الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قصد خلاف ظَاهر اللَّفْظ أَو تَأَول بِأَن اعْتقد الْحَالِف خلاف نِيَّة القَاضِي لم يدْفع إِثْم الْيَمين الْفَاجِرَة لِأَن الْيَمين شرعت ليهاب الْخصم الْإِقْدَام عَلَيْهَا خوفًا من الله تَعَالَى فَلَو صَحَّ تَأْوِيله لبطلت هَذِه الْفَائِدَة
تَتِمَّة يسن تَغْلِيظ يَمِين مُدع إِذا حلف مَعَ شَاهده أَو ردَّتْ الْيَمين عَلَيْهِ وَيَمِين مدعى عَلَيْهِ
وَإِن لم يطْلب الْخصم تغليظها فِيمَا لَيْسَ بِمَال وَلَا يقْصد بِهِ مَال كَنِكَاح وَطَلَاق ولعان
وَفِي مَال يبلغ نِصَاب زَكَاة نقد عشْرين مِثْقَالا ذَهَبا أَو مِائَتي دِرْهَم فضَّة أَو مَا قِيمَته ذَلِك
والتغليظ يكون بِالزَّمَانِ وَالْمَكَان كَمَا مر فِي اللّعان وَبِزِيَادَة أَسمَاء وصفات كَأَن يَقُول وَالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة الرَّحْمَن الرَّحِيم الَّذِي يعلم السِّرّ وَالْعَلَانِيَة وَإِن كَانَ الْحَالِف يَهُودِيّا حلفه القَاضِي بِاللَّه الَّذِي أنزل التَّوْرَاة على مُوسَى ونجاه من الْغَرق أَو نَصْرَانِيّا حلفه بِاللَّه الَّذِي أنزل الْإِنْجِيل على عِيسَى أَو مجوسيا أَو وثنيا حلفه بِالَّذِي خلقه وصوره وَلَا يجوز لقاض أَن يحلف أحدا بِطَلَاق أَو عتق أَو نذر كَمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ وَغَيره
قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَمَتى بلغ الإِمَام أَن قَاضِيا يسْتَحْلف النَّاس بِطَلَاق أَو عتق أَو نذر عَزله عَن الحكم لِأَنَّهُ جَاهِل
وَقَالَ ابْن عبد الْبر لَا أعلم أحدا من أهل الْعلم يرى الِاسْتِحْلَاف بذلك وَلَا يحلف قَاض على تَركه ظلما فِي حكمه وَلَا شَاهد أَنه لم يكذب فِي شَهَادَته وَلَا مُدع صبا وَلَو احْتِمَالا بل يمهله حَتَّى يبلغ إِلَّا كَافِرًا مسبيا أنبت وَقَالَ تعجلت إنبات الْعَانَة فَيحلف لسُقُوط الْقَتْل
وَالْيَمِين من الْخصم تقطع الْخُصُومَة حَالا لَا الْحق فَتسمع بَيِّنَة الْمُدَّعِي بعد حلف الْخصم وَلَو ادّعى رق غير صبي وَمَجْنُون ومجهول نسب فَقَالَ أَنا حر أَصَالَة صدق بِيَمِينِهِ لِأَن الأَصْل الْحُرِّيَّة وعَلى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَة وَلَو ادّعى رق صبي أَو مَجْنُون وليسا بِيَدِهِ لم يصدق إِلَّا بِحجَّة أَو بِيَدِهِ وَجَهل لقطهما حلف وَحكم لَهُ برقهما لِأَنَّهُ الظَّاهِر من حَالهمَا وإنكارهما بعد كمالهما لَغْو فَلَا بُد لَهما من حجَّة وَلَا تسمع دَعْوَى بدين مُؤَجل وَإِن كَانَ بِهِ بَيِّنَة إِذْ لَا يتَعَلَّق بهَا إِلْزَام فِي الْحَال فَلَو كَانَ بعضه حَالا وَبَعضه مُؤَجّلا صحت الدَّعْوَى بِهِ لاسْتِحْقَاق الْمُطَالبَة بِبَعْضِه كَمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ
فصل فِي الشَّهَادَات
جمع شَهَادَة وَهِي إِخْبَار عَن شَيْء بِلَفْظ خَاص
وَالْأَصْل فِيهَا قبل الْإِجْمَاع آيَات كَقَوْلِه تَعَالَى {وَلَا تكتموا الشَّهَادَة} وَقَوله تَعَالَى {واستشهدوا شهيدين من رجالكم}
وأخبار كَخَبَر الصَّحِيحَيْنِ لَيْسَ لَك إِلَّا شَاهِدَاك أَو يَمِينه وَخبر أَنه صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَن الشَّهَادَة فَقَالَ للسَّائِل ترى الشَّمْس قَالَ نعم فَقَالَ على مثلهَا فاشهد أَو دع رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَالْحَاكِم وصححا إِسْنَاده
وأركانها خَمْسَة شَاهد ومشهود لَهُ ومشهود عَلَيْهِ ومشهود بِهِ وَصِيغَة
ثمَّ شرع فِي شُرُوط الرُّكْن الأول فَقَالَ (وَلَا تقبل الشَّهَادَة) عِنْد الْأَدَاء (إِلَّا مِمَّن اجْتمعت فِيهِ خَمْسَة) بل عشرَة (خِصَال) كَمَا ستعرفها الأولى (الْإِسْلَام) فَلَا تقبل شَهَادَة الْكَافِر على الْمُسلم
وَلَا على الْكَافِر خلافًا لأبي حنيفَة فِي قبُوله شَهَادَة الْكَافِر على الْكَافِر وَلأَحْمَد فِي الْوَصِيَّة لقَوْله تَعَالَى {وَأشْهدُوا ذَوي عدل مِنْكُم} وَالْكَافِر لَيْسَ بِعدْل وَلَيْسَ منا وَلِأَنَّهُ أفسق الْفُسَّاق ويكذب على الله تَعَالَى فَلَا يُؤمن من الْكَذِب على خلقه
(و) الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة (الْبلُوغ وَالْعقل) فَلَا تقبل شَهَادَة صبي لقَوْله تَعَالَى {من رجالكم} وَلَا مَجْنُون بِالْإِجْمَاع
(و) الرَّابِعَة (الْحُرِّيَّة) وَلَو بِالدَّار فَلَا تقبل شَهَادَة رَقِيق خلافًا لِأَحْمَد وَلَو مبعضا أَو مكَاتبا لِأَن أَدَاء الشَّهَادَة فِيهِ معنى الْولَايَة وَهُوَ مسلوب مِنْهَا
(و) الْخَامِسَة (الْعَدَالَة) فَلَا تقبل شَهَادَة فَاسق لقَوْله تَعَالَى {إِن جَاءَكُم فَاسق بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} وَالسَّادِسَة أَن تكون لَهُ مُرُوءَة وَهِي الاسْتقَامَة لِأَن من لَا مُرُوءَة لَهُ لَا حَيَاء لَهُ وَمن لَا حَيَاء لَهُ قَالَ مَا شَاءَ لقَوْله صلى الله عليه وسلم إِذا لم تستح فَاصْنَعْ مَا شِئْت وَالسَّابِعَة أَن يكون غير مُتَّهم فِي شَهَادَته لقَوْله تَعَالَى {ذَلِكُم أقسط عِنْد الله وأقوم للشَّهَادَة وَأدنى أَلا ترتابوا} والريبة حَاصِلَة بالمتهم
وَالثَّامِنَة أَن يكون ناطقا فَلَا تقبل شَهَادَة الْأَخْرَس وَإِن فهمت إِشَارَته والتاسعة أَن يكون يقظا كَمَا قَالَه صَاحب التَّنْبِيه وَغَيره فَلَا تقبل شَهَادَة مُغفل
والعاشرة أَن لَا يكون مَحْجُورا عَلَيْهِ بِسَفَه
فَلَا تقبل شَهَادَته كَمَا نقل فِي أصل الرَّوْضَة قبيل فصل التَّوْبَة عَن الصَّيْمَرِيّ وَجزم بِهِ الرَّافِعِيّ فِي كتاب الْوَصِيَّة
وَخرج بِقَيْد الْأَدَاء التَّحَمُّل فَلَا يشْتَرط عِنْده هَذِه الشُّرُوط بِدَلِيل قَوْلهم إِنَّه لَو شهد كَافِر أَو عبد أَو صبي ثمَّ أَعَادَهَا بعد كَمَاله قبلت كَمَا قَالَه الزَّرْكَشِيّ فِي خادمه قَالَ وَلَا يسْتَثْنى من ذَلِك غير شُهُود النِّكَاح فَإِنَّهُ يشْتَرط الْأَهْلِيَّة عِنْد التَّحَمُّل أَيْضا (وللعدالة) الْمُتَقَدّمَة (خمس شَرَائِط) الأول (أَن يكون مجتنبا للكبائر) أَي لكل مِنْهَا
(و) الثَّانِي أَن يكون (غير مصر على الْقَلِيل من الصَّغَائِر) من نوع أَو أَنْوَاع وَفسّر جمَاعَة الْكَبِيرَة بِأَنَّهَا مَا لحق صَاحبهَا وَعِيد شَدِيد بِنَصّ كتاب أَو سنة
وَقيل هِيَ الْمعْصِيَة الْمُوجبَة للحد وَذكر فِي أصل الرَّوْضَة أَنهم إِلَى تَرْجِيح هَذَا أميل وَأَن الَّذِي ذَكرْنَاهُ أَولا هُوَ الْمُوَافق لما ذَكرُوهُ عِنْد تَفْصِيل الْكَبَائِر انْتهى
لأَنهم عدوا الرِّبَا وَأكل مَال الْيَتِيم وَشَهَادَة الزُّور وَنَحْوهَا من الْكَبَائِر وَلَا حد فِيهَا وَقَالَ الإِمَام هِيَ كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بِالدّينِ
انْتهى وَالْمرَاد بهَا بِقَرِينَة التعاريف الْمَذْكُورَة غير الْكَبَائِر الاعتقادية الَّتِي هِيَ الْبدع فَإِن الرَّاجِح قبُول شَهَادَة أَهلهَا مَا لم نكفرهم كَمَا سَيَأْتِي بَيَانه هَذَا ضَبطهَا بِالْحَدِّ وَأما ضَبطهَا بالعد فأشياء كَثِيرَة
قَالَ ابْن عَبَّاس هِيَ إِلَى السّبْعين أقرب وَقَالَ سعيد بن جُبَير إِنَّهَا إِلَى سَبْعمِائة أقرب أَي بِاعْتِبَار أَصْنَاف أَنْوَاعهَا وَمَا عدا ذَلِك من الْمعاصِي فَمن الصَّغَائِر وَلَا بَأْس بعد شَيْء من النَّوْعَيْنِ
فَمن الأول تَقْدِيم الصَّلَاة أَو تَأْخِيرهَا عَن وَقتهَا بِلَا عذر وَمنع الزَّكَاة وَترك الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر مَعَ الْقُدْرَة ونسيان الْقُرْآن واليأس من رَحْمَة الله وَأمن مكره تَعَالَى وَأكل الرِّبَا وَأكل مَال الْيَتِيم والإفطار فِي رَمَضَان من غير عذر وعقوق الْوَالِدين وَالزِّنَا واللواط وَشَهَادَة الزُّور وَضرب الْمُسلم بِغَيْر حق والنميمة
وَأما الْغَيْبَة فَإِن كَانَت فِي أهل الْعلم وَحَملَة الْقُرْآن فَهِيَ كَبِيرَة كَمَا جرى عَلَيْهِ ابْن الْمقري وَإِلَّا فصغيرة وَمن الصَّغَائِر النّظر الْمحرم وهجر الْمُسلم فَوق ثَلَاثَة أَيَّام والنياحة وشق الجيب والتبختر فِي الْمَشْي وَإِدْخَال صبيان أَو مجانين يغلب تنجيسهم الْمَسْجِد وَاسْتِعْمَال نَجَاسَة فِي بدن أَو ثوب لغير حَاجَة فبارتكاب كَبِيرَة أَو إِصْرَار على صَغِيرَة من نوع أَو أَنْوَاع تَنْتفِي الْعَدَالَة إِلَّا إِن تغلب طَاعَته على مَعَاصيه
كَمَا قَالَه الْجُمْهُور فَلَا تَنْتفِي عَدَالَته وَإِن اقْتَضَت عبارَة المُصَنّف الانتفاء مُطلقًا
فَائِدَة فِي الْبَحْر لَو نوى الْعدْل فعل كَبِيرَة غَدا كزنا لم يصر بذلك فَاسِقًا بِخِلَاف نِيَّة الْكفْر (و) الثَّالِث أَن يكون الْعدْل (سليم السريرة) أَي العقيدة بِأَن لَا يكون مبتدعا لَا يكفر وَلَا يفسق ببدعته فَلَا تقبل شَهَادَة
مُبْتَدع يكفر أَو يفسق ببدعته فَالْأول كمنكري الْبَعْث وَالثَّانِي كساب الصَّحَابَة وَيسْتَثْنى من هَذَا الخطابية فَلَا تقبل شَهَادَتهم وهم فرقة يجوزون الشَّهَادَة لصَاحِبِهِمْ إِذا سَمِعُوهُ يَقُول لي على فلَان كَذَا هَذَا إِذا لم يبينوا السَّبَب كَمَا مرت الْإِشَارَة إِلَيْهِ فَإِن بينوا السَّبَب كَأَن قَالُوا رَأَيْنَاهُ يقْرضهُ كَذَا فَتقبل حِينَئِذٍ شَهَادَتهم
(و) الرَّابِع أَن يكون الْعدْل (مَأْمُونا) مِمَّا توقع فِيهِ النَّفس الأمارة صَاحبهَا (عِنْد الْغَضَب) من ارْتِكَاب قَول الزُّور والإصرار على الْغَيْبَة وَالْكذب لقِيَام غَضَبه فَلَا عَدَالَة لمن يحملهُ غَضَبه على الْوُقُوع فِي ذَلِك
(و) الْخَامِس أَن يكون (محافظا على مُرُوءَة مثله) بِأَن يتخلق الشَّخْص بِخلق أَمْثَاله من أَبنَاء عصره مِمَّن يُرَاعِي مناهج الشَّرْع وآدابه فِي زَمَانه ومكانه لِأَن الْأُمُور الْعُرْفِيَّة قَلما تنضبط بل تخْتَلف باخْتلَاف الْأَشْخَاص والأزمنة والبلدان وَهَذَا بِخِلَاف الْعَدَالَة فَإِنَّهَا تخْتَلف باخْتلَاف الْأَشْخَاص
فَإِن الْفسق يَسْتَوِي فِيهِ الشريف والوضيع بِخِلَاف الْمُرُوءَة فَإِنَّهَا تخْتَلف فَلَا تقبل شَهَادَة من لَا مُرُوءَة لَهُ كمن يَأْكُل أَو يشرب فِي سوق وَهُوَ غير سوقي كَمَا فِي الرَّوْضَة وَغير من لم يغلبه جوع أَو عَطش أَو يمشي فِي سوق مَكْشُوف الرَّأْس أَو الْبدن غير الْعَوْرَة مِمَّن لَا يَلِيق بِهِ مثله ولغير محرم بنسك أما الْعَوْرَة فكشفها حرَام أَو يقبل زَوجته أَو أمته بِحَضْرَة النَّاس وَأما تَقْبِيل ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أمته الَّتِي وَقعت فِي سَهْمه بِحَضْرَة النَّاس فَقَالَ الزَّرْكَشِيّ كَانَ تَقْبِيل اسْتِحْسَان لَا تمتّع أَو ظن أَنه لَيْسَ ثمَّ من ينظره أَو على أَن الْمرة الْوَاحِدَة لَا تضر على مَا اقْتَضَاهُ نَص الشَّافِعِي وَمد الرجل عِنْد النَّاس بِلَا ضَرُورَة كقبلة أمته بحضرتهم وَمن ذَلِك إكثار حكايات مضحكة بَين النَّاس بِحَيْثُ يصير ذَلِك عَادَة لَهُ
وَخرج بالإكثار مَا لم يكثر أَو كَانَ ذَلِك طبعا لَا تصنعا كَمَا وَقع لبَعض الصَّحَابَة وَلبس فَقِيه قبَاء أَو قلنسوة فِي مَحل لَا يعْتَاد الْفَقِيه لبس ذَلِك فِيهِ وإكباب على لعب الشطرنج بِحَيْثُ يشْغلهُ عَن مهامته وَإِن لم يقْتَرن بِهِ مَا يحرمه أَو على غناء أَو استماعه وإكثار رقص
وحرفة دنيئة مُبَاحَة كحجامة وكنس زبل وَنَحْوه ودبغ مِمَّن لَا يَلِيق ذَلِك بِهِ
وَاعْترض جعلهم الحرفة الدنيئة مِمَّا يخرم الْمُرُوءَة مَعَ قَوْلهم إِنَّهَا من فروض الكفايات وَأجِيب بِحمْل ذَلِك على من اخْتَارَهَا لنَفسِهِ مَعَ حُصُول الْكِفَايَة بِغَيْرِهِ وَأما الحرفة غير الْمُبَاحَة كالمنجم والعراف والكاهن والمصور فَلَا تقبل شَهَادَتهم قَالَ الصَّيْمَرِيّ لِأَن شعارهم التلبيس