الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القسم الثالث (مما يكتب من الولايات عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية- ما يكتب لأرباب الوظائف بالمملكة الحجازية)
وقد تقدّم أنّها تشتمل على ثلاث قواعد:
القاعدة الأولى (مكة المشرّفة، وبها وظيفتان)
الوظيفة الأولى (الإمارة)
وقد تقدّم أنّ إمارتها في بني الحسن بن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهما، وأنّها كانت تولّى من أبواب الخلافة ببغداد إلى حين انقراضها، إلّا ما تغلّب عليه الفاطميّون أصحاب مصر في خلال ذلك. ثم استقرّت آخرا من جهة ملوك مصر إلى الآن. ويكتب له تقليد في قطع النّصف ب «المجلس العالي» بزيادة ألقاب تخصّه، وقد تقدّمت ألقابه في أوّل هذا الطّرف.
وهذه نسخة تقليد بإمرة مكّة المشرّفة: كتب بها عن الملك الناصر «محمد بن قلاوون» لأسد الدّين «رميثة» «1» بن أبي نميّ؛ بإمرة مكّة المشرّفة، عوضا عن أخيه «عطيفة» عند قتل الأمير الدمرجان دار وولده خليل، من إنشاء المولى تاج الدين بن البارنباري رحمه الله، في المحرّم سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة، وهي:
الحمد لله الحكيم: فالشّريف من اتبع أوامره، العظيم: فالسّعيد من اتّقى غضبه بأعماله الزاكية ونيّاته الطاهرة، الكريم: فالفائز من سلك مراضيه
في الدنيا ليأمن في الآخرة؛ ومن أخاف عاكف حرم الله وباديه فقد باء بالأفعال الخاسرة، ومن عظم شعائر الله فقد رفل في حلل الإقبال الفاخرة.
نحمده على ألطافه الباطنة والظّاهرة، ونشكره ونرجوه وما زال ينجح راجيه ويزيد شاكره، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة من اتخذ الحق ناصره وأودع إخلاصها ضمائره، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الّذي بعثه الله من الحرم فألّف القلوب النّافرة، وفتح مكّة فطهّرها من الزّمرة الكافرة، وقال في ذلك اليوم:«من أغلق عليه بابه فقد أمن» فأمسى أهلها ونفوسهم بالأمن ظافرة، صلّى الله عليه وعلى آله بني الزهراء العترة الزاهرة؛ وعلى صحبه النّجوم السافرة، وسلّم تسليما كثيرا.
أمّا بعد، فإنّ الحكم [بالعدل] »
شعارنا، وبالله اقتداؤنا واقتدارنا، وفي الإحسان رغبتنا، وفي كلّ عنق منّتنا، نصفح ونمنح، ونرعى من أمسى قديم الهجرة في ولايتنا وأصبح، ونقيم من أهل البيت لحفظ ذلك البيت الأصلح فالأصلح، ونقدّم من لم يزل مقدّما وإلى صوب الصواب يجنح فينجح، وننجي من الهلكة من لاح له منهج الخير فسلكه فأفلح.
وكانت مكّة المعظمة هي أمّ القرى، والبلد الأمين المجزل فيه القرى؛ نشأ الإسلام في بطحائها، وحرّمها الله فلا ينفّر صيدها، ولا يعضد «2» شجرها، ولا تحلّ لقطتها «3» إلّا لمنشد تأكيدا لتشريفها وإعلائها، وطلعت شمس النّبوّة من شعابها، وغسلت الذّنوب بوبل سحابها؛ فيها زمزم وكزة جبريل «4» ، وفيها
بدأ الوحي والتّنزيل، وإليها أعنقت «1» الرّكاب ففي كلّ أبطح للمطيّ مسير ومسيل؛ فكم أتى إليها من سائر الناس سائر، وكم أتى إليها الناس رجالا وعلى كلّ ضامر؛ فالرّحمة مستقرّة بين نواحيها والعيون تتملّى بأنوار تلك الأستار حتّى تجتليها، والشّفاه تتشرّف بتقبيل ذلك الحجر الّذي يشهد لها في غد ويقيها، فطوبى لمتّقيها، وسحقا لمن أخاف وفد الله فيها؛ ونحن قد بصّرنا الله بخدمة بيتها المحرّم، وحرمها المعظّم، وكرّر إليها حجّنا وكرّمه، فلله الحمد أن كرّر حجّنا وكرّم؛ وما برحنا نقيم في إمارتها من العترة النّبويّة كلّ شريف النّسب، وكلّ من يكتسب فيها رضا الله تعالى: وكلّ آمريء وما اكتسب؛ فمن أصلح منهم أقمناه، ومن حاد عن الطاعة وجحد النّعمة أزلناه، ومن أخاف فيه السبيل لم نجعل له إلى الخير سبيلا، ومن استقام على الطريقة توكّلنا على الله وولّيناه، وكفى بالله وكيلا.
وكان فلان هو الّذي ما زالت خواطرنا الشريفة تقدّمه على بني أبيه، وتختاره أميرا وتجتبيه؛ وربّما سلفت من بيته هنات صفحنا عنها الصّفح الجميل، وما قابلناهم إلا بما يليق لمجدهم الحسنيّ الحسن الأصيل؛ والإمرة وإن كانت بيد غيره هذه المدّة فما كان في الحقيقة أمير عندنا سواه، لأنّه كبير بيته المشكور من سائر الأفواه.
والآن قد اقتضت آراؤنا الشريفة أن نقيمه في بلده أميرا مفردا إليه يشار، وأن نصطفيه- وإنّه عندنا لمن المصطفين الأخيار- وأن نجعل الكلمة واحدة ليأمن النّزيل والجار؛ ومتى تجاذب الأمر كلمتان فسد نظامه، ومتى أفرد الحكم حسنت أحكامه، ومتى توحّد الأمر زال الاختلاف، وزاد الائتلاف، وأقبلت أيّامه.
فلذلك رسم بالأمر الشّريف أن تفوّض إليه إمرة مكّة المشرّفة، على عادة
والده. فليتقلّد ما فوّضناه إليه من الإمرة والنيابة بمكة المعظّمة، شاكرا ما أنعم الله به عليه من مراضينا التي لا نجاة لمن لم ينل منها نصيبا موفورا، ولا فوز لمن لم يدرك منها حظّا كبيرا، وليشرع في تمهيد البلاد من إزالة المظلمة، وليطهّرها من كلّ مجتريء على الله تعالى في البقعة المحرّمة، ولا يقرّب من في قلبه مرض فيعديه، ولا يرجع لمن فيه شقاق ظاهر في صفحات وجهه وفلتات فيه، وليعلم أن هذا بلد حرام حرّمه الله يوم خلق السّموات والأرض، وصيّر حجّ بيته على مستطيعه من الفرض، وجعله للنّاس معادا ومعاذا، وقال صلى الله عليه وسلم يوم عرفة:«إنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا» .
فليمنع الدّماء من أن تراق، والأموال من أن تؤخذ بغير استحقاق؛ والظّلم في البلد الحرام حرام، وبنو حسن أحقّ باتباع سنّة الإسلام؛ واتّق الله لتلقاه بالوجه الأبيض والعمل الأغرّ، واتّبع سنّة جدّك: فعلى اتّباعها حثّ وأمر، والق وفد الله في البرّ والبحر بالحسنى فهم أضيافه، وأمّن الحجّ ليتمّ نسكه وطوافه.
هذا تقليدنا لك أيّها الشّريف: فطب نفسا بمراضينا، وصفحنا عما مضى ومنحنا الرّضا حقّا يقينا، لأنّا نتحقّق أنّ الإحسان يحرسنا ويقينا، إن شاء الله تعالى.
وهذه نسخة تقليد شريف لأمير مكّة المشرّفة:
الحمد لله الّذي جعل البيت مثابة «1» للناس وأمنا، ونصب فيه للقانتين ركنا، وجعل أرض الحرم لا تبيد بركاتها ولا تفنى، وجعل لشجرة النّسب الهاشميّ فيها أصلا شريفا كم أخرج غصنا، وآتى بني الحسن فيها إحسانا من لدنه وحسنا،، وأقام منهم أميرا في ذلك المحل الأسنى.
نحمده فرادى ومثنى، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة كاملة اللّفظ والمعنى، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الّذي شيّد الله به للدّين خير مبنى، وأضحت الضّلوع على محبّته تحنى، وثمار الخير مما بين روضته ومنبره تجنى، وخصّه الله بالشّرع المستقيم والدّين الأهنى، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة في الصدور لها سكنى، وسلّم تسليما.
وبعد، فإنّ أمّ القرى، خير البلاد بلا مرا، قد جعل الله للناس إليها رحلة وسرى، وهجروا في قصدهم إليها لذيذ الكرى، ونصب فيها بيتا متين العرى، وأنبع فيها بئرا مأوها يشفي السّقيم ويبريء الورى «1» ، وجعل فيها للشّرف بيتا عالي الذّرى، فأميرها المطاع، من أهل بيت النّبوّة لا يخيّب ولا يضاع، ذو همّة تخافها السّباع، ويرهبها البطل الشّجاع، يعدّ من الآباء أسلافا كراما، كمصابيح السماء تجلو ظلاما، وقد طيّب الله مقامهم وأعلى مقامهم حين جاوروا مقاما.
ولما كان...... هو شريف العرب، المعرق في النّسب، الطّيّب الحسب، المحيي من آثار آبائه ما ذهب، الشّريف النّفس: فلا يلتفت إلى العرض الأدنى من الرّقّة وأكّد شكره الحرم وأهله، وأثنى على صفاء سيرته الصّفا وعلى مروءته المروة إذ طاب أصله؛ قد اقتفى في الكرم أباه وجدّه، وأمّن سبيل الحاجّ من جهة البرّ ومن جهة البحر من جدّة.
فلذلك رسم أن يفوّض إليه............ فليحلّ البلد الحرام حاكما وآمرا، وليستجلب له من العاكف والباد شاكرا، وليحسن للطّائفين والعاكفين والرّكّع السّجود، وليتّبع آثار آبائه أهل الكرم والجود، وليؤمّن الخائف في تلك التهائم والنّجود، وليردع الحائف عن حيفه فلا يعود، وليعلم أنّه بواد غير ذي زرع ولكن فيه للبركات ظلّ ممدود، وخير مشهود؛ وبمكة مولد أشرف مولود، وجدّه الحسن رضي الله عنه فليكن حسن الفعال فكما ساد يسود،
وليعرب عن الثّناء الأبيض عند ما يتمسك بتلك السّتور السّود، وليتلقّ المحمل الشريف في كلّ عام، بالاحتفال والإكرام، والطاعة الّتي يبلغ بها المرام، وليقف مع أمراء الحاج مقيما لحرمتهم بجميل الاحترام، وليكفّ الأشرار من العبيد والموالي، عن النّهب والتّخطّف لوفد الله الّذي قطع السّرى بالأيام والليالي، وليلازم خدمة المحمل الشريف على ما يناسب شرفه، حتّى يقف بعرفة، ثم يدفع إلى المزدلفة، إلى أن يقضي الحجّ ويرحل من مكّة المشرّفة، وليكن سياجا على الحجّاج، في تلك الفجاج، حتّى لا يفقد أحدهم عقالا، ولا يجد اختزالا، ويرحلون عن مكّة المعظمة من الذّنوب خفافا وبمننه ثقالا. والوصايا كثيرة وهو غنيّ عن أن نطيل له فيها مقالا، وتقوى الله فمن تمسّك بها حسن حالا، وأنتم أهلها كرّمكم الله أهلا وآلا؛ والله الله في حفظ جانب الصّحابة رضي الله عنهم فليردع عن الخوض فيهم جهّالا، والله يجعله مغمورا مسرورا بنعم الله تعالى، بمنّه وكرمه!.
وهذه وصيّة لأمير مكّة، أوردها في «التعريف» :
وليعلم أنّه قد ولّي حيث ولد بمكّة في سرّة «1» بطحائها، وأمّر عليها ما بين بطن نعمانها إلى فجوة روحائها «2» ؛ وأنّه قد جعلت له ولاية هذا البيت الّذي به تمّ شرفه، وعلت غرفه، وعرف حقّه له أبطحه ومعرّفه «3» ؛ إذ كان أولى ولاة هذا
الحرم بتعظيم حرماته، وسرور جوانبه بما يلوح من البشر على قيماته، ولأنّه أحقّ بني الزّهراء بما أبقته له آباؤه، وألقته إليه من حديث قصيّ جدّه الأقصى أنباؤه؛ وهو أجدر من طهّر هذا المسجد من أشياء ينزه أن يلحق به فحش عابها «1» ، وشنعاء هو يعرف كيف يتتبّعها «وأهل مكّة أعرف بشعابها» .
فليتلقّ راية هذه الولاية باليمين، وليتوقّ ما يتخوّف به ذلك البلد الأمين؛ وليعلم أنّه قد أعطى الله عهده وهو بين ركن ومقام، وأنّه قد بايع الله: والله عزيز ذو انتقام؛ وليعمر تلك المواطن، ويغمر ببرّه المارّ والقاطن، وليعمل في ذلك بما ينجّث عنه نجاره «2» ، ويأمن به سكّان ذلك الحرم الّذي لا يروّع حمامه فكيف جاره، ولينصت إلى اسمه [عز وجل] حيث يعلن به الدّاعي على قبّة زمزم في كلّ مساء وليعرف حقّ هذه النّعمة، وليعامل من ولّي عليهم بما يليق أن يعامل به من وقف تحت ميزاب الرّحمة؛ وقد أكد موثقه والله الله في نقضه، ومدّ يده على الحجر الأسود يمين الله في أرضه؛ وليتبصّر أين هو فإنّ الله قد استأمنه على بيته الّذي بناه، وسلّمه إليه بمشعره الحرام ومسجد خيفه ومناه؛ وإنّه البيت المقصود: وكلّ من تشوّق حمى ليلى فإنّما قصده أو لعلع بلعلع «3» فإنّما عناه؛ وفي جمعه يجتمع كلّ شتيت، وفي ليالي مناه يطيب المبيت، وبمحصّبه «4» تقام المواسم، وتفترّ الثّغور البواسم، وتهبّ من قبل نعمان الرّياح النّواسم، وفي عقوة «5» داره محطّ الرّحال في كلّ عام، ومعرّ كل