المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في الجزية تطلق - الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع - جـ ٢

[الخطيب الشربيني]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الْبيُوع وَغَيرهَا من أَنْوَاع الْمُعَامَلَات

- ‌فصل فِي الرِّبَا

- ‌فصل فِي أَحْكَام الْخِيَار

- ‌فصل فِي السّلم وَيُقَال لَهُ السّلف

- ‌فصل فِي الرَّهْن

- ‌فصل فِي الْحجر

- ‌فصل فِي الصُّلْح

- ‌فصل فِي الْحِوَالَة

- ‌فصل فِي الضَّمَان

- ‌فصل فِي كَفَالَة الْبدن

- ‌فصل فِي الشّركَة

- ‌فصل فِي الْوكَالَة

- ‌فصل فِي الْإِقْرَار

- ‌فصل فِي الْعَارِية

- ‌فصل فِي الْغَصْب

- ‌فصل فِي الشُّفْعَة

- ‌فصل فِي الْقَرَاض

- ‌فصل فِي الْمُسَاقَاة

- ‌فصل فِي الْإِجَارَة

- ‌فصل فِي الْجعَالَة

- ‌فصل فِي الْمُزَارعَة وَالْمُخَابَرَة وكراء الأَرْض

- ‌فصل فِي إحْيَاء الْموَات

- ‌فصل فِي الْوَقْف

- ‌فصل فِي الْهِبَة

- ‌فصل فِي اللّقطَة

- ‌فصل فِي بعض النّسخ وَهُوَ فِي أَقسَام اللّقطَة وَبَيَان حكم كل مِنْهَا

- ‌(فصل فِي اللَّقِيط)

- ‌فصل فِي الْوَدِيعَة

- ‌حجب الحرمان بالشخص

- ‌فصل فِي الْوَصِيَّة الشاملة للإيصاء

- ‌فصل فِي أَرْكَان النِّكَاح

- ‌فصل فِي بَيَان أَوْلِيَاء

- ‌فصل فِي مُحرمَات النِّكَاح ومثبتات الْخِيَار فِيهِ

- ‌فصل فِي الصَدَاق

- ‌فصل فِي الْوَلِيمَة

- ‌فصل فِي الْقسم والنشوز

- ‌فصل فِي الْخلْع

- ‌فصل فِي الطَّلَاق

- ‌فصل فِي طَلَاق السّني

- ‌فصل فِيمَا يملكهُ الزَّوْج من الطلقات

- ‌فصل فِي الرّجْعَة

- ‌فصل فِي بَيَان مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ حل الْمُطلقَة

- ‌فصل فِي الْإِيلَاء

- ‌فصل فِي الظِّهَار

- ‌فصل فِي اللّعان

- ‌فرع لَو قذف زوج زَوجته

- ‌فصل فِي الْعدَد

- ‌فصل فِيمَا يجب للمعتدة وَعَلَيْهَا

- ‌فصل فِي أَحْكَام الِاسْتِبْرَاء

- ‌فصل فِي الرَّضَاع

- ‌فصل فِي نَفَقَة الْقَرِيب وَالرَّقِيق والبهائم

- ‌فصل فِي النَّفَقَة

- ‌فصل فِي الْحَضَانَة

- ‌كتاب الْجِنَايَات

- ‌فصل فِي الدِّيَة

- ‌فصل فِي الْقسَامَة

- ‌فصل فِي حد الْقَذْف

- ‌فصل فِي حد شَارِب السكر من خمر وَغَيره

- ‌فصل فِي حد السّرقَة

- ‌فصل فِي قَاطع الطَّرِيق

- ‌فصل فِي حكم الصيال وَمَا تتلفه الْبَهَائِم

- ‌فصل فِي قتال الْبُغَاة

- ‌فصل فِي الرِّدَّة

- ‌فصل فِي تَارِك الصَّلَاة

- ‌فصل فِي قسم الْغَنِيمَة

- ‌فصل فِي قسم الْفَيْء

- ‌فصل فِي الْجِزْيَة تطلق

- ‌فصل فِي الْأَطْعِمَة

- ‌فصل فِي الْأُضْحِية

- ‌فصل فِي الْعَقِيقَة

- ‌فصل فِي أَحْكَام النذور

- ‌فصل فِي الْقِسْمَة

- ‌فصل فِي الدَّعْوَى والبينات

- ‌فصل فِي الشَّهَادَات

- ‌فصل كَمَا فِي بعض النّسخ يذكر فِيهِ الْعدَد فِي الشُّهُود والذكورة

- ‌كتاب الْعتْق

- ‌فصل فِي أَحْكَام الْوَلَاء

- ‌فصل فِي التَّدْبِير

- ‌فصل فِي الْكِتَابَة

- ‌فصل فِي أُمَّهَات الْأَوْلَاد

الفصل: ‌فصل في الجزية تطلق

والمقاتلون بعده هم المرصدون لِلْقِتَالِ

(فِي مصَالح الْمُسلمين) بِتَعْيِين الإِمَام لَهُم سموا مرتزقة لأَنهم أرصدوا أنفسهم للذب عَن الدّين وطلبوا الرزق من مَال الله

وَخرج بهم المتطوعة وهم الَّذين يغزون إِذا نشطوا وَإِنَّمَا يُعْطون من الزَّكَاة لَا من الْفَيْء عكس المرتزقة

تَتِمَّة يجب على الإِمَام أَن يبْحَث عَن حَال كل وَاحِد من المرتزقة وَعَمن تلْزمهُ نَفَقَتهم من أَوْلَاد وزوجات ورقيق لحَاجَة غَزْو أَو لخدمة إِن اعتادها لَا رَقِيق زِينَة وتجارة وَمَا يكفيهم فيعطيه كِفَايَته وكفايتهم من نَفَقَة وَكِسْوَة وَسَائِر الْمُؤَن بِقدر الْحَاجة ليتفرغ للْجِهَاد ويراعي فِي الْحَاجة حَاله فِي مروءته وضدها وَالْمَكَان وَالزَّمَان والرخص والغلاء وَعَادَة الْبَلَد فِي المطاعم والملابس وَيُزَاد إِن زَادَت حَاجته بِزِيَادَة ولد أَو حُدُوث زَوْجَة وَمن لَا رَقِيق لَهُ يعْطى من الرَّقِيق مَا يَحْتَاجهُ لِلْقِتَالِ مَعَه أَو لخدمته إِذا كَانَ مِمَّن يخْدم وتعطى زَوجته وَأَوْلَاده الَّذين تلْزمهُ نَفَقَتهم فِي حَيَاته إِذا مَاتَ بعد أَخذ نصِيبه لِئَلَّا يشْتَغل النَّاس بِالْكَسْبِ عَن الْجِهَاد إِذا علمُوا ضيَاع عِيَالهمْ بعدهمْ فتعطى الزَّوْجَة حَتَّى تنْكح لاستغنائها بِالزَّوْجِ وَلَو استغنت بكسب أَو إِرْث أَو نَحوه

كوصية لم تعط وَحكم أم الْوَلَد كَالزَّوْجَةِ وَكَذَا الزَّوْجَات وَيُعْطى الْأَوْلَاد حَتَّى يستقلوا بكسب أَو نَحوه

كوصية واستنبط السُّبْكِيّ رَحمَه الله تَعَالَى من هَذِه الْمَسْأَلَة أَن الْفَقِيه أَو المعيد أَو الْمدرس إِذا مَاتَ تُعْطى زَوجته وَأَوْلَاده مِمَّا كَانَ يَأْخُذ مَا يقوم بهم ترغيبا فِي الْعلم كالترغيب هُنَا فِي الْجِهَاد اه

وَفرق بَعضهم بَينهمَا بِأَن الْإِعْطَاء من الْأَمْوَال الْعَامَّة وَهِي أَمْوَال الْمصَالح أقوى من الْخَاصَّة كالأوقاف فَلَا يلْزم من التَّوَسُّع فِي تِلْكَ التَّوَسُّع فِي هَذِه لِأَنَّهُ مَال معِين أخرجه شخص لتَحْصِيل مصلحَة نشر الْعلم فِي هَذَا الْمحل الْمَخْصُوص فَكيف يصرف مَعَ انْتِفَاء الشَّرْط وَمُقْتَضى هَذَا الْفرق الصّرْف لأَوْلَاد الْعَالم من مَال الْمصَالح كفايتهم كَمَا كَانَ يصرف لأبيهم وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر

‌فصل فِي الْجِزْيَة تطلق

على العقد وعَلى المَال الْمُلْتَزم بِهِ وَهِي مَأْخُوذَة من المجازاة لكفنا عَنْهُم

وَقيل من الْجَزَاء بِمَعْنى الْقَضَاء قَالَ تَعَالَى {وَاتَّقوا يَوْمًا لَا تجزي نفس عَن نفس شَيْئا} أَي لَا تقضى

وَالْأَصْل فِيهَا قبل الْإِجْمَاع آيَة {قَاتلُوا الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِاللَّه} وَقد أَخذهَا صلى الله عليه وسلم من مجوس هجر

وَقَالَ سنوا بهم سنة أهل الْكتاب كَمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمن أهل نَجْرَان كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْمعْنَى فِي ذَلِك أَن فِي أَخذهَا مَعُونَة لنا وإهانة لَهُم وَرُبمَا يحملهم ذَلِك على الْإِسْلَام

وَفسّر إِعْطَاء الْجِزْيَة فِي الْآيَة بالتزامها وَالصغَار بِالْتِزَام أحكامنا

وأركانها خَمْسَة عَاقد ومعقود لَهُ وَمَكَان وَمَال وَصِيغَة

وَشرط فِي الصِّيغَة وَهِي الرُّكْن الأول مَا مر فِي شَرطهَا فِي البيع والصيغة إِيجَابا كأقررتكم أَو أَذِنت فِي إقامتكم بِدَارِنَا مثلا على أَن تلتزموا كَذَا جِزْيَة

وتنقادوا لحكمنا وقبولا نَحْو قبلنَا ورضينا وَشرط فِي الْعَاقِد كَونه إِمَامًا يعْقد بِنَفسِهِ أَو بنائبه

ثمَّ شرع المُصَنّف فِي شُرُوط الْمَعْقُود لَهُ وَهُوَ الرُّكْن الثَّانِي بقوله (وشرائط وجوب) ضرب (الْجِزْيَة) على الْكفَّار الْمَعْقُود

ص: 568

لَهُم (خمس خِصَال) الأولى (الب و) الثَّانِيَة (الْعقل) فَلَا يَصح عقدهَا مَعَ صبي وَلَا مَجْنُون وَلَا من وليهما لعدم تكليفهما وَلَا جِزْيَة عَلَيْهِمَا

وَإِن كَانَ الْمَجْنُون بَالغا وَلَو بعد عقد الْجِزْيَة إِن أطبق جُنُونه

فَإِن تقطع وَكَانَ قَلِيلا كساعة من شهر لَزِمته وَلَا عِبْرَة بِهَذَا الزَّمن الْيَسِير وَكَذَا لَا أثر ليسير زمن الْإِفَاقَة كَمَا بَحثه بَعضهم

وَإِن كَانَ كثيرا كَيَوْم وَيَوْم فَالْأَصَحّ تلفيق زمن الْإِفَاقَة فَإِذا بلغ سنة وَجَبت جزيتهَا (و) الثَّالِثَة (الْحُرِّيَّة) فَلَا يَصح عقدهَا مَعَ الرَّقِيق وَلَو مبعضا وَلَا جِزْيَة على متمحض الرّقّ إِجْمَاعًا وَلَا على الْمبعض على الْمَذْهَب

(و) الرَّابِعَة (الذكورية) فَلَا يَصح عقدهَا مَعَ امْرَأَة وَلَا جِزْيَة عَلَيْهَا لقَوْله تَعَالَى {قَاتلُوا الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِاللَّه} إِلَى قَوْله {وهم صاغرون} وَهُوَ خطاب للذكور وَحكى ابْن الْمُنْذر فِيهِ الْإِجْمَاع وروى الْبَيْهَقِيّ عَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه كتب إِلَى أُمَرَاء الأجناد أَن لَا تَأْخُذُوا الْجِزْيَة من النِّسَاء وَالصبيان وَلَا من خُنْثَى وَلَا جِزْيَة عَلَيْهِ لاحْتِمَال كَونه أُنْثَى فَإِن بَانَتْ ذكورته وَقد عقدت لَهُ الْجِزْيَة طالبناه بجزية الْمدَّة الْمَاضِيَة عملا بِمَا فِي نفس الْأَمر بِخِلَاف مَا لَو دخل حَرْبِيّ دَارنَا وَبَقِي مُدَّة ثمَّ اطَّلَعْنَا عَلَيْهِ لَا نَأْخُذ مِنْهُ شَيْئا لما مضى لعدم عقد الْجِزْيَة لَهُ وَالْخُنْثَى كَذَلِك إِذا بَانَتْ ذكورته وَلم تعقد لَهُ الْجِزْيَة وعَلى هَذَا التَّفْصِيل يحمل إِطْلَاق من صحّح الْأَخْذ مِنْهُ وَمن صحّح عَدمه

(و) الْخَامِسَة (أَن يكون) الْمَعْقُود مَعَه (من أهل الْكتاب) كاليهودي وَالنَّصْرَانِيّ من الْعَرَب والعجم الَّذين لم يعلم دُخُولهمْ فِي ذَلِك الدّين بعد نسخه لأصل أهل الْكتاب وَقد قَالَ تَعَالَى {قَاتلُوا الَّذين لَا يُؤمنُونَ} إِلَى أَن قَالَ {الَّذين أُوتُوا الْكتاب حَتَّى يُعْطوا الْجِزْيَة}

(أَو مِمَّن لَهُ شُبْهَة كتاب) كالمجوس لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَخذهَا مِنْهُم وَقَالَ سنوا بهم سنة أهل الْكتاب وَلِأَن لَهُم شُبْهَة كتاب وَكَذَا تعقد لأَوْلَاد من تهود أَو تنصر قبل النّسخ لدينِهِ وَلَو بعد التبديل

وَإِن لم يجتنبوا الْمُبدل مِنْهُ تَغْلِيبًا لحقن الدَّم وَلَا تحل ذبيحتهم وَلَا مناكحتهم لِأَن الأَصْل فِي الميتات والأبضاع التَّحْرِيم وتقعد أَيْضا لمن شككنا فِي وَقت تهوده أَو تنصره

فَلم نَعْرِف أدخلُوا فِي ذَلِك الدّين قبل النّسخ أَو بعده تَغْلِيبًا لحقن الدَّم كالمجوس وَبِذَلِك حكمت الصَّحَابَة فِي نَصَارَى الْعَرَب وَأما الصابئة والسامرة فتعقد لَهُم الْجِزْيَة إِن لم تكفرهم الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَلم يخالفوهم فِي أصُول دينهم وَإِلَّا فَلَا تعقد لَهُم وَكَذَا تعقد لَهُم لَو أشكل أَمرهم وتعقد لزاعم التَّمَسُّك بصحف إِبْرَاهِيم وصحف شِيث وَهُوَ ابْن آدم لصلبه

وزبور دَاوُد لِأَن الله تَعَالَى أنزل عَلَيْهِم صحفا فَقَالَ {صحف إِبْرَاهِيم ومُوسَى} وَقَالَ {وَإنَّهُ لفي زبر الْأَوَّلين}

وَتسَمى كتبا كَمَا نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي فاندرجت فِي قَوْله تَعَالَى {من الَّذين أُوتُوا الْكتاب} وَمن أحد أَبَوَيْهِ كتابي وَالْآخر وَثني تَغْلِيبًا لحقن الدَّم وَتحرم ذَبِيحَته ومناكحته احْتِيَاطًا

ص: 569

وَأما من لَيْسَ لَهُم كتاب وَلَا شُبْهَة كتاب كعبدة الْأَوْثَان وَالشَّمْس وَالْمَلَائِكَة وَمن فِي معناهم كمن يَقُول إِن الْفلك حَيّ نَاطِق وَإِن الْكَوَاكِب السَّبْعَة آلِهَة فَلَا يقرونَ بالجزية وَلَو بلغ ابْن ذمِّي وَلم يُعْط الْجِزْيَة ألحق بمأمنه

وَإِن بذلها عقدت لَهُ وَالْمذهب وُجُوبهَا على زمن وَشَيخ وهرم وأعمى وراهب وأجير لِأَنَّهَا كَأُجْرَة الدَّار وعَلى فَقير عجز عَن كسب فَإِذا تمت سنة وَهُوَ مُعسر فَفِي ذمَّته حَتَّى يوسر وَكَذَا حكم السّنة الثَّانِيَة وَمَا بعْدهَا

ثمَّ شرع فِي الرُّكْن الثَّالِث وَهُوَ المَال بقوله (وَأَقل الْجِزْيَة دِينَار فِي كل حول) عَن كل وَاحِد لما رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَغَيره عَن معَاذ أَنه صلى الله عليه وسلم لما وَجهه إِلَى الْيمن أمره أَن يَأْخُذ من كل حالم دِينَارا أَو عدله من المعافر وَهِي ثِيَاب تكون بِالْيمن

تَنْبِيه ظَاهر الْخَبَر أَن أقلهَا دِينَار أَو مَا قِيمَته دِينَار وَبِه أَخذ البُلْقِينِيّ وَالْمَنْصُوص الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْحَاب كَمَا هُوَ ظَاهر عبارَة المُصَنّف أَن أقلهَا دِينَار وَعَلِيهِ إِذا عقدهَا بِهِ جَازَ أَن يعتاض عَنهُ مَا قِيمَته دِينَار وَإِنَّمَا امْتنع عقدهَا بِمَا قِيمَته دِينَار لِأَن قِيمَته قد تنقص عَنهُ آخر الْمدَّة وَمحل كَون أقلهَا دِينَارا عِنْد قوتنا

وَإِلَّا فقد نقل الدَّارمِيّ عَن الْمَذْهَب أَنه يجوز عقدهَا بِأَقَلّ من دِينَار

نَقله الْأَذْرَعِيّ وَقَالَ إِنَّه ظَاهر مُتَّجه وَقَضِيَّة كَلَام المُصَنّف تعلق الْوُجُوب بِانْقِضَاء الْحول

وَقَالَ الْقفال اخْتلف قَول الشَّافِعِي فِي أَن الْجِزْيَة تجب بِالْعقدِ وتستقر بِانْقِضَاء الْحول أَو تجب بانقضائه وَبنى عَلَيْهِمَا إِذا مَاتَ فِي أثْنَاء الْحول هَل تسْقط فَإِن قُلْنَا بِالْعقدِ لم تسْقط وَإِلَّا سَقَطت حَكَاهُ القَاضِي حُسَيْن فِي الْأَسْرَار وَلَا حد لأكْثر الْجِزْيَة وَينْدب للْإِمَام مماكسة الْكَافِر الْعَاقِد لنَفسِهِ أَو لمُوكلِه فِي قدر الْجِزْيَة حَتَّى تزيد على دِينَار (و) على هَذَا (يُؤْخَذ من الْمُتَوَسّط دِينَارَانِ وَمن الْمُوسر أَرْبَعَة دَنَانِير) وَمن الْفَقِير دِينَارا (اسْتِحْبَابا) اقْتِدَاء بعمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ

ص: 570

رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ

وَلِأَن الإِمَام متصرف للْمُسلمين فَيَنْبَغِي أَن يحْتَاط لَهُم فَإِن أمكنه أَن يعْقد بِأَكْثَرَ مِنْهُ لم يجز أَن يعْقد بِدُونِهِ إِلَّا لمصْلحَة

تَنْبِيه هَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى ابْتِدَاء العقد فَأَما إِذا انْعَقَد العقد على شَيْء فَلَا يجوز أَخذ شَيْء زَائِد عَلَيْهِ

كَمَا نَص عَلَيْهِ فِي سير الْوَاقِدِيّ وَنَقله الزَّرْكَشِيّ عَن نَص الْأُم وَلَو عقدت الْجِزْيَة للْكفَّار بِأَكْثَرَ من دِينَار ثمَّ علمُوا بعد العقد جَوَاز دِينَار لَزِمَهُم مَا التزموه كمن اشْترى شَيْئا بِأَكْثَرَ من ثمن مثله

ثمَّ علم الْغبن فَإِن أَبَوا بذل الزِّيَادَة بعد العقد كَانُوا ناقضين للْعهد

كَمَا لَو امْتَنعُوا من أَدَاء أصل الْجِزْيَة

وَلَو أسلم ذمِّي أَو نبذ الْعَهْد أَو مَاتَ بعد سِنِين وَله وَارِث مُسْتَغْرق أخذت جزيتهن مِنْهُ فِي الأولتين وَمِنْه تركته فِي الثَّالِثَة مُقَدّمَة على حق الْوَرَثَة كالخراج وَسَائِر الدُّيُون

أما إِذا لم يخلف وَارِثا فتركته فَيْء أَو أسلم أَو نبذ الْعَهْد أَو مَاتَ فِي خلال سنة

فقسط لما مضى كالأجرة

(وَيجوز) كَمَا هُوَ قَضِيَّة كَلَام الْجُمْهُور وَالرَّاجِح كَمَا فِي الْمِنْهَاج أَنه يسْتَحبّ للْإِمَام (أَن يشْتَرط) بِنَفسِهِ أَو بنائبه (عَلَيْهِم) أَي على غير فَقير من غَنِي أَو متوسط فِي العقد برضاهم (الضِّيَافَة) أَي ضِيَافَة من يمر بهم منا بِخِلَاف الْفَقِير فَإِنَّهَا تَتَكَرَّر فَلَا تتيسر لَهُ (فضلا) أَي فَاضلا (عَن مِقْدَار الْجِزْيَة) لِأَنَّهَا مَبْنِيَّة على الْإِبَاحَة والجزية على التَّمْلِيك وَيجْعَل ذَلِك ثَلَاثَة أَيَّام فَأَقل

وَيذكر عدد ضيفان رجلا وخيلا لِأَنَّهُ أنفى للغرر وأقطع للنزاع بِأَن يشْتَرط ذَلِك على كل مِنْهُم أَو على الْمَجْمُوع كَأَن يَقُول وتضيفون فِي كل سنة ألف مُسلم وهم يتوزعون فِيمَا بَينهم أَو يتَحَمَّل بَعضهم عَن بعض وَيذكر منزلهم ككنيسة أَو فَاضل مسكن وجنس طَعَام وأدم وقدرهم لكل منا وَيذكر الْعلف للدواب وَلَا يشْتَرط ذكر جنسه وَلَا قدره وَيحمل على تبن وَنَحْوه

بِحَسب الْعَادة إِلَّا الشّعير وَنَحْوه كالفول إِن ذكره فيقدره وَلَو كَانَ لوَاحِد دَوَاب وَلم يعين عددا مِنْهَا لم يعلف لَهُ إِلَّا وَاحِدَة على النَّص

وَالْأَصْل فِي ذَلِك مَا روى الْبَيْهَقِيّ أَنه صلى الله عليه وسلم صَالح أهل أَيْلَة على ثَلَاثمِائَة دِينَار وَكَانُوا ثَلَاثمِائَة رجل وعَلى ضِيَافَة من يمر بهم من الْمُسلمين وروى الشَّيْخَانِ خبر الضِّيَافَة ثَلَاثَة أَيَّام وَليكن الْمنزل بِحَيْثُ يدْفع الْحر وَالْبرد

والركن الرَّابِع الْعَاقِد وَشرط فِيهِ كَونه إِمَامًا فيعقد بِنَفسِهِ أَو بنائبه

فَلَا يَصح عقدهَا من غَيره لِأَنَّهَا من الْأُمُور الْكُلية فتحتاج إِلَى نظر واجتهاد

لَكِن لَا يغتال الْمَعْقُود لَهُ بل يبلغ مأمنه وَعَلِيهِ إجابتهم إِذا طلبُوا وَأمن إِذا لم يخف غائلتهم ومكيدتهم

ص: 571

فَإِن خَافَ ذَلِك كَأَن يكون الطَّالِب جاسوسا يخَاف شرهم لم يجبهم

وَالْأَصْل فِي ذَلِك خبر مُسلم عَن بُرَيْدَة كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا أَمر أَمِيرا على جَيش أَو سَرِيَّة أوصاه إِلَى أَن قَالَ فَإِن هم أَبَوا فاسألهم الْجِزْيَة فَإِن هم أجابوا فاقبل مِنْهُم وكف عَنْهُم وَيسْتَثْنى الْأَسير إِذا طلب عقدهَا فَلَا يجب تَقْرِيره بهَا

والركن الْخَامِس الْمَكَان وَيشْتَرط فِيهِ قبُوله للتقرير فِيهِ فَيمْنَع كَافِر وَلَو ذِمِّيا إِقَامَة بالحجاز وَهُوَ مَكَّة وَالْمَدينَة واليمامة وطرق الثَّلَاثَة وقراها

كالطائف لمَكَّة وخيبر للمدينة فَلَو دخله بِغَيْر إِذن الإِمَام أخرجه مِنْهُ وعزره إِن كَانَ عَالما بِالتَّحْرِيمِ وَلَا يَأْذَن لَهُ فِي دُخُولهَا الْحجاز غير حرم مَكَّة إِلَّا لمصْلحَة لنا كرسالة وتجارة فِيهَا كَبِير حَاجَة فَإِن لم يكن فِيهَا كَبِير حَاجَة لم يَأْذَن لَهُ إِلَّا بِشَرْط أَخذ شَيْء من متاعها كالعشر وَلَا يُقيم فِيهِ بعد الْإِذْن لَهُ إِلَّا ثَلَاثَة أَيَّام فَلَو أَقَامَ فِي مَوضِع ثَلَاثَة أَيَّام

ثمَّ انْتقل إِلَى آخر أَي وَبَينهمَا مَسَافَة الْقصر وَهَكَذَا فَلَا منع فَإِن مرض فِيهِ وشق نَقله مِنْهُ أَو خيف مِنْهُ مَوته ترك مُرَاعَاة لأعظم الضررين فَإِن مَاتَ فِيهِ وشق نَقله مِنْهُ دفن فِيهِ للضَّرُورَة نعم الْحَرْبِيّ لَا يجب دَفنه وَلَا يدْخل حرم مَكَّة وَلَو لمصْلحَة لقَوْله تَعَالَى {فَلَا يقربُوا الْمَسْجِد الْحَرَام} وَالْمرَاد جَمِيع الْحرم لقَوْله تَعَالَى {وَإِن خِفْتُمْ عيلة} أَي فقرا بمنعهم من الْحرم

وَانْقِطَاع مَا كَانَ لكم بقدومهم من المكاسب {فَسَوف يغنيكم الله من فَضله} وَمَعْلُوم أَن الجلب إِنَّمَا يجلب إِلَى الْبَلَد لَا إِلَى الْمَسْجِد نَفسه

وَالْمعْنَى فِي ذَلِك أَنهم أخرجُوا النَّبِي صلى الله عليه وسلم مِنْهُ فعوقبوا بِالْمَنْعِ من دُخُوله بِكُل حَال

فَإِن كَانَ رَسُولا خرج إِلَيْهِ الإِمَام بِنَفسِهِ أَو نَائِبه يسمعهُ فَإِن مرض فِيهِ أخرج مِنْهُ وَإِن خيف مَوته فَإِن مَاتَ فِيهِ لم يدْفن فِيهِ فَإِن دفن فِيهِ نبش وَأخرج مِنْهُ إِلَى الْحل لِأَن بَقَاء جيفته فِيهِ أَشد من دُخُوله حَيا

وَلَا يجْرِي هَذَا الحكم فِي حرم الْمَدِينَة لاخْتِصَاص حرم مَكَّة بالنسك

وَثَبت أَنه صلى الله عليه وسلم أَدخل الْكفَّار مَسْجده وَكَانَ ذَلِك بعد نزُول بَرَاءَة

(ويتضمن عقد الذِّمَّة) أَي الْجِزْيَة الْمُشْتَملَة على هَذِه الْأَركان الْخَمْسَة

وَقد قَالَ البُلْقِينِيّ نفس العقد يَشْمَل الْإِيجَاب وَالْقَبُول وَالْقدر الْمَأْخُوذ والموجب والقابل فَجعله متضمنا لغالب الْأَركان

ثمَّ بَين مَا تضمنه بقوله (أَرْبَعَة أَشْيَاء) الأول (أَن يؤدوا الْجِزْيَة عَن يَد) أَي ذلة (وصغار) أَي احتقار وأشده على الْمَرْء أَن يحكم عَلَيْهِ بِمَا لَا يَعْتَقِدهُ ويضطر إِلَى احْتِمَاله قَالَه فِي الزَّوَائِد

فتؤخذ بِرِفْق كَسَائِر الدُّيُون وَيَكْفِي فِي الصغار الْمَذْكُور فِي آياتها أَن يجرى عَلَيْهِ الحكم بِمَا لَا يعْتَقد حلّه كَمَا فسره الْأَصْحَاب بذلك وَتَفْسِيره بِأَن يجلس الْآخِذ وَيقوم الْكَافِر ويطأطىء رَأسه ويحني ظَهره وَيَضَع الْجِزْيَة فِي الْمِيزَان وَيقبض الْآخِذ لحيته وَيضْرب لهزمتيه

وهما مُجْتَمع اللَّحْم بَين الماضغ وَالْأُذن من الْجَانِبَيْنِ مَرْدُود بِأَن هَذِه الْهَيْئَة بَاطِلَة وَدَعوى استحبابها أَو وُجُوبهَا أَشد بطلانا وَلم ينْقل أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَلَا أحدا من الْخُلَفَاء الرَّاشِدين فعل شَيْئا مِنْهَا

(و) الثَّانِي (أَن تجْرِي عَلَيْهِم أَحْكَام الْإِسْلَام) فِي غير الْعِبَادَات من حُقُوق الْآدَمِيّين فِي الْمُعَامَلَات وغرامة الْمُتْلفَات

وَكَذَا مَا يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمه كَالزِّنَا وَالسَّرِقَة دون مَا لَا يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمه كشرب الْخمر وَنِكَاح الْمَجُوس

وَإِنَّمَا وَجب التَّعَرُّض لذَلِك

ص: 572

فِي الْإِيجَاب لِأَن الْجِزْيَة مَعَ الانقياد والاستسلام كالعوض عَن التَّقْرِير فَيجب التَّعَرُّض لَهُ كَالثّمنِ فِي البيع وَالْأُجْرَة فِي الْإِجَارَة

وَهَذَا فِي حق الرجل وَأما الْمَرْأَة فَيَكْفِي فِيهَا الانقياد لحكم الْإِسْلَام فَقَط

(و) الثَّالِث (أَن لَا يذكرُوا دين الْإِسْلَام إِلَّا بِخَير) لإعزازه

فَلَو خالفوا وطعنوا فِيهِ أَو فِي الْقُرْآن الْعَظِيم أَو ذكرُوا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِمَا لَا يَلِيق بِقَدرِهِ الْعَظِيم عزروا وَالأَصَح أَنه إِن شَرط انْتِقَاض الْعَهْد بذلك انْتقض وَإِلَّا فَلَا

(و) الرَّابِع (أَن لَا يَفْعَلُوا مَا فِيهِ ضَرَر للْمُسلمين) كَأَن قاتلوهم وَلَا شُبْهَة لَهُم أَو امْتَنعُوا من أَدَاء الْجِزْيَة أَو من إِجْرَاء حكم الْإِسْلَام عَلَيْهِم فَإِن فعلوا شَيْئا من ذَلِك انْتقض عَهدهم وَإِن لم يشرط الإِمَام عَلَيْهِم الانتقاض بِهِ وَيمْنَعُونَ أَيْضا من سقيهم خمرًا وإطعامهم خنزيرا أَو إسماعهم قولا شركا كَقَوْلِهِم الله ثَالِث ثَلَاثَة تَعَالَى الله عَن ذَلِك علوا كَبِيرا وَمن إِظْهَار خمر وخنزير وناقوس وَعِيد وَمَتى أظهرُوا خمورهم أريقت وَقِيَاسه إِتْلَاف الناقوس وَهُوَ مَا يضْرب بِهِ النَّصَارَى لأوقات الصَّلَاة إِذا أظهروه وَمن إِحْدَاث كَنِيسَة وبيعة وصومعة للرهبان وَبَيت نَار للمجوس فِي بلد أحدثناه كبغداد والقاهرة أَو أسلم أَهله عَلَيْهِ كالمدينة الشَّرِيفَة

واليمن لما رُوِيَ أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا تبن كَنِيسَة فِي الْإِسْلَام وَلِأَن إِحْدَاث ذَلِك مَعْصِيّة فَلَا يجوز فِي دَار الْإِسْلَام فَإِن بنوا ذَلِك هدم سَوَاء أشرط عَلَيْهِم أم لَا

وَلَا يحدثُونَ ذَلِك فِي بَلْدَة فتحت عنْوَة كمصر وأصبهان لِأَن الْمُسلمين ملكوها بِالِاسْتِيلَاءِ فَيمْتَنع جعلهَا كَنِيسَة وكما لَا يجوز إحداثها لَا يجوز إِعَادَتهَا إِذا انْهَدَمت وَلَا يقرونَ على كَنِيسَة كَانَت فِيهِ لما مر

وَلَو فتحنا الْبَلَد صلحا كبيت الْمُقَدّس بِشَرْط كَون الأَرْض لنا وَشرط إسكانهم فِيهَا بخراج وإبقاء الْكَنَائِس أَو إحداثها جَازَ

لِأَنَّهُ إِذا جَازَ الصُّلْح على أَن كل الْبَلَد لَهُم فعلى بعضه أولى فَلَو أطلق الصُّلْح وَلم يذكر فِيهِ إبْقَاء الْكَنَائِس وَلَا عَدمه فَالْأَصَحّ الْمَنْع من إبقائها فيهدم مَا فِيهَا من الْكَنَائِس

لِأَن إِطْلَاق اللَّفْظ يَقْتَضِي صيرورة جَمِيع الْبَلَد لنا أَو بِشَرْط الأَرْض لَهُم ويؤدون خراجها قررت كنائسهم لِأَنَّهَا ملكهم وَلَهُم الإحداث فِي الْأَصَح وَيمْنَعُونَ وجوبا من رفع بِنَاء لَهُم على بِنَاء جَار لَهُم مُسلم لخَبر الْإِسْلَام يَعْلُو وَلَا يعلى عَلَيْهِ وَلِئَلَّا يطلع على عوراتنا

وَلَا فرق بَين أَن يرضى الْجَار بذلك أم لَا

لِأَن الْمَنْع من ذَلِك لحق الدّين لَا لمحض حق الدَّار

وَالأَصَح الْمَنْع من الْمُسَاوَاة أَيْضا فَإِن كَانُوا بمحلة مُنْفَصِلَة عَن الْمُسلمين كطرف من الْبَلَد لم يمنعوا من رفع الْبناء (ويعرفون) بِضَم حرف المضارعة مَعَ تَشْدِيد الرَّاء الْمَفْتُوحَة على الْبناء للْمَفْعُول أَي نعرفهم ونأمرهم أَي أهل الذِّمَّة المكلفون فِي دَار الْإِسْلَام

وجوبا أَنهم يتميزون عَن الْمُسلمين (بِلبْس الغيار) بِكَسْر الْمُعْجَمَة وَإِن لم يشرط عَلَيْهِم وَهُوَ أَن يخيط

ص: 573

كل مِنْهُم من ذكر أَو غَيره بِموضع لَا يعْتَاد الْخياطَة عَلَيْهِ كالكتف على ثَوْبه الظَّاهِر مَا يُخَالف لَونه لون ثَوْبه ويلبسه وَذَلِكَ للتمييز وَلِأَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ صَالحهمْ على تَغْيِير زيهم بِمحضر من الصَّحَابَة كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ

فَإِن قيل لم لم يفعل النَّبِي صلى الله عليه وسلم هَذَا بيهود الْمَدِينَة أُجِيب بِأَنَّهُم كَانُوا قليلين معروفين فَلَمَّا كَثُرُوا فِي زمن الصَّحَابَة رضي الله عنهم وخافوا من التباسهم بِالْمُسْلِمين احتاجوا إِلَى تمييزهم وإلقاء منديل وَنَحْوه كالخياطة وَالْأولَى باليهود الْأَصْفَر وبالنصارى الْأَزْرَق أَو الأكهب وَيُقَال لَهُ الرَّمَادِي وبالمجوسي الْأَحْمَر أَو الْأسود (وَشد الزنار) أَي ويؤمرون بذلك أَيْضا وَهُوَ بِضَم الْمُعْجَمَة خيط غليظ يشد فِي الْوسط فَوق الثِّيَاب لِأَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ صَالحهمْ عَلَيْهِ كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ هَذَا فِي الرجل أما الْمَرْأَة فتشده تَحت الْإِزَار كَمَا صرح بِهِ فِي التَّنْبِيه وَحَكَاهُ الرَّافِعِيّ عَن التَّهْذِيب وَغَيره

لَكِن مَعَ ظُهُور بعضه حَتَّى يحصل بِهِ فَائِدَة

قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَيَسْتَوِي فِيهِ سَائِر الألوان قَالَ فِي أصل الرَّوْضَة وَلَيْسَ لَهُم إِبْدَاله بمنطقة ومنديل وَنَحْوهمَا وَالْجمع بَين الغيار والزنار أولى وَلَيْسَ بِوَاجِب وَمن لبس مِنْهُم قلنسوة يميزها عَن قلانسنا بعلامة فِيهَا وَإِذا دخل الذِّمِّيّ مُجَردا حَماما فِيهِ مُسلمُونَ أَو تجرد عَن ثِيَابه بَين الْمُسلمين فِي غير حمام جعل وجوبا فِي عُنُقه خَاتم حَدِيد أَو رصاص أَو نَحْو ذَلِك فَلَا يَجعله من ذهب وَلَا فضَّة قَالَ الزَّرْكَشِيّ والخاتم طوق يكون فِي الْعُنُق قَالَ الْأَذْرَعِيّ وَيجب الْقطع بمنعهم من التَّشَبُّه بلباس أهل الْعلم والقضاة وَنَحْوهم لما فِي ذَلِك من التعاظم قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَيمْنَعُونَ من التَّخَتُّم بِالذَّهَب وَالْفِضَّة لما فِيهِ من التطاول والمباهاة وَتجْعَل الْمَرْأَة خفها لونين وَلَا يشْتَرط التَّمْيِيز بِكُل هَذِه الْوُجُوه بل يَكْفِي بَعْضهَا قَالَ الْحَلِيمِيّ وَلَا يَنْبَغِي لفعلة الْمُسلمين وصياغهم أَن يعملوا للْمُشْرِكين كَنِيسَة أَو صليبا وَأما نسج الزنانير فَلَا بَأْس بِهِ لِأَن فِيهَا صغَارًا لَهُم

(وَيمْنَعُونَ) أَي الذُّكُور المكلفون فِي بِلَاد الْمُسلمين وجوبا

(من ركُوب الْخَيل) لقَوْله تَعَالَى {وَمن رِبَاط الْخَيل ترهبون بِهِ عَدو الله وَعَدُوكُمْ} فَأمر أولياءه بإعدادها لأعدائه وَلما فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث عُرْوَة الْبَارِقي الْخَيل مَعْقُود فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْر إِلَى يَوْم الْقِيَامَة

تَنْبِيه ظَاهر كَلَامه أَنه لَا فرق فِي منع ركُوب الْخَيل بَين النفيس مِنْهَا والخسيس وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُور

بِخِلَاف الْحمير وَالْبِغَال وَلَو نفيسة لِأَنَّهَا فِي نَفسهَا خسيسة وَإِن كَانَ أَكثر أَعْيَان النَّاس يركبونها ويركب بإكاف وركاب خشب لَا حَدِيد

وَنَحْوه وَلَا سرج اتبَاعا لكتاب عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ

وَالْمعْنَى فِيهِ أَن يتميزوا عَن الْمُسلمين ويركب عرضا بِأَن يَجْعَل رجلَيْهِ من جَانب وَاحِد وظهره من جَانب آخر

قَالَ الرَّافِعِيّ وَيحسن أَن يتوسط فَيُفَرق بَين أَن يركب إِلَى مَسَافَة قريبَة من الْبَلَد أَو بعيدَة وَهُوَ ظَاهر وَيمْنَع من حمل السِّلَاح وَمن اللجم المزينة بالنقدين أما النِّسَاء وَالصبيان وَنَحْوهمَا فَلَا يمْنَعُونَ من ذَلِك كَمَا لَا جِزْيَة عَلَيْهِم

قَالَ ابْن الصّلاح وَيَنْبَغِي مَنعهم من خدمَة الْمُلُوك والأمراء كَمَا يمْنَعُونَ من ركُوب الْخَيل

(ويلجؤون) عِنْد زحمة الْمُسلمين (إِلَى أضيق الطّرق) بِحَيْثُ لَا يقعون فِي وهدة وَلَا يصدمهم جِدَار لقَوْله صلى الله عليه وسلم لَا تبدأوا الْيَهُود وَلَا النَّصَارَى بِالسَّلَامِ وَإِذا لَقِيتُم أحدهم فِي طَرِيق فاضطروهم إِلَى أضيقه أما إِذا خلت الطَّرِيق عَن الزحمة فَلَا حرج

قَالَ فِي الْحَاوِي وَلَا يَمْشُونَ إِلَّا أفرادا مُتَفَرّقين وَلَا يوقرون فِي مجْلِس فِيهِ مُسلم لِأَن الله تَعَالَى أذلّهم وَالظَّاهِر كَمَا قَالَه الْأَذْرَعِيّ تَحْرِيم ذَلِك

خَاتِمَة تحرم مَوَدَّة الْكَافِر لقَوْله تَعَالَى {لَا تَجِد قوما يُؤمنُونَ بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر يوادون من حاد الله وَرَسُوله}

ص: 574

فَإِن قيل قد مر فِي بَاب الْوَلِيمَة أَن مُخَالطَة الْكفَّار مَكْرُوهَة أُجِيب بِأَن المخالطة ترجع إِلَى الظَّاهِر والمودة إِلَى الْميل القلبي

فَإِن قيل الْميل القلبي لَا اخْتِيَار للشَّخْص فِيهِ

أُجِيب بِإِمْكَان دَفعه بِقطع أَسبَاب الْمَوَدَّة الَّتِي ينشأ عَنْهَا ميل الْقلب كَمَا قيل إِن الْإِسَاءَة تقطع عروق الْمحبَّة

وَالْأولَى للْإِمَام أَن يكْتب بعد عقد الذِّمَّة اسْم من عقد لَهُ وَدينه وحليته

ويتعرض لسنه أهوَ شيخ أم شَاب ويصف أعضاءه الظَّاهِرَة من وَجهه ولحيته وحاجبيه وَعَيْنَيْهِ وشفتيه وَأَنْفه وأسنانه وآثار وَجهه إِن كَانَ فِيهِ آثَار ولونه من سَمُرَة أَو شقرة وَغَيرهمَا

وَيجْعَل لكل من طوائفهم عريفا مُسلما يضبطهم ليعرفه بِمن مَاتَ أَو أسلم أَو بلغ مِنْهُم أَو دخل فيهم

وَأما من يحضرهم ليؤدي كل مِنْهُم الْجِزْيَة أَو يشتكي إِلَى الإِمَام من يعتدي عَلَيْهِم منا أَو مِنْهُم فَيجوز جعله عريفا لذَلِك وَلَو كَانَ كَافِرًا وَإِنَّمَا اشْترط إِسْلَامه فِي الْغَرَض الأول لِأَن الْكَافِر لَا يعْتَمد خَبره

تَعَالَى {لَا تقتلُوا الصَّيْد وَأَنْتُم حرم} والذبائح جمع ذَبِيحَة بِمَعْنى

ص: 575

= كتاب الصَّيْد والذبائح = مصدر صَاد يصيد ثمَّ أطلق الصَّيْد على المصيد قَالَ مذبوحة وَلما كَانَ الصَّيْد مصدرا أفرده المُصَنّف وَجمع الذَّبَائِح لِأَنَّهَا تكون بالسكين أَو السهْم أَو الْجَوَارِح

وَالْأَصْل فِي ذَلِك قَوْله تَعَالَى {وَإِذا حللتم فاصطادوا} وَقَوله تَعَالَى {إِلَّا مَا ذكيتم} وَقَوله تَعَالَى {أحل لكم الطَّيِّبَات} والمذكى من الطَّيِّبَات

تَنْبِيه ذكر المُصَنّف كالمنهاج وَأكْثر الْأَصْحَاب هَذَا الْكتاب وَمَا بعده هُنَا وفَاقا للمزني

وَخَالف فِي الرَّوْضَة فَذكره آخر ربع الْعِبَادَات تبعا لطائفة من الْأَصْحَاب قَالَ وَهُوَ أنسب

قَالَ ابْن قَاسم وَلَعَلَّ وَجه الأنسبية أَن طلب الْحَلَال فرض عين اه

(وأركان الذّبْح) بِالْمَعْنَى الْحَاصِل بِالْمَصْدَرِ أَرْبَعَة ذبح وَآلَة وذبيح وذابح

وَقد شرع فِي بَيَان ذَلِك فَقَالَ (وَمَا قدر) بِضَم الْقَاف على الْبناء للْمَفْعُول (على ذَكَاته) بِالْمُعْجَمَةِ أَي ذبحه من الْحَيَوَان الْمَأْكُول (فذكاته) اسْتِقْلَالا (فِي حلقه ولبته) إِجْمَاعًا هَذَا هُوَ الرُّكْن الأول وَالثَّانِي وَهُوَ الذّبْح والذبيح وَالْحلق أَعلَى الْعُنُق واللبة بِفَتْح اللَّام وَالْبَاء المشددتين أَسْفَله وقيدت إِطْلَاقه بالاستقلال لِأَنَّهُ مُرَاده فَلَا يرد حل الْجَنِين الْمَوْجُود مَيتا فِي بطن أمه وَلم يذبح وَلم يعقر لِأَن حلّه بطرِيق التّبعِيَّة لذكاة أمه

كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامه

وَيشْتَرط فِي الذّبْح قصد فَلَو سَقَطت مدية على مذبح شَاة أَو احتكت بهَا فانذبحت أَو استرسلت جارحة بِنَفسِهَا

ص: 576

فقتلت أَو أرسل سَهْما لَا لصيد فَقتل صيدا حرم كجارحة أرسلها وَغَابَتْ عَنهُ مَعَ الصَّيْد أَو جرحته

وَلم ينْتَه بِالْجرْحِ إِلَى حَرَكَة مَذْبُوح وَغَابَتْ ثمَّ وجده مَيتا فيهمَا فَإِنَّهُ يحرم لاحْتِمَال أَن مَوته بِسَبَب آخر وَمَا ذكر من التَّحْرِيم فِي الثَّانِيَة هُوَ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُور وَإِن اخْتَار النَّوَوِيّ فِي تَصْحِيحه الْحل وَلَو رمى شَيْئا ظَنّه حجرا أَو رمى قطيع ظباء فَأصَاب وَاحِدَة مِنْهُ أَو قصد وَاحِدَة مِنْهُ فَأصَاب غَيرهَا حل ذَلِك لصِحَّة قَصده وَلَا اعْتِبَار بظنه الْمَذْكُور

(وَمَا لم يقدر) بِضَم حرف المضارعة على الْبناء للْمَفْعُول (على ذَكَاته) لكَونه متوحشا كالضبع

(فذكاته عقره) أَي بِجرح مزهق للروح فِي أَي مَوضِع كَانَ الْعقر من بدنه بِالْإِجْمَاع وَلَو توحش إنسي كبعير ند فَهُوَ كالصيد يحل بجرحه فِي غير مذبحه

(حَيْثُ قدر عَلَيْهِ) بالظفر بِهِ وَيحل بإرسال الْكَلْب عَلَيْهِ كَمَا قَالَه فِي الرَّوْضَة

تَنْبِيه تنَاول إِطْلَاق المُصَنّف مَا لَو تردى بعير فِي بِئْر وَلم يقدر على ذَكَاته فَيحل بجرحه فِي غير المذبح

وَهُوَ كَذَلِك على الْأَصَح فِي الزَّوَائِد وَلَا يحل بإرسال الْكَلْب عَلَيْهِ كَمَا صَححهُ فِي الْمِنْهَاج من زِيَادَته وَالْفرق أَن الْحَدِيد يستباح بِهِ الذّبْح مَعَ الْقُدْرَة بِخِلَاف فعل الْجَارِحَة وَلَو تردى بعير فَوق بعير فغرز رمحا فِي الأول حَتَّى نفذ مِنْهُ إِلَى الثَّانِي حلا وَإِن لم يعلم بِالثَّانِي قَالَه القَاضِي فَإِن مَاتَ الْأَسْفَل بثقل الْأَعْلَى لم يحل وَلَو دخلت الطعنة إِلَيْهِ وَشك هَل مَاتَ بهَا أَو بالثقل لم يحل كَمَا هُوَ قَضِيَّة مَا فِي فَتَاوَى الْبَغَوِيّ

(وَيسْتَحب فِي الذَّكَاة)

أَي ذَكَاة الْحَيَوَان الْمَقْدُور عَلَيْهِ (أَرْبَعَة أَشْيَاء) الأول (قطع) كل (الْحُلْقُوم) وَهُوَ مجْرى النَّفس

(و) الثَّانِي قطع كل (المريء) وَهُوَ بِفَتْح الْمِيم وَالْمدّ والهمزة فِي آخِره مجْرى الطَّعَام وَالشرَاب

(و) الثَّالِث وَالرَّابِع قطع كل (الودجين) بِفَتْح الْوَاو وَالدَّال الْمُهْملَة وَالْجِيم وهما عرقان فِي صفحتي الْعُنُق محيطان بالحلقوم وَقيل بالمريء وهما الوريدان من الْآدَمِيّ لِأَنَّهُ أوحى وأسهل لخُرُوج الرّوح فَهُوَ من الْإِحْسَان فِي الذّبْح وَلَا يسْتَحبّ قطع مَا وَرَاء ذَلِك

تَنْبِيه مُرَاد المُصَنّف أَن قطع هَذِه الْأَرْبَعَة مُسْتَحبّ

لَا أَن قطع كل وَاحِد مُسْتَحبّ على انْفِرَاده من غير قطع الْبَاقِي إِذْ قطع الْحُلْقُوم والمريء وَاجِب وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (والمجزىء مِنْهَا) أَي الْأَرْبَعَة الْمَذْكُورَة فِي الْحل (شَيْئَانِ) وهما (قطع) كل الْحُلْقُوم و (كل المريء) مَعَ وجود الْحَيَاة المستقرة أول قطعهمَا لِأَن الذَّكَاة صادفته وَهُوَ حَيّ كَمَا لَو قطع يَد حَيَوَان ثمَّ ذكاه فَإِن شرع فِي قطعهمَا وَلم تكن فِيهِ حَيَاة مُسْتَقِرَّة بل انْتهى لحركة مَذْبُوح لم يحل لِأَنَّهُ صَار ميتَة فَلَا يفِيدهُ الذّبْح بعد ذَلِك

ص: 577

تَنْبِيه لَو ذبح شخص حَيَوَانا وَأخرج آخر أمعاءه أَو نخس خاصرته مَعًا لم يحل لِأَن التذفيف لم يتمحض بِقطع الْحُلْقُوم والمريء قَالَ فِي أصل الرَّوْضَة سَوَاء أَكَانَ مَا قطع بِهِ الْحُلْقُوم مَا يذفف أَو انْفَرد أَو كَانَ يعين على التذفيف وَلَو اقْترن قطع الْحُلْقُوم بِقطع رَقَبَة الشَّاة من قفاها بِأَن أجْرى سكينا من الْقَفَا وسكينا من الْحُلْقُوم حَتَّى التقيا فَهِيَ ميتَة كَمَا صرح بِهِ فِي أصل الرَّوْضَة لِأَن التذفيف إِنَّمَا حصل بذبحين وَلَا يشْتَرط الْعلم بِوُجُود الْحَيَاة المستقرة عِنْد الذّبْح

بل يَكْفِي الظَّن بوجودها بِقَرِينَة وَلَو عرفت بِشدَّة الْحَرَكَة أَو انفجار الدَّم وَمحل ذَلِك مَا لم يتقدمه مَا يُحَال عَلَيْهِ الْهَلَاك

فَلَو وصل بِجرح إِلَى حَرَكَة الْمَذْبُوح وَفِيه شدَّة الْحَرَكَة ثمَّ ذبح لم يحل

وَحَاصِله أَن الْحَيَاة المستقرة عِنْد الذّبْح تَارَة تتيقن وَتارَة تظن بعلامات وقرائن فَإِن شككنا فِي استقرارها حرم للشَّكّ فِي الْمُبِيح وتغليبا للتَّحْرِيم

فَإِن مرض أَو جَاع فذبحه وَقد صَار فِي آخر رَمق حل لِأَنَّهُ لم يُوجد سَبَب يُحَال الْهَلَاك عَلَيْهِ

وَلَو مرض بِأَكْل نَبَات مُضر حَتَّى صَار آخر رَمق كَانَ سَببا يُحَال عَلَيْهِ الْهَلَاك

فَلم يحل على الْمُعْتَمد وَلَا يشْتَرط فِي الذَّكَاة قطع الْجلْدَة الَّتِي فَوق الْحُلْقُوم والمريء فَلَو أَدخل سكينا بأذن ثَعْلَب مثلا وَقطع الْحُلْقُوم والمريء دَاخل الْجلد لأجل جلده وَبِه حَيَاة مُسْتَقِرَّة حل وَإِن حرم عَلَيْهِ للتعذيب وَيسن نحر إبل فِي اللبة وَهِي أَسْفَل الْعُنُق كَمَا مر لقَوْله تَعَالَى {فصل لِرَبِّك وانحر} وللأمر بِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالْمعْنَى فِيهِ أَنه أسهل لخُرُوج الرّوح لطول عُنُقهَا

وَقِيَاس هَذَا كَمَا قَالَ ابْن الرّفْعَة أَن يَأْتِي فِي كل مَا طَال عُنُقه كالنعام والإوز والبط

وَيسن ذبح بقر وغنم وَنَحْوهمَا

كخيل بِقطع الْحُلْقُوم والمريء لِلِاتِّبَاعِ وَيجوز بِلَا كَرَاهَة عَكسه وَيسن أَن يكون نحر الْبَعِير قَائِما معقولة ركبته وَهِي الْيُسْرَى كَمَا فِي الْمَجْمُوع لقَوْله تَعَالَى {فاذكروا اسْم الله عَلَيْهَا صواف} قَالَ ابْن عَبَّاس أَي قيَاما على ثَلَاثَة رَوَاهُ الْحَاكِم وَصَححهُ

وَأَن يكون نحر الْبَقَرَة أَو الشَّاة مضجعه لجنبها الْأَيْسَر وتترك رجلهَا الْيُمْنَى بِلَا تشد وتشد بَاقِي القوائم وَيسن الذَّابِح أَن يحد سكينه لخَبر مُسلم إِن الله كتب الأحسان على كل شَيْء فَإِذا قُلْتُمْ فَأحْسنُوا القتلة وَإِذا ذبحتم فَأحْسنُوا الذبْحَة وليحد أحدكُم شفرته وليرح ذَبِيحَته وَأَن يُوَجه للْقبْلَة ذَبِيحَته وَأَن يَقُول عِنْد ذَبحهَا بِسم الله

وَأَن يُصَلِّي على النَّبِي صلى الله عليه وسلم عِنْد ذَلِك وَلَا يقل بِسم الله وَاسم مُحَمَّد لإيهامه التَّشْرِيك

(وَيجوز) لمن تحل ذَكَاته لَا لغيره (الِاصْطِيَاد) أَي أكل المصاد بِالشّرطِ الْآتِي فِي غير الْمَقْدُور عَلَيْهِ

(بِكُل جارحة من

ص: 578

سِبَاع الْبَهَائِم) كَالْكَلْبِ والفهد فِي أَي مَوضِع كَانَ جرحها حَيْثُ لم يكن فِيهِ حَيَاة مُسْتَقِرَّة

بِأَن أدْركهُ مَيتا أَو فِي حَرَكَة الْمَذْبُوح

أما الِاصْطِيَاد بِمَعْنى إِثْبَات الْملك فَلَا يخْتَص بالجوارح بل يحصل بِكُل طَرِيق تيَسّر

والجارحة كل مَا يجرح سمي بذلك لجرحه الطير بظفره أَو نابه

وَقَوله (معلمة) بِالْجَرِّ صفة لجارحة (و) من (جوارح الطير) كالباز والصقر لقَوْله تَعَالَى {أحل لكم الطَّيِّبَات وَمَا علمْتُم من الْجَوَارِح} أَي صيد مَا علمْتُم

(وشرائط تعليمها) أَي جارحة السبَاع وَالطير (أَرْبَعَة) الأول (أَن تكون) الْجَارِحَة معلمة بِحَيْثُ (إِذا أرْسلت) أَي أرسلها صَاحبهَا (استرسلت) أَي هَاجَتْ كَمَا فِي الرَّوْضَة وَالْمَجْمُوع

لقَوْله تَعَالَى {مكلبين} قَالَ الشَّافِعِي إِذا أمرت الْكَلْب فائتمر وَإِذا نهيته فَانْتهى فَهُوَ مكلب

(و) الثَّانِي (إِذا زجرت) أَي زجرها صَاحبهَا فِي ابْتِدَاء الْأَمر وَبعده

(انزجرت) أَي وقفت (و) الثَّالِث (إِذا قتلت) صيدا (لم تَأْكُل من الصَّيْد) أَي من لَحْمه أَو نَحوه كجلده وحشوته شَيْئا قبل قَتله أَو عقبه وَمَا قررت بِهِ كَلَام المُصَنّف من اشْتِرَاط جَمِيع هَذِه الْأُمُور فِي جارحة السبَاع وَالطير

هُوَ مَا نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي كَمَا نَقله البُلْقِينِيّ كَغَيْرِهِ

ثمَّ قَالَ وَلم يُخَالِفهُ أحد من الْأَصْحَاب وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد

وَإِن كَانَ ظَاهر كَلَام الْمِنْهَاج كالروضة يُخَالف ذَلِك حَيْثُ خصها بجارحة السبَاع وَشرط فِي جارحة الطير ترك الْأكل فَقَط

(و) الرَّابِع

(أَن يتَكَرَّر ذَلِك) أَي هَذِه الْأُمُور الْمُعْتَبرَة فِي التَّعْلِيم (مِنْهَا) بِحَيْثُ يظنّ تأدب الْجَارِحَة وَلَا يَنْضَبِط ذَلِك بِعَدَد بل الرُّجُوع فِي ذَلِك إِلَى أهل الْخِبْرَة بالجوارح

(فَإِن عدم أحد هَذِه الشُّرُوط) الْمُعْتَبرَة فِي التَّعْلِيم (لم يحل) أكل (مَا أَخَذته) أَي جرحته من الصَّيْد بِحَيْثُ لم يبْق فِيهِ حَيَاة مُسْتَقِرَّة بِالْإِجْمَاع كَمَا قَالَه فِي الْمَجْمُوع (إِلَّا أَن يدْرك حَيا) أَي يجد فِيهِ حَيَاة مُسْتَقِرَّة

(فيذكى) حِينَئِذٍ فَيحل لقَوْله صلى الله عليه وسلم لأبي ثَعْلَبَة الْخُشَنِي فِي حَدِيثه وَمَا صدت بكلبك غير الْمعلم فأدركت ذَكَاته فَكل مُتَّفق عَلَيْهِ

تَنْبِيه عَلامَة الْحَيَاة المستقرة شدَّة الْحَرَكَة بعد قطع الْحُلْقُوم والمريء على الْأَصَح فِي الزَّوَائِد وَالْمَجْمُوع وَقَالَ فِيهِ يَكْتَفِي بهَا وَحدهَا وَلَو لم يجر الدَّم على الصَّحِيح الْمُعْتَمد وَقد مرت الْإِشَارَة إِلَى ذَلِك مَعَ تَفْصِيل تقدم وَلَو ظهر بِمَا ذكر من الشُّرُوط كَونهَا معلمة ثمَّ أكلت من لحم صيد أَو نَحوه مِمَّا مر لم يحل ذَلِك الصَّيْد فِي الْأَظْهر

هَذَا إِذا أرسلها صَاحبهَا فَإِن استرسلت بِنَفسِهَا فقتلت وأكلت لم يقْدَح ذَلِك فِي تعليمها وَلَا أثر للعق الدَّم

لِأَنَّهُ لَا يقْصد للصائد فَصَارَ كتناوله الفرث ومعض الْكَلْب من الصَّيْد نجس كَغَيْرِهِ مِمَّا يُنجسهُ الْكَلْب وَالأَصَح أَنه لَا يُعْفَى عَنهُ وَأَنه يَكْفِي غسله سبعا بِمَاء وتراب فِي إِحْدَاهَا كَغَيْرِهِ وَأَنه لَا يجب أَن يقور المعض ويطرح لِأَنَّهُ لم يرد وَلَو تحاملت الْجَارِحَة على صيد فَقتلته بثقلها أَو نَحوه كعضها وصدمتها وَلم تجرحه حل فِي الْأَظْهر لعُمُوم قَوْله تَعَالَى {فَكُلُوا مِمَّا أمسكن عَلَيْكُم}

ص: 579

ثمَّ شرع فِي الرُّكْن الثَّالِث وَهُوَ الْآلَة فَقَالَ (وَتجوز الذَّكَاة بِكُل مَا يجرح) كمحدد حَدِيد وقصب وَحجر ورصاص وَذهب وَفِضة لِأَنَّهُ أسْرع فِي إزهاق الرّوح

(إِلَّا بِالسِّنِّ وَالظفر) وَبَاقِي الْعِظَام مُتَّصِلا كَانَ أَو مُنْفَصِلا من آدَمِيّ أَو غَيره لخَبر الصَّحِيحَيْنِ مَا أنهر الدَّم وَذكر اسْم الله عَلَيْهِ فَكُلُوا لَيْسَ السن وَالظفر وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَن ذَلِك

أما السن فَعظم

وَأما الظفر فمدى الْحَبَشَة وَألْحق بذلك بَاقِي الْعِظَام

وَالنَّهْي عَن الذّبْح بالعظام قيل تعبدي وَبِه قَالَ ابْن الصّلاح وَمَال إِلَيْهِ ابْن عبد السَّلَام وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم مَعْنَاهُ لَا تذبحوا بهَا فَإِنَّهَا تنجس بِالدَّمِ

وَقد نهيتم عَن تنجسها فِي الِاسْتِنْجَاء لكَونهَا طَعَام إخْوَانكُمْ من الْجِنّ وَمعنى قَوْله وَأما الظفر فمدى الْحَبَشَة أَنهم كفار وَقد نهيتم عَن التَّشَبُّه بهم نعم مَا قتلته الْجَارِحَة بظفرها أَو نابها حَلَال

كَمَا علم مِمَّا مر وَخرج بمحدد مَا لَو قتل بمثقل كبندقة وسوط وَسَهْم بِلَا نصل وَلَا حد أَو بِسَهْم وبندقة أَو انخنق وَمَات بأحبولة مَنْصُوبَة

لذَلِك أَو أَصَابَهُ سهم فَوَقع على طرف جبل ثمَّ سقط مِنْهُ وَفِيه حَيَاة مُسْتَقِرَّة وَمَات حرم الصَّيْد فِي جَمِيع هَذِه الْمسَائِل أما فِي الْقَتْل بالمثقل

فَلِأَنَّهَا موقوذة فَإِنَّهَا مَا قتل بِحجر أَو نَحوه مِمَّا لَا حد لَهُ وَأما مَوته بِالسَّهْمِ والبندقة وَمَا بعدهمَا فَإِنَّهُ موت بشيئين مُبِيح ومحرم

فغلب الْمحرم لِأَنَّهُ الأَصْل فِي الميتات وَأما المنخنقة بالأحبولة فَلقَوْله تَعَالَى {والمنخنقة}

ثمَّ شرع فِي الرُّكْن الرَّابِع وَهُوَ الذَّابِح فَقَالَ (وَتحل ذَكَاة) وصيد (كل مُسلم) ومسلمة (وكتابي) وكتابية تحل مناكحتنا لأهل ملتهما قَالَ تَعَالَى {وَطَعَام الَّذين أُوتُوا الْكتاب حل لكم وطعامكم حل لَهُم} وَقَالَ ابْن عَبَّاس إِنَّمَا أحلّت ذَبَائِح الْيَهُود وَالنَّصَارَى من أجل أَنهم آمنُوا بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيل رَوَاهُ الْحَاكِم وَصَححهُ وَلَا أثر للرق فِي الذَّابِح فَتحل ذَكَاة أمة كِتَابِيَّة وَإِن حرم مناكحتها لعُمُوم الْآيَة الْمَذْكُورَة

(وَلَا تحل ذَكَاة مَجُوسِيّ وَلَا وَثني) وَلَا غَيرهمَا مِمَّا لَا كتاب لَهُ وَلَو شَارك من لَا تحل مناكحته مُسلما فِي ذبح أَو اصطياد حرم الْمَذْبُوح والمصاد تَغْلِيبًا للتَّحْرِيم وَلَو أرسل الْمُسلم والمجوسي كلبين أَو سَهْمَيْنِ على صيد فَإِن سبق آلَة الْمُسلم آلَة الْمَجُوسِيّ فِي صُورَة السهمين أَو كلب الْمُسلم كلب الْمَجُوسِيّ فِي صُورَة الكلبين فَقتل الصَّيْد أَو لم يقْتله

بل أنهاه إِلَى حَرَكَة مَذْبُوح حل وَلَو انعكس مَا ذكر أَو جرحاه مَعًا وَحصل الْهَلَاك بهما أَو جهل ذَلِك أَو جرحاه مُرَتبا وَلَكِن لم يذففه الأول فَهَلَك بهما حرم الصَّيْد فِي مَسْأَلَة الْعَكْس وَمَا عطف عَلَيْهَا تَغْلِيبًا للتَّحْرِيم

فَائِدَة قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم قَالَ بعض الْعلمَاء وَالْحكمَة فِي اشْتِرَاط الذَّابِح وإنهار الدَّم تَمْيِيز حَلَال اللَّحْم والشحم من حرامهما وتنبيه على تَحْرِيم الْميتَة لبَقَاء دَمهَا

وَيحل ذبح وصيد صَغِير مُسلم أَو كتابي مُمَيّز لِأَن قَصده صَحِيح بِدَلِيل صِحَة الْعِبَادَة مِنْهُ إِن كَانَ مُسلما فاندرج تَحت الْأَدِلَّة كَالْبَالِغِ وَكَذَا صَغِير غير مُمَيّز وَمَجْنُون وسكران تحل ذبيحتهم فِي الْأَظْهر لِأَن لَهُم قصدا وَإِرَادَة فِي الْجُمْلَة لَكِن مَعَ

ص: 580