَعَيَّن مَكَان العقد للتسليم للْعُرْف وَيَكْفِي فِي تَعْيِينه أَن يَقُول تسلم لي فِي بَلْدَة كَذَا إِلَّا أَن تكون كَبِيرَة كبغداد وَالْبَصْرَة فَيَكْفِي إِحْضَاره فِي أَولهَا
وَلَا يُكَلف إِحْضَاره إِلَى منزل
وَلَو قَالَ فِي أَي الْبِلَاد شِئْت فسد
أَو فِي أَي مَكَان شِئْت من بلد كَذَا
فَإِن اتَّسع لم يجز وَإِلَّا جَازَ أَو بِبَلَد كَذَا وبلد كَذَا فَهَل يفْسد أَو يَصح وَينزل على تَسْلِيم النّصْف بِكُل بلد وَجْهَان أصَحهمَا كَمَا قَالَ الشَّاشِي الأول
قَالَ فِي الْمطلب وَالْفرق بَين تَسْلِيمه فِي بلد كَذَا حَيْثُ صَحَّ وتسليمه فِي شهر كَذَا حَيْثُ لَا يَصح اخْتِلَاف الْغَرَض فِي الزَّمَان دون الْمَكَان فَلَو عين مَكَانا فخرب وَخرج عَن صَلَاحِية التَّسْلِيم تعين أقرب مَوضِع صَالح لَهُ على الأقيس فِي الرَّوْضَة من ثَلَاثَة أوجه أما السّلم الْحَال فَيتَعَيَّن فِيهِ مَوضِع العقد للتسليم
نعم إِن كَانَ غير صَالح للتسليم اشْترط الْبَيَان كَمَا قَالَه ابْن الرّفْعَة فَإِن عينا غَيره تعين بِخِلَاف الْمَبِيع الْمعِين لِأَن السّلم يقبل التَّأْجِيل فَقبل شرطا يتَضَمَّن تَأْخِير التَّسْلِيم بِخِلَاف الْمَبِيع وَالْمرَاد بِموضع العقد تِلْكَ الْمحلة لَا نفس مَوضِع العقد
(و) السَّابِع (أَن يتقابضا) أَي الْمُسلم وَالْمُسلم إِلَيْهِ بِنَفسِهِ أَو نَائِبه رَأس مَال السّلم وَهُوَ الثّمن فِي مجْلِس العقد قبضا حَقِيقِيًّا (قبل التَّفَرُّق) أَو التخاير لِأَن اللُّزُوم كالتفريق كَمَا مر فِي بَاب الْخِيَار إِذْ لَو تَأَخّر لَكَانَ فِي معنى بيع الدّين بِالدّينِ إِن كَانَ
رَأس المَال فِي الذِّمَّة وَلِأَن فِي السّلم غررا فَلَا يضم إِلَيْهِ غرر تَأْخِير رَأس المَال وَلَا بُد من حُلُول رَأس المَال كالصرف فَلَو تفَرقا قبله أَو ألزماه بَطل العقد أَو قبل تَسْلِيم بعضه بَطل فِيمَا لم يقبض وَفِيمَا يُقَابله من الْمُسلم فِيهِ وَصَحَّ فِي الْبَاقِي بِقسْطِهِ وَخرج بِقَيْد الْحَقِيقِيّ مَا لَو أحَال الْمُسلم الْمُسلم إِلَيْهِ بِرَأْس المَال وَقَبضه الْمُسلم إِلَيْهِ فِي الْمجْلس فَلَا يَصح ذَلِك سَوَاء أذن فِي قَبضه الْمُحِيل أم لَا لِأَن الْحِوَالَة لَيست قبضا حَقِيقِيًّا فَإِن الْمحَال عَلَيْهِ يُؤَدِّي عَن جِهَة نَفسه لَا عَن جِهَة الْمُسلم
نعم إِن قَبضه الْمُسلم من الْمحَال عَلَيْهِ أَو من الْمُسلم إِلَيْهِ بعد قَبضه بِإِذْنِهِ وَسلم إِلَيْهِ فِي الْمجْلس صَحَّ
وَلَا يشْتَرط تعْيين رَأس المَال فِي العقد بل الصَّحِيح جَوَازه فِي الذِّمَّة فَلَو قَالَ أسلمت إِلَيْك دِينَارا فِي ذِمَّتِي فِي كَذَا ثمَّ عين الدِّينَار فِي الْمجْلس قبل التخاير جَازَ ذَلِك لِأَن الْمجْلس حَرِيم العقد فَلهُ حكمه فَإِن تفَرقا أَو تخايرا قبله بَطل العقد
(و) الثَّامِن (أَن يكون العقد ناجزا لَا يدْخلهُ خِيَار الشَّرْط) لَهما وَلَا لأَحَدهمَا لِأَنَّهُ لَا يحْتَمل التَّأْجِيل وَالْخيَار أعظم غررا مِنْهُ لِأَنَّهُ مَانع من الْملك أَو من لُزُومه وَاحْترز بِقَيْد الشَّرْط عَن خِيَار الْمجْلس فَإِنَّهُ يثبت فِيهِ لعُمُوم قَوْله صلى الله عليه وسلم البيعان بِالْخِيَارِ مَا لم يَتَفَرَّقَا وَالسّلم بيع مَوْصُوف فِي الذِّمَّة كَمَا مر
تَتِمَّة لَو أحضر الْمُسلم إِلَيْهِ الْمُسلم فِيهِ الْمُؤَجل قبل وَقت حُلُوله فَامْتنعَ الْمُسلم من قبُوله لغَرَض صَحِيح بِأَن كَانَ حَيَوَانا يحْتَاج لمؤونة لَهَا وَقع أَو وَقت إغارة أَو كَانَ ثمرا أَو لَحْمًا يُرِيد أكله عِنْد الْمحل طريا أَو كَانَ مِمَّا يحْتَاج إِلَى مَكَان لَهُ مؤونة كالحنطة الْكَثِيرَة لم يجْبر على قبُوله فَإِن لم يكن للْمُسلمِ غَرَض صَحِيح فِي الِامْتِنَاع أجبر على قبُوله سَوَاء أَكَانَ للمؤدي غَرَض صَحِيح فِي التَّعْجِيل كفك رهن أَو ضَمَان أَو مُجَرّد بَرَاءَة ذمَّته أم لَا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَام الرَّوْض لِأَن عدم قبُوله لَهُ تعنت فَإِن أصر على عدم قبُوله أَخذه الْحَاكِم لَهُ وَلَو أحضر الْمُسلم فِيهِ الْحَال فِي مَكَان التَّسْلِيم لغَرَض غير الْبَرَاءَة أجبر الْمُسلم على قبُوله أَو لفرضها أجبر على الْقبُول أَو الْإِبْرَاء
وَلَو ظفر الْمُسلم بِالْمُسلمِ إِلَيْهِ بعد الْمحل فِي غير مَحل التَّسْلِيم وطالبه بِالْمُسلمِ فِيهِ ولنقله مُؤنَة وَلم يتحملها الْمُسلم عَن الْمُسلم إِلَيْهِ لم يلْزمه الْأَدَاء وَلَا يُطَالِبهُ بِقِيمَتِه وَإِن امْتنع الْمُسلم
من قبُوله فِي غير مَحل التَّسْلِيم لغَرَض صَحِيح لم يجْبر على قبُوله لتضرره بذلك فَإِن لم يكن لَهُ غَرَض صَحِيح أجبر على قبُوله إِن كَانَ للمؤدي غَرَض صَحِيح كتحصيل بَرَاءَة الذِّمَّة وَلَو أنْفق كَون رَأس مَال السّلم بِصفة الْمُسلم فِيهِ فَأحْضرهُ الْمُسلم إِلَيْهِ وَجب قبُوله