الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من قوّة ومن رباط الخيل، ويقابل الأمور المضطربة بالإضراب، ويسلك أحسن المسالك في سيره وسيرته: فإنّنا فوّضنا إليه الجيوش المنصورة من جند المملكة الحلبيّة ومن أهل المدينة ومن حولهم من الأعراب. والوصايا كثيرة وإن كثرت فعلمها عنده، وقد ضرب له منها مثل فليكن على سياقته فيما لم يذكر في العدّة؛ وأهمّ الأمور أن يتمسك من خشية الله بالسّبب الأقوى، ويجعل تقوى الله عماده في كلّ الأمور: فإنّ خير الزّاد التّقوى؛ والخطّ الشريف أعلاه حجة فيه.
الطبقة الثانية
من يكتب له من أهل المملكة الحلبيّة في قطع العادة مفتتحا ب «رسم» إمّا مع «مجلس القاضي» أو مع «القاضي الأجلّ» ككتّاب الدّرج ومن في رتبتهم، إن كتب لأحد منهم من الأبواب السلطانية، وإلّا فالغالب استبداد نائب السّلطنة بها بالكتابة في ذلك. فإن كتب شيء منها من الأبواب السلطانية، فليمش فيه على نحو ما تقدّم في الديار المصرية والمملكة الشامية الّتي قاعدتها دمشق.
النوع الثاني (من أرباب الوظائف بالمملكة الحلبية- من هو خارج عن حاضرتها، وهم على أصناف)
الصنف الأوّل (أرباب السيوف، وهم غالب من يكتب لهم عن الأبواب السّلطانية)
وقد تقدّم أنّ العادة جارية بتسمية ما يكتب لمن دون أرباب النيابات العظام: من دمشق، وحلب، وطرابلس، وحماة، وصفد، وغزّة، والكرك- مراسيم، وأنّ التقاليد مختصة بالنّواب العظام المقدّم ذكرهم. ولا يخفى أنّ النيابات الدّاخلة في المملكة الحلبيّة، مما هو تحت أمر نائب السّلطنة بحلب، أكثر من كل سائر الممالك الشامية.
وبالجملة فأمرهم لا يخرج عن ثلاثة أضرب: إما مقدّم ألف، كنائب البيرة «1» ، ونائب قلعة الرّوم المعبر عنها في ديوان الإنشاء بقلعة المسلمين «2» ، ونائب ملطية «3» ، ونائب طرسوس «4» ، ونائب البلستين «5» ، ونائب البهسنى «6» ، ونائب آياس «7» المعبر عنها بالفتوحات الجاهانية. وإمّا طبلخاناه، كنائب جعبر «8» ، ونائب درندة «9» ونحوهما. وإما أمير عشرة، كنائب عين تاب «10» ، ونائب الرّاوندان «11» ، ونائب كركر «12» ، ونائب بغراس «13» ، ونائب الشّغر
وبكاس «1» ، ونائب الدّربساك، ونائب سرفندكار «2» ، ومن في معناهم.
وقد تقدّم في الكلام على المكاتبات نقلا عن «التثقيف» . أنّ هؤلاء النوّاب تختلف أحوالهم في الارتفاع والانحطاط: فتارة تكون عادة تلك النيابة أمير طبلخاناه، ثم يولّى فيها عشرة وبالعكس. وقد تكون عادتها طبلخاناه فيستقرّ بها مقدّم ألف وبالعكس. والضابط في ذلك أنّ من يكتب له المرسوم: إن كان مقدّم ألف، كتب مرسومه في قطع النصف ب «المجلس العالي» ، وإن كان طبلخاناه، كتب له مرسومه في قطع النصف أيضا ب «الساميّ» بالياء، وإن كان أمير عشرة كتب مرسومه في قطع الثّلث. فأمّا ما يكتب في قطع النّصف، فإنّه يفتتح ب «الحمد لله» سواء كان صاحبه مقدّم ألف أو أمير طبلخاناه.
وهذه نسخة مرسوم شريف بنيابة آياس، وهي المعبّر عنها بالفتوحات الجاهانيّة، يستضاء بها في ذلك، وهي:
الحمد لله الّذي جعل من أولياء دولتنا الشّريفة كلّ سيف لا تنبو مضاربه، واصطفى لبوادر الفتوحات من أنصارنا من تحمد آراؤه وتجاربه، وألهمنا حسن الاختيار لمن تؤمن في المحافظة مآربه، وتعذب في المخالطة مشاربه، وحقّق آمالنا في مضاعفة الفتح التي أغنى الرّعب فيها عما تدافعه سيوف الإسلام وتحاربه.
نحمده حمدا يضاعف لنا في التّأييد تمكينا، ونشكره شكرا يستدعي أن يزيدنا من فضله نصرا عزيزا وفتحا مبينا، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة نخلص فيها يقينا من المخاوف يقينا، ونرد من نهلها معينا، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الّذي أيده الله بالملائكة والرّوح، وزوى له
الأرض فرأى مشارقها ومغاربها ونرجو أن يكون ما زواه له مدّخرا لنا من الفتوح، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين هم خير أمّة أخرجت للإسلام، والذين ما زال الإيمان بهم مرفوع الألوية والأعلام، والذين لم يبرح داعي الضّلالة تحت قهر سيوفهم: فإذا أغفى «جرت عليه سيوفها الأحلام» ، صلاة يطيب اللّسان منها فيطرب، ويعرب عن صدق الإخلاص في تكرارها فيغرب، وسلّم تسليما.
أمّا بعد، فإنّ أولى من تستند أمور الممالك لعزمته، ويلقى أمر بوادر الفتوحات السّعيدة لهمّته، ويعتمد في تدبير أحوال البلاد والعباد على يمن تصرّفه وممتدّ نهضته- من لم يزل معروفا سداد رأيه، مشكورا في الخدمة الشريفة حسن سعيه، مؤيّدا [في]«1» عزمه، مظفرا في حزمه، مأمون التّأثير، ميمون التدبير، كافيا في المهمات، كافلا بعلوّ الهمّات، إذا همّ ألقى بين عينيه [صادق]«2» عزمه، وإذا اعتمد عليه في مهمّ تلقّاه بهمّته وحزمه، وإذا جرّد كان هو السّيف اسما وفعلا، وإذا دارت رحى الحرب الزّبون «3» فهو الشهم الّذي لا يخاف سهما ولا يرهب نصلا.
ولما كان.. «4» هو بدر هذا الأفق، ومقلّد هذا العقد ولا يصلح هذا الطّوق إلا لهذا العنق، وهو الّذي فاق الأولياء اهتماما، وراق العيون تقدّما وإقداما، وأرضى القلوب نصحا ووفاء، وأنضى الهمم احتفالا للمصالح واحتفاء؛ طالما جرّب فحمد عند التجارب، وجرّد فأغنى عن القواضب، واختبر فاختير، ونظر في خصائصه فلم يوجد له نظير- اقتضى حسن الرّأي الشريف أن نقلّده فتوحات أنقذها الله تعالى من شرك الشّرك، وأخرجها إلى النّور بعد ظلام الإفك، وبشّرها أنّ هذه سحابة نصر يأتي وابله إن شاء الله تعالى بعد رذاذه،
وأنّها مقدمة سعد تتلو قوله تعالى: وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ
«1» فلذلك رسم......- لا زال الفتح في دولته يزهو بانتظام سلكه؛ وأيامه الشريفة تستردّ مغتصب البلاد من يد الكفر إلى بسطة ملكه وقبضة ملكه، وإحسانه يحمي الحصون بسيف يروّع العدا ببأسه وفتكه- أن يفوّض......
اعتمادا على مضائه الّذي لا ينكر مثله للسّيف، وركونا إلى همّته الّتي تسرى برعبها إلى قلوب الأعداء سرى الّطيف.
فليباشر النيابة المذكورة: معملا رأيه في تمهيد أحوالها، وتقرير أمورها التي راق الأولياء وراع الأعداء ما كان من مالها، مجتهدا في حفظ ما بها من القلاع والحصون، مبادرا [إلى]«2» كلّ ما يحمي حماها ويصون، قائما حقّ القيام في مصالح تقريرها، وأحوال تحريرها، وأمور تمهّدها، ومنافع تشيّدها، وحواصل تكفيها، وأسباب مصلحة توافيها بمزيد الاهتمام وتوفّيها، وليكن بأحكام الشّرع الشريف مقتديا، وبنور العدل والاحسان مهتديا، وبتقوى الله عز وجل متمسّكا، وبخشية الله متنسّكا؛ وهو يعلم أنّ هذه الفتوحات [قذى]«3» في حدقة العدوّ المخذول وشجا في حلوقهم، وعلّة في صدورهم وحسرة في قلوبهم.
فليكن دأبه الاجتهاد الّذي ليس معه قرار، والتّحرّز الّذي يحلّيها أو يحميها فيكون عليها بمنزلة سور أو سوار، ويصفّحها من عزمه بالصّفاح، ويجعل عليها من شرفات حزمه ما يكون أحدّ من أسنّة الرّماح، ثم لا يزال احتياطه محيطا بها من كلّ جانب، وتيقّظه لأحوالها بمنزلة عين مراقب، واحتفاله الاحتفال الّذي بمثله يصان رداؤها من كلّ جاذب؛ ثم لا تزال قصّاده وكشّافه وطلائعه لا يقرّ بهم السّرى، ولا يعرفون طعم الكرى، يطّلعون من أخبار العدا
على حقائقها، وتتحيّل كلّ فرقة منهم على معرفة الأحوال بينهم بمكر من تعدّد طرقها واتساع طرائقها، لتكون المتجدّدات عنده بمنزلة ما يراه في مرآة نظره، وسرّ أمور العدا لديه قبل أن يشيع بينهم ذكر خبره؛ والوصايا كثيرة وهو بحمد الله لا يحتاج مع معرفته إلى تبصرة، ولا يفتقر مع حسن بصيرته إلى تذكرة، والله تعالى يتولّاه، ويعينه على ما ولّاه؛ بعد الخط الشريف أعلاه.
وأما من يكتب له في قطع الثلث ب «مجلس الأمير» وهم العشرات [فقد ذكر في «التعريف» : أنّه يكتب لهم من الأبواب السلطانية على ذلك.
قلت: وقد تقدّم في الطبقة السابعة أنّ الكختا، وكركر، والدّربساك، قد تكون عشرة أيضا. وفي معنى ذلك نيابة عين تاب، والراوندان، والقصير، والشغر وبكاس، إذا كانت عشرة. ونيابة دبركي إذا كانت عشرة] «1» فيفتتح فيها ب «أما بعد حمد الله» على عادة ما يكتب للعشرات.
وهذه نسخة مرسوم شريف من هذه الرتبة، كتب به لنائب حجر شغلان من معاملة حلب، وهي:
أما بعد حمد الله الّذي شيّد المعاقل الإسلامية بأكفائها، وصان الحصون المحروسة بمن شكرت همّته في إعادتها وإبدائها، وحمى سرحها بمن أيقظ في الخدمة الشّريفة عيون عزمه فما ألمت بعد إيقاظه بإغفائها، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الّذي انتضى سيوف التّأييد فأعزّت الهدى وأذلّت العدا حين انتضائها، وعلى آله وصحبه ما بدت النجوم في ظلمائها، وسرت الغيوم في فضائها- فإنّ من شكرت هممه، وثبتت في الطاعة الشريفة قدمه، وأشبه عزمه في مضائه صارمه، وأضحت ثغور تقديمه باسمة- أولى بأن ترفع هذه الدولة
الشريفة من محلّه، وتنشر عليه [من]«1» تكريمها وارف ظلّه، وترتضيه لقلاع الإسلام وتشييدها، وتجتبيه لصونها وتأييدها، وتجعله قرّة عينها وحلية جيدها، وتمضي كلمته في مصالحها، وتعدق به أسباب مناجحها، فيصبح ولقدره منّا إعلاء وإعلان، ويمسي وله شغل بطاعتنا العالية الشّان، وشغل بالمعقل الّذي يحرز بعزمه ويصان، فلأجل ذلك غدا وله من هذه النيابة على الحقيقة شغلان.
وكان [فلان]«2» هو الّذي جادت عليه دولتنا الزاهرة بسحائبها، وأشرقت على حظوظه سعود كواكبها، وأسمت له قدرا، وجعلت له إمرة وأمرا، وصرفته إلى نيابة معقل معدود من قلاع الممالك الإسلامية وحصونها، ومعاقلها الّتي علت محلّا فالجبال الشّمّ من دونها، قد أصبح شاهقا في مبناه، ممنّعا في مغناه، محصّنا برجاله، مصونا من ماضيين: السّيف في مضائه والعزم في احتفاله- اقتضى حسن الرأي الشريف أن نوقّله رتبة هذه النيابة، وننشر عليه من إحساننا سحابه.
فذلك رسم بالأمر الشريف- لا زال......... أن يستقرّ.........
فليحلّ هذه النيابة المباركة مظهرا من عزمه ما تحمد عواقبه، وتعلو مراقبه، وتسمو مراتبه، وتتوضّح سبله ومذاهبه، محصّنا لسرحه، معزّزا موادّ نجحه، مراعيا أحوال رجاله، المعدّين من حماته وأبطاله، حتّى يغدوا يقظين فيما يندبهم إليه ويستنهضهم فيه، مبادرين إلى كل ما يحفظ هذا الحصن ويحميه؛ ومن بهذا المعقل من الرّعية فليرفق بضعفائهم، وليعاملهم بما يستجلب لنا به صالح دعائهم؛ والوصايا كثيرة وملاكها التّقوى، فليتمسّك بها في السّرّ والنّجوى، وليغرسها في كل قول يبديه، وفعل يرتضيه، فإنّ غروسها لا تذوى. والله يوفّقه لصالح القول والعمل، ويصونه من الخطإ والخطل؛ والخطّ