الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أطغى الغنى والمصباح فربما قطّب...... «1» ...... وثمّ من لا يستقيم حتّى يؤدّب، ومن لا يلمّ على شعث وأيّ الرّجال المهذّب «2» ؛ وفيك من الألمعية نور باهر، وكوكب زاهر؛ فلا حاجة إلى أن تلقي الوصايا أقلامها أيّها يكفلك، ولا تنبّهك على زينة العفاف فيها وهو حللك؛ والله تعالى يوفّق اعتمادك، ويوفّر من التّقوى زادك؛ والاعتماد على الخط الشريف أعلاه الله تعالى أعلاه، حجة بمقتضاه، إن شاء الله تعالى.
الوظيفة الرابعة- وكالة بيت المال المعمور
.
وهذه نسخة توقيع بوكالة بيت المال، من إنشاء القاضي تاج الدين البارنباريّ «3» ، للقاضي نجم الدين أبي الطّيّب «4» .
الحمد لله الّذي جعل الطّيّبات للطّيّبين، وهدى بالنّجم المنير السّبيل المبين، وعدق بأئمة الدّين مصالح المسلمين، وآتانا بتفويضنا إليه، وتوكّلنا عليه، شرفا في الشّأن وقوّة في اليقين.
نحمده على أن أعان بخيره وهو خير معين، ونشكره على أن بصّرنا في الإرادات، بالملائكة المقرّبين، ونصرنا في الولايات، بالقويّ الأمين، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة أنوارها في القلب مشرقة على
الصّفحات والجبين، وأذكارها على اللّسان جعلت الإنسان من صالح المؤمنين، ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله هادي المهتدين، وموّضح شرعة الإحسان للمحسنين، و «أبو الطّيّب» «1» و «أبو القاسم» كنّي بأولاده المطهّرين، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين منهم من كان من السّابقين الأوّلين، ومنهم من كان مهيبا للكفر يهين، ومنهم من تزوّج بابنتي «2» الرسول ولم يتّفق ذلك لغيره من سالف السنين، ومنهم من كان الخير ملء يديه: فشمول البركة بشماله وذو الفقار في اليمين، وسلّم تسليما كثيرا.
وبعد، فأكرم التفويض ما صادف محلّا، وأبرك الولايات ما وجد قدرا معلّى، وأحسن الإحسان ما أصبح به الحال محلّى، وأسنى الأنجم ما أشرق في مطلعه وتجلّى، وأحقّ [الولاة]«3» بإعلاء منصبه من أقبلت عليه وجوه الإقبال حين تولّى، وأولى [الولايات]«4» بإجمال النّظر وإمعانه، في تشييد شانه، وتمكين مكانته ومكانه، وحفظ حوزته من سائر أركانه- وكالة بيت المال المعمور الّتي بها تصان الأرض المقيسة، ومنها تستبصر الآراء الرئيسة، وبها يؤمن الاستيلاء على المحالّ والأبنية من كلّ جائر، وبها تزاد قيم المبيعات مما هو لبيت المال ما بين عامر وداثر، وإلى متولّيها تأتي الرغبات ممن يبتاع أرضا، وبه تمضى المصالح وتقضى، وبه يظهر التمييز في الثّمن الأرضى؛ وهي في الشّام فخيمة المقدار، كريمة الآثار، مرضيّة بالربح في كل أرض بيّنة المصالح في كلّ بناء دائرة بالنجح في كل دار؛ فلا يشيم برقها، ويتوّج فرقها، ويوفّيها حقّها، إلّا من له علم وتبصرة، وعرفان أوضح الطريق وأظهره، وحسن رأي فيما
آثره وأثّره، وصدارة ورد بها منهل الكرام البررة.
وكان فلان هو ذو السّؤدد العريق، والباسق في الدّوح الوريق، والمنتسب إلى أعزّ فريق، والطّيّب أصلا وفرعا على التّحقيق، والإمام في علومه الّتي أصّلت التّفريع ووصلت التّفريق، والموفّق فيما يأتي ويذر والله وليّ التّوفيق، قد أشرق بدمشق نجمه نورا، وابتسم البرق الشّاميّ به سرورا، وتصدّر بمحافلها فشرح صدورا، وابتنى له سؤددا وجعل مكارم الأخلاق عليه سورا، تلقى بمحضره المسائل فتلقى منه وليّا مرشدا، وتذكر لديه المباحث فتجد على ذهنه المتوقدّ هدى، وإذا اضطرب قول مشكل سكن بإبانته وهدا؛ إن تأوّل أصاب في تأويله، وإن نظر في مصلحة كان رأيه في السّداد موافقا لقيله، وقد استخرنا الله تعالى- وهو نعم الوكيل- في توكيله.
فلذلك رسم بالأمر الشريف أن يفوّض إليه..........
فليأت هذا المنصب المنصبّ وبل بركته من بابه، وليخيّم في فسيح رحابه، ولينعم بجنّاته في جنابه، وليحرّر ما يباع من أملاك بيت المال بشروطه ولوازمه المسطورة في كتابه، وليردع من استولى على أرض باغتصابه، فليس لعرق ظالم حقّ: وهو إما بناء بإنشائه وإمّا غراس بإنشابه، وما يرتجع إلى بيت المال المعمور من أرض وعقار، وروضات ذات غراس وأنهار، وقرّى وما يضاف إلى ذلك من آثار؛ فليحرّر مجموعه، وليسلك في ذلك الطريقة المشروعة، وليشفق إشفاق المتّقين الماهدين لمآلهم، ولينصح لنا وللمسلمين فهو وكيل بيت مالهم. ومن مات ولا وارث له من عصبة أو كلالة «1» ، فإنّ لبيت المال أرضه وداره وماله.
وقد وكلنا إليك هذا التقليد وقلّدناك هذه الوكالة، ووالدك- رحمه الله كانت مفوّضة إليه قديما فلذلك أحيينا بك تلك الأصالة.
واعلم- أعزك الله- أنّ الوصايا إن طالت فقد طاب سبحها، وإن أوجزت فقد كفى لمعها ولمحها؛ وعلى الأمرين فقد أنارها هنا بالتوفيق صبحها، وحسن بالتصديق شرحها، وأطرب من حمام أقلامها صدحها، والتّقوى فهي أوّلها وآخرها وختمها وفتحها، والله تعالى يسقي بك كلّ قضبة [ذوى] صيحها «1» ، والخير يكون إن شاء الله تعالى.
وهذه نسخة توقيع شريف بوكالة بيت المال بالشّام أيضا:
الحمد لله كافي من توكّل عليه، ومحسن مآل من فوّض أمره إليه، ومجمّل مآب من قدّم رجاءنا عند الهجرة إلى أبوابنا بين يديه، ومقرّ عين من أسهر في استمطار عوارفنا بكمال الأدوات ناظريه.
نحمده على نعمه الّتي جعلت سعي من أمّ كرمنا، مشكورا، وسعد من قصد حرمنا، مشهورا، وإقبال من أقبل إلى أبوابنا العالية محقّقا يتقلّب في نعمنا محبورا، وينقلب إلى أهله مسرورا، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة نعتضد فيها بالإخلاص ونعتصم، ونتمسّك في الدّنيا والآخرة بعروتها، التي لا تنفصم، ونوكّل في إقامة دعوتها، سيوفنا الّتي لا تزال هي وأعناق جاحديها تختصم، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الّذي أضاءت شريعته، فلم تخف على ذي نظر، وأنارت ملّته، فأبصرها القلب قبل البصر، وعمّت دعوته، فاستوى في وجوب إجابتها البشر، واختصت أمّته، بعلماء يبصرون من في طرفه عمى ويظهرون حقّ من في باعه قصر، صلّى الله عليه وعلى آله الذين عملوا بما
علموا، وعدلوا فيما حكموا، وحفظوا بالحقّ بيوت أموال الأمّة فاشترك أهل الملّة فيما غنموا، صلاة توكّل الإخلاص بإقامتها، وتكفّل الإيمان بإدامتها، وسلّم تسليما كثيرا.
وبعد: فإن أهمّ ما صرفت إليه الهمم، وأعمّ ما نوجب في اختيار الأكفاء له براءة الذّمم، وأخصّ ما اتّخذنا الاستخارة فيه دليلا، وأحقّ ما أقمنا عنّا فيه من أعيان الأمّة وكيلا، لا يدع حقّا للأمّة ما وجد إليه سبيلا- أمر بيت مال المسلمين الذي هو مادّة جهادهم، وجادّة جلادهم، وسبب استطاعتهم، وطريق إخلاصهم في طاعتهم، وسداد ثغورهم، وصلاح جمهورهم، وجماع ما فيه إتقان أحوالهم واستقرار أمورهم؛ ومن آكد مصالحه وأهمّها، وأخصّ قواعده وأعمّها، وأكمل أسباب وفوره وأتمّها، الوكالة الّتي تصون حقوقه أن تضاع، وتمنع خواصّه أن تشاع، وتحسن عن الأمّة في حفظ أموالها المناب، وتتولّى لكلّ من المسلمين فيما فرض الله لهم الدعوى والجواب؛ ولذلك لم نزل نتخيّر لها من ذخائر العلماء من زان الورع سجاياه، وكمّل العلم مزاياه، وانعقد الإجماع على كماله، وقصرت الأطماع عن التّحلّي بجمال علمه: وهل يبارى من كان علمه من جماله.
ولما كان المجلس الساميّ، الشّيخيّ، الفلانيّ، هو الّذي ظهرت فضائله وعلومه، ودلّ على بلوغ الغاية منطوق نعته ومفهومه، وحلّى علمه بالورع الّذي هو كمال الدين على الحقيقة، وسلك طريقة أبيه في التّفرّد بالفضائل فكان بحكم الإرث من غير خلاف صاحب تلك الطّريقة، مع نسب لنسيب ما مرّ حلاله، وتقّى ما ورثه من أبيه عن كلالة، وثبات في ثبوت الحقّ لا تستفزّه الأغراض، وأناة في قبول الحكم لا تحيل جواهره الأعراض، ووقوف مع الحقّ لا يبعده إلى ما [لا]«1» يجب، وبسطة في العلم بها يقبل ما يقبل ويجتنب ما
يجتنب، وتحقيق تجري الدّعاوى الشرعيّة على محجّته، وإنصاف لا يضرّ خصمه معه كونه ألحن «1» منه بحجّته، مع وفادة إلى أبوابنا العالية تقاضت له كرمنا الجمّ، وفضلنا الّذي خصّ وعمّ- اقتضت آراؤنا الشريفة أن يرجع إلى وطنه مشمولا بالنّعم، مخصوصا من هذه الرتبة بالغاية الّتي يكبو دونها جواد الهمم، منصوصا على رفعة قدره الّتي جاءت هذه الوظيفة على قدر، مداوما [لشكر أبوابنا]«2» على اختياره لها بعد إمعان الاختبار وإنعام النّظر.
فرسم بالأمر الشريف أن تفوّض إليه وكالة بيت المال المعمور بالشّام المحروس.
فليرق هذه الرتبة الّتي هي من أجلّ ما يرتقى، ويتلقّ هذه الوكالة الّتي مدار أمرها على التّقى وهو خير ما ينتقى، ويباشر هذه الوظيفة التي مناط حكمها في الورى الّذي لا تستخفّ صاحبه الأهواء ولا تستفزّه الرّقى، ولينهض بأعبائها مستقلّا بمصالحها، متصدّيا لمجالس حكمها العزيز لتحرير حقوق بيت المال وتحقيقها، متلقّيا ما يرد من أمر الدّعاوى الشرّعية الّتي يبتّ مثلها في وجهه بطريقها، منقّبا عن دوافع ما يثبت له وعليه، محسنا عن بيت المال الوكالة فيما جرّه الإرث الشرعيّ إليه، مستظهرا في المعاقدة بما جرت به العادة من وجوه الاحتراز، مجانبا جانب الحيف في الأخذ والعطاء بأبواب الرّخص وأسباب الجواز، منكّبا في تشدّده عن طريق الظّلم الّذي من تحلّى به كان عاطلا، سالكا في أموره جادّة العدل فإنّه سيّان من ترك حقّه وأخذ باطلا، مجتهدا في تحقيق ما وضح من الحقوق الشرعية وكمن، متتبّعا ما غالت الأيام في إخفائه فإنّ الحقّ لا يضيع بقدم العهد ولا يبطل بطول الزّمن.
وفي أوصافه الحسنة، وسجاياه الّتي غدت بها أقلام أيّامنا لسنة، وعلومه التي أسرت إليها أفكاره والعيون وسنة، ما يغني عن وصايا يطلق عنان اليراعة