الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وينتمي إلى نفس الأسرة أيضًا علم الفلك
هدفت العصور الوسطى إلى توجيه الأوربيين وجهة خاصة بعيدة عن الاهتمام بالمظاهر الطبيعية والظواهر الفلكية، فقد حولت أنظارهم إلى الله والإيمان به، والاعتقاد في المعبود كان لا يتطلب منهم إلا تحديد مواعيد أعياد الكنيسة، هذه المواعيد التي كانت تتغير من عام إلى آخر. أما الاهتمام بالشمس والقمر والزهرة والمشترى وبعض الكواكب الأخرى وبخاصة المقدسة منها، فقد حرمته الكنيسة على اتباعها اعتقادًا منها أن هذا الاهتمام قد يؤدي بالمسيحيين إلى الانزلاق إلى الوثنيين. أما الذين كانوا يكرسون حياتهم للكنيسة فاكتفوا بزيارة مدارسها التي كانت تعنى بقليل من المعرفة الضحلة التي ورثتها العصور الوسطى من المدارس الرومانية المتأخرة، وإن شخصا مثل «يوردانوس نيموراريوس» أزعج زملاءه الدومينيكانيين لما اعتمد على العلوم العربية التي أخذها عن بني موسى وغيرهم من علماء العرب، وقد اضطرته هذه الحالة إلى الحصول على إذن خاص، وقد منح هذا الإذن له لأنه كان في الواقع رئيس الطائفة وقد منح هذا الإذن له وصدر قرار باستثنائه في الدستور الذي وضع عام 1228، والذي حرم الاتصال بالوثنيين بالرغم من رقيهم وازدهار حضارتهم. وحرم الدستور كذلك على أعضاء الطائفة دراسة فلسفة الوثنيين والفنون الحرة، وذهب الدستور بعيدًا في التحريم فمنع الأعضاء حتى دراسة قواعد الحساب الأولية والتقويم الخاص بتحديد أعياد الكنيسة واستثنى بعض الحالات الفردية.
لكن بالرغم من امتهان الكنيسة للمسلمين الوثنيين في نظرها! ! إلا أن حاجة الكنيسة وأتباعها إلى العلوم والفنون الوثنية اضطرت أولئك المسيحيين إلى الاتصال بالمسلمين، وذلك في حالة ما إذا فات المسئولين المسيحيين رؤية البدر في فصل الربيع. فإذا وقع هذا حار القديس المكلف واضطرب ولا ينقذه من مأزقه هذا إلا إرسال بعثة إلى مسلمي أسبانيا -عبدة الشيطان- حيث يسألهم أعضاء البعثة عن تاريخ أسبوع الآلام وعن ميعاد عيد الفصح أو القيامة.
إن اهتمام أوربا المسيحية بالتأمل في السماء ونجومها وكواكبها كان ضعيفًا جدًا
بل كان المسيحي الأوربي إذا نظر إلى السماء كانت نظرته مشوبة بسوء النية والشك في أولئك الذين يتأملونها فكان الأوربي يرميهم بأقبح التهم والسبب، لكن هذا الموقف العدائي لم يمنع أمثال «جربرت فون أوريلاك» من تحدي أولئك الذي أعمارهم التعصب، وأقبل على علم الفلك دارسًا وباحثًا مع احتفاظه بولائه للقيصر والدولة حتى أصبح «بابا» . والشيء الجدير بالملاحظة والإعجاب والتقدير هو ذلك الأسطرلاب المحفوظ إلى اليوم في فلورنسا والذي كان يستخدمه «جوبرت» عندما أصبح بابا وتسمى باسم «سلفستر الثاني» في روما، وذلك لتعيين ارتفاع الشمس وقوس الليل والنهار، ولذلك أشيع عنه أنه تلقى هذا العلم على شيطان في قرطبة، ومعنى هذه التهمة اللعنة الأبدية للبابا ولعلم الفلك.
وللكنيسة الحق في موقف الحذر الذي تقفه، ففي الكتاب المقدس بعض الآيات التي تشير إلى أشر الأفلاك والكواكب في الكائنات الأرضية وقد حاول رجال الدين قصر هذا الأثر على الحيوانات والنباتات إلا أنه توجد بين الأجرام السماوية أخرى أشمل وأعم مثل: المذنبات، والظلام، وظواهر سماوية أخرى للأمراض والحروب والمصائب، ويجب على الكنيسة أن ترفض رسميًا الاعتقاد في أي أثر للكواكب على الإنسان وإرجاع جميع هذه الآثار إلى الله. لكن الكنيسة لم تنجح في هذا، إذ إن تردد أنصار الكنيسة في موقفهم من أثر السماء في الإنسان أفسح المجال للنجوم والأفلاك وتغلغل أثرها بين القوم.
لذلك ليس بعجيب أن تجد تراجم الجداول الفلكية والتقاويم السنوية والكتب الفلكية التي كانت تصل أوربا عن طريق أسبانيا رواجًا عظيما.
أما الإسلام فلم يهتم كثيرًا بتأويلات النجوم والكواكب، ولا سيما أنه يرفض تقديس النجوم والأفلاك، ويدعو إلى عبادة الواحد الأحد رب العالمين فاطر السماوات والأرض، لذلك حرم الإسلام الاعتقاد في أثر النجوم بالنسبة لطبيعتها، كما حرم الاعتقاد في الأثر المباشر للنجوم أو الصلاة لها.
لكن دراسة الفلك ضرورية فالله جل جلاله حض الإنسان على التأمل في السماء والنظر إليها، فباسم الله درست حركات النجوم وباسمه تعالى يبدأ كل
بحث علمي، وهذه هي الميزة التي تحلى بها العرب وامتازوا على أوربا المسيحية، وهذا هو المستوى العلمي الرفيع الذي حفظهم من التدهور والسقوط في الصوفية؛ لذلك كان علم الفلك أو الاعتقاد في القدر بعيدًا البعد كله عن السحر والشعوذة وما إليهما من الخرافات التي تهدد حياة المسلم العربي، كما نتبين ذلك من مؤلفات العرب الفلكية التي وصلت إلى أوربا. وعلم الفلك العربي أكثر من غيره من سائر العلوم الإسلامية لم يتجه هذا الاتجاه الخاص بتأويل حركات النجوم في العالم الإسلامي إلا بتأثير الفرس فهم واضعو أسسه.
ومعلم أبناء موسى منذ طفولتهم، وهو يحيى بن أبي منصور، كان فارسي المولد وكان كغيره من أبناء جنسه هاويًا دراسة الفلك كما كان منجمًا. والشيء الجدير بالملاحظة أن أبناء موسى الثلاثة لم يأخذوا شيئًا عن هواية هذا المعلم، وعلى النقيض من ذلك كانوا عمليين واقعيين وعلماء ناقدين. فالفارسي يؤمن منذ طفولته بعاملي الخير والشر الناتجين عن النجوم، والفارسي في إيمانه متأثر بتعاليم زرادشت. أما الكواكب ذات الأثر الشرير والشهب فمن خلق إله الشر «أهريمان» وعن طريق مخلوقاته يحاول هذا الإله الشرير نشر الفساد وإحداث الفوضى والاضطرابات في العالم، فهو عن طريق الكواكب السبعة ينشر قوى الشر في الطبيعة حتى تسبب التعاسة وتجلب الشقاء لبني البشر.
والعقيدة البدائية للبابليين في أن النجوم ما هي إلا كتابة سماوية تنسجم وطبيعة آلهتهم الفلكية والعقلية اليونانية المغرمة بالهندسة وقواعدها تنظر إلى الأجرام السماوية نظرة هندسية، وهكذا أخذت هذه الديانة العلمية الوثنية تختفي تدريجيًا تاركة بقاياها في فارس كما اتخذت من أبنائها رسلا.
ففي عام 760 م نجد المنجم الفارسي المتوفى حوالي 777 والمسمى «نوبخت» يزور، مزودًا بهذه المعلومات الكثيرة، قصر الخليفة العربي المنصور، فقد حدث عندما جاء العباسيون للحكم أن انتقل مركز الثقل السياسي للدولة من دمشق، مركز الأسرة الأموية التي جاءت من الصحراء، إلى بغداد حيث يكثر الماء والأراضي الزراعية الخصبة الممتدة على شاطئ النهرين. وقبل الشروع في بنائها
وإرساء أساسها طلب «نوبخت» إلى الخليفة أن يحسب مركز الأفلاك ويختار ساعة سعيدة لبناء المدينة فكلف الخليفة الفارسي «نوبخت» واليهودي «ما شاء الله» رصد هذه الساعة التي يجب أن تولد فيها المدينة، كما طلب إليهما مراعاة مقاييس المدينة التي سميت «بغداد» أي مدينة السلام.
ومن ثم نجد «نوبخت» الفارسي يعين فلكي الخليفة ومستشاره الخاص ومستشار كثيرين ممن جاءوا بعده، ولا غرو في أن يصير أستاذًا لكثير من مفسري الطوالع.
وهكذا نجد الفرس يهتمون بجميع المصادر الفلكية القديمة، سواء كانت هندية أو غير هندية كالبابلية لتويكروس وبيتين، وقد ترجمت جميع هذه المصادر وحفظت في قصور الأمراء العرب، وكان كبير دعاة هذه الحركة والمشجعين لإحيائها العالم «ما شاء الله» الذي ذاع صيته فيما بعد في أوربا.
وقد بلغ علم التنجيم عند العرب شأوّا بعيدًا في الوقت الذي ازدهرت فيه الدراسات الفلكية، وقد تخرج عليهم كثيرون من اليهود والفرس فذاع صيتهم لا في الشرق فقط بل في أوربا أيضًا فنحن نجد من أبناء فارس أبا بكر بن الحاسب وعبد العزيز القبيصي، واشتهر الأول في أوربا تحت اسم «البوباثر» والثاني «الكابيتيوس» ، كما نجد أيضًا اليهودي «سهل بن بشر» الذي عرف في أوربا باسم «سهل» وتلميذ ما شاء الله المسمى «البوهلي» واليهودي الفارسي المشهور «أبو معشر» المتوفى عام 886 م واشتهر في أوربا باسم «البومسر» وكان يعد من بين أعظم منجمي العرب. ويمتاز بأن أحدًا لم يسبقه واهتم بمصدر ووسيلة تدريس هذه المادة اهتماما ملفتا، فقد جمع أبو معشر جميع ما في متناوله وجعل منه خليطًا عجيبًا، كما امتدت يده دون خجل إلى مؤلفات وأعمال الآخرين مثل «سند بن علي» ونسبه إلى نفسه، وبذلك (فقط) استطاع أن يضع كتابًا عظيمًا يتفق وعمره المديد الذي بلغ مائة عام. وكتابه هذا لا تكاد تخلو منه مكتبة أوربا فقد بلغ شهرة لم يبلغها كتاب آخر غيره في أوربا المسيحية، وإن اشتهر بالغموض. وفي حلبة السباق على علم التنجيم نجد عربيًا ممتازًا ألا وهو الفيلسوف الكندي الذي وضع كتابًا حول التنبؤ بالطقس، وهذا هو الموضوع الذي
اهتم به العرب أيضًا، ومنذ العصر الجاهلي، وبذلك اكتسب الكندي المنجم شهرة عظيمة. فهذا العربي الجنوبي والذي ينتسب إلى قبيلة كندة اليمنية الملكية وهو أحد أفراد بيت أمراء البحرين لم ينج من حسد وحقد بعض معاصريه ومن بينهم بنو موسى، فقد كرهوه وحقدوا عليه حتى قامت بينهم وبينه مشادة؛ لأن خصومه استغلوا حالة التزمت الديني التي كانت متفشية وقتذاك، كما استغلوا وفاة المأمون الذي اشتهر بسعة الأفق ورحابة الصدر، استغل بنو موسى كل هذه الظروف ووضعوا يدهم على مكتبة الكندي ونقلوها من داره. وحدث في ذلك العصر أن الخليفة المتوكل أمر محمدًا وأحمد نجلي موسى بحفر قناة على دجلة فكلف الأخوان المهندس الفرغاني الذي عرفناه في مصر عند مقياس النيل، وأبلى بلاءً حسنًا واشتهر في أوربا باسم «الفراجانوس» بتنفيذ هذا المشروع. لكن المقاول المطالب بالتنفيذ ارتكب خطأ شنيعًا، فقد حفر القناة وجعلها أكثر ارتفاعًا من مصبه في دجلة حتى إنه عند انخفاض منسوب المياه لا يجري الماء وحاول ابنا موسى إصلاح الخطأ فعجزا فثار الخليفة الذي كلفه هذا المشروع مالًا كثيرًا على ابني موسى وأمر بإحضارهما، وكلف الفلكي اليهودي والمنجم «سند بن علي» الحضور وفحص الخطأ، فإذا ثبت أن ابني موسى هما سبب هذا الخطأ أمر الخليفة بصلبهما على شاطئ القناة، ومما زاد الطين بلة أن هذا اليهودي الحكم كان عدوًا لدودًا لبني موسى وللكندي، والشيء الجدير بالذكر أن اليهودي «سند بن علي» هو بعينه الذي سطا عليه اليهودي أبو معشر وسرق كتابه ونسبه إلى نفسه.
فلم يبق أمام ابني موسى وهما في هذا الوضع السيئ إلا أن يرجوا اليهودي إنقاذ حياتهما وأن يغفر لهما خطاياهما معه، ولكن «سند بن علي» استغل هذه الفرصة وطلب إليهما قبل كل شيء تسليم الكندي كتبه، وبعد ذلك يفكر في معاونتهما. وهنا نجد محمدًا للمرة الثانية وهو في هذا المركز الحرج يضحي بكرامته ويقدم للكندي مكتبته ومعه مستند خطي من الكندي يثبت تسوية المسألة بينهما، وبعد ذلك فقط دبر اليهودي «سند بن علي» الأمر واحتال حيلة جيدة فأخبر الأخوين أنه مسرور برد المكتبة إلى الكندي. وأنه الآن على استعداد لإحاطتهما علمًا برأيه في موضوع القناة وما بها من خطأ. الواقع أن هذا الخطأ لا يمكن الاهتداء إليه ومعرفته
طيلة الشهور الأربعة التالية وذلك لأن فيضان نهر دجلة وزيادة مائة يخفي هذا الخطأ. وهناك تقويم لبعض المنجمين يقرر أن أمير المؤمنين لن يعيش حتى ذلك الحين لذلك إنقاذَا لحياتكما سأخبره أن أحدًا منكما لم يرتكب خطأ، فإذا صدق المنجمون نجونا نحن الثلاثة وإذا كذبوا وعاش الخليفة وجاءت المدة التي يتناقص فيها الماء فسنموت نحن الثلاثة. وحدث أن قتل الخليفة بعد شهرين ونجا الثلاثة المتآمرين.
وكيف لا يثق «سند بن علي» وهو المنجم المشهور في أقوال المنجمين؟
وفي هذه الحالة صدق المنجمون إذ تنبأوا بالحظ والسعادة كما حقق القاتل نبوءتهم، لكن كثيرًا ما يكذبون ويستحقون سخرية العلماء، فقد حدث أن تنبأوا بالشقاء والبؤس الذي يشير إليه التقاء الكواكب في برج الميزان عام 1186 م، كما لم تقع الثورات التي قالوا بها، والتي ستنتج عنها الحروب والكوارث الجوية. أما وقوع الموت المفاجئ بسبب القتل فهذه مسألة أخرى. . .
وقد سبب سوء استعمال الجهلاء للعلوم كثيرًا من الأذى والامتهان والحط من قدرهم وقدر العلم، لذلك هاجم أمثال البيروني أولئك الأفاكين بألفاظ قاسية واتهمهم بأنهم الدخلاء على علوم الفلك والتنجيم، وبخاصة تصرفات أمثال أبي معشر الخاطئة، كما انتقد جرأة أولئك الجهلاء الذين لا يؤثرون إلا في أمثالهم.
وهاجم الزركلي المنجمين بحرارة وشاركه في ذلك الشاعر «السيمري» ، فقد وضع كتابًا في نقض أقوال المنجمين، وكتب يوسف الهروي في «خدع التنجيم» ، وابن سينا الذي هو صديق حميم للبيروني والفارسي الأصل والعالم الفيلسوف طالب بإلغاء ومنع وتفسير سير النجوم. وكان من نتيجة هذا الهجوم أن اختفى عدد كبير من زعماء المنجمين المشعوذين الأدعياء، وبخاصة عندما تشعبت علوم الفلك والتنجيم فذهب الزبد وبقي ما ينفع الناس، واستطاع المنجمون العرب الوقوف على أقدامهم ولم يمض زمن طويل حتى أخذ التنجيم يتنقل من التجار في الشوارع مقدمًا لهواة الحساب الفرصة الكاملة للاهتمام بالأعداد والقيام بعملية حساب الجداول الخالية من الحساب والتقاويم السنوية الضرورية لعملية التنبؤات، وعاون المنجمين على ذلك ارتفاع مستواهم في الرياضة والحساب وبخاصة في حساب
المثلثات الكروية ومفرداتها الدقيقة التي تتطلب الدقة والمهارة الحسابية. ومن هنا نفهم سر استعانة علم الفلك العربي بجداول علم التنجيم واعتمادًا عليها تفوقت على ما وصل إليه البابليون في التنجيم، وكذلك الهنود واليونان.
وهذا التفوق في التنجيم كان الناحية الوحيدة التي انفرد بها العرب في بلادهم العربية، ما لم يعتقد الإنسان في الاستفادة من الديانات الفلكية السابقة.
وقد أثر العرب عن طريق الفلك والتنجيم في أوربا أثرًا بعيدًا وساعدهم على هذا جهل رجال الكنيسة ورهبان المسيحية الذين كانوا يحتكرون التنجيم، بالرغم من تفاهة معلوماتهم فيه وعوضًا عن مناقشتهم هذه التعاليم وتلك النظريات أخذوا ينظرون وكأنها تأويل للنجوم وطوالعها، ومن هذه الناحية وجد علم الفلك طريقه إلى أوربا والأوربيين، وعاون على ذلك آلات الرصد التي أقامها الفلكي الدينماركي «تيشو براها» (1546 - 1601) في مرصده، وعاون على هذا أيادي الملك البيضاء التي أمدت المرصد بكثير من الأجهزة النافعة رغبة منه في الحصول على التنبؤات الدقيقة الخاصة بالتقلبات السياسية التي قد تتعرض لها مملكته والعمل على تجنبها.
ولم يقف علم التنجيم عند الأمراء ومن في منزلتهم بل تعدادها إلى الباباوات، فقد أسس «ليو العاشر» كرسيًا لتفسير طوالع النجوم في جامعة روما، كما نجد منجمين باباويين يعينون ليوليوس الثاني يوم وساعة تتويج البابا له كما يحددون وقت انعقاد مجلس البابا والكرادلة لبولس الرابع. وهكذا نجد علمي الفلك والتنجيم يسيران معًا زمنًا طويلًا، فقد ترجم «ميلنشتون» رسائل التنجيم لبطليموس، كما ألقى في «فيتنبرج» محاضرات حول تأويل مطالع النجوم وحركاتها، واستهل «تيشو براها» سلسة محاضراته في جامعة كوبنهاجن بالحديث عن التنجيم فكانت هذه المحاضرة اعترافًا صريحًا منه بهذا العلم. وتكسب كل من «جليلي» (1564 - 1642 م) و «كبلر» (1571 - 1630 م) قوتهما اليومي عن طريق التنجيم، ولو أنهما كان يدركان أن الذي ينتظر الإجابة منهما على أسئلته إنما هي صادرة من الكواكب فقط وبدون إرادة وأخلاق الإنسان الذي فقد ذكاءه الذي منحه
الله إياه، واعتقد كلا العالمين أن الحياة تتطلب منهما شيئًا من اللباقة استرضاء للجهلاء وكسبًا لعطفهم. نعم إن علم التنجيم علم جنوني كما قال «كبلر» وكما صاح:«أيها الإله العظيم أين أراد علم الفلك العظيم الحياة ما لم يرزق التنجيم؟ إن العالم أجن من المجانين وعلماء الفلك كادوا يموتون جوعًا لولا أن أرسل الله لهم هذا العلم الجنوني علم التنجيم» . وكما هاجم البيروني وابن سينا شعوذة المنجمين، كذلك فعل مارتين لوثر إذ صب جام غضبه على هؤلاء الأفاكين، وقال إن التنجيم ليس علمًا ولا يمكن للإنسان أن يعتمد عليه.
وتجريد الأرض من مكانتها الممتازة في الكون بواسطة آراء ونظريات «كوبير نيكوس» قضى على أواصر القرابة بين الفلك والتنجيم، ولو أن العلوم الحديثة بعثت التنجيم من جديد وأجلسته على قارعة الطريق كما جلس من قبل عشرات القرون. أما الفلك فقد أخذ يرقى ويتبوأ مكانًا رفيعًا لم يبلغه من قبل، وسواء علم الفلك أو علم التنجيم فإنهما ما يبلغا ما بلغا دون فضل العرب عليهما ثقافيًا وعليمًا.