المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في الصلح - الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع - جـ ٢

[الخطيب الشربيني]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الْبيُوع وَغَيرهَا من أَنْوَاع الْمُعَامَلَات

- ‌فصل فِي الرِّبَا

- ‌فصل فِي أَحْكَام الْخِيَار

- ‌فصل فِي السّلم وَيُقَال لَهُ السّلف

- ‌فصل فِي الرَّهْن

- ‌فصل فِي الْحجر

- ‌فصل فِي الصُّلْح

- ‌فصل فِي الْحِوَالَة

- ‌فصل فِي الضَّمَان

- ‌فصل فِي كَفَالَة الْبدن

- ‌فصل فِي الشّركَة

- ‌فصل فِي الْوكَالَة

- ‌فصل فِي الْإِقْرَار

- ‌فصل فِي الْعَارِية

- ‌فصل فِي الْغَصْب

- ‌فصل فِي الشُّفْعَة

- ‌فصل فِي الْقَرَاض

- ‌فصل فِي الْمُسَاقَاة

- ‌فصل فِي الْإِجَارَة

- ‌فصل فِي الْجعَالَة

- ‌فصل فِي الْمُزَارعَة وَالْمُخَابَرَة وكراء الأَرْض

- ‌فصل فِي إحْيَاء الْموَات

- ‌فصل فِي الْوَقْف

- ‌فصل فِي الْهِبَة

- ‌فصل فِي اللّقطَة

- ‌فصل فِي بعض النّسخ وَهُوَ فِي أَقسَام اللّقطَة وَبَيَان حكم كل مِنْهَا

- ‌(فصل فِي اللَّقِيط)

- ‌فصل فِي الْوَدِيعَة

- ‌حجب الحرمان بالشخص

- ‌فصل فِي الْوَصِيَّة الشاملة للإيصاء

- ‌فصل فِي أَرْكَان النِّكَاح

- ‌فصل فِي بَيَان أَوْلِيَاء

- ‌فصل فِي مُحرمَات النِّكَاح ومثبتات الْخِيَار فِيهِ

- ‌فصل فِي الصَدَاق

- ‌فصل فِي الْوَلِيمَة

- ‌فصل فِي الْقسم والنشوز

- ‌فصل فِي الْخلْع

- ‌فصل فِي الطَّلَاق

- ‌فصل فِي طَلَاق السّني

- ‌فصل فِيمَا يملكهُ الزَّوْج من الطلقات

- ‌فصل فِي الرّجْعَة

- ‌فصل فِي بَيَان مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ حل الْمُطلقَة

- ‌فصل فِي الْإِيلَاء

- ‌فصل فِي الظِّهَار

- ‌فصل فِي اللّعان

- ‌فرع لَو قذف زوج زَوجته

- ‌فصل فِي الْعدَد

- ‌فصل فِيمَا يجب للمعتدة وَعَلَيْهَا

- ‌فصل فِي أَحْكَام الِاسْتِبْرَاء

- ‌فصل فِي الرَّضَاع

- ‌فصل فِي نَفَقَة الْقَرِيب وَالرَّقِيق والبهائم

- ‌فصل فِي النَّفَقَة

- ‌فصل فِي الْحَضَانَة

- ‌كتاب الْجِنَايَات

- ‌فصل فِي الدِّيَة

- ‌فصل فِي الْقسَامَة

- ‌فصل فِي حد الْقَذْف

- ‌فصل فِي حد شَارِب السكر من خمر وَغَيره

- ‌فصل فِي حد السّرقَة

- ‌فصل فِي قَاطع الطَّرِيق

- ‌فصل فِي حكم الصيال وَمَا تتلفه الْبَهَائِم

- ‌فصل فِي قتال الْبُغَاة

- ‌فصل فِي الرِّدَّة

- ‌فصل فِي تَارِك الصَّلَاة

- ‌فصل فِي قسم الْغَنِيمَة

- ‌فصل فِي قسم الْفَيْء

- ‌فصل فِي الْجِزْيَة تطلق

- ‌فصل فِي الْأَطْعِمَة

- ‌فصل فِي الْأُضْحِية

- ‌فصل فِي الْعَقِيقَة

- ‌فصل فِي أَحْكَام النذور

- ‌فصل فِي الْقِسْمَة

- ‌فصل فِي الدَّعْوَى والبينات

- ‌فصل فِي الشَّهَادَات

- ‌فصل كَمَا فِي بعض النّسخ يذكر فِيهِ الْعدَد فِي الشُّهُود والذكورة

- ‌كتاب الْعتْق

- ‌فصل فِي أَحْكَام الْوَلَاء

- ‌فصل فِي التَّدْبِير

- ‌فصل فِي الْكِتَابَة

- ‌فصل فِي أُمَّهَات الْأَوْلَاد

الفصل: ‌فصل في الصلح

كَالْوَكِيلِ وَلَيْسَ لَهُ بِالْإِذْنِ فِي التِّجَارَة النِّكَاح وَلَا يُؤجر نَفسه وَلَا يتَبَرَّع لِأَنَّهُ لَيْسَ من أهل التَّبَرُّع وَلَا يُعَامل سَيّده وَلَا رَقِيقه الْمَأْذُون لَهُ فِي التِّجَارَة بِبيع وَشِرَاء وَغَيرهمَا لِأَن تصرفه للسَّيِّد وَيَد رَقِيق السَّيِّد كالسيد بِخِلَاف الْمكَاتب وَلَا يتَمَكَّن من عزل نَفسه وَلَا يصير مَأْذُونا لَهُ بسكوت سَيّده وَيقبل إِقْرَاره بديون الْمُعَامَلَة

وَمن عرف رق شخص لم يجز لَهُ مُعَامَلَته حَتَّى يعلم الْإِذْن لَهُ بِسَمَاع سَيّده أَو بِبَيِّنَة أَو شيوع بَين النَّاس وَلَا يَكْفِي قَول العَبْد أَنا مَأْذُون لي لِأَنَّهُ مُتَّهم وَلَا يملك العَبْد بِتَمْلِيك العَبْد سَيّده وَلَا بِتَمْلِيك غَيره لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهلا للْملك لِأَنَّهُ مَمْلُوك فَأشبه الْبَهِيمَة

‌فصل فِي الصُّلْح

وَمَا يذكر من إشراع الروشن فِي الطَّرِيق وَالصُّلْح لُغَة قطع النزاع وَشرعا عقد يحصل بِهِ ذَلِك وَهُوَ أَنْوَاع صلح بَين الْمُسلمين وَالْكفَّار وَبَين الإِمَام والبغاة وَبَين الزَّوْجَيْنِ عِنْد الشقاق وَصلح فِي الْمُعَامَلَات وَهُوَ المُرَاد هُنَا

وَالْأَصْل فِيهِ قبل الْإِجْمَاع قَوْله تَعَالَى {وَالصُّلْح خير} وَخبر الصُّلْح جَائِز بَين الْمُسلمين إِلَّا صلحا أحل حَرَامًا أَو حرم حَلَالا وَلَفظه يتَعَدَّى للمتروك بِمن وَعَن وللمأخوذ بعلى وَالْبَاء غَالِبا وَهُوَ قِسْمَانِ صلح على إِقْرَار وَصلح على إِنْكَار

وَقد بَدَأَ بالقسم الأل فَقَالَ (وَيصِح الصُّلْح مَعَ الْإِقْرَار فِي الْأَمْوَال) الثَّابِتَة فِي الذِّمَّة فَلَا يَصح على غير إِقْرَار من إِنْكَار أَو سكُوت كَمَا قَالَه فِي الْمطلب عَن سليم الرَّازِيّ وَغَيره كَأَن ادّعى عَلَيْهِ دَارا فَأنْكر أَو سكت ثمَّ تصالحا عَلَيْهَا أَو على بَعْضهَا أَو على غير ذَلِك كَثوب أَو دين لِأَنَّهُ فِي الصُّلْح على غير الْمُدَّعِي بِهِ صلح محرم للْحَلَال إِن كَانَ الْمُدَّعِي صَادِقا لتَحْرِيم الْمُدَّعِي بِهِ أَو بعضه عَلَيْهِ أَو مُحَلل لحرام إِن كَانَ الْمُدَّعِي كَاذِبًا بِأَخْذِهِ مَا لَا يسْتَحقّهُ

وَيلْحق بذلك الصُّلْح على الْمُدعى بِهِ أَو بعضه فَقَوْل الْمِنْهَاج إِن جري

ص: 304

على نفس الْمُدعى بِهِ صَحِيح وَإِن لم يكن فِي الْمُحَرر وَلَا غَيره من كتب الشَّيْخَيْنِ

وَالْقَوْل بِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِيم لِأَن على وَالْبَاء يدخلَانِ على الْمَأْخُوذ وَمن وَعَن على الْمَتْرُوك مَرْدُود بِأَن ذَلِك جري على الْغَالِب كَمَا مرت الْإِشَارَة إِلَيْهِ وَبِأَن الْمُدَّعِي الْمَذْكُور مَأْخُوذ ومتروك باعتبارين غَايَته أَن إِلْغَاء الصُّلْح فِي ذَلِك للإنكار ولفساد الصِّيغَة باتحاد الْعِوَضَيْنِ

وَقَوله صالحني عَمَّا تدعيه لَيْسَ إِقْرَارا لِأَنَّهُ قد يُرِيد بِهِ قطع الْخُصُومَة وَيسْتَثْنى من بطلَان الصُّلْح على الْإِنْكَار مسَائِل مِنْهَا اصْطِلَاح الْوَرَثَة فِيمَا وقف بَينهم إِذا لم يبْذل أحدهم عوضا من خَالص ملكه وَمِنْهَا مَا إِذا أسلم على أَكثر من أَربع نسْوَة وَمَات قبل الِاخْتِيَار أَو طلق إِحْدَى زوجتيه وَمَات قبل الْبَيَان أَو التَّعْيِين ووقف الْمِيرَاث بَينهُنَّ فاصطلحن وَمِنْهَا مَا لَو تداعيا وَدِيعَة عِنْد رجل فَقَالَ لَا أعلم لأيكما هِيَ أَو دَارا فِي يدهما وَأقَام كل بَيِّنَة ثمَّ اصطلحا وَإِذا تصالحا ثمَّ اخْتلفَا فِي أَنَّهُمَا تصالحا على إِقْرَار أَو إِنْكَار فَالَّذِي نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن القَوْل قَول مدعي الْإِنْكَار لِأَن الأَصْل أَن لَا عقد وَلَو أُقِيمَت عَلَيْهِ بَيِّنَة بعد الْإِنْكَار جَازَ الصُّلْح كَمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ لِأَن لُزُوم الْحق بِالْبَيِّنَةِ كلزومه بِالْإِقْرَارِ

وَلَو أقرّ ثمَّ أنكر جَازَ الصُّلْح وَلَو أنكر فصولح ثمَّ أقرّ كَانَ الصُّلْح بَاطِلا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ

(و) يَصح الصُّلْح أَيْضا فِي كل (مَا يُفْضِي) أَي يؤول (إِلَيْهَا) أَي الْأَمْوَال كالعفو عَن الْقصاص كمن ثَبت لَهُ على شخص قصاص فَصَالحه عَلَيْهِ على مَال بِلَفْظ الصُّلْح كصالحتك من كَذَا على مَا تستحقه عَليّ من قصاص فَإِنَّهُ يَصح أَو بِلَفْظ البيع فَلَا

القَوْل فِي أَنْوَاع الصُّلْح (وَهُوَ) أَي الصُّلْح ضَرْبَان صلح عَن دين وَصلح عَن عين وكل مِنْهُمَا (نَوْعَانِ) فَالْأول من نَوْعي الدّين وَعَلِيهِ اقْتصر المُصَنّف (إِبْرَاء) وَسَيَأْتِي فِي كَلَامه

وَالثَّانِي من نَوْعي الدّين وَتَركه المُصَنّف اختصارا مُعَاوضَة وَهُوَ الْجَارِي على غير الْعين المدعاة

فَإِن صَالح عَن بعض أَمْوَال الرِّبَا على مَا يُوَافقهُ فِي الْعلَّة اشْترط قبض الْعِوَض فِي الْمجْلس وَلَا يشْتَرط تَعْيِينه فِي نفس الصُّلْح على الْأَصَح وَإِن لم يكن العوضان ربوبين فَإِن كَانَ الْعِوَض عينا صَحَّ الصُّلْح وَإِن لم يقبض فِي الْمجْلس وَإِن كَانَ دينا صَحَّ على الْأَصَح وَيشْتَرط تَعْيِينه فِي الْمجْلس

وَالنَّوْع الأول من نَوْعي الْعين وَتَركه المُصَنّف اختصارا صلح الحطيطة وَهُوَ الْجَارِي على بعض الْعين المدعاة كمن صَالح من دَار على بَعْضهَا أَو من ثَوْبَيْنِ على أَحدهمَا وَهَذَا هبة لبَعض الْعين المدعاة لمن هُوَ فِي يَده فَيشْتَرط لصِحَّته الْقبُول ومضي مُدَّة إِمْكَان الْقَبْض

وَيصِح فِي الْبَعْض الْمَتْرُوك بِلَفْظ الْهِبَة وَالتَّمْلِيك وشبههما وَكَذَا بِلَفْظ الصُّلْح على الْأَصَح كصالحتك من الدَّار على ربعهَا وَلَا يَصح بِلَفْظ البيع لعدم الثّمن

(و) الثَّانِي من نَوْعي الْعين وَعَلِيهِ اقْتصر المُصَنّف (مُعَاوضَة) وَسَيَأْتِي فِي كَلَامه

القَوْل فِي صلح الْإِبْرَاء (فالإبراء) الَّذِي هُوَ النَّوْع الأول من نَوْعي الدّين (اقْتِصَاره من حَقه) من الدّين الْمُدعى بِهِ

ص: 305

(على بعضه) وَيُسمى صلح الحطيطة وَيصِح بِلَفْظ الْإِبْرَاء والحط وَنَحْوهمَا كالوضع والإسقاط لما فِي الصَّحِيحَيْنِ أَن كَعْب بن مَالك طلب من عبد الله بن أبي حَدْرَد رضي الله عنهما دينا لَهُ عَلَيْهِ فارتفعت أصواتهما فِي الْمَسْجِد حَتَّى سمعهما رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَخرج إِلَيْهِمَا ونادى يَا كَعْب فَقَالَ لبيْك يَا رَسُول الله فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَن ضع الشّطْر فَقَالَ قد فعلت فَقَالَ صلى الله عليه وسلم قُم فاقضه وَإِذا جرى ذَلِك بِصِيغَة الْإِبْرَاء كأبرأتك من خَمْسمِائَة من الْألف الَّذِي لي عَلَيْك أَو نَحْوهَا مِمَّا تقدم كوضعتها أَو أسقطتها عَنْك لَا يشْتَرط الْقبُول على الْمَذْهَب سَوَاء أقلنا الْإِبْرَاء إِسْقَاط أم تمْلِيك

وَكَونه إِسْقَاطًا وتمليكا اخْتِلَاف تَرْجِيح أوضحته فِي شرح الْمِنْهَاج وَغَيره

وَيصِح بِلَفْظ الصُّلْح فِي الْأَصَح كصالحتك عَن الْألف الَّذِي لي عَلَيْك على خَمْسمِائَة وَهل يشْتَرط الْقبُول فِي هَذِه الْحَالة فِيهِ خلاف مدركه مُرَاعَاة اللَّفْظ أَو الْمَعْنى وَالأَصَح مَا دلّ عَلَيْهِ كَلَام الشَّيْخَيْنِ هُنَا اشْتِرَاطه وَلَا يَصح هُنَا الصُّلْح بِلَفْظ البيع كَنَظِيرِهِ فِي الصُّلْح عَن الْعين (وَلَا يجوز) أَي وَلَا يَصح (فعله) أَي تَعْلِيق الصُّلْح بِمَعْنى الْإِبْرَاء (على شَرط) كَقَوْلِه إِذا جَاءَ رَأس الشَّهْر فقد صالحتك

القَوْل فِي صلح الْمُعَاوضَة (والمعاوضة) الَّذِي هُوَ النَّوْع الثَّانِي من نَوْعي الْعين (عدوله عَن حَقه) الْمُدعى بِهِ (إِلَى غَيره) كَأَن ادّعى عَلَيْهِ دَارا أَو شِقْصا مِنْهَا فَأقر لَهُ بذلك وَصَالَحَهُ مِنْهُ على ثوب أَو نَحْو ذَلِك كَعبد صَحَّ (وَيجْرِي عَلَيْهِ) أَي عى هَذَا الصُّلْح (حكم البيع) من الرَّد بِعَيْب وَثُبُوت الشُّفْعَة وَمنع تصرفه فِي الْمصَالح عَلَيْهِ قبل قَبضه وفساده بالغرر والجهالة والشروط الْفَاسِدَة إِلَى غير ذَلِك سَوَاء أعقد بِلَفْظ الصُّلْح أم بِغَيْرِهِ لِأَن حد البيع يصدق على ذَلِك

وَلَو صَالح من الْعين على دين فَإِن كَانَ ذَهَبا أَو فضَّة فَهُوَ بيع أَيْضا وَإِن كَانَ عبدا أَو ثوبا مثلا مَوْصُوفا بِصفة السّلم فَهُوَ سلم تثبت فِيهِ أَحْكَامه وَإِن صَالح من الْعين المدعاة على منفعَته لغير الْعين المدعاة كخدمة عبد مُدَّة مَعْلُومَة فإجارة تثبت أَحْكَام الْإِجَارَة فِي ذَلِك لِأَن حد الْإِجَارَة صَادِق عَلَيْهِ فَإِن صَالح على مَنْفَعَة الْعين فَهُوَ عَارِية تثبت أَحْكَام الْعَارِية فِيهَا فَإِن عين مُدَّة فإعارة مُؤَقَّتَة وَإِلَّا فمطلقة

وَلَو قَالَ صالحني عَن دَارك مثلا بِكَذَا من غير سبق خُصُومَة فَأَجَابَهُ فَالْأَصَحّ بُطْلَانه لِأَن لفظ الصُّلْح يَسْتَدْعِي سبق الْخُصُومَة سَوَاء كَانَت عِنْد حَاكم أم لَا

تَنْبِيه قد علم مِمَّا تقرر أَن أَقسَام الصُّلْح سَبْعَة البيع وَالْإِجَارَة وَالْعَارِية وَالْهِبَة وَالسّلم وَالْإِبْرَاء والمعاوضة من دم الْعمد

وَبَقِي مِنْهَا أَشْيَاء أخر مِنْهَا الْخلْع كصالحتك من كَذَا على أَن تُطَلِّقنِي طَلْقَة

وَمِنْهَا الْجعَالَة كصالحتك من كَذَا على رد عَبدِي

وَمِنْهَا الْفِدَاء كَقَوْلِه لحربي صالحتك من كَذَا على إِطْلَاق هَذَا الْأَسير

وَمِنْهَا الْفَسْخ كَأَن صَالح من الْمُسلم فِيهِ على رَأس المَال

تَتِمَّة لَو صَالح من دين حَال على مُؤَجل مثله أَو صَالح من مُؤَجل على حَال مثله لَغَا الصُّلْح لِأَنَّهُ وعد فِي الأولى من الدَّائِن بإلحاق الْأَجَل وَصفَة الْحُلُول لَا يَصح إلحاقها وَفِي الثَّانِيَة وعد من الْمَدْيُون بِإِسْقَاط الْأَجَل وَهُوَ لَا يسْقط فَلَو صَالح من عشرَة حَالَة على خَمْسَة مُؤَجّلَة برىء من خَمْسَة وَبَقِي خَمْسَة حَالَة لِأَنَّهُ سامح بحط الْبَعْض ووعد بتأجيل الْبَاقِي والوعد لَا يلْزم والحط

ص: 306

صَحِيح

وَلَو عكس بِأَن صَالح من عشرَة مُؤَجّلَة على خَمْسَة حَالَة لَغَا الصُّلْح لِأَن صفة الْحُلُول لَا يَصح إلحاقها والخمسة الْأُخْرَى إِنَّمَا تَركهَا فِي مُقَابلَة ذَلِك فَإِذا لم يحصل الْحُلُول لَا يَصح التّرْك

القَوْل فِي الروشن وَحكمه (وَيجوز للْإنْسَان أَن يشرع) بِضَم أَوله وَإِسْكَان ثَانِيه أَي يخرج (روشنا) أَي جنَاحا وَهُوَ الْخَارِج من نَحْو الْخشب وساباطا وَهُوَ السَّقِيفَة على حائطين وَالطَّرِيق بَينهمَا (فِي طَرِيق نَافِذ) ويعبر عَنهُ بالشارع وَقيل بَينه وَبَين الطَّرِيق اجْتِمَاع وافتراق لِأَنَّهُ يخْتَص بالبنيان وَلَا يكون إِلَّا نَافِذا وَالطَّرِيق يكون ببنيان أَو صحراء نَافِذا أَو غير نَافِذ وَيذكر وَيُؤَنث (بخيث لَا يضر) كل من الْجنَاح والساباط (الْمَارَّة) فِي مرورهم فِيهِ فَيشْتَرط ارْتِفَاع كل مِنْهُمَا بِحَيْثُ يمر تَحْتَهُ الْمَاشِي منتصبا من غير احْتِيَاج إِلَى أَن يطأطىء رَأسه لِأَن مَا يمْنَع ذَلِك إِضْرَار حَقِيقِيّ وَيشْتَرط مَعَ هَذَا أَن يكون على رَأسه الحمولة الْعَالِيَة كَمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ وَإِن كَانَ ممر الفرسان والقوافل فيرفع ذَلِك بِحَيْثُ يمر تَحْتَهُ الْمحمل على الْبَعِير مَعَ أخشاب المظلة لِأَن ذَلِك قد يتَّفق وَإِن كَانَ نَادرا

وَالْأَصْل فِي جَوَاز ذَلِك أَنه صلى الله عليه وسلم نصب بِيَدِهِ الشَّرِيفَة ميزابا فِي دَار عَمه الْعَبَّاس رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ وَقَالَ إِن الْمِيزَاب كَانَ شَارِعا لمسجده صلى الله عليه وسلم

فَإِن فعل مَا منع مِنْهُ أزيل لقَوْله صلى الله عليه وسلم لَا ضَرَر وَلَا ضرار فِي الْإِسْلَام والمزيل لَهُ الْحَاكِم لَا كل أحد لَهُ لما فِيهِ من توقع الْفِتْنَة لَكِن لكل أحد مُطَالبَته بإزالته لِأَنَّهُ من إِزَالَة الْمُنكر

تَنْبِيه مَا ذكر من جَوَاز إِخْرَاج الْجنَاح غير المضر هُوَ فِي الْمُسلم أما الْكَافِر فَلَيْسَ لَهُ الإشراع إِلَى شوارع الْمُسلمين وَإِن جَازَ استطراقه لِأَنَّهُ كإعلاء الْبناء على الْمُسلم فِي الْمَنْع

وَيمْنَعُونَ أَيْضا من آبار حشوشهم فِي أفنية دُورهمْ

قَالَ الْأَذْرَعِيّ وَيُشبه أَن لَا يمنعوا من إِخْرَاج الْجنَاح وَلَا من حفر آبار حشوشهم فِي محالهم وشوارعهم المختصة بهم فِي دَار الْإِسْلَام كَمَا فِي رفع الْبناء

ص: 307

وَهُوَ بحث حسن وَحكم الشَّارِع الْمَوْقُوف حكم غَيره فِيمَا مر كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَام الشَّيْخَيْنِ

وَالطَّرِيق مَا جعل عِنْد إحْيَاء الْبَلَد أَو قبله طَرِيقا أَو وَقفه الْمَالِك

وَلَو بِغَيْر إحْيَاء كَذَلِك

وَصرح فِي الرَّوْضَة نقلا عَن الإِمَام بِأَنَّهُ لَا حَاجَة فِي ذَلِك إِلَى لفظ قَالَ فِي الْمُهِمَّات وَمحله فِيمَا عدا ملكه أما فِيهِ فَلَا بُد من لفظ يصير بِهِ وَقفا على قَاعِدَة الْأَوْقَاف انْتهى

وَهَذَا ظَاهر وَحَيْثُ وجدنَا طَرِيقا اعتمدنا فِيهِ الظَّاهِر وَلَا يلْتَفت إِلَى مبدأ جعله طَرِيقا فَإِن اخْتلفُوا عِنْد الْإِحْيَاء فِي تَقْدِيره قَالَ النَّوَوِيّ جعل سَبْعَة أَذْرع لخَبر الصَّحِيحَيْنِ عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قضى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عِنْد الِاخْتِلَاف فِي الطَّرِيق أَن يَجْعَل عرضه سَبْعَة أَذْرع

وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ مَذْهَب الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ اعْتِبَار قدر الْحَاجة والْحَدِيث مَحْمُول عَلَيْهِ اه

وَهَذَا ظَاهر فَإِن كَانَ أَكثر من سَبْعَة أَذْرع أَو من قدر الْحَاجة على مَا مر لم يجز لأحد أَن يستولي على شَيْء مِنْهُ وَإِن قل وَيجوز إحْيَاء مَا حوله من الْموَات بِحَيْثُ لَا يضر بالمار وَأما إِذا كَانَت الطَّرِيق مَمْلُوكَة يسبلها مَالِكهَا فتقديرها إِلَى خيرته وَالْأَفْضَل لَهُ توسيعها

وَيحرم الصُّلْح على إشراع الْجنَاح أَو الساباط بعوض وَإِن صَالح عَلَيْهِ الإِمَام لِأَن الْهَوَاء لَا يفرد بِالْعقدِ

وَيحرم أَن يبْنى فِي الطَّرِيق دكة أَو غَيرهَا أَو يغْرس فِيهَا شَجَرَة

وَلَو اتَّسع الطَّرِيق وَأذن الإِمَام وانتفى الضَّرَر لمنع الطروق فِي ذَلِك الْمحل ولتعثر الْمَار بهما عِنْد الازدحام وَلِأَنَّهُ إِذا طَالَتْ الْمدَّة أشبه موضعهَا الْأَمْلَاك وَانْقطع أثر اسْتِحْقَاق الطَّرِيق فِيهِ بِخِلَاف الأجنحة وَنَحْوهَا

القَوْل فِي الروشن وَفتح الْبَاب فِي الدَّرْب الْمُشْتَرك (وَلَا يجوز) إِخْرَاج روشن (فِي الدَّرْب الْمُشْتَرك) وَهُوَ غير النَّافِذ الْخَالِي عَن نَحْو مَسْجِد كرباط وبئر موقوفين على جِهَة عَامَّة لغير أَهله ولبعضهم (إِلَّا بِإِذن من الشُّرَكَاء) كلهم فِي الأولى وَمن باقيهم مِمَّن بَابه أبعد عَن رَأسه من مَحل الْمخْرج أَو مُقَابِله فِي الثَّانِيَة

فَلَو أَرَادوا الرُّجُوع بعد الْإِخْرَاج بِالْإِذْنِ قَالَ فِي الْمطلب فَيُشبه منع قلعه لِأَنَّهُ وضع بِحَق وَمنع إبقائه بِأُجْرَة لِأَن الْهَوَاء لَا أُجْرَة لَهُ وَيعْتَبر إِذن الْمُكْتَرِي إِن تضرر كَمَا فِي الْكِفَايَة

وَأهل غير النَّافِذ من نفذ بَابه إِلَيْهِ لَا من لاصق جِدَاره من غير نُفُوذ بَاب إِلَيْهِ وتختص شركَة كل مِنْهُم بِمَا بَين بَابه وَرَأس غير النَّافِذ لِأَنَّهُ مَحل تردده

(وَيجوز) لمن لَهُ بَاب (تَقْدِيم الْبَاب) بِغَيْر إِذن بَقِيَّة الشُّرَكَاء (فِي الدَّرْب الْمُشْتَرك) إِذا سد الْبَاب الْقَدِيم لِأَنَّهُ ترك بعض حَقه فَإِن لم يسده فلشركائه مَنعه لِأَن انضمام الثَّانِي إِلَى الأول يُورث زحمة ووقوف الدَّوَابّ فِي الدَّرْب فيتضررون بِهِ

وَلَو كَانَ بَابه آخر الدَّرْب فَأَرَادَ تَقْدِيمه وَجعل الْبَاقِي دهليزا لداره جَازَ (وَلَا يجوز) لمن لَهُ بَاب فِي رَأس الدَّرْب الْمُشْتَرك (تَأْخِيره) أَي الْبَاب الْجَدِيد إِلَى أَسْفَل الدَّرْب سَوَاء أقرب من الْقَدِيم أم

ص: 308