الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل فِي الْقَرَاض
وَهُوَ مُشْتَقّ من الْقَرْض وَهُوَ الْقطع
سمي بذلك لِأَن الْمَالِك قطع لِلْعَامِلِ قِطْعَة من مَاله يتَصَرَّف فِيهَا وَقطعَة من الرِّبْح
وَيُسمى أَيْضا مُضَارَبَة ومقارضة
وَالْأَصْل فِيهِ الْإِجْمَاع وَالْحَاجة وَاحْتج لَهُ الْمَاوَرْدِيّ بقوله تَعَالَى {لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تَبْتَغُوا فضلا من ربكُم} وَبِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم ضَارب لِخَدِيجَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا بمالها إِلَى الشَّام وأنفذت مَعَه عَبدهَا ميسرَة
وَحَقِيقَته تَوْكِيل مَالك بِجعْل مَاله بيد آخر ليتجر فِيهِ وَالرِّبْح مُشْتَرك بَينهمَا
القَوْل فِي أَرْكَان الْقَرَاض وأركانه سِتَّة مَالك وعامل وَعمل وَربح وَصِيغَة وَمَال وَيعرف بَعْضهَا من كَلَام المُصَنّف وباقيها من شَرحه
(وللقراض أَرْبَعَة شَرَائِط) الأول (أَن يكون) عقده (على ناض) بِالْمدِّ وَتَشْديد الْمُعْجَمَة وَهُوَ مَا ضرب (من الدَّرَاهِم) الْفضة الْخَالِصَة (و) من (الدَّنَانِير) الْخَالِصَة وَفِي هَذِه إِشَارَة إِلَى أَن شَرط المَال الَّذِي هُوَ أحد الْأَركان أَن يكون نَقْدا خَالِصا وَلَا بُد أَن يكون مَعْلُوما جِنْسا وَقدرا وَصفَة وَأَن يكون معينا بيد الْعَامِل فَلَا يَصح على عرض وَلَو فُلُوسًا وتبرا وحليا وَمَنْفَعَة لِأَن فِي الْقَرَاض إغرارا إِذْ الْعَمَل فِيهِ غير مضبوط وَالرِّبْح غير موثوق بِهِ وَإِنَّمَا جوز للْحَاجة فاختص بِمَا يروج بِكُل حَال وتسهل التِّجَارَة بِهِ
وَلَا على نقد مغشوش وَلَو رائجا لانْتِفَاء خلوصه
نعم إِن كَانَ غشه مُسْتَهْلكا جَازَ قَالَه الْجِرْجَانِيّ
وَلَا على مَجْهُول جِنْسا أَو قدرا أَو صفة وَلَا على غير معِين كَأَن قارضه على مَا فِي الذِّمَّة من دين أَو غَيره
وَكَأن قارضه على إِحْدَى صرتين وَلَو متساويتين وَلَا يَصح بِشَرْط كَون المَال بيد غير الْعَامِل كالمالك ليوفي مِنْهُ ثمن مَا اشْتَرَاهُ الْعَامِل لِأَنَّهُ قد لَا يجده عِنْد الْحَاجة
وَشرط فِي الْمَالِك مَا شَرط فِي مُوكل وَفِي الْعَامِل مَا شَرط فِي وَكيل وهما الركنان الْأَوَّلَانِ لِأَن الْقَرَاض تَوْكِيل وتوكل وَأَن يسْتَقلّ الْعَامِل بِالْعَمَلِ ليتَمَكَّن من الْعَمَل مَتى شَاءَ فَلَا يَصح شَرط عمل غَيره مَعَه لِأَن انقسام الْعَمَل يَقْتَضِي انقسام الْيَد وَيصِح شَرط إِعَانَة مَمْلُوك الْمَالِك مَعَه فِي الْعَمَل وَلَا يَد للمملوك لِأَنَّهُ مَال فَجعل عمله تبعا لِلْمَالِ وَشَرطه أَن يكون مَعْلُوما بِرُؤْيَة أَو وصف وَإِن شرطت نَفَقَته عَلَيْهِ جَازَ
(و) الشَّرْط الثَّانِي (أَن يَأْذَن رب المَال لِلْعَامِلِ فِي التَّصَرُّف) فِي البيع وَالشِّرَاء (مُطلقًا) وَفِي هَذَا إِشَارَة إِلَى الرُّكْن الرَّابِع
وَهُوَ الْعَمَل فشرطه أَن يكون فِي تِجَارَة
وَأَشَارَ بقوله مُطلقًا إِلَى اشْتِرَاط أَن لَا يضيق الْعَمَل على الْعَامِل فَلَا يَصح على شِرَاء بر يطحنه ويخبزه أَو غزل ينسجه ويبيعه لِأَن الطَّحْن وَمَا مَعَه أَعمال لَا تسمى تِجَارَة بل أَعمال مضبوطة يسْتَأْجر عَلَيْهَا وَلَا على شِرَاء مَتَاع معِين كَقَوْلِه وَلَا تشتر إِلَّا هَذِه السّلْعَة لِأَن الْمَقْصُود من العقد حُصُول الرِّبْح وَقد لَا يحصل فِيمَا يُعينهُ فيختل العقد (أَو) أَي لَا يضر فِي العقد إِذْنه (فِيمَا لَا يَنْقَطِع وجوده غَالِبا) كالبر ويضر فِيمَا ينْدر وجوده كالياقوت الْأَحْمَر وَالْخَيْل البلق لحُصُول الْمَقْصُود وَهُوَ الرِّبْح فِي الأول دون الثَّانِي وَلَا يَصح على مُعَاملَة شخص كَقَوْلِه وَلَا تبع إِلَّا لزيد أَو لَا تشتر إِلَّا مِنْهُ
(و) الشَّرْط الثَّالِث وَهُوَ الرُّكْن الْخَامِس (أَن يشْتَرط) الْمَالِك (لَهُ) أَي لِلْعَامِلِ فِي صلب العقد
(جُزْءا) وَلَو قَلِيلا (مَعْلُوما) لَهما (من الرِّبْح) بجزأيه كَنِصْف أَو ثلث فَلَا يَصح الْقَرَاض على أَن لأَحَدهمَا معينا أَو مُبْهما الرِّبْح أَو أَن لغَيْرِهِمَا مِنْهُ شَيْئا لعدم كَونه لَهما
والمشروط لمملوك أَحدهمَا كالمشروط لَهُ فَيصح فِي الثَّانِيَة دون الأولى أَو على أَن لأَحَدهمَا شركَة أَو نَصِيبا فِيهِ للْجَهْل بِحِصَّة الْعَامِل أَو على أَن لأَحَدهمَا عشرَة أَو ربح صنف لعدم الْعلم بالجزئية وَلِأَنَّهُ قد لَا يربح غير الْعشْرَة أَو غير ربح ذَلِك الصِّنْف فيفوز أَحدهمَا بِجَمِيعِ الرِّبْح أَو على أَن للْمَالِك النّصْف مثلا لِأَن الرِّبْح فَائِدَة رَأس المَال فَهُوَ للْمَالِك إِلَّا مَا ينْسب مِنْهُ لِلْعَامِلِ وَلم ينْسب لَهُ شَيْء مِنْهُ بِخِلَاف مَا لَو قَالَ على أَن لِلْعَامِلِ النّصْف مثلا فَيصح وَيكون الْبَاقِي للْمَالِك لِأَنَّهُ بَين مَا لِلْعَامِلِ وَالْبَاقِي للْمَالِك بِحكم الأَصْل
وَصَحَّ فِي قَوْله قارضتك وَالرِّبْح بَيْننَا وَكَانَ نِصْفَيْنِ كَمَا لَو قَالَ هَذِه الدَّار بَين زيد وَعَمْرو
وَشرط فِي الصِّيغَة وَهُوَ الرُّكْن السَّادِس مَا مر فِيهَا فِي البيع بِجَامِع أَن كلا مِنْهُمَا عقد مُعَاوضَة كقارضتك أَو عاملتك فِي كَذَا على أَن الرِّبْح بَيْننَا فَقبل الْعَامِل لفظا
(و) الرَّابِع من الشُّرُوط (أَن لَا يقدر) أَحدهمَا الْعَمَل (بِمدَّة) كَسنة سَوَاء أسكت أم مَنعه التَّصَرُّف أم البيع بعْدهَا أم الشِّرَاء لاحْتِمَال عدم حُصُول الْمَقْصُود وَهُوَ الرِّبْح فِيهَا فَإِن مَنعه الشِّرَاء فَقَط بعد مُدَّة كَقَوْلِه وَلَا تشتر بعد سنة صَحَّ لحُصُول الاسترباح بِالْبيعِ الَّذِي لَهُ فعله بعْدهَا وَمحله كَمَا قَالَ الإِمَام أَن تكون الْمدَّة يَتَأَتَّى فِيهَا الشِّرَاء لغَرَض الرِّبْح بِخِلَاف نَحْو سَاعَة
تَنْبِيه قد علم من امْتنَاع التَّأْقِيت امْتنَاع التَّعْلِيق لِأَن التَّأْقِيت أسهل مِنْهُ بِدَلِيل احْتِمَاله فِي الْإِجَارَة وَالْمُسَاقَاة وَيمْتَنع أَيْضا تَعْلِيق التَّصَرُّف بِخِلَاف الْوكَالَة لمنافاته غَرَض الرِّبْح وَيجوز تعدد كل من الْمَالِك وَالْعَامِل فللمالك أَن يقارض اثْنَيْنِ مُتَفَاضلا
ومتساويا فِي الْمَشْرُوط لَهما من الرِّبْح كَأَن يشرط لأَحَدهمَا ثلث الرِّبْح وَللْآخر الرّبع أَو يشرط لَهما النّصْف بِالسَّوِيَّةِ سَوَاء أشرط على كل مِنْهُمَا مُرَاجعَة الآخر أم لَا ولمالكين أَن يقارضا وَاحِدًا وَيكون الرِّبْح بعد نصيب الْعَامِل بَينهمَا بِحَسب المَال
فَإِذا شرطا لِلْعَامِلِ نصف الرِّبْح وَمَال أَحدهمَا مِائَتَان وَمَال الآخر مائَة قسم النّصْف الآخر أَثلَاثًا فَإِن شرطا غير مَا تَقْتَضِيه النِّسْبَة فسد العقد وَإِن فسد قِرَاض صَحَّ تصرف الْعَامِل للْإِذْن فِيهِ وَالرِّبْح كُله للْمَالِك لِأَنَّهُ نَمَاء ملكه وَعَلِيهِ لِلْعَامِلِ إِن لم يقل وَالرِّبْح لي أُجْرَة مثله لِأَنَّهُ لم يعْمل مجَّانا وَقد فَاتَهُ الْمُسَمّى ويتصرف الْعَامِل وَلَو بِعرْض بمصلحة لِأَن الْعَامِل فِي الْحَقِيقَة وَكيل لَا بِغَبن فَاحش وَلَا بنسيئة بِلَا إِذن
وَلكُل من الْمَالِك وَالْعَامِل رد بِعَيْب إِن فقدت مصلحَة الْإِبْقَاء فَإِن اخْتلفَا عمل بِالْمَصْلَحَةِ فِي ذَلِك وَلَا يُعَامل الْعَامِل الْمَالِك كَأَن يَبِيعهُ شَيْئا من مَال الْقَرَاض لِأَن المَال لَهُ وَلَا يَشْتَرِي بِأَكْثَرَ من مَال الْقَرَاض رَأس مَال وربحا وَلَا يَشْتَرِي زوج الْمَالِك ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى وَلَا من يعْتق عَلَيْهِ لكَونه بعضه بِلَا إِذن مِنْهُ فَإِن فعل ذَلِك بِغَيْر إِذْنه لم يَصح الشِّرَاء فِي غير الأولى وَلَا فِي الزَّائِد فِيهَا لِأَنَّهُ لم يَأْذَن فِي الزَّائِد فِيهَا ولتضرره بانفساخ النِّكَاح وتفويت المَال فِي غَيرهَا إِلَّا إِن اشْترى فِي ذمَّته فَيَقَع لِلْعَامِلِ
وَلَا يُسَافر بِالْمَالِ بِلَا إِذن لما فِيهِ من الْخطر فَإِن أذن لَهُ جَازَ لَكِن لَا يجوز فِي الْبَحْر إِلَّا بِنَصّ عَلَيْهِ وَلَا يمون مِنْهُ نَفسه حضرا وَلَا سفرا وَعَلِيهِ فعل مَا يعْتَاد فعله كطي ثوب وَوزن خَفِيف كذهب
القَوْل فِي ضَمَان مَال الْقَرَاض (وَلَا ضَمَان على الْعَامِل) بِتَلف المَال أَو بعضه لِأَنَّهُ أَمِين فَلَا يضمن (إِلَّا بعدوان) مِنْهُ كتفريط أَو سفر فِي بر أَو بَحر بِغَيْر إِذن وَيقبل قَوْله فِي التّلف إِذا أطلق فَإِن أسْندهُ إِلَى سَبَب فعلى التَّفْصِيل الْآتِي فِي الْوَدِيعَة وَيملك الْعَامِل حِصَّته من الرِّبْح بقسمة لَا بِظُهُور لِأَنَّهُ لَو ملكهَا بالظهور لَكَانَ شَرِيكا فِي المَال فَيكون النَّقْص الْحَاصِل بعد ذَلِك محسوبا عَلَيْهِمَا وَلَيْسَ كَذَلِك لكنه إِنَّمَا يسْتَقرّ ملكه بِالْقِسْمَةِ إِن نض رَأس المَال وَفسخ العقد حَتَّى لَو حصل بعد الْقِسْمَة فَقَط نقص جبر بِالرِّبْحِ الْمَقْسُوم ويستقر ملكه أَيْضا بنضوض المَال وَالْفَسْخ بِلَا قسْمَة وللمالك مَا حصل من مَال قِرَاض كثمر ونتاج وَكسب وَمهر وَغَيرهَا من سَائِر الزَّوَائِد العينية الْحَاصِلَة بِغَيْر تصرف الْعَامِل لِأَنَّهُ لَيْسَ من فَوَائِد التِّجَارَة
(وَإِذا حصل) فِيمَا بِيَدِهِ من المَال (ربح وخسران) بعده بِسَبَب رخص أَو عيب حَادث (جبر الخسران) الْحَاصِل برخص أَو عيب حَادث (بِالرِّبْحِ) لاقْتِضَاء الْعرف ذَلِك
وَكَذَا لَو تلف بعضه بِآفَة سَمَاوِيَّة بعد تصرف الْعَامِل بِبيع أَو شِرَاء قِيَاسا على مَا مر
وَلَو أَخذ الْمَالِك بعضه قبل ظُهُور ربح وخسر رَجَعَ رَأس المَال للْبَاقِي بعد الْمَأْخُوذ أَو أَخذ بعضه بعد ظُهُور ربح فَالْمَال الْمَأْخُوذ ربح