الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيشْتَرط فِي الثَّوْب نشره ليرى الْجَمِيع وَلَو لم ينشر مثله إِلَّا عِنْد الْقطع وَيشْتَرط فِي الثَّوْب رُؤْيَة وَجْهي مَا يخْتَلف مِنْهُ كَأَن يكون صفيقا كديباج منقش وَبسط بِخِلَاف مَا لَا يخْتَلف وجهاه ككرباس فتكفي رُؤْيَة أَحدهمَا
وَلَا يَصح بيع اللَّبن فِي الضَّرع وَإِن حلب مِنْهُ شَيْء ورئي قبل البيع للنَّهْي عَنهُ وَلعدم رُؤْيَته
وَلَا يَصح بيع الصُّوف قبل الجز أَو التذكية لاختلاطه بالحادث فَإِن قبض قِطْعَة وَقَالَ بِعْتُك هَذِه صَحَّ
وَلَا يَصح بيع مسك مختلط بِغَيْرِهِ لجهل الْمَقْصُود كنحو لبن مخلوط بِنَحْوِ مَاء نعم إِن كَانَ معجونا بِغَيْرِهِ كالغالية والند صَحَّ لِأَن الْمَقْصُود جميعهما لَا الْمسك وَحده وَلَو بَاعَ الْمسك فِي فأرته لم يَصح وَلَو فتح رَأسهَا كَاللَّحْمِ فِي الْجلد فَإِن رَآهَا فارغة ثمَّ ملئت مسكا لم يره ثمَّ رأى أَعْلَاهُ من رَأسهَا أَو رَآهُ خَارِجهَا ثمَّ اشْتَرَاهُ بعد رده إِلَيْهَا جَازَ
فصل فِي أَحْكَام الْخِيَار
وَلما فرغ المُصَنّف من صِحَة العقد وفساده شرع فِي لُزُومه وجوازه وَذَلِكَ بِسَبَب الْخِيَار وَالْأَصْل فِي البيع اللُّزُوم لِأَن الْقَصْد مِنْهُ نقل الْملك وَقَضِيَّة الْملك التَّصَرُّف وَكِلَاهُمَا فرع اللُّزُوم إِلَّا أَن الشَّارِع أثبت فِيهِ الْخِيَار رفقا بالمتعاقدين وَهُوَ نَوْعَانِ خِيَار تشه وَخيَار نقيصة
فخيار التشهي مَا يتعاطاه المتعاقدان باختيارهما وشهوتهما من غير توقف على فَوَات أَمر فِي الْمَبِيع وَسَببه الْمجْلس أَو الشَّرْط
وَقد بَدَأَ بِالسَّبَبِ الأول من النَّوْع الأول (والمتبايعان بِالْخِيَارِ مَا لم يَتَفَرَّقَا) ببدنهما عَن مجْلِس العقد أَو يختارا لُزُوم العقد كقولهما تخايرنا فَلَو اخْتَار أَحدهمَا لُزُومه سقط حَقه من الْخِيَار وَبَقِي الْحق فِيهِ للْآخر لما روى الشَّيْخَانِ أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ البيعان بِالْخِيَارِ مَا لم يَتَفَرَّقَا أَو يَقُول أَحدهمَا للْآخر اختر وَيثبت خِيَار الْمجْلس فِي كل بيع وَإِن استعقب عتقا كَشِرَاء بعضه وَذَلِكَ كربوي وَسلم وتولية وتشريك لَا فِي بيع عبد مِنْهُ وَلَا فِي بيع ضمني لِأَن
مقصودهما الْعتْق وَلَا فِي قسْمَة غير رد وَلَا فِي رد وَلَا فِي حِوَالَة وَلَا فِي إِبْرَاء وَصلح حطيطة وَنِكَاح وَهبة بِلَا ثَوَاب وَنَحْو ذَلِك مِمَّا لَا يُسمى بيعا لِأَن الْخَبَر إِنَّمَا ورد فِي البيع
أما الْهِبَة بِثَوَاب فَإِنَّهَا بيع فَيثبت فِيهَا الْخِيَار على الْمُعْتَمد خلافًا لما جرى عَلَيْهِ فِي الْمِنْهَاج وَيعْتَبر فِي التَّفَرُّق الغرف فَمَا يعده النَّاس تفَرقا يلْزم بِهِ العقد وَمَا لَا فَلَا لِأَن مَا لَيْسَ لَهُ حد شرعا وَلَا لُغَة يرجع فِيهِ إِلَى الْعرف فَلَو قاما وتماشيا منَازِل دَامَ خيارهما كَمَا لَو طَال مكثهما وَإِن زَادَت الْمدَّة على ثَلَاثَة أَيَّام أَو عرضا عَمَّا يتَعَلَّق بِالْعقدِ
وَكَانَ ابْن عمر رَاوِي الْخَبَر إِذا ابْتَاعَ شَيْئا فَارق صَاحبه فَلَو كَانَا فِي دَار كَبِيرَة فالتفرق فِيهَا بِالْخرُوجِ من الْبَيْت إِلَى الصحن أَو من الصحن إِلَى الصّفة أَو الْبَيْت
وَإِن كَانَا فِي سوق أَو صحراء فبأن يولي أَحدهمَا الآخر ظَهره وَيَمْشي قَلِيلا وَلَو لم يبعد عَن سَماع خطابه
وَإِن كَانَا فِي سفينة أَو دَار صَغِيرَة فبخروج أَحدهمَا مِنْهَا وَلَو تناديا بِالْبيعِ من بعد ثَبت لَهما الْخِيَار وامتد مَا لم يُفَارق أَحدهمَا مَكَانَهُ فَإِن فَارقه وَوصل إِلَى مَوضِع لَو كَانَ الآخر مَعَه بِمَجْلِس العقد عد تفَرقا بَطل خيارهما وَلَو مَاتَ أَحدهمَا فِي الْمجْلس أَو جن أَو أُغمي عَلَيْهِ انْتقل الْخِيَار فِي الأولى إِلَى الْوَارِث وَلَو عَاما وَفِي الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة إِلَى الْوَلِيّ من حَاكم أَو غَيره وَلَو أجَاز الْوَارِث أَو فسخ قبل علمه بِمَوْت مُوَرِثه نفذ ذَلِك بِنَاء على أَن من بَاعَ مَال مُوَرِثه ظَانّا حَيَاته فَبَان مَيتا صَحَّ وَلَو اشْترى الْوَلِيّ لطفله شَيْئا فَبلغ رشيدا قبل التَّفَرُّق لم ينْتَقل إِلَيْهِ الْخِيَار كَمَا فِي الْبَحْر وَيبقى للْوَلِيّ على الْأَوْجه من وَجْهَيْن حَكَاهُمَا فِي الْبَحْر وأجراهما فِي خِيَار الشَّرْط
ثمَّ شرع فِي السَّبَب الثَّانِي من النَّوْع الأول بقوله (وَلَهُمَا) أَي الْمُتَعَاقدين (أَن يشرطا الْخِيَار) لَهما أَو لأَحَدهمَا سَوَاء أشرطا إِيقَاع أَثَره مِنْهُمَا أَو من أَحدهمَا أم من أَجْنَبِي كَالْعَبْدِ الْمَبِيع وَسَوَاء أشرطا ذَلِك من وَاحِد أم من اثْنَيْنِ مثلا وَلَيْسَ لشارطه للْأَجْنَبِيّ خِيَار إِلَّا أَن يَمُوت الْأَجْنَبِيّ فِي زمن الْخِيَار وَلَيْسَ لوكيل أَحدهمَا شَرطه للْآخر وَلَا للْأَجْنَبِيّ بِغَيْر إِذن مُوكله وَله شَرطه لمُوكلِه ولنفسه
وَإِنَّمَا يجوز شَرطه مُدَّة مَعْلُومَة مُتَّصِلَة بِالشّرطِ مُتَوَالِيَة (إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام) فَأَقل بِخِلَاف مَا لَو أطلق أَو قدر بِمدَّة مَجْهُولَة أَو زَادَت على الثَّلَاثَة وَذَلِكَ لخَبر الصَّحِيحَيْنِ عَن ابْن عمر رضي الله عنهما قَالَ ذكر رجل لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَنه يخدع فِي الْبيُوع فَقَالَ لَهُ إِذا بَايَعت فَقل لَا خلابة ثمَّ أَنْت بِالْخِيَارِ فِي كل سلْعَة ابتعتها ثَلَاث لَيَال وَفِي رِوَايَة فَجعل لَهُ عُهْدَة ثَلَاثَة أَيَّام
وخلابة بِكَسْر الْمُعْجَمَة وبالموحدة الْغبن والخديعة
قَالَ فِي الرَّوْضَة كَأَصْلِهَا اشْتهر فِي الشَّرْع أَن قَوْله لَا خلابة عبارَة عَن اشْتِرَاط الْخِيَار ثَلَاثَة أَيَّام وتحسب الْمدَّة الْمَشْرُوطَة من حِين شَرط الْخِيَار سَوَاء أشرط فِي
العقد أم فِي مَجْلِسه
وَلَو شَرط فِي العقد الْخِيَار من الْغَد بَطل العقد وَإِلَّا لَأَدَّى إِلَى جَوَازه بعد لُزُومه
وَلَو شَرط لأحد الْعَاقِدين يَوْم وَللْآخر يَوْمَانِ أَو ثَلَاثَة جَازَ وَالْملك فِي الْمَبِيع فِي مُدَّة الْخِيَار لمن انْفَرد بِهِ من بَائِع أَو مُشْتَر فَإِن كَانَ الْخِيَار لَهما فموقوف فَإِن تمّ البيع بِأَن أَن الْملك للْمُشْتَرِي من حِين العقد وَإِلَّا فَللْبَائِع وَكَأَنَّهُ لم يخرج عَن ملكه وَلَا فرق فِيهِ بَين خِيَار الشَّرْط أَو الْمجْلس وَكَونه لأَحَدهمَا فِي خِيَار الْمجْلس بِأَن يخْتَار الآخر لُزُوم العقد وَحَيْثُ حكم بِملك الْمَبِيع لأَحَدهمَا حكم بِملك الثّمن للْآخر وَحَيْثُ وقف ملك الثّمن وَيحصل فسخ العقد فِي مُدَّة الْخِيَار بِنَحْوِ فسخت البيع كرفعته وَالْإِجَازَة فِيهَا بِنَحْوِ أجزت البيع كأمضيته وَالتَّصَرُّف فِيهَا كَوَطْء وإعتاق وَبيع وَإِجَارَة وتزويج من بَائِع وَالْخيَار لَهُ أَو لَهما فسخ للْبيع لإشعاره بِعَدَمِ الْبَقَاء عَلَيْهِ وَصَحَّ ذَلِك مِنْهُ أَيْضا لَكِن لَا يجوز لَهُ وَطْؤُهُ إِلَّا إِذا كَانَ الْخِيَار لَهُ وَالتَّصَرُّف الْمَذْكُور من المُشْتَرِي وَالْخيَار لَهُ أَو لَهما إجَازَة للشراء لإشعاره بِالْبَقَاءِ عَلَيْهِ وَالْإِعْتَاق نَافِذ مِنْهُ إِن كَانَ الْخِيَار لَهُ أَو أذن لَهُ البَائِع وَغير نَافِذ إِن كَانَ للْبَائِع وَمَوْقُوف إِن كَانَ لَهما وَلم يَأْذَن لَهُ البَائِع ووطؤه حَلَال إِن كَانَ الْخِيَار لَهُ وَإِلَّا فَحَرَام والبقية صَحِيحَة إِن كَانَ الْخِيَار لَهُ أَو أذن لَهُ البَائِع وَإِلَّا فَلَا وَإِنَّمَا يكون الْوَطْء فسخا أَو إجَازَة إِذا كَانَ الموطوء أُنْثَى لَا ذكرا وَلَا
خُنْثَى فَإِن بَانَتْ أنوثته وَلَو بإخباره تعلق الحكم بذلك الْوَطْء
وَلَيْسَ عرض الْمَبِيع على البيع فِي مُدَّة الْخِيَار وَالتَّوْكِيل فِيهِ فسخا من البَائِع وَلَا إجَازَة من المُشْتَرِي لعدم إشعارهما من البَائِع بِعَدَمِ الْبَقَاء عَلَيْهِ وَمن المُشْتَرِي بِالْبَقَاءِ عَلَيْهِ
ثمَّ شرع فِي النَّوْع الثَّانِي وَهُوَ الْمُتَعَلّق بِفَوَات مَقْصُود مظنون نَشأ الظَّن فِيهِ من قَضَاء عرفي أَو الْتِزَام شرطي أَو تغرير فعلي مبتدئا بِالْأَمر الأول وَهُوَ مَا يظنّ حُصُوله بِالْعرْفِ وَهُوَ السَّلامَة من الْعَيْب فَقَالَ (وَإِذا وجد بِالْمَبِيعِ عيب فَلِلْمُشْتَرِي) حِينَئِذٍ (رده) إِذا كَانَ الْعَيْب بَاقِيا وتنقص الْعين بِهِ نقصا يفوت بِهِ غَرَض صَحِيح أَو ينقص قيمتهَا وَغلب فِي جنس الْمَبِيع عَدمه إِذْ الْغَالِب فِي الْأَعْيَان السَّلامَة
وَخرج بالقيد الأول مَا لَو زَالَ الْعَيْب قبل الرَّد وَبِالثَّانِي قطع أصْبع زَائِدَة وَفلقَة يسيرَة من فَخذ أَو سَاق لَا يُورث شَيْئا وَلَا يفوت غَرضا فَلَا رد بهما
وبالثالث مَا لَا يغلب فِيهِ مَا ذكر كقلع سنّ فِي الْكَبِير وثيوبة فِي أوانها فِي الْأمة فَلَا رد بِهِ وَإِن نقصت الْقيمَة بِهِ وَذَلِكَ الْعَيْب الَّذِي يثبت بِهِ الرَّد كخصاء حَيَوَان لنقصه المفوت للغرض من الْفَحْل فَإِنَّهُ يصلح لما لَا يصلح لَهُ الْخصي رَقِيقا كَانَ الْحَيَوَان أَو بَهِيمَة
نعم الْغَالِب فِي الثيران الخصاء فَيكون كثيوبة الْأمة وجماحه وعضه وَرمحه لنَقص الْقيمَة بذلك وزنا رَقِيق وسرقته وإباقه وَإِن لم يتَكَرَّر ذَلِك مِنْهُ أَو تَابَ عَنهُ ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى صَغِيرا كَانَ أَو كَبِيرا خلافًا للهروي فِي الصَّغِير وبخره وَهُوَ الناشىء من تغير الْمعدة
أما تغير الْفَم لقلح الْأَسْنَان فَلَا لزواله بالتنظيف وصنانه إِن كَانَ مستحكما أما الصنان لعَارض عرض أَو اجْتِمَاع وسخ أَو نَحْو ذَلِك كحركة عنيفة فَلَا وبوله بالفراش إِن خَالف الْعَادة سَوَاء أحدث الْعَيْب قبل قبض الْمَبِيع بِأَن قَارن النَّقْد أم حدث بعده وَقبل الْقَبْض لِأَن الْمَبِيع حِينَئِذٍ من ضَمَان البَائِع فَكَذَا جَزَاؤُهُ وَصفته
أَو حدث بعد الْقَبْض واستند لسَبَب مُتَقَدم على الْقَبْض كَقطع يَد الرَّقِيق الْمَبِيع بِجِنَايَة سَابِقَة على الْقَبْض جهلها المُشْتَرِي لِأَنَّهُ لتقدم سَببه كالمتقدم فَإِن كَانَ المُشْتَرِي عَالما بِهِ فَلَا خِيَار لَهُ وَلَا أرش
وَيضمن البَائِع الْمَبِيع بِجَمِيعِ الثّمن بقتْله بردة مثلا سَابِقَة على قَبضه جهلها المُشْتَرِي لِأَنَّهُ لتقدم سَببه كالمتقدم فينفسخ البيع فِيهِ قبيل الْقَتْل فَإِن كَانَ المُشْتَرِي عَالما بِهِ فَلَا شَيْء لَهُ بِخِلَاف مَا لَو مَاتَ بِمَرَض سَابق على قَبضه جَهله المُشْتَرِي فَلَا يضمنهُ البَائِع لِأَن الْمَرَض يزْدَاد شَيْئا فَشَيْئًا إِلَى الْمَوْت فَلم يحصل بالسابق وَللْمُشْتَرِي أرش الْمَرَض وَهُوَ مَا بَين قيمَة الْمَبِيع صَحِيحا ومريضا من الثّمن فَإِن كَانَ المُشْتَرِي عَالما بِهِ فَلَا شَيْء لَهُ
وَيتَفَرَّع على مَسْأَلَتي الرِّدَّة
وَالْمَرَض مؤونة التَّجْهِيز فَهِيَ على البَائِع فِي تِلْكَ وعَلى المُشْتَرِي فِي هَذِه
وَأما الْأَمر الثَّانِي وَهُوَ مَا يظنّ حُصُوله بِشَرْط فَهُوَ كَمَا لَو بَاعَ حَيَوَانا أَو غَيره بِشَرْط بَرَاءَته من الْعُيُوب فِي الْمَبِيع فَيبرأ عَن عيب بَاطِن بحيوان مَوْجُود فِيهِ حَال العقد جَهله بِخِلَاف غير الْعَيْب الْمَذْكُور فَلَا يبرأ عَن عيب فِي غير الْحَيَوَان وَلَا فِيهِ لَكِن حدث بعد البيع وَقبل الْقَبْض مُطلقًا لانصراف الشَّرْط إِلَى مَا كَانَ مَوْجُودا عِنْد العقد وَلَا من عيب ظَاهر فِي الْحَيَوَان علمه البَائِع أم لَا وَلَا عَن عيب بَاطِن فِي الْحَيَوَان علمه
وَلَو شَرط الْبَرَاءَة عَمَّا يحدث مِنْهَا قبل الْقَبْض وَلَو مَعَ الْوُجُود مِنْهَا لم يَصح الشَّرْط لِأَنَّهُ إِسْقَاط للشَّيْء قبل ثُبُوته وَلَو تلف الْمَبِيع غير الرِّبَوِيّ الْمَبِيع بِجِنْسِهِ عِنْد المُشْتَرِي ثمَّ علم عَيْبا بل رَجَعَ بِالْأَرْشِ لتعذر الرَّد بِفَوَات الْمَبِيع
أما الرِّبَوِيّ الْمَذْكُور كحلي ذهب بيع بوزنه ذَهَبا فَبَان معيبا بعد تلفه فَلَا أرش فِيهِ وَلَا لنَقص الثّمن فَيصير الْبَاقِي مِنْهُ مُقَابلا بِأَكْثَرَ مِنْهُ وَذَلِكَ رَبًّا
وَالرَّدّ بِالْعَيْبِ (على الْفَوْر) فَتبْطل بِالتَّأْخِيرِ بِلَا عذر وَيعْتَبر الْفَوْر عَادَة فَلَا يضر نَحْو صَلَاة وَأكل دخل وقتهما كقضاء حَاجَة وتكميل لذَلِك أَو لِليْل
وَقيد ابْن الرّفْعَة كَون اللَّيْل عذرا بكلفة الْمسير فِيهِ فَيردهُ المُشْتَرِي وَلَو بوكيله على البَائِع أَو مُوكله أَو وَكيله أَو وَارثه أَو يرفع الْأَمر للْحَاكِم ليفصله
وَهُوَ آكِد فِي الرَّد فِي حَاضر بِالْبَلَدِ مِمَّن يرد عَلَيْهِ لِأَنَّهُ رُبمَا أحوجه إِلَى الرّفْع
وواجب فِي غَائِب عَن الْبَلَد وعَلى المُشْتَرِي عَن الْإِشْهَاد بِالْفَسْخِ لم يلْزمه بِلَفْظ بِالْفَسْخِ وَعَلِيهِ ترك اسْتِعْمَال لَا ترك ركُوب مَا عسر سوقه وقوده فَلَو استخدم رَقِيقا أَو ترك على دَابَّة سرجا أَو إكافا فَلَا رد وَلَا أرش لإشعار ذَلِك بِالرِّضَا بِالْعَيْبِ وَلَو حدث عِنْد المُشْتَرِي عيب سقط الرَّد القهري لإضراره بالبائع
ثمَّ إِن رَضِي بِالْعَيْبِ البَائِع رده المُشْتَرِي عَلَيْهِ بِلَا أرش للحادث أَو قنع بِهِ بِلَا أرش للقديم وَإِن لم يرض بِهِ البَائِع فَإِن اتفقَا فِي غير الرِّبَوِيّ على فسخ أَو إجَازَة مَعَ أرش للحادث أَو الْقَدِيم فَذَاك ظَاهر وَلَا أُجِيب طَالب الْإِمْسَاك سَوَاء أَكَانَ المُشْتَرِي أم البَائِع لما فِيهِ من تَقْرِير العقد
أما الرِّبَوِيّ فَيتَعَيَّن فِيهِ الْفَسْخ من أرش الْحَادِث وعَلى المُشْتَرِي إِعْلَام البَائِع فَوْرًا بالحادث مَعَ القدي ليختار مَا تقدم فَإِن أخر إِعْلَامه بِلَا عذر فَلَا رد لَهُ وَلَا أرش عَنهُ لإشعار التَّأْخِير بِالرِّضَا بِهِ لَو حدث عيب لَا يعرف الْقَدِيم بِدُونِهِ ككسر بيض نعام وَجوز وتقوير بطيخ مدود بعضه رد بِالْعَيْبِ الْقَدِيم وَلَا أرش عَلَيْهِ للحادث لِأَنَّهُ مَعْذُور فِيهِ
وَأما الْأَمر الثَّالِث وَهُوَ مَا يظنّ حُصُوله بالتغرير الْفعْلِيّ فَهُوَ التصرية وَهِي أَن يتْرك البَائِع حلب النَّاقة أَو غَيرهَا عمدا قبل بيعهَا ليتوهم المُشْتَرِي كَثْرَة اللَّبن فَيثبت للْمُشْتَرِي الْخِيَار فَإِن كَانَت مأكولة رد مَعهَا صَاع تمر بدل اللَّبن المحلوب وَإِن قل اللَّبن وَلَو تعدّدت الْمُصراة تعدد الصَّاع بعددها كَمَا نَص عَلَيْهِ فِي الْأُم هَذَا إِذا لم يتَّفقَا على رد غير الصَّاع من اللَّبن وَغَيره سَوَاء أتلف اللَّبن أم لَا بِخِلَاف مَا إِذا لم تحلب أَو اتفقَا على الرَّد
وَالْعبْرَة فِي التَّمْر بالمتوسط من تمر الْبَلَد فَإِن فقد فَقيمته بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة وَقيل بأقرب بلد التَّمْر إِلَيْهِ
وَيثبت الْخِيَار للجاهل بالتصرية على الْفَوْر وَلَا يخْتَص خِيَارهَا بِالنعَم بل يعم كل مَأْكُول من الْحَيَوَان وَالْجَارِيَة والأتان وَلَا يرد مَعَهُمَا شَيْء بدل اللَّبن لِأَن لبن الْجَارِيَة لَا يعتاض عَنهُ غَالِبا وَلبن الأتان نجس لَا عُضْو لَهُ
فروع لَا يرد قهرا بِعَيْب بعض مَا بيع صَفْقَة لما فِيهِ من تَفْرِيق الصَّفْقَة وَلَو اخْتلفَا فِي قدم عيب يُمكن حُدُوثه صدق البَائِع
بِيَمِينِهِ لموافقته الأَصْل من اسْتِمْرَار العقد وَيحلف كجوابه وَالزِّيَادَة فِي الْمَبِيع أَو الثّمن لمتصله كسمن تتبعه فِي الرَّاد إِذْ لَا يُمكن إفرادها كحمل قَارن بيعا فَإِنَّهُ يتبع أمه فِي الرِّدَّة وَالزِّيَادَة الْمُنْفَصِلَة كَالْوَلَدِ وَالْأُجْرَة لَا تمنع الرَّد بِالْعَيْبِ وَهِي لمن حصلت فِي ملكه من مُشْتَر أَو بَائِع وَإِن رد قبل الْقَبْض لِأَنَّهَا فرع ملكه وَحبس مَا أَلْقَاهُ وَمَاء الرَّحَى الَّذِي يديرها للطحن الْمُرْسل مَاء كل مِنْهُمَا عِنْد البيع وبتحمير الْوَجْه وتسويد الشّعْر وتجعيده يثبت الْخِيَار لَا لطخ ثوب الرَّقِيق بمداد تخيلا لكتابته فَظهر كَونه غير كَاتب فَلَا رد لَهُ إِذْ لَيْسَ فِيهِ كثير غرر
(وَلَا يجوز بيع الثَّمَرَة مُطلقًا) أَي بِغَيْر شَرط قطع وَلَا تبقية (إِلَّا بعد بَدو صَلَاحهَا) فَيجوز بِشَرْط قطعهَا وبشرط إبقائها سَوَاء أَكَانَت الْأُصُول لأَحَدهمَا أم لغيره لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم نهى عَن بيع الثَّمَرَة قبل بَدو صَلَاحهَا
فَيجوز بعد بدوه وَهُوَ صَادِق بِكُل من الْأَحْوَال الثَّلَاثَة وَالْمعْنَى الْفَارِق بَينهمَا أَمن العاهة بعده غَالِبا لغلظها وَكبر نَوَاهَا وَقبل الصّلاح إِن بِيعَتْ مُفْردَة عَن الشّجر لَا يجوز البيع
وَلَا يَصح للْخَبَر الْمَذْكُور إِلَّا بِشَرْط الْقطع فِي الْحَال وَإِن كَانَ الشّجر للْمُشْتَرِي وَأَن الشّجر لَا ليَكُون يكون الْمَقْطُوع مُنْتَفعا بِهِ وَإِذا كَانَ الشّجر للْمُشْتَرِي لم يجب الْوَفَاء بِالشّرطِ إِذْ لَا معنى لتكليفه قطع ثَمَرَة عَن شَجَرَة
وَإِن بِيعَتْ الثَّمَرَة مَعَ الشَّجَرَة جَازَ بِلَا شَرط لِأَن الثَّمَرَة هُنَا تتبع الأَصْل وَهُوَ غير متعرض للعاهة وَلَا يجوز بِشَرْط قطعهَا لِأَن فِيهِ حجرا على المُشْتَرِي فِي ملكه
وَلَا يَصح بيع الْبِطِّيخ والباذنجان وَنَحْوهمَا قبل بَدو الصّلاح إِلَّا بِشَرْط الْقطع وَإِن بيع من مَالك الْأُصُول لما مر
وَلَو بَاعه مَعَ أُصُوله فكبيع الثَّمَرَة مَعَ الشَّجَرَة على الْمُعْتَمد وَيشْتَرط لبيع الزَّرْع وَالثَّمَر بعد بَدو الصّلاح ظُهُور الْمَقْصُود من الْحبّ وَالثَّمَرَة لِئَلَّا يكون بيع غَائِب كتين وعنب لِأَنَّهُمَا مِمَّا لَا كمام لَهُ وشعير لظُهُوره فِي سنبله وَمَا لَا يرى حبه كالحنطة والعدس فِي السنبل لَا يَصح بَيْعه دون سنبله لاستتاره بِهِ وَلَا مَعَه لِأَن الْمَقْصُود مِنْهُ مستتر بِمَا لَيْسَ من صَلَاحه كالحنطة فِي تبنها بعد الدراس وبدو صَلَاح مَا مر من ثَمَر وَغَيره بُلُوغه صفة يطْلب فِيهَا غَالِبا وعلامته فِي الثَّمر الْمَأْكُول المتلون أَخذه فِي حمرَة أَو نَحْوهَا كسواد وَفِي غير المتلون مِنْهُ كالعنب الْأَبْيَض لينه وجريان المَاء فِيهِ
وَفِي نَحْو القثاء أَن تجنى غَالِبا للْأَكْل وَفِي الزَّرْع اشتداده وَفِي الْورْد انفتاحه وبدو صَلَاح بعضه وَإِن قل كظهوره وعَلى بَائِع مَا بدا صَلَاحه من الثَّمر وَغَيره سقيه قبل التَّخْلِيَة وَبعدهَا عِنْد اسْتِحْقَاق المُشْتَرِي الْإِبْقَاء بِقدر مَا يَنْمُو وَيسلم من التّلف وَالْفساد ويتصرف فِيهِ مُشْتَرِيه وَيدخل فِي ضَمَانه بعد التَّخْلِيَة فَلَو تلف بترك البَائِع السَّقْي قبل التَّخْلِيَة أَو
بعْدهَا انْفَسَخ البيع أَو تعيب بِهِ تخير المُشْتَرِي بَين الْفَسْخ وَالْإِجَازَة وَلَا يَصح بيع مَا يغلب تلاحقه واختلاط حَادِثَة بموجودة كتين وقثاء إِلَّا بِشَرْط قطعه عِنْد خوف الِاخْتِلَاط فَإِن وَقع اخْتِلَاط فِيهِ أَو فِيمَا لَا يغلب اخْتِلَاطه قبل التَّخْلِيَة خير المُشْتَرِي إِن لم يسمح لَهُ بِهِ البَائِع فَإِن بَادر البَائِع وسمح سقط خِيَاره
أما إِذا وَقع الِاخْتِلَاط بعد التَّخْلِيَة فَلَا يُخَيّر المُشْتَرِي بل إِن توافقا على قدر فَذَاك وَإِلَّا صدق صَاحب الْيَد بِيَمِينِهِ فِي قدر حق الآخر وَالْيَد بعد التَّخْلِيَة للْمُشْتَرِي
(وَلَا يجوز بيع مَا فِيهِ الرِّبَا) من المطعوم (بِجِنْسِهِ رطبا) بِفَتْح الرَّاء وَلَو فِي الْجَانِبَيْنِ كالرطب بالرطب والحصرم بالحصرم وَاللَّحم بِاللَّحْمِ أَو فِي أَحدهمَا كالرطب بِالتَّمْرِ وَاللَّحم بقديده (إِلَّا اللَّبن) وَمَا شابهه من الْمَائِعَات كالأدهان والخلول
وَاعْلَم أَن كل خلين لَا مَاء فيهمَا واتحد جنسهما اشْترط التَّمَاثُل وَإِلَّا فَلَا وكل خلين فيهمَا مَاء لَا يُبَاع أَحدهمَا بِالْآخرِ إِن كَانَا من جنس وَإِن كَانَا من جِنْسَيْنِ وَقُلْنَا المَاء العذب رِبَوِيّ وَهُوَ الْأَصَح لم يجز وَإِن كَانَ المَاء فِي أَحدهمَا وهما جِنْسَانِ كخل الْعِنَب بخل التَّمْر وخل الرطب بخل الزَّبِيب جَازَ لِأَن المَاء فِي أحد الطَّرفَيْنِ والمماثلة بَين الخلين الْمَذْكُورين غير مُعْتَبرَة
والخلول تتَّخذ غَالِبا من الْعِنَب وَالرّطب وَالزَّبِيب وَالتَّمْر وينتظم من هَذِه الخلول عشر مسَائِل
وَضَابِط ذَلِك أَن تَأْخُذ كل وَاحِد مَعَ نَفسه ثمَّ تَأْخُذهُ مَعَ مَا بعده وَلَا تَأْخُذهُ مَعَ مَا قبله لِأَنَّك قد عددته قبل هَذَا فَلَا تعده مرّة أُخْرَى الأولى بيع خل الْعِنَب بِمثلِهِ
الثَّانِيَة بيع خل الرطب بِمثلِهِ
الثَّالِثَة بيع خل الزَّبِيب بِمثلِهِ
الرَّابِعَة بيع خل التَّمْر بِمثلِهِ
الْخَامِسَة بيع خل الْعِنَب بخل الرطب
السَّادِسَة بيع خل الْعِنَب بخل الزَّبِيب
السَّابِعَة بيع خل الْعِنَب بخل التَّمْر
الثَّامِنَة بيع خل الرطب بخل الزَّبِيب التَّاسِعَة بيع خل الرطب بخل التَّمْر
الْعَاشِرَة بيع خل الزَّبِيب بخل التَّمْر
فَفِي خَمْسَة مِنْهَا يجْزم بِالْجَوَازِ وَفِي خَمْسَة بِالْمَنْعِ
فالخمسة الأولى خل عِنَب بخل عِنَب خل رطب بخل رطب خل رطب بخل عِنَب خل تمر بخل عِنَب خل زبيب بخل رطب والخمسة الثَّانِيَة خل عِنَب بخل زبيب خل رطب بخل تمر خل زبيب بخل زبيب خل تمر بخل تمر خل زبيب بخل تمر
وَيسْتَثْنى الزَّيْتُون أَيْضا فَإِنَّهُ يُبَاع بعضه بِبَعْض إِذْ لَا يجفف وجعلوه حَالَة كَمَال وَكَذَا الْعَرَايَا وَهُوَ بيع الرطب على النّخل خرصا بِتَمْر فِي الأَرْض كَيْلا أَو الْعِنَب على الشّجر خرصا بزبيب فِي الأَرْض كَيْلا فِيمَا دون خَمْسَة أوسق تحديدا بِتَقْدِير الْجَفَاف بِمثلِهِ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أرخص فِي بيع الْعَرَايَا بِخرْصِهَا فِيمَا دون خَمْسَة أوسق أَو فِي خَمْسَة أوسق شكّ دَاوُد بن حُصَيْن أحد رُوَاته فَأخذ الشَّافِعِي بِالْأَقَلِّ فِي أظهر قوليه
وَلَو زَاد على مَا دونهَا فِي صفقتين جَازَ وَيشْتَرط التَّقَابُض بِتَسْلِيم التَّمْر أَو الزَّبِيب إِلَى البَائِع كَيْلا والتخلية فِي رطب النّخل وعنب الْكَرم لِأَنَّهُ مطعوم بمطعوم
وَلَا يجوز بيع مثل الْعَرَايَا فِي بَاقِي الثِّمَار كالخوخ واللوز لِأَنَّهَا مبتورة بالأوراق فَلَا يَتَأَتَّى الْخرص فِيهَا وَلَا يخْتَص بيع الْعَرَايَا بالفقراء لإِطْلَاق أَحَادِيث الرُّخْصَة