الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من فضل خلاله، والجواد الحائز بجوده قصب السّبق على أمثاله، والكامل الّذي لا توجد في صفاته نقيصة، والفاضل الّذي أتته الفضائل على رغمها رخيصة.
فليباشر هذا النّظر مباشرة تكحل ناظره فيها بالوسن، وليقابلها من جميل سلوكه بكل وجه حسن، وليبدأ أوقاف الجامع المذكور بالعمارة، وليقطع بمدية أمانته يد من يشنّ على ماله الغارة، وليأمر أرباب وظائفه باللّزوم، وليخصّ كلّا منهم من فضله بالعموم، وليتّق الله تعالى في القول والعمل، وليجتهد على أن لا يتخلّل مباشرته الخلل؛ والاعتماد على الخطّ الشّريف أعلاه.......
الصنف الثالث (مما هو خارج عن حاضرة طرابلس- أرباب الوظائف الدّيوانية)
وقل أن يكتب فيها شيء عن الأبواب الشّريفة السّلطانية، وأنّ الغالب كتابة ما يكتب فيها من نائب السّلطنة بطرابلس. فإن اتّفق كتابة شيء من ذلك عن الأبواب السلطانية، مشى الكاتب فيه على نهج ما تقدّم في الوظائف الدّينية: من كتابته في قطع العادة ب «مجلس القاضي» مفتتحا ب «- رسم» لا يختلف الحال منه في ذلك إلّا في الفرق بين التّعلّقات الدّينية والدّيوانيّة. والكاتب الماهر يصرّف قلمه في ذلك وفي كلّ ما يحدث من غيره على وفق ما تقتضيه الحال، وبالله المستعان.
النيابة الرابعة (نيابة حماة. ووظائفها الّتي تكتب بها من الأبواب السلطانية، ما بحاضرتها خاصّة؛ وهي على ثلاثة «1» أصناف)
الصنف الأوّل (أرباب السيوف)
وليس بها منهم إلّا نائب السلطنة خاصّة. ويكتب له تقليد في قطع الثلثين
ب «الجناب العالي» مع الدعاء بمضاعفة النّعمة.
وهذه نسخة تقليد بنيابة حماة:
الحمد لله ذي التّدبير اللّطيف، والعون المطيف، والحياطة الّتي تستوعب كلّ تصريف وكلّ تكليف.
نحمده بمحامد جميلة التّفويف، حسنة التّأليف، مكمّلة التّكييف، بريّة من التّطفيف، حرية بكل شكر منيف، وذكر شريف، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة خلص تحريرها عن كلّ تحريف، وتنزّه مقالها عن تسويد تفنيد أو تسويف، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله صاحب الدّين الحنيف، والمبعوث بالرّحمة والتّخفيف، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة متناوبة تناوب الصّرير والصّريف «1» ، والشّتاء والمصيف، وسلّم تسليما كثيرا.
وبعد، فإنّ من شيم الدّولة وسجاياها، وأحكامها وقضاياها، تقديم الأهمّ فالأهمّ، وتحتيم الاتمّ من الرّأي وتحكيم التّدبير الأعمّ، وفعل كلّ ما يحوط الممالك ويحفظها، ويذكي العيون لملاحظتها ويوقظها: لما أوجبه الله من حقوقها، وحظره من عقوقها؛ ولا يكون ذلك إلا باختيار الأولياء لضبطها، والتّعويل على الأملياء بالقيام بشرطها، والاستناد من الزّعماء إلى من يوفّي من الخرّاجة «2» والعيون وافي قسطها.
ولما كانت المملكة الحمويّة جديرة بالالتفات، حقيقة بالحياطة من جميع الجهات، مستدعية من جميل النّظر كلّ ما يحرس ربعها، ويديم نفعها، ويحفّل ضرعها، ويلمّ شعثها ويشعب صدعها، ويسرّ سمعها، ويفعم شرعها، ويعظّم شرعها، ويكتنفها اكتناف السّور والسّوار، والهالة للبدر والأكمام للثّمار؛ وكان فلان هو المتقشّع سحاب هذا الوصف عن بدره المنير، والمتقلّع ضباب هذا التّفويض عن نور شمسه المنعشة قوى كلّ نبت نضير، والّذي بأهليته لرتبة هذا
التفويض ما خاب المستخير، ولا ندم المستشير، والّذي يفرده استحقاقه بهذه الرتبة فلا يقول أحد من كبير ولا صغير امتثالا للمراسيم الشّريفة في حقّه:«منّا أمير ومنكم أمير» - اقتضى جميل الرأي المنيف، أن خرج الأمر الشريف- لا برح يحسن التّعويل، ويهدي إلى سواء السبيل، ويمضي مضاء القضاء المنزّل والسيف الصّقيل- أن تفوّض إليه نيابة السلطنة المعظمة في مملكة كذا وكذا.
فليقدّم خيرة الله قائلا وفاعلا، ومقيما وراحلا، وموجّها ومواجها ومسجّلا وساجلا، وعالما وعاملا، ومعتمدا على الله في أمره كلّه. وليكن من هذه المعرفة قريبا، وعلى كلّ شيء حتّى على نفسه رقيبا؛ وإذا اتّقى الله كفاه الله الناس، وإن اتقى الناس لم يغنوا عنه من الله شيئا فليقس على هذا القياس، ويقتبس هذا الاقتباس.
وأما الوصايا فالعساكر المنصورة هم مخلب الظّفر وظفره، وبهم يكشف من كل عدوّ سرّه، ويخلّى وطنه ووكره، ويضرب زيده وعمره، ويبدّد جمعه، ويساء صنعه، ويعمى بصره ويصمّ سمعه، وهم أسوار تجاه الأسوار، وأمواج تندفع وتندفق أعظم من اندفاق البحار، وما منهم إلا من هو عندنا لمن المصطفين الأخيار؛ فأحسن استجلاب خواطرهم، واستخلاب بواطنهم وسرائرهم، واستحلاب الشائع «1» من طاعاتهم في مواردهم ومصادرهم؛ وكن عليهم شفوقا، وبهم في غير الطاعة والاستعباد رفوقا، وأوجب لهم بالجهاد والاجتهاد حقوقا، واصرف لهم حملا لأعباء المهمّات والملمّات مطيقا، واستشر منهم ذوي الرأي المصيب، ومن أحسن التّجريب، ومن تتحقّق منه النّصح من الكهول والشيب، ممن كلل بغيرة منه ما شبّ فإنّ المرء كثير بأخيه، وإذا اجتمعت غصون في يد أيّد عست «2» على قصفه وقصف كلّ واحدة فواحدة لا يعييه.
والجهاد «1» فهو ملاك كلّ استحواء واستحواذ، وبه تتميز أفعال الكفّار بالنّفاد وأفعال الدّين الحنيف بالنّفاذ؛ وما جعل الله للمدافعين عن دين الله سواه، ولا مزجي صوب صواب إلا إيّاه؛ وعلى ذلك جعل الله أرزاقهم، وهيّأ لهم به إرفاقهم؛ فليكرمهم بأخذ الأهبة، في الاعتلاء والانصباب في كلّ هضبة، والاستعداد برباط الخيل وكلّ قوّة.
ومن الوصايا الّتي ينبغي أنها ترسم في جبهات الفكر [دون توان]«2» أو ركون أن لا يستحقر عدوّا، ولا يستهزيء بقلّته لا رواحا ولا غدوّا، وليكن للاستظهار مستوعبا، ولإعمال المكايد مستوثبا، وللكشف بعد الكشف مستصحبا؛ وغير ذلك من الأمور، التي بها صلاح الجمهور.
والشّرع الشريف وتنفيذ أحكامه، وتقوية أيدي حكّامه؛ فهو ميزان الإسلام والسّلامة، وقوام الصّلاح والاستقامة، وأخوه المرتضع من ثدي الحقّ، العدل الذي كم شاق وكثيرا ما على أهل الباطل شقّ، وعمّ القريب والبعيد، والسائق والشهيد، والمريب والمريد، وكلّ ذي ضعف مبيد، وكلّ ذي بأس شديد، وكلّ مستشير ومستزيد، فإنّ ذلك إذا شمل حاط، وتم به الارتياد والارتباط، وهدى إلى أقوم صراط.
والحدود فهي حياة النفوس، وبها تزال البؤوس، فأقمها ما لم تدرأ بالشّبهات الشرعية، والأمور المرعيّة.
والأموال فهي مجلبة الرّجال، ومخلبة الآمال، وبها يشدّ الأزر، ويقوى الاستظهار [و]«3» الظّهر، فيشدّ من الذين أمرها بهم معدوق، ويقويّ أيديهم بكلّ طريق في كلّ طروق، بحيث لا يؤخذ إلا الحق ولا يترك شيء من الحقوق.