المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌البابا يمارس الحساب العربي - شمس الله تشرق على الغرب = فضل العرب على أوروبا

[زيغريد هونكه]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌شمس الله

- ‌مقدمة المؤلفة

- ‌مقدمة المترجم

- ‌الكتاب الأولالبهار اليومي

- ‌أسماء عربية لمنح عربية

- ‌أوربا تقاسي الحرمان لموقفها السلبي من التجارة العالمية

- ‌البندقية تحطم الحصار

- ‌في مدرسة العرب

- ‌الكتاب الثانيالكتابة العالمية للأعداد

- ‌ميراث هندي

- ‌البابا يمارس الحساب العربي

- ‌تاجر يعلم أوربا

- ‌حرب الأعداد

- ‌الكتاب الثالثالأبناء الثلاثة لموسى الفلكي

- ‌الابن الأول صانع الآلات

- ‌الابن الثاني لموسى «الفلكي»

- ‌الابن الثالث الرياضي

- ‌وينتمي إلى نفس الأسرة أيضًا علم الفلك

- ‌الكتاب الرابعالأيادي الشافية

- ‌الشفاء العجيب عند الإفرنج

- ‌مستشفيات وأطباء لم ير العالم نظيرهم

- ‌أحد نوابغ الطب العالميين في مختلف العصور

- ‌قيود الماضي

- ‌يقظة أوربا

- ‌قال ابن سينا

- ‌أنصاب العبقرية العربية

- ‌الكتاب الخامسسيوف العقل

- ‌المعجزة العربية

- ‌أوربا تائهة في دياجير الظلام

- ‌شعار المنتصر

- ‌عملية إنقاذات قيمة تاريخية

- ‌الترجمة مجهود ثقافي

- ‌ولع بالكتب

- ‌شعب يدرس

- ‌الكتاب السادسموحد الشرق والغرب

- ‌دولة النورمان .. دولة بين عالمين

- ‌كانوا أعداء فألف بينهم

- ‌سلطان لوكيرا

- ‌على الأسس العربية

- ‌محادثات على الحدود

- ‌ميلاد نظرة جديدة للعالم

- ‌الكتاب السابعالفنون العربية الأندلسية

- ‌الصور الأولى للعبارة الألمانية «السيدة المحترمة»

- ‌إن العالم شيد لي مسجداً

- ‌الموسيقى تساير الحياة

- ‌زخرف العالم الوضاء

- ‌شعب من الشعراء

- ‌المسالك في أوربا

- ‌الخاتمة

- ‌تعليقات المترجم

- ‌قرتمن

- ‌قرنفل

- ‌جوز الطيب

- ‌برسيفال

- ‌قهوة

- ‌مات

- ‌الشك

- ‌الصفة

- ‌مطرح

- ‌قرمزي

- ‌قناد

- ‌مستقة

- ‌قطنية

- ‌طاسه

- ‌سكر

- ‌غرافة

- ‌ليمون

- ‌الكحول

- ‌برقوق

- ‌البنان

- ‌شربات

- ‌نارنج - أورنج

- ‌الخرشوف

- ‌برد

- ‌أرز

- ‌سبانخ

- ‌القرفة

- ‌العرق

- ‌مخا

- ‌ديوان

- ‌تسفتشجين

- ‌بيج أرمودي

- ‌عثماني

- ‌قبة

- ‌شطرنج

- ‌شيكيش

- ‌قفة

- ‌صفى

- ‌جدامس

- ‌جلا

- ‌بركان

- ‌قطن

- ‌موصلي

- ‌مخير

- ‌الشف

- ‌زيتوني

- ‌تفت

- ‌أطلس

- ‌الدمشقي

- ‌زعفراني

- ‌ليلا

- ‌ترياق. درياق

- ‌جنزبيل. زنجبيل

- ‌كمون

- ‌زعفران

- ‌كافور

- ‌بنزين

- ‌قلى

- ‌نطرون

- ‌صداع

- ‌بورق

- ‌سكرين

- ‌عنبر

- ‌لك

- ‌النيلة

- ‌قز

- ‌طلق

- ‌بطن

- ‌خلنجان

- ‌مر

- ‌سمسار

- ‌جبة

- ‌داو

- ‌دنجية

- ‌قربلة

- ‌فلوكة

- ‌ميزان

- ‌الحبل

- ‌دار الصناعة

- ‌أمير البحر

- ‌قلفاط

- ‌عوارية

- ‌كبر. كبار. قبار

- ‌ياسمين

- ‌ورد

- ‌خيرى البر

- ‌أسليح

- ‌فورسيسيا

- ‌بلد شين

- ‌بلوزه

- ‌جبة

الفصل: ‌البابا يمارس الحساب العربي

‌البابا يمارس الحساب العربي

وحدث عام 1945 م أن عثر رهبان دير في «أوفرني» أمام باب الدير على طفل حديث الولادة ملفوف في قطعة من القماش ولا يعرف أحد والديه؛ فأخذه الرهبان وتولوه بعنايتهم وأسموه «جربرت» فنشأ تحت رعاية الدير حتى كبر وترعرع في الدير المسمى «أوريلاك» . وحدث لما بل العشرين أن زار الدير المارك جراف «بوريل» البرشلوني فلفت نظره ذكاء جربرت، وصرح رئيس الدير له بمرافقة الجراب إلى بلده الواقع على الجانب الآخر من جبال البرنات.

والجدير بالذكر أن هذا المارك جراف الأسباني كان كغيره من أمراء الأسبان قد غامر أكثر من مرة في حرب ضد أمراء العرب وخرج منها جميعها مهزومًا ومدحورًا، وانتهى أمره كما انتهى أمر سائر الأمراء المسيحيين الذين سلكوا مسلكه أمثال أمراء:«كستيليا» و «ليونز» و «نافاراس» ، واضطر الجراف كما اضطر أولئك إلى إرسال رسل إلى أمراء المسلمين في قرطبة طالبًا الصلح.

وشارك الأمراء المسيحيين سوء العاقبة الأسقف «هتو» معلم «جربرت» ؛ فقد أصابه ما أصاب غيره من ويلات الحروب فاضطر أن يخنع ذليلًا حقيرًا أمام «الحكم» الثاني واضطر نيابة عن سيده أن يرجو الخليفة هدم جميع الحصون والقلاع القائمة على الحدود الأندلسية، وبهر «هتو» ما شاهده من أبهة وعظمة القصر الملكي الذي يكاد يشبه قصور القصص؛ لذلك طالما ألح «جربرت» على «هنتو» أن يقص عليه من أخبار المسلمين وحياة هذا الأمير المسلم الذي لم يكن عالمًا فحسب بل كان أيضًا محاربًا جبارًا ومؤرخًا عظيمًا. ولم يبخل هذا العالم الكهنوتي على «جربرت»

ص: 73

بمعلوماته التي جمعها عن الحياة الإسلامية والعلماء المسلمين والشعراء وغيرهم الذين كانوا كالسوار حول معصم الحكم، كما حدثه أيضًا عن أعيان المسيحيين الذين كانوا يقطنون قرطبة، هذه المدينة العظيمة وكيف أن المسيحيين هناك كانوا يتمتعون بكيانهم التشريعي، فلهم رئيسهم الديني وقاضي القضاة، وكانوا جميعهم يتزيون ويتكلمون مثل العرب ويتمتعون بكل الحقوق التي يمارسها العربي كما فتحت أمامهم دور العلم فاغترفوا منها ما شاءوا من رياضيات وطبيعيات، وكان حظهم من هذه الثقافة لا يقل عن حظ أساتذة الجامعات الإسلامية.

وهكذا نجد «جربرت» يقبل على الأسقف «هتو» ويروي ظمأه العلمي مما اغترفه هذا الأسقف من ينابيع المعرفة العربية الإسلامية فحصل على يديه الكثير، وبخاصة الرياضيات والفلك ومعلومات أرى لا يعرفها أحد في بلده، أعني الأعداد العربية.

وفي عام 971 م وافق «جلبرت» المارك جراف الأسقف إلى روما حيث تمت هناك المقابلة التي تعرف فيها على أسرة القيصر الألماني «أوتو» العظيم وحرمه القيصرة «أدلهيد» وابنها وكذلك الحفيد، فاتخذ أوتو الثالث من هذا المعلم العجيب أستاذًا له ومستشاره الخاص في القصر القيصري كما جعله كبير أساقفة «رافينا» . وفي عام 999 م عينه تحت اسم «سيلفستر» الثاني خلفًا لبطرس فكان هذا الرقي المفاجئ معجزة العصر ولغزًا للأحداث التي وقعت وقت ذاك.

فشخصية الرجل ومعرفته أثارت إعجاب معاصريه، فقد استعان بالعلوم الإسلامية الشيطانية «كذا» للتدخل في علم الله ومخلوقاته؛ لذلك بدا هذا العالم أمام هؤلاء القوم سرًا غامضًا وساحرًا كبيرًا، فقد بلغ ما بلغ من علوم ومعرفة عن طريق العرب فقط ومن سوى العرب كان يهيمن على هذه العلوم وتلك المعارف غير المسيحية؟ فقد كان «جربرت» يسترق الزمن ليهرب من الدير خفية إلى أسبانيا -هكذا تحدثنا القصة- راغبًا في دراسة الفلك وغيره من العلوم على يد العلماء المسلمين. فهناك تعلم السحر وإحضار الجان الأسود من جهنم وغيرها وكذلك سائر الكائنات الضارة والنافعة، وفي أسبانيا أيضًا حصل عن طريق حيلة من الحيل من ساحر عجوز على كتاب في السحر كان الشيخ يحافظ عليه ويعني به كثيرًا، فما

ص: 74

كان من «جربرت» إلا أن وهب نفسه للشيطان حتى لا يستطيع الساحر العجوز أن يصيبه بأذى انتقامًا منه، واعتقد «جربرت» بحصوله على هذا الكتاب أنه ربح شيئًا كبيرًا من أعداء المسيحية.

و«جربرت» هو أول أوربي استخدم الإشارات التسع التي تعلمها على الحدود الإسبانية. وفيما يتعلق بطريقة الحساب اليونانية والرومانية وهي الطريقة الابتدائية المعرفة باسم «أباكوس» والتي هي عبارة عن لوح خاص للحساب فقد ترك «جربرت» القوم وشأنهم يفعلون ما يشاءون. وإطار الحساب هذا كان مقسمًا بخطوط عمودية تقسم الإطار إلى خانات للآحادث والعشرات والمئات وهلَّم جرا. وفي هذه الخانات كانت توجد علامات للحساب من الحجر والزجاج أو المعدن حسب عدد الآحاد والعشرات والمئات وعن طريقها يستطيع الإنسان الجمع والطرح، والشخص الماهر في الجمع يستطيع عن طريقها الضرب أيضًا، وذلك أنه عن طريق تكرار عمليات الجمع يصل إلى العدد النهائي. لكن الشخص الذي كان يستصعب هذه الطريقة في استطاعته أن يقرأ واحدًا وواحدًا وواحدًا في واحد في الجداول الجاهزة.

لكن ما الداعي إلى كثرة أكوام الأحجار هذه والتي يجب أن تحصى أحجار كل كومة على حدة علاوة على ما في الطريقة من تعب؟ أما إذا رسم الإنسان في خانات الحساب الأعداد الجديدة فيكفي أن ينظر إلى خانات الآحاد ليجد (5)، وفي خانة العشرات (6) فيقرأ في يسر (65).

وطلب «جربرت» إلى أحد صانعي التروس أن يصنع له لوح حساب من الجلد وكلفه، كما جرت العادة. أن يعبر في الخانات الدالة على الآحاد والعشرات والمئات على الأعداد الراسية بالإشارات الرومانية الدالة على (واحد) و (عشرة) و (مائة) أعني (I و × و C). أما الإشارات الدالة على الألف فقد طلب إليه أن ينحتها من القرن ورسم عليها إشارات جميلة جدًا وجديدة لم يرها أحد من قبل.

وكما أن هذه الإشارات كانت عجيبة في أشكالها كذلك كانت في أسمائها حتى إن «جربرت» نفسه لم يذكرها.

ص: 75

ومن حسن الحظ أن أسماء هذه الإشارات جاءتنا في مخطوطة متأخرة ترجع إلى القرن الثاني عشر «رودولف فون لاون» وهي كالآتي:

1 = (ايجين) و 2 = (أندرس) و 3 = (أورميس) و 4 = (أربس) و 5 = (كويماس) و 6 = (كلكتيس) و 7 = (زينيس) و 8 = (تمنياس) و 9 = (زيلنتيس).

ويلاحظ أن اللفظ الدال على العدد (4) هو العربي (أربعة)، كما أن (5) هي (خمسة)، وكذلك (سبعة) و (ثمانية).

ومجرد النظر إلى هذه الألفاظ العجيبة فعلا يطلعنا على مدى التحريف الذي طرأ على أسمائها العربية، فقد شوهت حذفًا وتغييرًا فنسب أصولها إلى أنها انحدرت عن الكلدانية مما سبب للعلماء المتأخرين كثيرًا من الاضطراب. وظل الأمر كذلك حتى أدرك نفر من العلماء أن كثيرًا من المواد التي ترجع إلى بلاد العرب البعيدة قد نسبها القوم خطأ إلى الكلدانيين والألفاظ الدالة عليها كلدانية.

ويذهب «رودولف» بعيدًا وينسب إلى الكلدانيين خطأ اختراعهم للطريقة الابتدائية للحساب والمعروف باسم «أباكوس» .

ولم يقف الأثر العربي عند الإشارات الدالة على الحساب الهندي بل أعطى أوربا أيضًا الطريقة العربية لكتابتها، أعني من اليمين إلى اليسار شأن العرب في كتابتها شأنهم في الكتابة العربية. ويذهب «رودولف» بعيدًا فيذكر عند الحديث عن جدول حسابه الخطأ الذي تردى فيه المخترعون إذ هم يكتبون من اليمين إلى اليسار، وأنهم لهذا السبب كثيرًا ما وقعوا في أخطاء كثيرة.

وهناك تلميذ لرودولف يدعى «برنليوس» وقد نشر مخطوطة أستاذه الخاصة بالحساب وجدوله، كما ألف كتابًا حول الطريقة البدائية «أباكوس» ، وهو يشرح كيف أن الإشارات التسع الجديدة للأعداد لم تنتشر خارج محيط العلماء ولم تجد طريقها إلى الشعب. فالإنسان لا يستطيع استخدامها لا في الكتابة ولا في الحساب. وقد نسخ «برنليوس» الأعداد العربية الموضوعة على الخانات الحسابية

ص: 76

فوق «أباكوس» إلا أنه في الأمثلة الحسابية التي ذكرها في كتابه وجد من الضروري استخدام الأعداد الرومانية؛ وعلة هذا أن «جربرت» لم يعرف «الصفر» . ففي جدول الحساب عند كتابة العدد (1002) تظل خانات العشرات والمئات خالية وعندما تنقصها أحجار الحساب لا يبقع الإنسان في الخطأ حسب الطريقة الرومانية ويقرأها (1002) لكن ترك خانات العشرات والمئات بدون صفر يجعل كتابته مستحيلة، وبدون معرفة الصفر ما كان في استطاعته «جربرت» وتلاميذه فهم الطريقة الجديدة لكتابة الحساب، وكانت هذه هي الصعوبة الأولى التي اعترضته ووقفت حجرًا في طريقه وفي تطور هذه الكتابة واستخدامها. فما أشبه التمثيلية القصيرة وهي على مسرح الحساب الروماني بفرقة أجنبية تفرض عليها تمثيلية بعينها أجنبية عليها فهي لا بد فاشلة في أدائها.

والشيء الجدير بالذكر أن «جربرت» والذين تخرجوا عليه أخذوا يقومون بدعاية قوية للتفكير الرياضي محاولين نشر حساب العمد فوق الأباكوس الروماني؛ لذلك عرفوا باسم «أبا كوسيين» . أما الأعداد الأجنبية التي حاول «جربرت» نشرها فلم تتعد دائرة العلماء فقط، لذلك ظلت سيادة الأعداد الرومانية قائمة، وبعد قرن من ذلك التاريخ نشبت معركة بين الأباكوسيين أي العموديين والخوارزميين الذين كانوا في تلك الفترة قد تدربوا على طريقة الحساب الجديدة وهي (2 في 5)، وقد انتهت هذه المعركة بفضل العموديين.

لكن كيف فات «جربرت» عند دراسته على الحدود الأسبانية إدراك الإشارة العددية العاشرة أعني «صفر» ؟

والواقع أن الصفر لم يكن في عصره معروفًا في غرب العالم الإسلامي فالأندلسيون كانوا يكتبون أعدادًا مركبة من أكثر من أحاد، وذلك بوضع نقطة أو أكثر على العدد الدال على الآحاد أو العشرات أو المئات وهلمَّ جرًا، وبهذه الطريقة فقط كانوا يتغلبون على الصفر، وعندما تعلموا عن العرب الشرقيين طريقة الخانات أضافوا إليها الصفر، أعني أضافوه إلى طريقتهم القديمة التي كانوا يستخدمونها.

أما كتابتهم الصفرية فإننا نعلم أن الإشارات العددية التي أخذها «جربرت» عن

ص: 77

العرب الغربيين، فقد كانت أقدم من الإشارة العاشرة التي جاء بها الخوارزمي وتختلف جزئيًا من ناحية الشكل عن تلك التي كانت مستعملة في شرق العالم الإسلامي وقبل مجيء الفلكي الهندي «كنكاه» إلى بغداد حيث أحضر الأعداد الهندية العشرة كانت الإشارات التسع والتي كانت تعرف باسم أعداد جوبار، قد جاء بها غالبًا تجار من الهند إلى الإسكندرية ومنها انتقلت إلى غرب البحر الأبيض المتوسط.

والآن نتساءل: متى حدث هذا؟ ولماذا تنقص هذه الإشارات العددية تلك الإشارات الدالة على الصفر؟ هل جاء بها العرب إلى أسبانيا وبصورتها الأصلية، هذه الصورة التي عرفها بها «سفيروس سابوكيت» ؟ أو أن الصفر لم يدرك قيمته ووظيفته أولئك الأجانب الذين أخذوا الإشارات العددية؛ لذلك ضاعت تلك الإشارة الدالة على الصفر وضاع معها مدلولها؟ إن شر عدم وجود الصفر ما زال إلى اليوم غامضًا.

واختلاف هذه الإشارات العددية لم يكن مقصورًا على العالم العربي فقط، فالهند وطن هذه الإشارات لو توحدها، فهناك خلاف في أشكال الحروف الكتابية كما نجد فروقًا بين الإشارات الدالة على الأعداد حسب الزمان والمكان، وهذه الحقيقة نعرفها عن الرياضي العربي البيروني (973 - 1048 م) وقد كان معاصرًا ل «جربرت» . والبيوني كما نعلم من تاريخ حياته كان هاويًا الأسفار وخاصة إلى الهند؛ لذلك ألمَّ بلغاتها وعلومها، وهو يذكر أن العرب أخذوا عن الهند الأعداد التي توافقهم فقط غير مكترثين بأشكالها طالما يدرك الإنسان القيمة الذاتية للإشارة العددية.

ويذكر الخوارزمي أيضًا بهذه المناسبة أن العرب كانوا يستخدمون نوعين من الإشارات العددية الهندية فالإشارات الدالة على الأعداد (5) و (6) و (7) و (8) تختلف في كتابتها عن أخرى، ثم يضيف قائلًا: ولا توجد فيها صعوبات.

وحتى يومنا هذا تجد كتابة الأعداد في شرق العالم العربي تختلف عنها في سائر الأقطار العربية الأخرى. أما الطريقة المتبعة في غرب العالم العربي فقد اندثرت بعد أن قدمت لأوربا النماذج المعروفة التي تستخدمها اليوم في: الأعداد العربية.

و«جربرت» صاحب فضل عظيم على الأوربيين فهو أول من هداهم إلى الأعداد

ص: 78

العربية ولو أن شهرته أخذت تتوارى تدريجيًا مدة تبلغ نحو ثمانية قرون؛ وذلك بسبب كتابة «الهندسة المنسوب إلى بوتيوس» وكان مثار إشكالات عديدة حتى إنه لو صدر اليوم لكان موضوع قضية أمام المحاكم، ومن حسن حظ أن «ألكسندر فون هومبولدت» هو العالم الذي يرجع إليه الفضل في تقدير هذا الكتاب من الناحية العلمية. وينسب للمؤلف «بوتيوس» كتاب في الحساب مقتبس من كتاب «نيكوماخوس» ، وقد كان كتاب «بوتيوس» في الحساب هو السبب في الغض من منزلة «جربرت» وفضله العلمي في إدخال الإشارات التسع الدالة على الأعداد الهندية بينما يعتقد العلماء أن «بوتيوس» في كتابه قد استخدم نفس الإشارات؛ مما يفيد أن أوربا عرفت هذه الإشارات إبان حياة «بوتيوس» ، أعني في القرن الخامس الميلادي إبان حكم «ثيودريش» لإيطاليا، والنتيجة الثانية لانتشار هذا الرأي الخاطئ أن أوربا المسيحية عرفت الأعداد الهندية قبل العرب بزمن بعيد ثم حدث أن نسيتها أوربا حتى أعادها العرب إلى الأوربيين في القرن الحادي عشر. والواقع أن هذا الرأي الثوري القائل بأن «بوتيوس» كان محيطًا بالأعداد الهندية قد فسرها «هومبولدت» في «كوزموس ج 2 ص 263» تفسيرًا آخر وهو احتمال ظهور نظام الأعداد الهندية في موضعين في العالم، وفي كل موضع مستقل عن الآخر، أعني ظهر في الشرق وفي الغرب. لكن جميع هذه الاحتمالات قد ذهبت أدراج الرياح فالكتاب المعروف باسم هندسة بوتيوس ثبت أنه مزور وليس صحيحًا، إذ إنه يرجع في الواقع إلى القرن الحادي عشر الميلادي وليس إلى الخامس وكان يظهر كما لو أنه من تأليف عالم روماني، وأن المؤلف أغفل ذكر مراجعه، وأن هذه المراجع ترجع إلى عصر متفاوتة في القدم، ومن بينها مؤلفات «جربرت» ، وعنه أخذ قواعد القسمة ومعلومات أخرى عن الأعداد العربية.

وتتصل معرفة العرب بالأعداد وكتابتها اتصالا وثيقا بثلاثة أسماء: «سيفيروس سابوخت» و «براهما جوبتا» والخوارزمي وقد ارتبطت بهذه الأسماء الثلاثة من أوربا، وإنها لظاهرة عجيبة حقا أن نلحظ أن الأعداد الهندية في طريقها إلى غزو العالم اعتمدت على ثلاث محطات في العالم العربي، ونفس الظاهرة وقعت أيضًا في أوربا فحتى في هذه الظاهرة قلدت أوربا العرب.

ص: 79

فأول مدرسة أوروبية هي تلك التي تتمثل في «جربرت» معلم مدرسة «ريمس» والأستاذ البابوي للرياضة، فهو من هذه الناحية يشبه تمامًا «سيفيروس سابوخت» وهو فيما يعتقد أول من نقل إلى العرب الإشارات الحسابية الهندية التسع، إذ كان إلى جانب وظيفته اللاهوتية رئيسًا لمدرسة الدير الواقعة على الفرات. ويتفق «جربرت» مع «سفيروس» في أن كلا منهما كان يجهل الإشارة الدالة على الصفر.

ويتفق الأوربيون مع العرب في الاستعانة بكتاب في الحساب يعني بتعليم الأعداد الجديدة وشرحها؛ ففي عام 776 م أي بعد «سيفيروس» بنحو 114 سنة نجد في الشرق العربي كتاب «سيد هنتا» للمؤلف الهندي «براهما جوبتا» وقد ترجم هذا الكتاب إلى العربية مشتملًا على الإشارات العشر كاملة، وكان يسير على نهج العلماء العرب حتى حكم الخليفة المأمون. وإذا تركنا العرب إلى أوربا وجدنا بعد وفاة «جربرت» بنحو قرن تراجم لاتينية لكتاب الخوارزمي في الحساب، وقد انتقل هذا الكتاب إلى الغرب عن طريق إسبانيا فقامت في أوربا مدرسة علمية جديدة تهتم بدراسة علم الحساب الجديد بأعداده التسعة والصفر، وتعرف هذه المدرسة باسم مدرسة الخوارزميين.

حقًا إن هذا العلم الجديد شق طريقه إلى العالم العربي وتخطى حدود الفلكيين والرياضيين، لكن كانت معرفته محصورة في الأوساط العلمية، وظل كذلك حتى ظهر العالم الفذ الذي نجح في نقله إلى الشعب في أسلوب سهل مبسط وفي لغة تساير الحياة اليومية وحاجات الشعب الاقتصادية، وهذا العالم هو الخوارزمي الذي كان يعيش في عصر المأمون، وقد كان لأوربا «براهما جوبتا» العرب.

كذلك الحال في أوربا فإن فن كتابة الأعداد قد جاءها من وراء جدران الدير، ومن ثم انتشر بين الأهالي، وقد جاءتنا وثيقة مكتوبة تؤيد هذا القول وهي عبارة عن قصيدة شعرية في اللغة الألمانية القديمة لمؤلفها «توماسين فون زركلير» وهو رئيس كاتدرائية «إكويليا» الواقعة في «فينتين» ، وكان يحب الألمان كثيرًا وقد أعجب بأخلاقهم، فوضع لأمرائهم وفرسانهم كتابا فلسفيا أخلاقيا في لغة الشعر الألمانية وأهدى كتابه هذا إلى الأمة الألمانية.

ص: 80

وقد شرع «توماسين» في وضع قصيدته عام 1215 م وكان يبلغ من العمر الثامنة والعشرين، وبعد شهور من تاريخ البدء أتم قصيدته في أوائل عام 1216 م، وقد بلغت اثني عشر ألف بيت. وفي نفس العام رسم له أحد أصدقائه عددًا من الصور الملونة التي زين بها مخطوطته، ومن بين تلك الصور واحدة تصور الفنون الحرة السبعة وأخرى تعرض «فيثاجوراس» مع «أريسمتيكا» في ملابس ترجع إلى العصر الروماني وهما يشيران بالسبابتين إلى لوح مصغر على شكل سلم. وعلى هذا اللوح نجد الأعداد «1 و 3 و 9 و 27» مكررة في الأعداد العربية وبنفس الطريقة نجد الأعداد الواقعة بينها على صورة «موسيقا» والسنة 1216 م.

ومما لا شك فيه أن الرسام البارع كان كما يتبين لنا من العوامل التي راعاها، ومن بينها الأفكار الدينية التي كانت سائدة في وسط رجال الدير من غير رجال اللاهوت، وقد استخدم عام 1216 وتجنب الأعداد العربية مستخدمًا أخرى كما لو أنها من اختراعه.

لكن استخدام الإشارات الخمس مرتين لم يكن خاصًا بالعلماء فقط بل ألمَّ به الشعب أيضًا. ثم ظهر الرجل العظيم الذي دعا لاستخدام الأعداد العربية وفق في دعوته حتى إنها سادت العالم، وهذا الرجل هو «ليوناردو فون بيزا» الذي لم يلتق علمه في الأديرة، كما أنه لم يؤلف ما ألفه للرهبان، وهو يعتبر بحق أول رياضي مفكر في أوربا ومن أشهر رياضييها حتى القرن الثامن عشر فقد كان عالمًا مجتهدًا دءوبًا، وقد اكتسب أصول معرفته عن طريق أسفاره ورحلاته ومن مصادرها الأصلية، ومن ثم أخذ ينشرها ويعلمها لمختلف الطبقات لاستخدامها في حياتهم اليومية.

وهكذا نجد جداول المعرفة تتدفق من إسبانيا إلى أوربا، ومن ثم أخذت تتجمع حتى كونت سيلا جارفًا فمر أوربا مبتدئًا من إيطاليا من مركزها الثقافي، ومن قصر الملك الأشتوفي فريدريش الثاني. لقد وجدت أوربا الخوارزمي الأوربي.

ص: 81