الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فليباشر هذه الوظيفة المباركة بعزم يثمّر مالها، ويقرّر على السّداد أحوالها، ويستخلص الحقّ من أهل الاعتقاد الباطل، ويستخرج الوفر من أهل الجلد الماطل؛ فلا نصرانيّ إلّا وهو يتضرّع تحت الزّرقاء من باسه، ولا يهوديّ إلا وهو يشكو الصّفراء «1» في راسه، ولا سامريّ إلّا والنار الحمراء مطلّة على أنفاسه، حتّى تكون أوصاف شدّه متلوّة، وعزائمه في الجوالي مجلوّة، وهممه جارية على إيلافها ومألوفها، مجزّئة لأقلام الحساب والدّراهم على حروفها، صحيحة الوزن غير منهوك، آخذة الدّينار من وازنه، وهو كالمأخوذ منه مصكوك، شدّا تنعقد على اختياره الخناصر، وكما أنّ للإسلام منه قوّة فليكن للوظائف الدينية منه ناصر.
الضرب الثاني (ممن يكتب له عن نائب السلطنة بالشام من أرباب السيوف- من هو بأعمال دمشق؛ ومواضعهم على ثلاث مراتب أيضا)
المرتبة الأولى (ما يفتتح ب «الحمد لله» وفيها وظائف)
وهذه نسخ تواقيع من ذلك:
نسخة توقيع بنيابة بعلبكّ كتب بها لركن الدين «عمر بن الطحان» وهي:
الحمد لله الّذي جمّل بمحاسن زينه من استحقّ الصّعود إلى أعلى المنازل، وجعل نجم سعده بارتقائه إلى سماء المناصب طالعا غير آفل، وصان بعقله الراجح أحصن المعاقل.
نحمده على إحسانه الواصل، وغيث جوده الّذي هو على الدّوام هاطل، حمدا ينطق بمدح معدلته كلّ لسان قائل، ويزيد خيره على كلّ عام قابل، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له الّذي ألحق جياد الأواخر بالأوائل،
وجعل أجمل الأمراء يفوق البدور الكوامل، ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله الّذي جعله لديه أعظم الوسائل، وتلازم هو وجبريل في علوّ المنازل، والتّقدّم في المحافل، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه سادات العشائر والقبائل، والمجاهدين في سبيل الله بالبيض البواتر والسّمر الذّوابل، وسلّم تسليما كثيرا.
وبعد، فلمّا كانت بعلبكّ المحروسة من أعزّ بلاد الإسلام، وأبهج مدن الشّام- تعيّن أن نعيّن لها حاكما ديّنا خبيرا، أمينا أميرا؛ شجاعا مهتابا «1» ، بطلا برمحه وسيفه في صدور الأعداء ورقابهم طعّانا ضرّابا، وكان الجناب الكريم فلان- ضاعف الله تعالى نعمته، وحرس من الغير مهجته- من بيت كان على التّقوى أساسه، وعدّت لدفع المعضلات أناسه، واشتهرت همّتهم فلا يردّ لهم سهم ولا يطاق باسه؛ طالما نفوا عن الدّين الحنيفيّ خبث الكفر بعدما تمكنت أدناسه، وشمّروا عن ساعد الاجتهاد فمحي بسيوفهم ضلال الشّرك وأرجاسه؛ وهو أعزّه الله تعالى ممّن شجى بشجاعته، حلوق الكتائب، ووفّى بعدله وحسن سياسته، حقوق المناصب، وقام في خدمة الدّولة الشريفة أحسن قيام، وهذّبته بمرورها اللّيالي والأيام، وتأهل لحلول الرتب العليّة، وتعيّن لارتقاء المراتب السّنيّة؛ فأردنا أن نختبره فيما نولّيه، ونخبر عزمه فيما نوليه.
فلذلك رسم بالأمر العالي- لا زال أمره مستمرّ الإحسان، مجزلا لذوي الاستحقاق عوارف النّعم الحسان- أن يستقرّ الجناب الكريم المشار إليه- ضاعف الله تعالى نعمته- في نيابة السّلطنة الشريفة ببعلبكّ المحروسة والبقاعين «2» المعمورين، على عادة من تقدّمه في ذلك، ومستقرّ قاعدته، بالمعلوم الّذي يشهد به الديوان المعمور، إلى آخر وقت.
فليباشر هذه النيابة الشريفة بخاطر منفسح حاضر، وقلب منشرح على الخيرات مثابر، وليتّخذ الشرع الشريف إماما، وليتوخّ أوامره ونواهيه نقضا وإبراما، وليقف عند حدوده المشروعة، ولا يتعدّها ومن يتعدّ حدود الله فيده من الإيمان منزوعة، وليلن جانبه للرّعية، وليحملهم من العدل والإنصاف على المحجّة الواضحة الجليّة؛ فإنّهم الرعية الضعفاء «1» الصالحون الذين أنعم الله عليهم بتفويض أمورهم إليه، وليعرّفهم قول النبي صلى الله عليه وسلم:«اللهمّ من ولي من [أمور] «2» أمّتي شيئا فرفق بهم فارفق به ومن شقّ عليهم فاشقق عليه» ، وليعمّر البلاد، وليقمع أهل الفساد، وليمهّد البقاع، وليحيي موات الضّياع، وليقم على القلعة المنصورة الحرس، ولا يغفل عن حفظها بمعرفته الّتي أكدت له من السّعادة سببا؛ والله تعالى يبلّغه من إحساننا أربا، وينجح له من فضلنا طلبا، ويحرسه بسورتي فاطر وسبا؛ والاعتماد في معناه، على الخط الكريم أعلاه.
وهذه نسخة توقيع بكشف البلاد القبلية، كتب به لغرس الدين خليل الناصريّ في الدولة الظاهرية «برقوق» وهي:
الحمد لله الّذي جرد من أولياء هذه الدّولة الشّريفة سيوفا تحسم موادّ الفساد، وتبيد أهل الزّيغ والعناد، وتعمّ ببأسها وبعدلها البلاد، حمدا مستمرّا على الآباد، مزوّدا غرسها النافع ونعم الزّاد، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ربّ العباد، القائم على كلّ نفس بما كسبت والمجازي لها بما عملت يوم يقوم الأشهاد، ونشهد أنّ سيدنا محمدا خير الخلائق عبده ورسوله الّذي بلّغه في الدنيا والآخرة أقصى المراد، وفضّله على الخلائق: الآلاف والمئين والعشرات والآحاد، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين فتحوا البلاد،
بسيوفهم الحداد، ومزّقت رماحهم من مخالفي دينهم القويم القلوب والأكباد، وسلّم تسليما كثيرا إلى يوم التّناد.
وبعد، فلمّا كانت المملكة القبليّة جلّ البلاد الشامية، وبها أرزاق العساكر الإسلامية، وطريق الحاجّ إلى بيت الله الحرام، وزيارة نبيّه عليه أفضل الصّلاة والسلام، وإلى الأرض المقدّسة، التي هي على الخيرات مؤسّسة، وإلى الأبواب الشريفة السلطانية، وممر التّجار قاصدين الدّيار المصريّة، ومنازل العربان، ومواطن العشران «1» - وجب أن يفوّض حكمها إلى من عرف بالشّهامة والشجاعة، واليقظة الّتي لا يغفل بها عن مصلحة المسلمين ساعة؛ من أثمر غرسه وما يفوّه، وأينع بالمروءة والفتوّة، وتقدّم في الكمال على زيد وعمرو، وأضرم في قلوب الأعداء نارا أحرّ من الجمر.
وكان الجناب الكريم- أدام الله نعمته- هو المشهور بهذه الصّفات، والمنعوت بالشّجاعة والإقدام وحسن الأدوات.
فلذلك رسم بالأمر العالي- لا زال إحسانه يثّمر غرسا، وجوده يسرّ نفسا- أن يستقرّ الجناب المشار إليه في كشف البلاد القبلية المحروسة على منوال من تقدّمه وعادته، وحدوده في ذلك ومستقرّ قاعدته.
فليباشر ذلك بهمّته العليّة، وشجاعته الأحزميّة، ونفسه الأبيّة، وليبيّض وجهه في هذه النّوبة حتّى يطرب الناس بالنّوبة الخليليّة، وليعدل في الكبير والصغير، وليقمع رؤوس عشير اتخذوا رأسهم مولى: فلبئس المولى ولبئس العشير، وليدفع أذى العرب، وليحذّرهم شرّا اقترب، وليكثر الركوب إلى المعاملات، ولا يخش من كثرة الحركات، وليعلم أنّ كلّ ما هو آت آت، وليتخذ الشّرع الشريف إماما، وليتوخّ أوامره ونواهيه نقضا وإبراما، وليقف عند
حدوده المشروعة، ولا يتعدّها: ومن يتعدّ حدود الله فيده من الإيمان منزوعة، وليلن جانبه للرّعية، وليحملهم من العدل والإنصاف على المحجّة الواضحة الجليّة؛ فإنهم الرعية الضّعفاء الذين أنعم الله عليهم بتفويض أمورهم إليه، وليعتمد قول النبيّ صلى الله عليه وسلم:«اللهمّ من ولي من أمور أمّتي شيئا فرفق بهم فارفق به ومن شقّ عليهم فاشقق عليه» ؛ والوصايا كثيرة وتقوى الله عز وجل نظامها وقوامها، واتّباع سنّة نبيّه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قيادها وزمامها، والاعتماد في معناه، على الخطّ الكريم أعلاه.
وهذه نسخة توقيع بكشف الرّملة، كتب به لأبي بكر «أمير علم» «1» ، في الدولة الظاهرية «برقوق» وهي:
الحمد لله الّذي قلّد أجياد المجاهدين، سيف نصره، وأكّد بعزائم أهل اليقين، حماية حوزة الإسلام وصيانة ثغره، وجعل ألسنة أسنّة المرابطين في فم الثّغر زينا إذا ازدان بغرّة بدره، وأنزل بأعداء الدّين قوادح نقمه وقوارع قهره.
أحمده أن حمى بأولي النّجدة والبأس للمسلمين حمى، وأشكره على ما همع من صيّب نعمائه وهمى، وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة أتّخذها عند الله ذخرا، وأرجو بها في العقبى أجرا، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الّذي آيد يده بالسّيف وأمدّه أيدا، وعلى آله الذين حلّى بهم للإسلام جيدا، وصحبه الذين جلا ببوارق صفاحهم، وخوارق رماحهم، غمم المجال، وغمم القتال، فلم يهمل الأعداء ولم يمهلهم رويدا.
وبعد، فإنّ أولى من جعل في نحر البحر هماما صارم «2» ، وأشدّ من قاطع
أعداء الدين وصارم، من تضرب بشجاعته الأمثال، ويورد في صدور الأبطال صمّ الأسل النّهال، ويحمي حمى الثّغر فلا يدع عدوّا ولا يرهب نهبا، ويرقى رقاب الكفر فيؤمنون وإن كان وراءهم ملك يأخذ كلّ سفينة غصبا «1» ولما كان الجناب الكريم فلان- أدام الله تعالى نعمته- هو الّذي أخلص في الطّاعة، ونصح سلطانه حسب الطاقة والاستطاعة- رسم بالأمر الشريف العالي- لا زال سيف عدله ماضيا، وكلّ بحكمه راضيا- أن يستقرّ الجناب المشار إليه كاشفا بالرّملة المعمورة، على عادة من تقدّمه في ذلك.
فليباشر ذلك معمّرا تلك البلاد بعدله، مجتهدا على إيصال الحقّ إلى أهله، وليتخذ الشّرع الشريف إماما، وليتوخّ أوامره ونواهيه نقضا وإبراما، وليقف عند حدوده المشروعة، ولا يتعدّها: ومن يتعدّ حدود الله فيده من برّ الإيمان منزوعة، وليلن جانبه للرّعية، وليحملهم من العدل والإنصاف على المحجّة الواضحة الجليّة، [فإنّهم الرعية الضّعفاء الذين أنعم الله عليهم بتفويض أمورهم إليه]«2» ، وليعتمد فيهم قول النّبي صلى الله عليه وسلم:«اللهمّ من ولي من أمور أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به ومن شقّ عليهم فاشقق عليه» . والوصايا كثيرة وأهمّها التّقوى فليلازم عليها فإنّها تحفظه، وبالسيادة والسعادة تلحظه؛ والله تعالى يكمّل توفيقه، ويسهّل إلى نجح المقاصد طريقه؛ والاعتماد في معناه، على الخط الكريم أعلاه.
قلت: ومن تأمّل وصايا هذه التواقيع الثلاثة المتقدّمة الذكر، علم ما كان عليه كتّاب الزمان، من انتزاع الفقرات من توقيع، وترصيعها في توقيع آخر، من غير تغيير لفظ في أكثرها.