الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتفوّف، مثبتا كلّ ما خلع من ديوانها العزيز وتخلّف، مؤلّفا للكساوى «1» في رحلة كلّ صيف وشتوة، مواصلا للأحمال من دمشق على كلّ حال من جهة الكسوة، منهيا لإنعامها بقلم الإطلاق التّام، متلقّفا بعصا قلمه في يده البيضاء ما تأفك عصا الأقلام، حريصا على أن يكون بابها في الكرم كما يقال:«سهل الحجاب مؤدّب الخدّام» ، عاملا بتقوى الله تعالى الّتي بها يبدأ الذّكر الجميل ويختم، ويلبس بها في الدّنيا والآخرة رداء الخير المعلم، غنيّا عن تبيين بقايا الوصايا الّتي هو فيها بحر، وابن بحر بكتاب «البيان والتبيين» أعلم؛ والله تعالى يمدّه بفضله، ويحفظ عليه الفضل الّذي هو من أهله، ويملأ آماله بغمام الخير الصّيّب، ويديم سعادة بيته الّذي لا يرفع الشّكر لطيبه إلا الكلم الطّيّب.
المرتبة الثانية (من تواقيع أرباب الوظائف الديوانية بحاضرة دمشق- ما يفتتح ب «أمّا بعد حمد الله» )
وهذه نسخ تواقيع من ذلك:
[نسخة] توقيع بنظر الأسرى ونظر الأسوار، كتب بها لدوادار الأمير «سودون الطرنطاي» »
كافل الشّام، وإن كانت هي في الأصل ديوانية أو دينية؛ وهي:
أمّا بعد حمد الله الّذي خصّ أولياءه بفضله الوافر، وعمّهم بحسن نظره فأشرق صبح صباحهم السّافر، وانتضى من عزائمهم لنصرة الدّين سيفا يسرّ المؤمن ويغيظ الكافر، واجتبى من الكفاة من يشيّد معاقل الإسلام بفضله
المتظافر، والصلاة والسلام الأتمّين الأكملين على سيدنا محمد الّذي أضاء برسالته الوجود، وخصّه الله تعالى بالصّفات الفائقة والمآثر الحسنة والجود، وعلى آله وصحبه الذين حرسوا الملّة الحنيفيّة من جهادهم بأمنع سور، وأوهنوا جانب الكفر وأنقذوا الأسير وجبروا المكسور، صلاة دائمة مدى الأيّام والشّهور، معلية للأولياء علم النّصر المنشور- فإنّ أولى من عدقنا به المناصب السّنيّة، وفوّضنا إليه جليل الوظائف الدّينيّة، ونطنا به فكّ رقبة المسلم من أسره، وخلاصه من عدوّه الّذي لا يرثي لمسكنته ولا يرقّ لكسره، وأجرينا قلمه ببذل الفداء، وجعلنا مداده درياقا «1» لمرض الأسر الّذي يعدل ألف داء، وأقمناه للعاني من شرك الشّرك منقذا، وللدافع في بيداء العدا بحسن إعانته منجدا، وللأسوار الممنّعة بجميل نظره متفقّدا- من أضحى فضله ظاهرا، وجلاله باهرا، وخلاله موصوفة بالمحاسن أوّلا وآخرا.
وكان فلان هو الّذي بهرت مآثره الأبصار وملأت الأسماع، وانعقدت على تفرّده في عصره بالمفاخر كلمة الإجماع، وسارت الرّكبان بذكره الّذي طاب وجوده الّذي شاع، وصفت سريرته، فأضحى جميل الإعلان، وحمدت سفارته، فكانت عاقبة كلّ صعب ببركتها أن لان.
فلذلك رسم بالأمر العاليّ- لا زال يولي جميلا، ويولّي في الوظائف جليلا- أن يستقرّ المشار إليه في وظيفتي نظر الأسرى والأسوار بدمشق المحروسة، على أجمل عادة، وأكمل قاعدة، بالمعلوم الشاهد به ديوان الوقف المبرور إلى آخر وقت: وضعا للشيء في محله، وتفويضا لجميل النّظر إلى أهله.
فليباشر ذلك مباشرة تسرّ النفوس، وتزيد بها الغلال وتزكو بها الغروس، وليجر أحوال الوقف المبرور على مقتضى شرط الواقف والشّرع الشريف،
وليتصرّف في تحصيل المال وإنفاقه أحسن تصريف، وليجتهد على تخليص المأسور، وإغاثة من ضرب بينه وبينه بسور، ويسارع إلى تشييد الأسوار الممنّعة، وإتقان تحصينها ليتضاعف لمن حوته منّا الأمن والدّعة؛ والوصايا كثيرة وملاكها تقوى الله تعالى وسلوك صراط الحقّ المستقيم: فليواظب عليها، وليصرف وجه عنايته إليها؛ والله تعالى يديم علاه، ويتولّاه فيما تولاه، بمنه وكرمه.
توقيع بصحابة ديوان الأسرى «1» ، من إنشاء ابن نباتة، كتب به للقاضي شرف الدين «سالم بن القلاقسيّ» ؛ وهو:
أمّا بعد حمد الله الّذي جدّد بطالع الشّرف قواعد بيت السّيادة، ومشاهد حوك السّعادة، ومصاعد ذرا الأقلام الّتي قسمت مجاني قصبها للإفاءة والإفادة، ومعاهد القوم الذين سلكوا مسالك سلفهم الحسنى: ولو كان التمام يقبل هنا مزيدا قيل: وزيادة، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الّذي شدّ الله برسالته أزر الحقّ وشاده، وعلى آله وصحبه ذوي الأقدار المستزادة المستجادة، ما اتّصل بحديث الفضل سنده وأمن بيت التقوى سناده- فإنّ البيوت المنتظم فخارها، المأمون من عروض الأيّام زحافها وانكسارها، أولى بأن تنتخب لهم المناصب كما تنتخب للبيوت المعاني، وتستقرى الوظائف العليّة كما تستقرى لمواضع كلمها المباني، وتختار لنجل الأصحاب «2» بينهم كلّ جهة مأمونة الصّحابة، موقورة السّحابة، مجرورة ذيل الخيرات السّحابة، مصونة عن غير الأكفاء كما يصان للجهات حجبا، لائقة بالأفاضل لأنّ لأوقاف الأسرى بالفاضل نسبا.
فلذلك رسم بالأمر الشريف أن يرتّب في كذا: علما بأنّه الرئيس الّذي إذا
ولي وظيفة كفاها، وإذا وعدها بصلاح التّدبير وفاه وفاها، وإذا وصل نسبها بنسبه كان من إخوان صفائها لا من إخوان صفاها، والخبير الّذي استوضح بيمن الرّأي مذاهبه ومسالكه، والعالم الّذي إذا مشّى الأمور بسط جناح الرّفق وإذا مشى بسطت له أجنحتها الملائكة، والجليل الّذي إذا نظر ذهنه في المشكلات دقّق، والكاتب الّذي تعينت أقلام علمه وكفاءته إلّا أنّ كلّها في الفصل محقّق؛ هذا وخطّ عذاره ما كتب في الخدّ حواشيه، وليل صباه ما اكتمل، فكيف إذا أطلعت كواكب المشيب دياجيه؛ وكيف لا؟ وأبوه- أعلى الله تعالى جدّه- صاحب المجد الأثيل، والفضل الأصيل، ووكيل السلطنة الّذي إذا تأمّلت محاسنه قالت: حسبنا الله ونعم الوكيل.
فليباشر هذه الوظيفة برأي يسهّل- بمشيئة الله- عسيرها، ويفكّ- بعون الله- أسيرها، واجتهاد سنيّ يحسن قلمه في الأمور مسرى، واعتماد سريّ لا يرى ديوان أسرى منه أسرى، مشبها أباه في عدله ومن أشبه أباه فما ظلم، وتوقّد رأيه لدى طود حلم وعلم «فيالك من نار على علم!» ، حتّى يأمن ديوان مباشرته من ظلم الظالم، ويشعل ذكاءه حتّى يقال: عجبا للمشعل نارا وهو سالم!، ويثمّر مال الجهة بتدبيره، ويشرك لفظ إطلاق الديوان في ماله وأسيره، وتنتقل الأسرى من ركوب الأداهم إلى ركوب الشّهب والحمر من دراهمه ودنانيره، ويحمد على الإطلاق، وينفق خشية الإمساك إذا أمسك [غيره]«1» خشية الإنفاق، ويمشي بتقوى الله- عز وجل في الطّريق اللّاحب «2» ، وينسب إلى ديوانه وقومه فيقال: صاحب طالما انتسب من سلفه لصاحب؛ والله تعالى ينجح لكواكب رأيه مسيرا، ويجبر به من ضعف الحال كسيرا، ويكافيء سادات بيته الذين يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً
«3»