الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة الطبعة الثانية
للأستاذ الدكتور فؤاد حسنين علي
شمس الله
هذا هو الاسم الذي أطلقه مريدو «سيجريد هونكه» عليها بعد أن تقدمت الصفوف وحملت لواء العروبة عاليًا خفاقًا في كل مكان. إن كتابها «فضل العرب على أوربا» أو «شمس الله على الغرب» قد انطلق كالمارد عبر القارات والمحيطات متحديًا أعداء العروبة وخصومها؛ ففتحت له الجامعات أبوبها وحفلت مكتباتها ومكتبات المعاهد والمدارس بالعدد الوفير منه، كما ازدهرت به قصور الملوك ورؤساء الدول ومشايخ الإسلام ورجال الإفتاء، وفاضت الصحافة العالمية في مختلف لغاتها وأوطانها بالحديث عن العرب وفضلهم، وعن حبيبة العرب وعلمها الغزير.
ولم يكتف الكتَّاب بعرض الكتاب ومحتوياته، بل عنوا بتقديم الصور الناطقة لشمس الله في قاعة بحثها، والتي هي عبارة عن متحف عربي يضم الكثير من آثار العروبة وتراثها، وعلى كل قطعة من هذا التراث إهداء عظيم من عظماء العرب ورجالاتهم، وتقع هذه الدار التي أصبحت مزارًا لكثير من رجال السياسة والقلم في شارع «ناهيه فيج رقم 2» في العاصمة المؤقتة لألمانيا. ومن الصور الطريفة أيضًا لشمس الله وهي بين أفراد أسرتها وتضم غير زوجها ابنًا وابنتين، أو هي تعزف على رباب عربي قديم، وقد أهداها إليها حاكم «زاجورا»
ببلاد المغرب أو غيرها من الآلات الموسيقية العربية المختلفة، أو وهي في المطبخ حيث تعد «الكسكسي» أو «المصقعة». وشهرة شمس الله لا تقل أهمية عن رؤساء الجمهورية الألمانية فهي أنى تحل موضع الحفاوة والتكريم. ويدهش «سيجريد هونكه» انتشار كتابها في العالم العربي؛ وذلك لأنها تعتقد أنها لم تضعه للعرب بل للأوروبيين؛ وذلك لأنها كما تقول في صراحة ألمانية:«إن موقف أوربا من العرب منذ نزول الوحي المحمدي موقف عدائي بعيد البعد كله عن الإنصاف والعدالة، والتاريخ وقتذاك كان يملى ويصنع ولم يكن المملي هو الضمير بل التعصب الأعمى. .» وتزداد إعجابًا من كثرة اللغات التي ترجم إليها، فإلى جانب العربية نجده في الفرنسية والإيطالية والتركية والإندونيسية ولغات أخرى كثيرة. والواقع أن كتاب شمس الله من أهم العوامل التي تساعد على بلورة الشخصية العربية وبعثها وحيًا خلاقًا، وقد تنبه زعماء العروبة للمؤلفة فأولوها عنايتهم واهتمامهم فدعوها لزيارة بلادهم سواء في شرق العالم العربي أو غربه.
وإذا ذكرنا «شمس الله» يجب ألا تفوتنا الإشارة إلى زوجها الفاضل الكريم «بييتر شولتزا» أو كما يطلق عليه سكان شمال إفريقيا «الشيخ محمد الطويل» فقد عشق العروبة والعربية في مختلف لهجاتها، وتطوع مشكورًا لتلقين بعض أبناء المسلمين القرآن الكريم في بلاد المغرب، وقد كان وقتذاك من كبار موظفي القنصلية الألمانية العامة في الرباط، حيث تعرف إلى شريكة حياته فالتقى قلبان ينبضان حبًا للعروبة وأبنائها. وهو اليوم ممثل العروبة في إدارة الإعلام الألمانية. وتهوى «شمس الله» إلى جانب التأليف والرحلات في البلاد العربية وبواديها، التصوير السينمائي والإخراج وما سجلته للعرب في كتابها كلامًا مقروءًا أخرجته فيلمًا مصورًا ناطقًا يعرف باسم «على هدى العرب» ولها غير هذا الفيلم أفلام أخرى لكثير من البلاد العربية وهي تعرضها فخورة بمآثر العرب وأياديهم البيضاء على الإنسانية، وحريصة على نعته «تراثنا العربي» تعني ما ورثته أوربا عن العرب.
وصديقة العروبة في السراء مخلصة لها وفيه في الضراء، فهي لم تكد تعلم
بالنكسة التي حلت بنا حتى سارعت وضاعفت من نشاطها فشحذت همم الألمان لمناصرتنا ومديد المساعدة لخلاصنا من كبوتنا؛ فخطبت وكتبت وأذاعت وحشدت خيرة القوم من أصدقاء العروبة من الألمان، وساهمت في إقامة معرض شعاره «الأرض المقدسة العدالة للأردن» يصور حالة اللاجئين العرب، وقد أقيم المعرض في قاعة بيتهوفن الموسيقار الخالد، وكان ذلك في شهر يونية 1968، وأشرفت على تنظيمه جمعية الصداقة الألمانية الأردنية بالتعاون مع مكتب الإعلام والسياحة الأردني في مدينة فرنكفورت.
وشاهد الزائر فيما شاهد صورًا للحرم الشريف في القدس والكنائس في بيت لحم، وألقت «سيجريد هونكه» خطابًا جامعًا استعرضت فيه بطولات العرب وحسن سجاياهم إذ ضربوا المثل الأعلى في المروءة والتسامح، وساقت لذلك مثلًا موقف العرب عند فتح مصر والاستيلاء على الإسكندرية عام 642 م فقد منعوا التخريب أو التدمير وقدموا لرعاياهم الضمان الأكيد لحرية العقيدة وعهدًا نصه:
وأشارت الخطيبة أيضًا إلى الاضطهاد الذي تعرض له اليهود في أسبانيا على يد المسيحيين قبل مجيء العرب الذين حرروهم ومكنوهم من الحياة الإنسانية الكريمة، وبعد ضياع الأندلس. وهذا التسامح ما زال حتى يومنا هذا من أخص سجايا العرب. ثم انتقلت إلى القدس العربية فذكرت تاريخها وما تمتعت به من سلام واستقرار. . هذا إلى توطيد علاقات الود والمحبة بين العرب والقيصر الألماني فريدريش الثاني الذي عشق العروبة والعربية فنظم فيها الشعر وسال قلمه بالنثر
العربي الفني، ونختم خطابها بمقابلة بين الوضع الحالي للأراضي المقدسة ووضعها إبان السيادة العربية.
وفي عام 1964 نشرت «شمس الله» بحثًا طريفًا حول الآداب الشرقية، وقابلت بينها وبين الآداب الأوروبية، وذلك ضمن معجم الناشر فيشر أضافت فيه الشيء الكثير إلى معرفتنا عن العرب وآدابهم.
وأرجو صادقًا لمنصفة العرب وزوجها الكريم حياة علمية طويلة زاخرة بالبحوث الطلية إنصافًا للحق ونصرة للإنسانية. إن شمس الله خير من هذه الجعجعة التي تصم آذاننا ولا نرى طحنًا.